أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 476

جلسة 7 من أبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، وحسين سعد سامح، ومحمود عطيفة، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(100)
الطعن رقم 335 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) اختلاس. جريمة. "أركانها". أشخاص اعتبارية. قصد جنائي. شركات. أموال عامة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(أ) كفاية مساهمة الدولة في مال الشركة بنصيب ما لدخولها في عداد الشركات المنصوص عليها في المادة 113 عقوبات المعدلة. مثال في ضم شركة خاصة للقطاع العام. احتفاظ الشركة بشخصيتها المعنوية بعد ضمها إلى القطاع العام. لا يمنع أن تكون أموالها من أموال الدولة التي قصد الشارع حمايتها بالمادة 113 عقوبات.
مثال لتسبيب غير معيب في شأن مساهمة الدولة في مال الشركة.
(ب) تحدث الحكم استقلالاً عن نية الاختلاس. غير لازم. شرط ذلك؟
(ج، د، هـ، و، ز) إثبات. "إثبات بوجه عام". "اعتراف". "شهادة". "محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تحقيق. "التحقيق الإداري". شهود.
(ج) حرية القاضي الجنائي في استمداد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه ما دام لهذا الدليل مأخذه من الأوراق.
(د) حق محكمة الموضوع في الأخذ باعتراف المتهم وبأقوال متهم على آخر ولو كانت واردة في محضر الشرطة أو في تحقيق إداري ولو عدل عنها المتهم في مراحل التحقيق الأخرى.
(هـ) حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. عدم لزوم أن يكون الدليل صريحاً.
(و) حق محكمة الموضوع في الأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وإطراح أقوال من لا تثق فى شهادتهم.
(ز) عدم التزام محكمة الموضوع بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئية يثيرها.
(ح) عقوبة. عزل. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض. "حالات الطعن بالنقض. الخطأ في تطبيق القانون".
معاملة المحكوم عليهم بالرأفة والحكم عليهم بالحبس. وجوب توقيت عقوبة العزل عملاً بالمادة 27 من قانون العقوبات. مثال.
1 - متى كان الطاعن لا ينازع في أسباب طعنه في أن الشركة التي كان يعمل بها واتهم بالاستيلاء على الغزل منها كانت أصلاً شركة خاصة ثم ضمت إلى القطاع العام - وهو ما أوضحه الحكم المطعون فيه - فإن في ذلك ما يكفي لبيان أن الدولة ساهمت في ما لها بنصيب ما. ومن ثم فهي تدخل في عداد الشركات المنصوص عليها في المادة 113 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962، أما ما قاله الطاعن من أن الشركة بقيت لها شخصيتها المعنوية بعد ضمها إلى القطاع العام، فإن ذلك لا يمنع أن تكون أموالها من أموال الدولة التي قصد الشارع حمايتها بالمادة سالفة الذكر.
2 - من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالا عن نية الاختلاس ما دامت الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم تفيد بذاتها أن المتهم قد قصد بفعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه.
3 - إن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق.
4 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ باعتراف المتهم وبأقوال متهم على متهم ولو كانت واردة في محضر الشرطة أو في تحقيق إداري متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ولو عدل عنها في مراحل التحقيق الأخرى.
5 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ولا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
6 - من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال بعض الشهود دون البعض الآخر بغير معقب عليها، وأن تطرح أقوال من لا تثق بشهادته من غير أن تكون ملزمة بتبرير هذا الإطراح.
7 - إن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئية يثيرها واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة بالرد على كل قول يبديه أو حجة يثيرها إذ الرد يستفاد دلالة من الحكم بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها.
8 - متى كان الثابت أن الحكم المطعون فيه عامل المحكوم عليهم بالرأفة وحكم عليهم بالحبس فقد كان من المتعين عليه أن يؤقت عقوبة العزل المقضي بها بما لا ينقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها وذلك عملاً بالمادة 27 من قانون العقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم في يوم 12 نوفمبر سنة 1964 بناحية بندر المحلة الكبرى: بصفتهم مستخدمين بشركة الدلتا للغزل والنسيج التابعة للقطاع العام استولوا بغير حق على غزل قيمته 648 ج و648 م (ستمائة وثمانية وأربعون جنيها وستمائة وثمانية وأربعون مليماً) للشركة المذكورة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بالمواد 111/ 6 و113 و118 و119 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور والعزل من الوظيفة وتغريم كل منهم خمسمائة جنيه وإلزامهم متضامنين برد مبلغ 480 ج و 480 م لشركة الدلتا للغزل والنسيج المجني عليها. فطعن المحكوم عليهم والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطعون المقدمة من النيابة العامة ومن الطاعن الأول (عثمان محمد سعيد) ومن الطاعن الثاني (غريب يوسف الخالدي) قد استوفت الشكل المقرر بالقانون.
(أولاً) أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الأول:
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن وباقي المتهمين في تهمة الاستيلاء بغير حق على الغزل المملوك لشركة الدلتا للغزل التابعة للقطاع العام قد جاء مشوباً بالخطأ في القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، ذلك بأنه يشترط لتطبيق المادة 113 من قانون العقوبات أن تكون الدولة مساهمة في مال الشركة المجني عليها بنصيب ما وهو أمر غير متحقق بالنسبة لشركة الدلتا للغزل والنسيج لأنها كانت في الأصل شركة خاصة وضمت للقطاع العام وبقيت لها شخصيتها المعنوية المستقلة ولم تساهم الدولة في مالها بنصيب ما، كما عول الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال المتهمين الآخرين في التحقيقات الإدارية ومحضر ضبط الواقعة باعتباره اعترافاً منهما على الرغم من أن مؤدى ما حصله الحكم من أقوالهما لا يتضمن إقرارا منهما ولا يعد اعترافاً. كما لم يعرض الحكم لما أثاره الطاعن من دفاع بشأن انعدام صلته بالغزل محل السرقة لا قبل تصنيعه ولا بعده. وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع في أسباب طعنه في أن الشركة التي كان يعمل بها واتهم بالاستيلاء على الغزل منها كانت أصلا شركة خاصة ثم ضمت إلى القطاع العام - وهو ما أوضحه الحكم المطعون فيه - فإن في ذلك ما يكفي لبيان أن الدولة ساهمت في ما لها بنصيب ما ومن ثم فهي تدخل في عداد الشركات المنصوص عليها في المادة 113 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 120 لسنة 1962، أما ما قاله الطاعن من أن الشركة بقيت لها شخصيتها المعنوية بعد ضمها إلى القطاع العام، فإنه فضلاً عن أنه لم يبده أمام محكمة الموضوع ومن ثم فلا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، فإن ذلك لا يمنع أن تكون أموالها من أموال الدولة التي قصد الشارع حمايتها بالمادة سالفة الذكر، ولما كان الحكم قد عول في إدانة الطاعن على أقوال المتهمين الثاني والثالث التي حصلها في قوله "وقد اعترف المتهم الثاني في محضر التحقيق الإداري الذي أجرته الشركة ومحضر الشرطة وفي مواجهة المتهم الأول (الطاعن الأول) أن المذكور هو الذي كلفه بنقل الغزل المستولى عليه بسيارته ولما طلب منه التصريح في حضور المتهم الثالث ادعى أنه مع الأخير ولذلك قام بنقل الغزل إلى مخزن أحد التجار واعترف المتهم الثالث أيضا في محضر ضبط الشرطة وكذا في التحقيق الإداري أن المتهم الأول طلب منه أن يحضر تحميل السيارة قيادة المتهم الثاني وأنه سمح للسيارة بالخروج بعد أن وعده بإحضار التصريح فان استخلاص محكمة الموضوع أن هذه الأقوال تتضمن مساهمة الطاعن الأول في ارتكاب الجريمة هو استخلاص سائغ، ذلك بأنه من المقرر أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وأن لمحكمة الموضوع أن تستنبط معتقدها من أي دليل يطرح عليها ولو تضمنته تحقيقات إداريه وأنها غير مقيدة بالأخذ بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر بل لها أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع العناصر المطروحة أمامها في الدعوى، وأن لها أن تستند في إدانة متهم إلى أقوال متهم آخر بما لها من كامل الحرية في تكوين عقيدتها من كافة العناصر القانونية المطروحة أمامها ما دام قد اطمأن وجدانها إلى هذه الأقوال. كما أن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئيه يثيرها واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة بالرد على كل قول يبديه أو حجة يثيرها، إذ الرد يستفاد دلالة من الحكم بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردها. لما كان ما تقدم فان هذه الأوجه من الطعن تكون على غير أساس ويتعين رفضها موضوعاً.
ثانياً: أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الثاني:
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد انطوى على قصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أغفل عند بيانه لواقعة الدعوى أن محمد عزت البلقيني وعبد المنعم إبراهيم صالح وعبد المنعم عبد الله العديل وأحمد عزت وهم جميعا من العاملين في الشركة قد قرروا في التحقيق أن صناديق الغزل توجد في فناء الشركة ويسحب منها للتصنيع دون قيد ولا حساب ويمكن لأي سيارة أن تحمل منها زيادة على المسموح به أو المصرح به دون أن يشعر أحد من المسئولين. كما أغفل الحكم ما ورد على لسان علي محمد شحاتة رئيس قسم تحضيرات الشركة من أن الغزل المضبوط (شلل) في حين أن الغزل موضوع الجريمة (بكر) ولم يعرض لما جاء بتقرير اللجنة المشكلة لفحص الغزل المضبوط ليس من إنتاج الشركة المجني عليها ولم يستظهر ركن الاختلاس إذ قد يكون النقص في الغزل نتيجة عجز. كما أن المحكمة قد استندت في إدانة الطاعن إلى أنها تطمئن إلى شهادة شهود الإثبات وتأخذ باعتراف المتهمين في محضر الشرطة والتحقيق الإداري، ولم تعرض إلى أن الطاعن أنكر هذه الأقوال فضلاً عن أن شهادة شهود الإثبات لم تخل من التناقض.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من شهادة الشهود الذين اطمأنت إلى شهادتهم وإلى أقوال الطاعن والمتهم الثالث في محضر الشرطة والتحقيق الإداري. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ولا يشترط في الدليل أن يكون صريحا دالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، كما أنه من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال بعض الشهود دون البعض الآخر بغير معقب عليها، وأن تطرح أقوال من لا تثق بشهادته من غير أن تكون ملزمة بتبرير هذا الإطراح، كما أن للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم وبأقوال متهم على متهم آخر ولو كانت واردة في محضر الشرطة أو في تحقيق إداري متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ولو عدل عنها في مراحل التحقيق الأخرى كما سبق القول. لما كان ذلك، وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن نية الاختلاس ما دامت الواقعة الجنائية التي أثبتها الحكم تفيد بذاتها أن المتهم قد قصد من فعلته إضافة ما اختلسه لملكه. لما كان ما تقدم، فإن أوجه الطعن السابقة تكون على غير أساس وواجبة الرفض.
ثالثاً: أسباب الطعن المقدمة من النيابة العامة:
من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه - ويظاهرها كل من الطاعنين الأول والثاني في نعيها - أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه إذ دان المحكوم عليهم وأخذهم بالرأفة عملاً بالمادة 17 من قانون العقوبات وعاقبهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر بدلاً من توقيع عقوبة الأشغال الشاقة المنصوص عليها في المادة 113 من قانون العقوبات فقد كان يتعين توقيت مدة العزل كما تقضي بذلك المادة 27 من قانون العقوبات.
وحيث إنه متى كان الثابت أن الحكم المطعون فيه عامل المحكوم عليهم بالرأفة وحكم عليهم بالحبس فقد كان من المتعين عليه أن يؤقت عقوبة العزل المقضي بها بما لا ينقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها وذلك عملاً بالمادة 27 من قانون العقوبات أما وهو لم يفعل، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ يستوجب نقضه نقضاً جزئياً وتصحيحه بتوقيت عقوبة العزل وجعله لمدة سنة وذلك بالنسبة لجميع المحكوم عليهم بما فيهم المحكوم عليه الثالث الذي لم يقدم أسباباً لطعنه لاتصال هذا الوجه من الطعن به ولأنه يستفيد من طعن النيابة العامة.