أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثاني – السنة 20 – صـ 449

جلسة 7 من أبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سعد سامح، ومحمود عطيفة.

(95)
الطعن رقم 2202 لسنة 38 القضائية

(أ) حكم. "بياناته. بيانات التسبيب". بطلان. دعوى مدنية.
بيان صفات الخصوم في الدعوى المدنية في الحكم. غير لازم إلا في حالة الحكم في الدعوى لصالح رافعيها.
(ب) إجراءات المحاكمة. إثبات. "شهود".
للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات. شرطه: قبول المتهم أو المدافع عنه أو المدعى بالحقوق المدنية ذلك صراحة أو ضمناً.
(ج، د) إجراءات المحاكمة. "شفوية المرافعة". محكمة استئنافية. "الإجراءات أمامها".
(ج) تحقيق محكمة أول درجة شفوية المرافعة. سكوت الطاعن عن طلب سماع أحد من الشهود أمام محكمة ثاني درجة. تعويل هذه المحكمة على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم. لا خطأ.
(د) المحكمة الاستئنافية تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق. هي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه.
(هـ) إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
 القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. طبيعته: تحضيري. للمحكمة العدول عنه.
(و، ز، ح، ط) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تجزئة الدليل". قتل خطأ. خطأ.
(و) حق محكمة الموضوع في تجزئة الدليل والأخذ منه بما تطمئن إليه والالتفات عما عداه دون أن يعد هذا تناقضاً يعيب حكمها. مثال في قتل خطأ.
(ز) للمحكمة القضاء بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. شرط ذلك؟
(ح) التفات الحكم الصادر بالبراءة عن الرد على أحد أدلة الاتهام. لا يعيبه، ما دام قد اشتمل على ما يفيد أن المحكمة فطنت إليه.
(ط) التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
1 – النعي على الحكم بالبطلان لإغفاله الإشارة إلى إجراءات تصحيح شكل الدعوى وبيان صفات الخصوم في الدعوى المدنية مردود بأن هذا البيان لا يكون لازماً إلا في حالة الحكم في الدعوى المدنية لصالح رافعيها والقضاء لهم بالتعويض الذي تقدره المحكمة حتى يتسنى الوقوف على مسوغات هذا القضاء، وأما في حالة الحكم برفض الدعوى المدنية فإن هذا البيان لا يكون لازماً في الحكم لعدم قيام الموجب لإثباته في مدوناته.
2 – للمحكمة في ظل التعديل المدخل على المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، ويستوي في ذلك أن يكون هذا القبول من جانب المتهم أو المدعى بالحقوق المدنية إذ لا يعقل أن يكون لهذا الأخير من الحقوق أكثر مما للمتهم.
3 – متى كان الثابت من الإطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن محكمة أول درجة قد حققت شفوية المرافعة بسماع شهود الإثبات، وكانت الطاعنتان لم تطلبا من محكمة ثاني درجة سماع أحد من الشهود، فإنها لا تكون مخطئة إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة.
4 – القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. فليس بذي شأن أن تكون هي التي قررت من تلقاء نفسها التأجيل لإعلان شهود الإثبات ثم عدلت عن قرارها.
5 – المحكمة الاستئنافية تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوما لإجرائه. وإذ لم تدع الطاعنتان في طعنهما أنهما تمسكتا بسماع شهود معينين في الدعوى، فإن ما تعيباه على الحكم من البطلان من هذه الناحية لا يكون له وجه.
6 – من حق محكمة الموضوع أن تجزئ الدليل وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتلتفت عما عداه دون أن يعد ذلك تناقضاً يعيب حكمها. ولما كانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد أخذت بما اطمأنت إليه من أقوال الشاهد عن وقوف القطار في المحطة المدة الكافية للصعود والهبوط واستندت إلى هذا القول في نفي الخطأ عن المتهم على أساس ما استخلصته من أن المجني عليه قد راودته فكرة النزول من المترو في آخر لحظة وقت تحركه للمسير فوقع الحادث نتيجة غلق الباب عليه آنذاك وأطرحت قول الشاهد عن إطلاق المتهم صفارته أثناء نزول المجني عليه من القطار كما أطرحت تصوير الطاعنتين في أن الحادث وقع أثناء صعود المجني عليه للقطار – وذلك أخذاً منها بقول الشاهد في التحقيق الابتدائي – وانتهت إلى نفي ركن الخطأ عن المتهم في جميع الفروض التي عرضت لها بما لا تناقض فيه، فإن ما تنعاه الطاعنتان من قالة القصور والتناقض في التسبيب لا يكون له محل.
7 – يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة، إذ أن مرجع ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
8 – لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على أحد أدلة الاتهام ما دام قد اشتمل على ما يفيد أن المحكمة فطنت إليه. وفي إغفال الرد على ذلك الدليل ما يفيد ضمناً أنها أطرحته ولم تر فيه ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم.
9 – التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده الأول بأنه في يوم 23 يناير سنة 1964 بدائرة قسم مصر الجديدة: تسبب خطأ في موت كامل وديع فانوس وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه ومخالفة اللوائح بأن أطلق صفارة البدء بالمسير قبل أن يتأكد من تمام مغادرة المجني عليه للقطار فسقط على الأرض وحدثت به الإصابات الموضحة بالمحضر والتي أودت بحياته. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات. وادعى والد المجني عليه مدنياً قبل المتهم وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ 51 ج تعويضاً مؤقتاً. وبعد وفاته حل محله في مرحلة المحاكمة الاستئنافية كل من زوجته السيدة/ أمال يس غبريال عن نفسها وبصفتها وصية على ابنه القاصر يسري، وابنته نادية وديع فانوس في المطالبة بالتعويض. ومحكمة مصر الجديدة الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 27 يناير سنة 1966 عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وفي الدعوى المدنية بإلزام المتهم وشركة مصر الجديدة أن يدفعا متضامنين إلى المدعين بالحق المدني مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية. فاستأنف المتهم هذا الحكم، كما استأنفته المسئولة عن الحقوق المدنية ومحكمة القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بتاريخ 26/ 11/ 1967 بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع (أولاً) بالنسبة إلى الدعوى العمومية بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم من التهمة المسندة إليه بلا مصروفات جنائية (ثانياًًً) وفي الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى وألزمت المدعين بالحق المدني مصروفاتها عن الدرجتين. فطعن وكيل المدعين بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى المدنية قد شابه بطلان من ناحيتين أولاهما أن المحكمة الاستئنافية عدلت دون مبرر عن تنفيذ قرارها الخاص بإعادة الدعوى للمرافعة وتكليف النيابة بإعلان شهود الإثبات، وثانيهما أن المحكمة لم تشر في أسباب حكمها المطعون فيه إلى وفاة مورث الطاعنتين المدعيتين بالحقوق المدنية وإلى واقعة تصحيح شكل الدعوى المدنية المترتب على ذلك وتعيين أسماء وصفات الخصوم فيها وعلاقتهم بالمجني عليه مما يعيب الحكم بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إنه لما كانت إجراءات المحاكمة قد جرت بدرجتيها في ظل التعديل المدخل على المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعمول به من 29/ 5/ 1957 بما يخول للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه ويستوي في ذلك أن يكون هذا القبول من جانب المتهم أو المدعي بالحقوق المدنية إذ لا يعقل أن يكون لهذا الأخير من الحقوق أكثر مما للمتهم، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن محكمة أول درجة قد حققت شفوية المرافعة بسماع شهود الإثبات، وكانت الطاعنتان لم تطلبا من محكمة ثاني درجة سماع أحد من الشهود، فإنها لا تكون مخطئة إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة، وليس بذي شأن أن تكون هي التي قررت من تلقاء نفسها التأجيل لإعلان شهود الإثبات ثم عدلت عن قرارها، ذلك لأن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. ثم إن محكمة ثاني درجة إنما تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه وإذ لم تدع الطاعنتان في طعنهما أنهما تمسكتا بسماع شهود معينين في الدعوى فإن ما تعيباه على الحكم من البطلان من هذه الناحية لا يكون له وجه، وأما نعيهما على الحكم بالبطلان من ناحية إغفاله الإشارة إلى إجراءات تصحيح شكل الدعوى وبيان صفات الخصوم في الدعوى المدنية فمردود بأن هذا البيان لا يكون لازماً إلا في حالة الحكم في الدعوى المدنية لصالح رافعيها والقضاء لهم بالتعويض الذي تقدره المحكمة حتى يتسنى الوقوف على مسوغات هذا القضاء، وأما في حالة الحكم برفض الدعوى المدنية – كما هي واقع الحال في الدعوى - فإن هذا البيان لا يكون لازماً في الحكم لعدم قيام الموجب لإثباته في مدوناته. وبذلك فلا يكون الحكم مشوباً بالبطلان لإغفاله إيراد ذلك البيان. ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنتان في هذا الوجه من الطعن بشقيه لا يكون له محل ويتعين رفضه.
وحيث إن مبنى باقي أوجه الطعن هو القصور والتناقض في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق ذلك بأن المحكمة بعد أن عولت على أقوال شاهد الإثبات الوحيد نبوي محمد العراقي في أن المترو وقف بالمحطة المدة الكافية للصعود والهبوط واتخذت من ذلك دليلاً لصالح المتهم "المطعون ضده" في نفي الخطأ عنه عادت بعد ذلك إلى إطراح أقواله برمتها في موضوع تبرير عدم أخذها بما قرره الشاهد من أنه رأى المجني عليه يهبط من المترو فأقفل الباب على بنطلونه ثم عادت المحكمة مرة أخرى واتخذت من أقوال الشاهد التي سبق أن نبذتها دليلاً على هدم دفاع الطاعنتين، هذا إلى أن المحكمة بعد أن سجلت في حكمها أن ركن الخطأ يتحقق قبل المتهم إذا صح قول الشاهد بأن المجني عليه كان يهبط من المترو عادت في ذات الوقت واتخذت من واقعة مغادرة المجني عليه للمترو وهبوطه منه دليلاً على نفي الخطأ قبل المتهم وهو تناقض يعيب الحكم ويوجب نقضه. كما أن الحكم إذ لم يأخذ بالتصوير الذي قالت به الطاعنتان من أن الحادث وقع أثناء محاولة المجني عليه الصعود إلى المترو تأسيساً على عدم وجود سند له من الأقوال في الدعوى، قد خالف الثابت بالأوراق، ثم إن الحكم لم يلتفت إلى ما هو ثابت بتقرير الصفة التشريحية من أن سبب وفاة المجني عليه هو صدمة عصبية من اختناق إثر قفل باب المترو على الصدر وأسفل الرقبة مما لا يمكن معه تصور هذه النتيجة التي خلص إليها التقرير الطبي الشرعي إلا في حالة وفاة المجني عليه وهو على مدخل باب المترو سواء أكان صاعداً أم هابطاً مما يتحقق معه خطأ المتهم لإطلاقه صفارة القيام قبل التحقق من تمام صعود وهبوط الركاب وقد أغفل الحكم الرد على دفاع الطاعنتين في هذا الخصوص المدون في مذكرتهما المقدمة لمحكمة ثاني درجة على الرغم من جوهرتيه بما ينبئ عن أن المحكمة لم تحط بالدعوى عن بصر وبصيرة مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد واقعة الدعوى وأدلة الاتهام المتمثلة في أقوال الشاهد نبوي محمد العراقي وتقرير الصفة التشريحية وبعد أن أشار إلى ما تضمنته مذكرة الطاعنتين من أن الحادث وقع أثناء ركوب المجني عليه وليس أثناء نزوله منه كما قال شاهد الرؤية نبوي محمد عراقي وإلى ما طلباه من استبعاد هذا القول من روايته بعد أن صادقهم المتهم نفسه على هذا التصوير الذي يسانده استبعاد نزول المجني عليه في المحطة التي وقع فيها الحادث التي اعتاد الركوب منها للذهاب إلى مدرسته في حي الظاهر – انتهى الحكم إلى تقرير البيان الذي عول عليه في قضائه ببراءة المتهم ورفض الدعوة المدنية قبله أخذاً بما ارتاحت إليه المحكمة من تلك الأدلة في قوله. "وحيث إن الثابت مما تضمنته أقوال شاهد الإثبات الوحيد في الدعوى وسائق القطار والمتهم أن القطار وقف بمحطة صلاح الدين الذي وقع فيها الحادث المدة الكافية للصعود والهبوط إليه وهو ما يستفاد منه أن المجني عليه قد راودته فكرة مغادرة القطار حتى اللحظة الأخيرة التي هبط فيها ولم تراوده هذه الفكرة بداءة ساعة وقوف القطار خصوصاً وأن المفروض أنه كان قد ركب في ذات المحطة تمهيدا للذهاب لمدرسته بالظاهر وأن فكرة العدول قد وقرت في نفسه بعد الركوب لحظة تهيئ القطار للمسير وآية ذلك أن ذلك أن والده وقد أبلغ بالحادث فور حدوثه قد أظهر دهشته لأنه لم يكن هناك من مقتضى لأن ينزل ابنه في محطة صلاح الدين التي وقع فيها الحادث والقاطن بها لأن المفروض أنه كان متوجهاً لمدرسته في الظاهر. وحيث إن من ناحية أخرى فإن المحكمة لا تطمئن إلى قول شاهد الإثبات الوحيد في الدعوى نبوي محمد العراقي من أنه شاهد المجني عليه يهبط من المترو وأثناء نزوله صفر المحصل وأقفل الباب على بنطلونه وهو ما قد يتحقق معه عنصر الخطأ الوحيد قبل المتهم إذا صدقت شهادة هذا الشاهد في هذا الخصوص – وحقيقة الأمر أن المحكمة لا تطمئن إلى قول الشاهد في هذا الخصوص تأسيساً على ما يلي (أولاً) من ذات أقوال الشاهد من أن الأخير (أي الشاهد) كان يقف بمحطة المترو ومتأهبا لركوب القطار للقاهرة وكان ذات القطار يسير في نفس الاتجاه ووقف بالمحطة المدة الكافية ويقرر الشاهد أنه كان بمحطة القطار ساعة الحادث ولاحظ القطار واقفاً مدة كافية فكان يتعين عليه أن يكون من بين ركابه ولم يبين سبب وقوفه بالمحطة وعدم الركوب. (ثانياً) كون المجني عليه قد ركب القطار من ذات المحطة متأهباً للتوجه لمدرسته بالظاهر يعني أنه قد راودته فكرة مغادرته بعد ركوبه فجأة وقد يكون ذلك ساعة تحرك القطار وبعدها وهو ما يستفاد منه نفي الخطأ قبل المتهم. وخلص الحكم من ذلك إلى القضاء ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قبله بأن قال ما نصه: "وحيث إنه لذلك وعلى ما سلف بيانه فإن المحكمة لا تستبين نسبة الخطأ إلى المتهم ويضحى الاتهام قبله محل شك ويتعين لذلك عملاً بنص المادة 304 أ ج الحكم بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم من التهمة المسندة إليه. وحيث إنه في خصوص الدعوى المدنية فإنه طالما انتهت المحكمة بقضائها ببراءة المتهم، ومن ثم فإن الحكم الصادر في موضوع الدعوى المدنية بقبولها يضحى في غير محله ويتعين لذلك إلغاؤه ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعيها المصروفات عن الدرجتين عملاً بنص المادة 320 "أ ج". ولما كان التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان لمحكمة الموضوع أن تجزئ الدليل وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتلتفت عما عداه دون أن يعد ذلك تناقضاً يعيب حكمها، وكانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد أخذت بما اطمأنت إليه من أقوال الشاهد عن وقوف القطار في المحطة المدة الكافية للصعود والهبوط واستندت إلى هذا القول في نفي الخطأ عن المتهم على أساس ما استخلصته من أن المجني عليه قد راودته فكرة النزول من المترو في آخر لحظة وقت تحركه للمسير فوقع الحادث نتيجة غلق الباب عليه آنذاك وأطرحت قول الشاهد عن إطلاق المتهم صفارته أثناء نزول المجني عليه من القطار، كما أطرحت تصوير الطاعنين في أن الحادث وقع أثناء صعود المجني عليه للقطار – وذلك أخذاً منها بقول الشاهد في التحقيق الابتدائي – وانتهت إلى نفي ركن الخطأ عن المتهم في جميع الفروض التي عرضت لها بما لا تناقض فيه، فإن ما تنعاه الطاعنتان من قالة القصور والتناقض في التسبيب لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة إذ أن مرجع ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة - كما هي واقع الحال في الدعوى المطروحة - ، وإذ ما كان الحكم قد أورد واقعة الدعوى وأدلة الاتهام جميعها بما في ذلك الدليل المستمد من تقرير الصفة التشريحية، ثم أفصح من بعد عن عدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت للأسباب السائغة التي أوردها بما يكفي لحمل النتيجة التي خلص إليها، وكان لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على أحد أدلة الاتهام ما دام قد اشتمل على ما يفيد أن المحكمة قد فطنت إليه. ومن ثم فإن في إغفال الرد على ذلك الدليل ما يفيد ضمناً أنها أطرحته ولم تر فيه ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم "المطعون ضده". لما كان ما تقدم، فإن ما تثيره الطاعنتان في هذه الأوجه من طعنهما في غير محله وينحل إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام الطاعنة الأولى عن نفسها وبصفتها والطاعنة الثانية عن نفسها المصاريف المدنية