أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 9 - صـ 620

جلسة 24 من يونيه سنة 1958

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، ومحمد متولي عتلم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(79)
طعن رقم 128 سنة 24 ق

( أ ) طرح النهر. إثبات "عبء الإثبات". ملكية الحكومة لأطيان طرح النهر. وقوع عبء إثبات انتقال ملكيتها إلى من يدعي الملكية فيها.
(ب) حكم استئنافي "تسبيبه". عدم التزام محكمة الدرجة الثانية إذا هي ألغت حكماً ابتدائياً بالرد على جميع ما ورد في هذا الحكم من الأدلة.
(ج) إثبات "بالقرائن". محكمة الموضوع. سلطتها في أن تستنبط من الوقائع. قرائن مؤدية.
(هـ) تقادم. حيازة. حكم "تسبيب كاف". دفاع. نفي الحيازة المقترنة بنية التملك عن مدعى الحيازة وعن مورثه. اعتبار ذلك رداً ضمنياً على تمسك مدعى الحيازة بالتملك بالتقادم بنوعيه.
1 - أطيان طرح النهر هي من الأموال المملوكة للحكومة وعلى من يدعي الملكية في تلك الأطيان عبء إثبات انتقال ملكيتها إليه بسبب قانوني.
2 - إن محكمة الدرجة الثانية ليست ملزمة إذا هي ألغت حكماً ابتدائياً بالرد على جميع ما ورد في هذا الحكم من الأدلة ما دامت الأسباب التي أقامت عليها حكمها كافية لحمل قضائها.
3 - لمحكمة الموضوع أن تستنبط من الوقائع ما تراه من القرائن مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها ولا شأن لمحكمة النقض فيما تستخلصه متى كان استنباطها سائغاً.
4 - متى كانت محكمة الموضوع قد أوضحت في أسباب حكمها أنه لم تكن لمدعي الحيازة ولا لمورثه حيازة مقترنة بنية التملك مستندة فيما استندت إليه إلى أن المورث كان يستأجر أرض النزاع فإن في هذا ما يعتبر رداً ضمنياً على ما يتمسك به مدعي الحيازة من تملكه تلك الأرض بالتقادم الطويل وبالتقادم القصير مع السبب الصحيح وحسن النية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - تتحصل - على يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 23 من مايو سنة 1937 أقام الطاعنون الدعوى رقم 923 سنة 1937 مستعجل مصر ضد وزارتي المالية والأشغال طلبوا فيها الحكم برد حيازتهم إلى 2 ف و18 ط و11 س مبينة بالصحيفة وإيقاف الأعمال الجارية في تلك الأرض وهي جزء من جزيرة المنيل بواسطة مصلحة المباني وتعيين خبير لإثبات الحالة - وأسسوا دعواهم على أنهم ومورثهم من قبلهم كانوا يضعون اليد على تلك الأرض بصفة هادئة مستمرة منذ سنة 1913 حيث كان مورثهم قد اشتراها بعقد مؤرخ في سنة 1913 وثابت التاريخ في سنة 1912 ومسجل في 31 من يوليه سنة 1933 ممن يدعي بطرس جرجس وكانوا يؤجرونها للغير بعقود إيجار متتالية - وأحياناً يكون المستأجر منهم لتلك الأرض هو ذات المستأجر من الحكومة لباقي أرض الجزيرة - وأن القدر المذكور كانت تستبعده في الحصر السنوي لأرض الجزيرة - باعتباره مملوكاً للأهالي - ولما شرعت الحكومة في بناء مستشفى المنيل أرادت الحكومة أن تجنب نصيب الطاعنين في جهة بعيدة عن الجزء اللازم لمباني المستشفى ثم طردتهم من تلك الأرض بالقوة مما ألجأهم لرفع تلك الدعوى باسترداد حيازتهم لها - وانتهت هذه الدعوى صلحاً بين الطرفين - وصدقت محكمة الموسكي على هذا الصلح بتاريخ 7 من ديسمبر سنة 1937 وفيه أقرت وزارتا الأشغال المالية بطلبات الطاعنين فيما يتعلق برد الحيازة وبعدم التعرض لهم في وضع يدهم مع احتفاظ كل طرف بوجهة نظره فيما يتعلق بالملكية. وبتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1939 أقام الطاعنون الدعوى رقم 1569 لسنة 1940 مدني الموسكي ضد الحكومة بطلب مبلغ 116 جنيهاً و480 مليماً - قيمة الريع المستحق لهم عن مدة الغصب - وأحيلت هذه الدعوى إلى محكمة مصر الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 1184 لسنة 1940. وبتاريخ 14 من يناير سنة 1940 رفعت مصلحة الأموال المقررة (المطعون عليها) الدعوى رقم 489 لسنة 1940 كلي مصر ضد الطاعنين بطلب تثبيت ملكيتها إلى 2 ف، 18 ط ،11 س المبينة بصحيفة تلك الدعوى وتسليمها إليها (وهي ذات الأطيان موضوع دعوى رد الحيازة) مع إلزام الطاعنين بمبلغ 51 جنيهاً و837 مليماً ريع تلك الأرض عن سنتي 1939، 1940، وقد ضمت لها الدعوى رقم 1184 لسنة 1940 الخاصة بالريع والمرفوعة من الطاعنين ضد الحكومة. وبتاريخ 27/ 1/ 1942 - أصدرت محكمة مصر الابتدائية حكماً قضت فيه بندب خبير للانتقال إلى الأرض موضوع النزاع وتطبيق صورة عقد البيع العرفي المقدم من الطاعنين على الطبيعة ثم البحث فيما قدمته الحكومة من خرط ومستندات لمعرفة متى ظهرت تلك الأرض وانحسر عنها النيل - وما هي سلسلة التصرفات الثابتة في دفاتر المكلفة بالمديرية وبالبلدة عنها - ولمن آلت ملكية ذلك القدر وبأية طريقة آلت تلك الملكية وكيف وضعت المدعية (المقصود الطاعنون ومورثيهم) اليد عليها - وما علاقة بطرس جرجس المقول بأنه البائع لمورث الطاعنين تلك الأرض ومن هو واضع اليد على تلك الأرض منذ ظهورها حتى نشأ النزاع - وصرحت المحكمة للخبير بسؤال من يرى لزوماً لسؤالهم من الجيرة وكبار السن بدون حلف توصلاً ًللحقيقة - وبعد أن قدم التقرير - أصدرت محكمة مصر الابتدائية بتاريخ 19 من يناير سنة 1950 حكماً قضت فيه بالنسبة للدعوى رقم 489 لسنة 1940 كلي مصر برفض الدعوى المقامة من مصلحة الأموال المقررة ضد الطاعنين. وبتاريخ 3 من أغسطس سنة 1950 استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 455 لسنة 67 ق بمحكمة استئناف القاهرة وطلبت قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بكامل أجزائه والحكم في الدعوى المقامة منها بقبولها وتثبيت ملكية الحكومة إلى 2 ف، 18 ط، 11 س المبينة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى وتسليمها إليها خالية وبإلزام الطاعنين بأن يدفعوا للمطعون عليها مبلغ 51 جنيهاً، 837 مليماً قيمة ريع هذا القدر عن سنتي 1939، 1940 وما يستجد من الريع حتى تمام التسليم والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة ... ... وبتاريخ 17 من أبريل سنة 1954 قرر الطاعنون الطعن بالنقض في هذا الحكم وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة مذكرة مرفقة برقم 9 أبدت فيها رأيها برفض الطعن. وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 30 من أبريل سنة 1958 وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وحددت لنظره جلسة 5 من يونيه سنة 1958 وفيها صممت النيابة على رأيها السالف ذكره.
وحيث إن الطاعنين ينعون في الوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب - وفي بيان ذلك ذكروا أن محكمة الاستئناف أغفلت الإشارة والرد على دفاع الطاعنين القائم على أن مناط الفصل في الخصومة المعروضة هو أحقية الحكومة أو عدم أحقيتها في طلب الحكم بتثبيت ملكيتها لأطيان ثبت من سجلاتها أنها ليست لها بل لغيرها - وأنها خرجت من حوزتها منذ أمد طويل - وإذ كان الطاعنون هم الحائزون لهذه الأرض ومعترف لهم - من جانب المطعون عليها بهذه الحيازة - فإن مقتضى ذلك أنهم لا يكلفون قانوناً بإثبات ملكيتهم ولا مجال والحالة هذه للبحث في سند تمليكهم الذي تطوعوا بتقديمه - وكانوا في غنى عن ذلك لكونهم في مقام المدعى عليهم صاحب الحيازة - ولكن الحكم المطعون فيه قد أغفل هذا الدفاع والرد عليه - وجعل للدعوى مناطاً آخر هو مناقشة أسانيد ملكية المدعى عليهم (الطاعنين) وبذلك يكون قد أساء التسبيب وأخل به إخلالاً موجباً للنقص - كما ينعي الطاعنون أيضاً بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون - وذلك إذ أقام قضاءه بتثبيت ملكية المطعون عليها على قصور أسانيد ملكية الطاعنين وهذا النظر مخالف للقانون من جهة أنه أهدر أثر الحيازة المادية الثابتة للطاعنين والتي تعتبر قرينة على الحيازة القانونية وهي بدورها قرينة على الملكية كما أنه قلب الوضع في عبء الإثبات مع أن من تثبت له الحيازة لا يقع عليه عبء إثبات الملكية بل يقع عبؤها على مدعيها ولا يكلف أيضاً بالنفي إلا إذا أفلح مدعي الملكية في إثبات دعواه.
وحيث إن النعي المتقدم مردود بأن محكمة الاستئناف بعد أن أوردت الأسباب التي استندت عليها المطعون عليها في استئنافها لحكم محكمة أول درجة القاضي برفض دعواها - وما تضمنته هذه الأسباب من الاعتراض على ما قام عليه ذلك الحكم من ثبوت وضع يد الطاعنين ومورثهم على أرض النزاع - ارتكاناً إلى المستندات المقدمة منهم وإلى تقرير الخبير المعين في الدعوى - عرضت لهذا التقرير في محتوياته وفي النتيجة التي انتهى إليها وهي أن الطاعنين ومورثهم كانوا واضعي اليد على أرض النزاع وقررت في أسباب حكمها: "أن استنتاج الخبير أن مورث المستأنف عليهم (الطاعنين) كان واضعاً يده على القدر موضوع النزاع بصفة مالك هو استنتاج لا سند له من الواقع الذي شهد به شهود المستأنفة (المطعون عليها) في محضر أعمال الخبير ولا من المستندات الرسمية سالفة الذكر ومن ثم يكون تقرير الخبير على هذه الوجه لا يعول عليه بل المعول عليه هو ما أثبته بنفسه في تقريره ومحاضر أعماله من أن أرض الجزيرة التي كان يستأجرها مورث المستأنف عليهم (الطاعنين) من الحكومة هي ملك الحكومة وأن القدر موضوع النزاع الذي عاينه الخبير على الطبيعة بإرشاد طرفي الخصومة ثبت من شهادة الشهود الذين أتت بهم المستأنفة (المطعون عليها) أمام الخبير أنه عبارة عن طرح بحر تكونت منه الجزيرة التي أخذت تؤجرها الحكومة وابتدأ تكوينها من سنة 1919 وكان أول من استأجرها الشيخ أحمد محمود عمدة المنيل السابق ثم عباس أفندي بدران لغاية سنة 1926 ثم مورث المستأنف عليهم (الطاعنين) بعد ذلك وأنه لم يضع يده بصفة مالك - " ثم تناولت محكمة الاستئناف - بعد ذلك - بالنظر والتمحيص ما تمسك به الطاعنون من أنهم يستندون في ملكيتهم للأرض موضوع النزاع إلى عقد البيع الصادر لمورثهم في 7/ 8/ 1913 فأوضحت أن هذا الاستناد على غير أساس: - "أولاً - لأن القطعة الواقعة فيها القطعة المدعى بملكيتها لم توجد إلا ابتداء من سنة 1919 ولم تتكامل إلا في سنة 1926 - ثانياً لأن عقد البيع الذي تتمسك به المستأنف عليها (تعني الطاعنين) هو عقد عرفي ولم يسجل إلا في 31/ 7/ 1933 أي بعد تاريخ العقد المزعوم بمدة عشرين سنة ولو كان قد تحرر حقيقة في 7/ 8/ 1913 لكان مورث المستأنف عليهم (الطاعنين) بادر إلى تسجيله في سنة تحريره أو بعدها بقليل حرصاً على حقوقه - ثالثاً - لم يقدم المستأنف عليهم عقد شراء مورثهم من بطرس جرجس المقول بأنه محرر في 7/ 8/ 1913 وإنما قدموا محضر إيداعه بقلم العقود الرسمية بتاريخ 31/ 7/ 1933 ومحضر الإيداع هذا هو المسجل بتاريخ 14/ 8/ 1933 - رابعاً - أن الثابت من الكشف الرسمي المستخرج من مكلفات ناحية منيل الروضة من سنة 1892 - سنة 1919 أنه لم يعثر في هذه المدة على تكليف لكل من بطرس جرجس ويواقيم عبد السيد وكذلك ثابت من الكشف الرسمي المقدم من المستأنفة (المطعون عليها) عن المدة التالية من سنة 1920 لغاية مايو سنة 1937 عدم وجود تكليف للمذكورين - خامساً - أن الوردين المقدمين من المستأنف عليها بحافظة مستنداتها المقدمة بجلسة 29/ 4/ 1944 هما خاصان بأطيان باسم مورثهم بناحية البساتين لا منيل الروضة أما الأوراد الأخرى فإنها باسم ورثة المرحوم شريف باشا عن سنة 1928 - سنة 1936 ويجوز أنها كانت تحت يده لأنه مستأجر الفدان والأربعة قراريط المحررة عنها هذه الأوراد وكان يدفع المال من الإيجار". - ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ قضى للمطعون عليها بملكيتها لأرض النزاع قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على أن تلك الأرض هي طرح بحر لم يبدأ ظهورها إلا ابتداء من سنة 1919 ولم تستكمل إلا في سنة 1926 وأن حيازة الطاعنين لم تستكمل شرائطها القانونية فلم يكن وضع يد مورثهم على تلك الأرض بصفة كونه مالكاً لها وأن المستندات التي يرتكن إليها الطاعنون لا تحقق لهم ما يدعونه من ملكيتها، ولما كانت أطيان طرح النهر هي من الأموال المملوكة للحكومة فإن على من يدعي الملكية في تلك الأطيان عبء إثبات انتقال ملكيتها إليه بسبب قانوني وقد وضعت محكمة الاستئناف الدعوى وضعها الصحيح فأثبتت في حكمها ما تحقق لها في الواقع من أن أرض النزاع هي من طرح النهر فهي على هذا الأساس مملوكة للدولة وقد كان مما دفع به الطاعنون هذه الدعوى أن هذه الأرض في حيازتهم فأوضحت المحكمة في حكمها أن هذه الحيازة مشوبة كما دفعوها بالسند الصادر لمورثهم من بطرس جرجس. فكان لزاماً على المحكمة أن تعرض له فتقول كلمتها فيه وقد عرضت له في أسباب حكمها بما سبق بيانه - وعلى ذلك يكون غير صحيح ما ينعاه الطاعنون في هذا الخصوص من قصور في التسبيب أو خطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الطاعنين ينعون في باقي وجوه الطعن المبينة بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه تخاذل أسبابه وانفصال النتائج عن المقدمات والاستناد إلى وقائع لا أصل لها في الأوراق ومخالفة للثابت فيها وذكروا في بيان ذلك: أولاً - أن الحكم المطعون فيه - إذ قرر تجريحاً لتقرير الخبير - أن النتيجة التي انتهى إليها ذلك التقرير مبينة على استنتاج لا يتفق مع ما هو ثابت في دفاتر قوائم المواطى من سنة 1926 - 1936 قد شابه بطلان في الإسناد. ذلك أن ما أثبت في هذه الدفاتر - يفيد أن الحكومة كانت تستبعد من أرض الجزيرة 2 فدان و18 قيراط و22 سهماً باعتبار أنها "للأهالي" وليست لها، فما قرره الخبير في خصوص هذا المقدار مطابق للثابت في تلك الدفاتر. ثانياً - أنه ورد بتقرير الخبير أن القدر المستبعد وهو محل النزاع كان في يد المورث ثم في يد ورثته من بعده - وأنه - أي الخبير - استند في ذلك إلى ما قرره شهود الطاعنين وإلى مستنداتهم وهي عقود الإيجار وشهادة من رجال الحكومة المحليين ومخاطبة الحكومة لهم في شأن التعويض بمناسبة إنشاء المستشفى وعلى ذلك يكون تجريح الحكم لهذه النتيجة بأنها مجرد استنتاج هو قول مرسل مخالف لما هو ثابت من تلك المصادر التي اعتمد عليها الخبير في نتيجة تقريره. ثالثاً - أنه ورد بالحكم المطعون فيه - خلافاً لما هو ثابت في الأوراق - أن الخبير قد خرج عن مأموريته - بما ذكره في تقريره من ثبوت الحيازة للطاعنين استناداً إلى إقرار الحكومة في الدعوى 3151 سنة 1937 مدني الموسكي بينما كان من مأمورية الخبير المحددة في الحكم التمهيدي القاضي بندبه - بحث وضع اليد وتعيين من هو واضع اليد على الأرض موضوع النزاع - كما أن الحكم المطعون فيه - قد أسند للخبير - أنه أورد في تقريره "أن الصلح الذي قام في الدعوى رقم 3151 سنة 1937 "يعتبر تسليماً من جانب الحكومة بوضع يد (الطاعنين) المستمر الذي يدل على التملك "بوضع اليد" - بينما أن الخبير لم يتعرض للأثر المترتب على وضع اليد أو التملك بوضع اليد". رابعاً - أنه ورد بالحكم المطعون فيه أنه "ثبت من اطلاع الخبير على دفاتر قوائم المواطى في المدة من سنة 1926 إلى سنة 1936 أن مورث (الطاعنين) إنما كان مستأجراً لأرض الجزيرة في بعض السنوات من الحكومة بينما كان ما يخص الأهالي من تلك الأرض وقدره 2 فدان و5 قراريط و22 سهماً معترفاً به لهم في كل سنة وهم قبلان كرامه وأندريا مالكومي ونيقولا اسكالاس والأوقاف وعلي باشا ذو الفقار وورثة شريف باشا وبكر أحمد خليل". وإذ صرف معنى هذه العبارة إلى أن مورث الطاعنين كان يستأجر أرض النزاع ضمن ما كان يستأجره منها فإن هذا الفهم يكون مناقضاً لما ثبت في تقرير الخبير من أن هذا المقدار كان يستبعد من ملك الحكومة الذي كانت تؤجره - وإذا حمل معناها على أن المراد بها هو أن الأشخاص المكلفة هذه الأرض بأسمائهم - كانوا هم واضعو اليد عليها - فإن هذا أيضاً يكون مناقضاً لما ورد في ذات التقرير من أصحاب التكاليف تركوا أرضهم ولم يضعوا اليد عليها. خامساً - أن الحكم المطعون فيه استبعد في قضائه أقوال شهود الطاعنين - وكان الحكم الابتدائي - الذي ألغى استئنافياً - قد اعتمد على أقوالهم - وكان من مقتضى هذا الإلغاء أن يرد على هذا الحكم في هذا الخصوص - ولا يكفي أن تستند المحكمة إلى أقوال شهود المطعون عليها - وتطرح أقوال شهود الطاعنين بالرغم من أنها لم تجرح أقوالهم أي تجريح. سادساً - أن أسباب الحكم المطعون فيه انطوت على تناقض في شأن واقعة ظهور أرض الجزيرة وتكوينها - فبينما ذكر الحكم في موضع منه أن المنطقة الواقعة فيها القطعة المدعى بملكيتها لم توجد إلا ابتداء من سنة 1919 ولم تتكامل إلا في سنة 1926 إذا به يذكر في موضوع آخر أن "الثابت من الأوراق ومن أقوال الخصوم والشهود بمحاضر أعمال الخبير أن طرح البحر على شاطئ الجزيرة مستمر في الازدياد من سنة 1900. سابعاً - أن الحكم المطعون فيه اعتمد في تجريح عقد البيع الصادر لمورث الطاعنين من بطرس جرجس إلى أن هذا العقد لم يسجل إلا بعد عشرين سنة من تاريخه وأن ذات العقد لم يقدم للمحكمة وإنما قدم محضر إيداعه بقلم العقود الرسمية وهذا المحضر هو المسجل - ولم تضع محكمة الاستئناف في اعتبارها أن العقد صادر قبل تنظيم شئون الملكية العقارية في سنة 1923 إذ كانت الملكية تنقل بين المتعاقدين بلا حاجة للتسجيل فلم يكن المشترون يهتمون بأمر التسجيل كما أن تسجيل العقود - بطريق الإيداع، إنما كان يتم وفقاً لقرار وزير الحقانية الصادر في 24/ 5/ 1924". وينبني على ما تقدم أن التشكيك في صحة العقد - بناءً على تأخير تسجيله - وإجراء التسجيل بطريق الإيداع يعتبر قصوراً في التسبيب. ثامناً - أن الحكم المطعون فيه قرر أنه ثبت من دفاتر المكلفات أنه لم يعثر للبائع لمورث الطاعنين ولا لهذا المورث على تكليف في منطقة النزاع وما قرره الحكم في هذا الخصوص لا يصح أن يستمد منه دليل على نفي الملكية إذ أن دفاتر المكلفات القديمة لم تكن عنواناً صحيحاً للملكية - خصوصاً وأن العقار موضوع النزاع لم يكن في حيازة المطعون عليها ولا مكلفاً باسمها بل هو في حيازة الطاعنين ومورثهم من قبلهم. تاسعاً - أن الطاعنين تمسكوا بتملكهم أرض النزاع بالتقادم الطويل - والتقادم القصير مع السبب الصحيح وحسن النية - وكان مؤدى هذا التمسك أن تأمر محكمة الاستئناف بتحقيق وقائع وضع اليد ومدته تحقيقاً قضائياً - ولا تكتفي في هذا الخصوص بأقوال شهود المطعون عليها الذين أبدوا أقوالهم بدون حلف - خصوصاً وأن أقوالهم جاءت مرسلة غير محددة - ليست فيها العناصر الكافية للحكم على وضع اليد ومدته وسببه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجوه الثلاثة الأولى بأن الحكم المطعون فيه وهو بسبيل سرد الخطوات التي سار فيها الخبير عند مباشرته مأموريته وذكر ما تقدم به إليه الخصوم في الدعوى - من شهود أولاً - ومن مستندات ثانياً - وما كان من تقديم المطعون عليها له دفاتر قوائم المواطى - وما ثبت فيها - منذ سنة 1926 حتى سنة 1936 - عن مساحة حوض الألفي ر قم 1 وما ورد بها خاصاً بما هو مملوك للحكومة وما هو مكلف باسم الأهالي - أخذت على الخبير - أنه "بعد أن أورد هذه البيانات الرسمية استنتج نتيجة لا تتفق مع البيانات وذكر ما نقصه: "ومن هذا يفهم أن يواقيم أفندي كان واضعاً يده على الـ 2 فدان و5 قراريط و22 سهماً المكلفة باسم غيره من سنة 1923 من دون شك - وكان مستأجراً في الوقت نفسه أرض الحكومة ابتداء من سنة 1924 ولم تثبت الحكومة أن المكلف باسم من وضعوا اليد في هذه المدة..." - ثم عرض الحكم بعد ذلك إلى ما قرره الخبير خاصاً بالدعوى رقم 3151 لسنة 1937 الموسكي فأثبت ما ورد في التقرير من قول الخبير "ومما يدل على أن وضع اليد لورثة يواقيم أفندي مستمر أن في القضية رقم 3151 لسنة 1937 الموسكي أقرت الحكومة لهؤلاء الورثة بحيازتهم". ووصفت محكمة الاستئناف هذه الاستنتاجات بأنها افتراضية ومخالفة للثابت في الأوراق الرسمية. وأشارت إلى أن ما استند إليه الخبير في خصوصهما لا يدخل في المأمورية التي نيطت به - ثم عرضت الدعوى رقم 3151 وأوضحت تعقيباً على ما تم فيها أنه من المقرر قانوناً أن دعوى رد الحيازة كغيرها من دعاوى وضع اليد لا شأن لها بالملكية ويكفي لرفع الدعوى برد الحيازة مجرد حيازة العين كما لو كان الحائز مستأجراً أو منتفعاً بأي شكل من الأشكال وطرد من الأرض بالقوة فلا محل إذن لاستنتاج الخبير أن الصلح الذي تم في الدعوى رقم 3151، سنة 1937 الموسكي يعتبر تسليماً من جانب الحكومة بوضع يد المستأنف عليهم (الطاعنين) المستمر الذي يدل على التملك بوضع اليد..." وفي عبارة تالية ذكرت أن "استنتاج الخبير أن مورث المستأنف عليهم (الطاعنين) كان واضعاً يده بصفة مالك هو استنتاج لا سند له من الواقع ... الذي شهد به شهود المستأنف (المطعون عليها) في محضر أعمال الخبير ولا من المستندات الرسمية سالفة الذكر". ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أطرح تقرير الخبير - للمآخذ التي تكشفت له - وهي تتحصل في أنه جزم بوضع يد مورث الطاعنين - استناداً إلى وقائع لا تؤدي لصحة هذا الاستنتاج - إذ لا صلة لما هو ثابت في دفاتر قوائم المواطى من أن جزءاً من أرض الجزيرة بأسماء أشخاص ليس من بينهم مورث الطاعنين ولا البائع إليه - بوضع يد المورث على أرض النزاع - وكذلك لا محل لما ذهب إليه الخبير من استنتاج الحيازة من الدعوى رقم 3151 سنة 1937 مدني الموسكي - فإن الشأن فيها متروك تقديره للمحكمة ولم يكن أمره منوطاً بالخبير - كما أنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذا هو استشف من أقوال الخبير أنه إنما يهدف إلى القول بتملك الطاعنين لأرض النزاع بوضع اليد - استنتاجاً من عبارات الخبير التي وردت في تقريره (المقدمة صورته الرسمية) وهي قوله: "ومما يدل على أن وضع اليد مستمر لورثة يواقيم أفندي أن في القضية 3151 لسنة 1937 محكمة الموسكي أقرت الحكومة لورثة يواقيم بحيازتهم". أما ما عاب به الطاعنون الحكم المطعون فيه في الوجه الرابع من التهاتر والتخاذل وبطلان الإسناد في العبارة التي وردت به ونصها: "وحيث إنه بعد أن ثبت من اطلاع الخبير على دفاتر قوائم المواطى في المدة من سنة 1926 - سنة 1936 أن مورث المستأنف عليهم إنما كان مستأجراً لأرض الجزيرة في بعض السنوات من الحكومة بينما كان ما يخص الأهالي من تلك الأرض وقدره 2 ف و5 ط و22 س معترف به لهم في كل سنة وهم قبلان كرامة وأندريا مالكومي ونيقولا اسكالاس والأوقاف وعلي باشا ذو الفقار وورثة شريف باشا وبكر أحمد خليل" - ما عاب به الطاعنون الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص مردود بأن هذه العبارة - كما يدل عليه ألفاظها وكما يستفاد مما تلاها من عبارات - إنما أريد بها دحض الاستنتاج الذي أثبته الخبير في تقريره - من أن مورث الطاعنين - كان واضعاً يده على الأرض موضوع النزاع - بصفته مالكاً لمجرد أن دفاتر قوائم المواطى قد ورد بها أن للحكومة تكليفاً بقدر معين من الأطيان وللأهالي تكليفاً بقدر آخر - أرادت محكمة الاستئناف أن تبين فساد هذا الاستنتاج - وأن المعول عليه في هذا الخصوص هو ما ثبت بالواقع والفعل - فأردفت هذه العبارة - بقولها - "لذلك يكون استنتاج الخبير أن مورث المستأنف عليهم كان واضعاً يده على القدر موضوع النزاع بصفته مالكاً لا سند له من الواقع الذي شهد به شهود المستأنفة (المطعون عليها) في محضر أعمال الخبير ولا من المستندات الرسمية سالفة الذكر - ومن ثم يكون تقرير الخبير على هذا الوجه لا يعول عليه بل المعول عليه هو ما أثبته هو بنفسه في تقريره ومحاضر أعماله من أن أرض الجزيرة التي كان يستأجرها مورث المستأنف عليهم من الحكومة هي ملك الحكومة وأن القدر موضوع النزاع الذي عاينه الخبير على الطبيعة بإرشاد طرفي الخصومة ثبت من شهادة الشهود الذين أتت بهم المستأنفة أمام الخبير أنه عبارة عن طرح بحر تكونت منه الجزيرة وابتدأ تكوينها من سنة 1919" - وأما ما ذهب إليه الطاعنون في الوجه الخامس من القول بقصور الحكم المطعون فيه في التسبيب - لأنه إذ ألغى الحكم الابتدائي الذي أخذ بشهادة شهود الطاعنين لم يعن بالرد على أسبابه في هذا الخصوص - فإنه مردود بأن محكمة الدرجة الثانية لا تكون ملزمة "إذا هي ألغت حكماً ابتدائياً" بالرد على جميع ما ورد في ذلك الحكم من الأدلة ما دامت الأسباب التي أقامت عليها حكمها كافية لحمل قضائها. وما نعى به الطاعنون في الوجه السادس مردود بأن الحكم المطعون فيه انتهى إلى ثبوت واقعتين مختلفتين أولاهما بأن طرح البحر على شاطئ الجزيرة مستمر في الازدياد منذ سنة 1900. وثانيتهما خاصة بالقدر موضوع النزاع وقد ورد بشأنه في الحكم المطعون فيه أن المنطقة الواقعة فيها القطعة المدعى بملكيتها لم يبدأ ظهورها إلا من سنة 1919 ولم تتكامل إلا في سنة 1926 - وليس بين هذين التقريرين تناقض. وما ورد في الوجهين السابع والثامن مردود بأن الحكم المطعون فيه - إذ أورد في أسبابه أن استناد الطاعنين في ملكيتهم لأرض النزاع على العقد المؤرخ 7/ 8/ 1913 والصادر لهم من بطرس جرجس - هو استناد على غير أساس - قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على جملة قرائن قضائية سائغة استنبطتها المحكمة من الوقائع الثابتة بها وهي أن أرض النزاع لم تظهر في الوجود إلا ابتداء من سنة 1919 ولم تتكامل إلا في سنة 1926 وأن عقد البيع الذي يتمسك به الطاعنون - قد تراخى تسجيله إلى عشرين سنة بعد التاريخ المدون فيه - ومن أن أصل هذا العقد لم يقدم إلى المحكمة وإنما قدم محضر إيداعه - وأن هذا المحضر هو المسجل - ومنها أن أرض النزاع لم تكلف لا باسم مورث الطاعنين ولا باسم البائع إليه - كما ثبت ذلك من كشوف المكلفات منذ سنة 1892 حتى سنة 1937 - ولا جدال في أن لمحكمة الموضوع أن تستنبط من الوقائع ما تراه من القرائن مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها، ولا شأن لمحكمة النقض فيما تستخلصه متى كان استنباطها سائغاً - فلا محل والحالة هذه للنعي على حكمها بقصور التسبيب. وأخيراً فإن ما نعى به الطاعنون في الوجه التاسع من قصور الحكم إذ أغفل الرد على تمسك الطاعنين بتملكهم أرض النزاع بالتقادم الطويل وبالتقادم القصير مع السبب الصحيح وحسن النية مردود بأن محكمة الموضوع - بما أوردته في حكمها من أسباب سبق إيرادها - قد أوضحت في أكثر من موضع من أنه لم تكن لهم ولا لمورثهم حيازة مقترنة بنية التملك - مستندة فيما استندت إليه إلى أن مورث الطاعنين كان مستأجراً جميع أرض المواطى في السنوات 1929، 1930، 1931 بما فيها الأطيان المكلفة باسم الأهالي - ومقدارها 2 ف، 5 ط، 11 س - وفي هذا الذي ورد بالحكم ما يعتبر رداً ضمنياً على تمسك الطاعنين بالتقادم بنوعيه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.