أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة السادسة - صـ 600

جلسة 7 من مارس سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود إسماعيل، ومصطفى كامل، وإسحاق عبد السيد المستشارين.

(196)
القضية رقم 2487 سنة 24 القضائية

أمر حفظ. حفظ النيابة لبلاغ معين. قد يكون ضمنياً. مثال.
إن حفظ النيابة للبلاغ قد يستفاد ضمناً من تصرفها في الدعوى دون حاجة إلى إصدار قرار خاص به، ما دام الحفظ ينتج حتماً وبطريق اللزوم العقلي من هذا التصرف كالتقرير برفع دعوى البلاغ الكاذب بعد التحقيق فإنه يتضمن حتماً حفظ الدعوى ضد المبلغ في حقه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاًـ قذف في حق موظف عمومي وهو البكباشى كامل سالم مأمور قسم السويس بسبب أداء وظيفته وكان ذلك مع سوء القصد. وثانياًـ أخبر إحدى السلطات العامة وهى النيابة العامة بأمور كاذبة مع سوء القصد. وطلبت عقابه بالمواد 1 و11 و30 و303/ 2 و304 و305 من قانون العقوبات. وقد ادعى البكباشى كامل سالم بحق مدني قبل المتهم وطلب القضاء له بقرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً. نظرت محكمة جنح السويس الجزئية هذه الدعوى ثم قضت حضورياً عملاً بالمواد 171 و302 و303/ 2 و304 و305 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من نفس القانون بحبس المتهم شهراً واحداً مع الشغل. وإلزامه بأن يدفع إلى المدعى بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع إلزامه بالمصاريف المدنية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. نظرت محكمة السويس الابتدائية هذا الاستئناف ثم قضت فيه حضورياً بقبوله شكلاً وفى الموضوع. أولاًـ بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لتهمة القذف وبراءته منها. وثانياًـ بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للتهمة الثانية وذلك بوقف العقوبة المقضي بها ابتدائياً لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم بلا مصروفات جنائية. وذلك عملاً بالمادتين 55 و56 من قانون العقوبات. وثالثاًـ فيما يختص بالدعوى المدنية برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم مصروفاتها الاستئنافية.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر تهمة البلاغ الكاذب ثابتة في حق الطاعن لعجزه عن إقامة الدليل على ما ادعاه في حق المأمور مع أنه كان يجب على المحكمة أن تحقق الوقائع موضوع البلاغ تحقيقاً تقتنع منه بكذب أو صدق ما جاء به، ولا يصح القول بأن عجز المبلغ عن إثبات ما بلغ به يجعل بلاغه كاذباً إذ العبرة بحقيقة الواقع، كما أن المأمور اعترف فعلاً في التحقيقات ببعض الوقائع الواردة بالبلاغ.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بالنسبة لجريمة البلاغ الكاذب قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد في حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها، ولما كان الحكم الاستئنافى قد تناول التحقيق الذي أجرى بشأن البلاغ، وانتهى إلى أنه أثبت كذب الوقائع التي أبلغ عنها الطاعن، وأنه لم يظهر أن هناك سوقاً سوداء بل بالعكس تبين أن الأشخاص الذين قال عنهم الطاعن إنهم يقيمون هذه السوق بدون ترخيص وأنهم على صلة بالمجني عليه، تبين أنه مرخص لهم بالاتجار وبإشغال الطريق، وأنه لا علاقة لهم بالمأمور، وأن الأخير سعى جهده في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الباعة الجائلين. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلاً في وقائع الدعوى. وتقدير أدلة الثبوت فيها مما لا تصح إثارته أمام محكمة النقض. هذا إلى أن المحكمة غير مكلفة بإثبات كذب الوقائع التي تناولها بلاغ الطاعن وهو المكلف أصلاً بإثباتها، وقد أثبت الحكم عجزه من تقديم هذا الإثبات.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من أوجه الطعن، أن إجراءات المحاكمة شابها بطلان أثر في الحكم، إذ وجهت النيابة إلى الطاعن أثناء التحقيق تهمة البلاغ الكاذب قبل أن تفصل في بلاغه بالحفظ، ولو أنها أصدرت فيه قراراً لكان له أن يطعن فيه، وهذا الوجه مردود بأن حفظ النيابة للبلاغ قد يستفاد ضمناً من تصرفها في الدعوى دون الحاجة إلى إصدار قرار خاص به، ما دام الحفظ ينتج حتماً وبطريق اللزوم العقلي من هذا التصرف، كالتقرير برفع دعوى البلاغ الكاذب بعد التحقيق، فإنه يتضمن حتماً حفظ الدعوى ضد المبلغ في حقه.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن الحكم قد شابه القصور إذ لم تبين المحكمة قصد الطاعن من التبليغ وأنه أقدم عليه بنية الإضرار بمن بلغ في حقه وأنه لا يكفى أن يكون الطاعن قد أقدم على التبليغ وهو يعلم بكذب الوقائع المبلغ بها بل يجب توافر العنصرين معاً، وليس في قيام أحدهما ما يفيد حتماً قيام العنصر الآخر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه، والحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه، فيما قضى به عن تهمة البلاغ الكاذب، قد تحدثا عن ركن القصد الجنائي بعنصريه فذكرا أن الطاعن أقدم على تقديم بلاغه وهو عالم بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وكان منتوياً السوء والإضرار بمن بلغ في حقه، ودللا على توافر الأمرين معاً بأدلة سائغة، منها ما استظهره الحكمان من أن الطاعن طلب نقل المجني عليه، وكان يهدف من البلاغ إلى تشويه سمعته.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس، ويتعين رفضه موضوعاً.