أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 9 - صـ 563

جلسة 12 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمود عياد، وعثمان رمزي، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي المستشارين.

(70)
طعن رقم 42 سنة 26 ق "أحوال شخصية"

وقف. وقف خيري. صحة الوقف الخيري إذا كان على جهة بر يستوي فيها الفريقان الغني والفقير. مثال.
يعد الوقف خيرياً إذا كان على جهة بر يستوي فيها الفريقان الغني والفقير. فإذا كان الواقف قد وقف داراً لضيافة الواردين والمترددين عليها واستظهرت محكمة الموضوع عبارات إشهاد الوقف وفسرت هذه العبارات تفسيراً تحتمله وتقصت قصد الواقف تقصياً سليماً بأنه أنشأ وقفه ابتداء على جهة بر يصح الوقف عليها قربة إلى الله تعالى لحاجة الضيوف الواردين والمترددين على دار الضيافة ومنهم الغني ومنهم الفقير إلى المأوى والطعام والشراب في قرية لا تتوافر فيها هذه الحاجة ثم انتهت المحكمة إلى تقرير خيرية الوقف - فإنه لا محل للنعي على حكمها بمخالفة القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 111 سنة 1954 أمام محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية ضد المطعون عليها متضمنة - أن المرحوم خليفة محمود وقف الأطيان والعقارات المبينة بالإشهاد الصادر منه في 10 من أغسطس سنة 1896 أمام محكمة البحيرة الشرعية على من عينهم بكتاب وقفه. ومن الأعيان الموقوفة نصف السلاملك الكائن بناحية الرحمانية مركز شبراخيت بحيرة إذ جعله وقفاً على نفسه مدة حياته ثم من بعده يكون وقفاً على الضيوف الواردين والمترددين عليه وذكور ذريته الذين لا يتخلل في نسبتهم إلى الواقف أنثى لانتفاع من يستحق الانتفاع به من الذرية المذكورين على حسب العادة ... إلى آخر ما ذكر بشرط الإنشاء ثم خصص الواقف على نصف السلاملك هذا 3 قراريط من أصل 24 قيراطاً تقسم إليها الأطيان الموقوفة البالغة مساحتها 398 فداناً و3 قراريط و16 سهماً بناحية الرحمانية ومحلة داود مركز شبراخيت تصرف غلة هذه الحصة على عمارته ولوازمه من فرش وأوان وأدوات تلزمه لمأكل ومشرب الضيوف الواردين والمترددين عليه ومرتبات الخدم الذين يقومون بالخدمة فيه وإطعام وشراب الموقوف عليهم هذا السلاملك حسبما تجري به العادة من غير إسراف ولا تقتير - وقد توفي الواقف والوقف على حاله وانحصر استحقاق نصف السلاملك المذكور وما هو موقوف عليه في ذرية الواقف وهم المدعون (الطاعنون) بالسوية بينهم طبق شرط الواقف ولا يوجد من ذرية الواقف لغاية 14/ 9/ 1952 تاريخ العمل بالقانون رقم 180 لسنة 1952 الخاص بإنهاء الوقف وصيرورته ملكاً للمستحقين سواهم وذلك بعد خصم المرتبات الخيرية المشروط صرفها في كتاب الوقف وقدرها 4680 جنيهاً سنوياً. وقد آل النظر أخيراً على هذا الوقف للطاعن الأول بقرار من محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية في 4/ 5/ 1938 ثم صار حارساً عليها بعد إنهاء الوقف بحكم القانون 342 سنة 1952 - وأن وزارة الأوقاف تعرضت لهم في استحقاقهم لهذا الوقف بحجة أنه وقف خيري آل إليها النظر عليه بقوة القانون - وانتهى الطاعنون إلى طلب الحكم لهم على وزارة الأوقاف باستحقاقهم لنصف السلاملك وما وقف عليه من الأطيان بالسوية بينهم بعد خصم المبلغ المرتب للخيرات ومنع تعرض الوزارة لهم في ذلك. وقد دفعت وزارة الأوقاف دعوى الطاعنين بأن الوقف موضوع النزاع وقف خيري لا أهلي وأنها أصبحت ناظرة عليه بمقتضى القانون رقم 247 لسنة 1952 وطلبت رفض الدعوى، وبجلسة 31 من أكتوبر سنة 1955 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى حضورياً تأسيساً على أن الوقف موضوع النزاع هو وقف خيري وليس وقفاً أهلياً. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 74 سنة 73 ق تصرفات طالبين قبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء لهم بطلباتهم التي أبدوها أمام محكمة أول درجة. وبجلسة 24 من يونيه سنة 1956 قضت محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف المذكور حضورياً بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصروفات وبمبلغ 500 قرش أتعاباً للمحاماة وقد طعن الطاعنون على هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 19 من فبراير سنة 1958 إحالته إلى دائرة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية. وتحدد لنظر الطعن أخيراً أمام هذه الدائرة جلسة 29 من مايو سنة 1958 حيث تمت المرافعة وأصر الطاعنون على طلب نقض الحكم المطعون فيه. وصممت المطعون عليها والنيابة العامة على طلب رفض الطعن.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أسباب ثلاثة: ويتحصل السبب الأول في أن الحكم المطعون فيه إذ جعل معيار التفرقة بين الوقف الخيري والوقف الأهلي ما ذكره من أن الوقف يكون خيرياً إذا كان على جهة يستوي فيها الغني والفقير ويكون أهلياً إذا كان على جهة لا يصح الوقف عليها وحدها قد أخطأ في تطبيق القانون. ذلك أن المعيار الصحيح لتلك التفرقة هو مصرف الوقف وحده فإن كان المصرف مما يتقرب به إلى الله كان خيرياً وإلا كان أهلياً والعبرة هي بالبحث والتقصي وراء قصد الواقف فإن كان قد قصد من وقفة اعتبار خيرياً - أما إذا لم تكن تلك الصفات ملحوظة عند الإنشاء بل كان الملحوظ اعتباراً آخر فإن الوقف يخرج عن نطاق الوقف الخيري - وفي خصوص الوقف موضوع النزاع لم تكن صفة الفقر والحاجة في الضيف هي الدافعة الحافزة للإنشاء والوقف عليه بل كانت صفته كصديق لأسرة الواقف أو ذريته من الذكور الذين لا يتخلل في نسبتهم إليه أنثى هي التي أهلته للنزول ضيفاً للسلاملك مما يخرج هذا الوقف عن قصد التقرب به إلى الله تعالى، فالواقف قد قصد في الحقيقة من هذا الوقف أن يحمل عبئاً مالياً من أعباء وتكاليف ذريته الذكور بالوصف السابق ناظراً لهذا الفرع من ذريته الذين سيحملون اسمه نظرة خاصة ليبقوا ذوي جاه وعزة وكرامة. وأضاف الطاعنون في ختام هذا السبب أن الحكم المطعون فيه نسب لهم قولاً لم يقصدوه إذ ذكر أنهم قالوا إن المقصود من الضيوف هم الأغنياء فقط ورتب على ذلك أن مثل هذا الوقف يعتبر باطلاً، في حين أنهم لم يقصدوا من عبارتهم التي أوردوها في هذا المقام سوى القول بأن الفقر والغنى لم يكن ملحوظاً في ضيوفهم فمنهم الغني والفقير وأنه لم يكن ملحوظاً في إضافة الفقراء منهم إعانتهم على الفقر أو سد حاجتهم.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه وهو في سبيل الفصل في الخلاف القائم بين طرفي الخصومة حول صفة الوقف موضوع النزاع وما إذا كان يعتبر وقفاً خيرياً أو أهلياً بدأ بتعريف كل من الوقفين الخيري والأهلي حسب تعريف الفقهاء لهما وقرر أن: "الوقف يعتبر خيرياً إذا كان الفقراء والمساكين أو الجهة يستوي فيها الفريقان الغني والفقير". ثم أورد الحكم العبارات التي وردت بشأن الوقف محل النزاع والتي جري نصها بأن: "نصف السلاملك الكائن بناحية الرحمانية يكون وفقاً على الضيوف الواردين والمتردين عليه وذكور ذويته الذين لا تتخلل في نسبتهم إلى الواقف أنثي لانتفاع من يستحق الانتفاع به من الورثة المذكورين حسب العادة..." وفي مقام بحث صفة الوقف محل النزاع وتعرف قصد الواقف قرر الحكم "أن كلمة الضيوف الواردين والمترددين كلمة عامة تشمل كل ضيف يرد على هذا المكان سواء أكان غنياً أم فقيراً ... وهو من الأوقاف التي تصح شرعاً من غير أن يجعل الواقف وقف بعد ذلك على جهة بر أخري لأن هذا مما يستوي فيه الفريقان الغني والفقير لاحتياج كل منهم في مثل هذه القرية إلى مكان يؤويه وطعام وشراب يرد به جوعه وظمأه لأن هذه القرى ليس فيها أماكن معدة للمبيت بأجر ولا لتناول الطعام والشراب كذلك فكان احتياج الغني والفقير لمثل ذلك من الأشياء المعروفة لدي الواقفين... وما ذكره الواقف في إشهاده من تخصيص مبلغ 4680 ج لخيرات معينة لا يمنع من أن يجعل قبل أو بعد ذلك من إشهاده سهاماً معينة لخيرات أخرى زيادة في التقرب إلى الله تعالى..." ويبين من ذلك أن محكمة الموضوع لم تخرج في تعريفها للوقف الخيري عن معناه وأنها انتهت إلى أنه يصح شرعاً إذا كان على جهة بر يستوي فيها الفريقان الغني والفقير. ولما كانت قد استظهرت عبارات إشهاد الوقف التي لم ينازع الطاعنون في صحة ما أثبته الحكم بشأنها وفسرت هذه العبارات تفسيراً تحتمله وتقصت قصد الواقف تقصياً سليماً بأنه أنشأ وقفه محل النزاع ابتداء على جهة بر يصح الوقف عليها قربة إلى الله تعالى لحاجة الضيوف الواردين والمترددين على دار الضيافة ومنهم الغني ومنهم الفقير إلى المأوى والطعام والشراب في قرية لا تتوافر فيها هذه الحاجة، لما كان ذلك فإن النعي على حكمها بمخالفة القانون يكون نعياً غير سديد يتعين معه رفض هذا السبب. ولا محل بعد ذلك لما أثاره الطاعنون في ختام هذا السبب من أن الحكم المطعون فيه لم يتفهم قصدهم إذ نسب إليهم قولهم إن المقصود من الضيوف هم الأغنياء فقط لأنه فضلاً عن عدم جدوى هذه المجادلة بعد أن خلص الحكم إلى تقرير خيرية الوقف محل النزاع بالأسباب السائغة التي أوردها والتي سبقت الإشارة إليها فإنه يبين من الصورة الرسمية للمذكرة المقدمة من الطاعنين لمحكمة الاستئناف لجلسة 24/ 6/ 1956 والمقدمة بحافظة مستندات المطعون عليها - يبين أنه ورد بهذه المذكرة ما يأتي: "أن الضيوف الذين عناهم الواقف هم الأشخاص الذين على شاكلته وفي مستوى مركزه من الكبراء والوجهاء والأعيان الذين كان يستضيفهم حال حياته وهم على كل حال ليسوا من الفقراء والمساكين أو أبناء السبيل" مما ينتفي معه القول بأن الحكم المطعون فيه أول عباراتهم تأويلاً لم يقصدوه.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه استند في قضائه إلى واقعتين غير صحيحتين تخالفان ما ورد بكتاب الوقف وهاتان الوقعتان هما: أولاً - أن الحكم المطعون فيه قال إن الموقوف على الذرية هو عشرون قيراطاً وليس من بينها الموقف على السلاملك واستنتج الحكم من ذلك أن الموقوف على السلاملك هو وقف خيري وليس على الذرية. وهذا يخالف الواقع لأن في كتاب الوقف وقفين أحدهما ومقداره عشرون قيراطاً بعد خصم قيراط أجر الناظر على الموقوف على زوجات وذرية الواقف ذكوراً وإناثاً والآخر ومقداره ثلاثة قراريط على ذريته الذكور الذين لا تتخلل في نسبتهم إليه أنثى لغرض معين هو الانتفاع فيما يحتاجه استقبال وإكرام الضيف وكلا الوقفين أهلي ولو فهمت الوقائع على هذا الوجه الصحيح لتغير وجه الرأي في الدعوى. ثانياً - أن الحكم المطعون فيه قال إن وقف السلاملك وما وقف عليه جهة بر لا تنقطع مما يدل على أن الوقف كان ابتداء على جهة بر وبذا يكون وقفاً خيرياً مع أنه ليس بلازم أن يذكر الواقف بعد انقراض كل مصرف هذه الأيلولة لجهة البر عند انقراض الوقف ما دام قد صدر إشهاد وقفه وختمه بعبارات تفيد الدوام والاستمرار مما يجعل الوقف مؤبداً على الدوام. كما أخطأ الحكم حينما بني قضاءه على أن وقف السلاملك يكفي فيه ذكره وحده دون أن تذكر جهة أخرى لاعتباره وقفاً أبدياً ذلك أن السلاملك في حد ذاته مما يقبل الزوال والانقطاع ولا يستقيم الحكم إلا بالتسليم بأن التأييد جاء قبل أو بعد عبارة الواقف الخاصة بإنشاء هذا الوقف - كما سبق البيان - ولو لم يقع الحكم في هذا الخطأ والذي كان من العمد التي أقام عليها قضاءه لتغير وجه الرأي في الدعوى لصالح الطاعنين - وبالرغم من إثارة الطاعنين لهذا الوجه من الدفاع أمام محكمة الموضوع إلا أنها ردت عليه رداً قاصراً.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه مردود - أولاً - بأن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى تقرير خيرية الوقف محل النزاع قد أقام قضاءه بصفة أصلية على أسباب سائغة تكفي لحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها بحسب ما سبق بيانه عند مناقشة السبب السابق - ومردود ثانياً - بأن الحكم المطعون فيه إذا كان قد أضاف بعد ذلك على سبيل التزيد تأكيداً لخيرية الوقف موضوع النزاع أسباباً أخرى بعد قوله: "وحيث إنه فضلاً عما تقدم..." وقرر أن الموقوف على الذرية هو عشرون قيراطاً فقد استمد هذا التقرير من عبارات الوقف التي وردت بإشهاد وقفه وقد جرى نص هذه العبارة كالآتي: "فإذا انقرضت ذرية الواقف جميعاً ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض وخلت بقاع الأرض منهم أجمعين وكانت جميع حصص ذرية الواقف وزوجته أو زوجاته البالغ قدر الجميع عشرين قيراطاً مصروفة إلى ذرية أخ الواقف ..." فإذا كان الحكم قد استخلص من هذه العبارات أن الموقوف على ذرية الواقف هو عشرون قيراطاً فقد كان استخلاصه سليماً تؤدي إليه ألفاظ ومعاني هذه العبارة. ومردود ثالثاً - بأن الحكم المطعون فيه لم يستند في هذه الأسباب الناقلة تأكيداً لخيرية الوقف إلى مجرد ما ذكره الواقف في العبارة السابقة بل أضاف أيضاً أسباباً أخرى تحرى فيها قصد الواقف فقرر أنه لو قصد جعل نصف السلاملك وما وقف عليه وقفاً أهلياً على ذريته الذين لا تتخلل في نسبتهم إليه أنثى لنص في إشهاد الوقف على أنه عند انقراضهم يؤول نصف السلاملك والأطيان الموقوفة عليه إلى ذرية أخويه ثم لجهة بر كما فعل بالنسبة للعشرين قيراطاً موضوع الوقف الأهلي ولما أطلق للناظر اليد في الصرف على الضيوف الواردين والمترددين على السلاملك دون مناقشته الحاسب في حين أنه بالنسبة للموقوف على الذرية استلزم أن ينشئ الناظر دفاتر منظمة وأن يقدم الحساب للمستحقين في كل سنة. وهو مردود أخيراً - بأن لا محل لما أثاره الطاعنون من أن السلاملك مما يقبل الزوال والانقطاع لأن الوقف ليس على هذا المكان ذاته بهذا الوصف وإنما باعتباره مكاناً معداً لاستقبال الضيوف الواردين والمترددين الذين قصد الواقف توفير حاجتهم من طعام وشراب وإيواء أثناء حلولهم به كما قرر الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع - وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إنهم ذكروا في مذكراتهم المقدمة لمحكمة أول درجة بتاريخ 31/ 1/ 1951 أنه يستفاد من نصوص الوقف وشروطه أن السلاملك وما وقف عليه قاصر على انتفاع أولاد الواقف الذكور الذين لا تتخلل في نسبتهم إليه أنثى ولم يجعل لأية جهة خيرية في ذلك أدنى نصيب إذ وصف الواقف هذه الذرية بأنها المستحقة لهذا الوقف ولكن المحكمة لم ترد على هذا الدفاع الجوهري القاطع في أن الوقف وقف أهلي على هذا النوع من الذرية.
ومن حيث إن هذا السبب مردود أولاً - بأنه عود للمجادلة في صفة الوقف موضوع النزاع الأمر الذي سبقت مناقشته عند الرد على السببين السابقين - ومردود أيضاً - بأن الحكم المطعون فيه وهو في مقام التدليل على خيرية الوقف موضوع النزاع أورد بأسبابه ما يأتي: "والواقف هنا وإن لم يقتصر على كلمة الضيوف الواردين والمترددين - بل أردفها بقوله وذكور ذريته الذين لا يتخلل في نسبتهم إليه أنثى لانتفاع من يستحق الانتفاع به من الذرية المذكورين إلا أنه لا يقال أن الواقف لم يجعله خاصاً بالضيوف بل أشرك معهم ذكور ذريته - لا يقال ذلك - لأنه قال بخصوص انتفاع الذرية بالسلاملك إنما يكون حسب العادة - أي كما يقول المستأنفون في مذكرتهم المؤرخة 28/ 6/ 1954 أمام محكمة أول درجة يقضون فيه أوقات فراغهم ويستقبلون الضيوف الذين يردون إليه ويترددون عليه، وإذا فليس للذرية الذكور حق استحقاق فيه بالمعنى المفهوم من كلمة الاستحقاق في الوقف الأهلي - وإلا لما علق الواقف هذا الاستحقاق برضا الناظر وأغلب المستحقين إذ لم تجر العادة بذلك مطلقاً - وأيضاً - فإن الواقف قد جعل الصرف على الضيوف الواردين والمترددين على السلاملك بمعرفة الناظر كما يراه حسبما تجري به العادة ولا اعتراض عليه مطلقاً من أحد المستحقين أو غيرهم حتى بمجرد طلب الحساب ولا تسمع منهم شكوى في هذا الصدد مع أن الواقف بالنسبة للموقوف على الأولاد والذرية أوجب أن ينشئ الناظر حساباً للوقف من دفاتر منتظمة ويقدم الحساب للمستحقين في نهاية كل سنة - وهذا دليل واضح على أن ما خصص للصرف على نصف السلاملك وهو ريع الثلاثة قراريط هو للصرف في عمارة ومصالح ومهمات السلاملك المذكور من فرش وأوان وأدوات ومأكل ومشرب الضيوف الواردين والمترددين عليه ومن يكون ناظراً عليه وماهيات الخدم وليس الشأن فيه كالشأن في القسم الخاص بالأولاد والذرية - ومما تقدم يبين من محل النزاع وقف خيري كما يقول المستأنف ضده لا وقف أهلي كما يقول المستأنفون". وفي هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه الرد الكافي على ما أثاره الطاعنون في هذا السبب.
ومن حيث إنه من جميع ما تقدم يبين أن الطعن لا يستند إلى أساس سليم ويتعين رفضة.