أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة السادسة - صـ 622

جلسة 14 من مارس سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود إسماعيل، ومصطفى كامل واسحق عبد السيد المستشارين.

(205)
القضية رقم 2046 سنة 24 القضائية

(أ) إثبات. اعتراف. تقدير صحته وصدقه فيما أخذ به الحكم منه. تستقل به محكمة الموضوع.
(ب) ارتباط. تقدير توافر الشروط المقررة في المادة 32ع أو عدم توافرها. يدخل في سلطة محكمة الموضوع.
(ج) ارتباط. متى يجب ضم قضيتين للارتباط إعمالا لنص المادة 182 أ.ج؟
(د) إجراءات. استشعار الحرج من نظر قضية. لا يدخل في أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى.
(هـ) رد. قيام سبب من أسبابه. لا يؤثر على صحة الحكم ما دام لم يتقدم أحد بطلب لرد المحكمة.
(و) إثبات. سلطة المحكمة في التجزئة الدليل ولو كان اعترافا من متهم على آخر.
(ز)اختصاص. الفصل في كل طلب بدين أو ادعاء بحق قبل أي شخص ممن شملهم قرار مجلس قيادة الثورة الصادر بتاريخ 8 نوفمبر سنة 1953 باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد على. هو من اختصاص اللجنة التي نصت عليها المادة من القانون رقم 598 لسنة 1953 وحدها. الدعوى المدنية التي توجه ضد أحد الأشخاص المذكورين.دخولها في اختصاص اللجنة المشار إليها. علة ذلك.
1ـ إن تقدير صحة الاعتراف وصدقه فيما أخذ به الحكم منه هو مما تستقل به محكمة الموضوع.
2ـ إن تقدير توافر الشروط المقررة في المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توافرها أمر داخل في سلطة قاضى الموضوع له أن يقرر فيه ما يراه استنادا إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدى إلى ما انتهى إليه.
3ـ إن المادة 182 من قانون الإجراءات الجنائية لا توجب الضم إلا إذا كان الارتباط غير قابل للتجزئة وشمل التحقيق وقائع القضيتين معا.
4ـ إن أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى قد وردت في المواد 247 من قانون الإجراءات الجنائية و312 من قانون المرافعات و18 من قانون استقلال القضاء رقم 188 لسنة 1952 وليس من بينها حالة استشعار القاضي الحرج من نظر الدعوى.
5ـ إن قيام سبب من أسباب الرد غير أسباب عدم الصلاحية لا يؤثر على صحة الحكم ما دام لم يتقدم أحد بطلب رد المحكمة عن نظر الدعوى.
6ـ للمحكمة في المواد الجنائية أن تجزيء أي دليل ولو كان اعترافا من متهم على غيره، فتأخذ منه بما تطمئن إليه في إدانة من ترى إدانته وتطرح سواه في حق من لا ترى توافر الدليل على إدانته.
7ـ إن المادة التاسعة من القانون رقم 598 لسنة 1953 (بشأن أموال أسرة محمد علي المصادرة) نصت على أن تشكل لجنة بقرار من وزير العدل تختص بالفصل في كل طلب بدين أو ادعاء بحق قبل أي شخص ممن شملهم قرار 8 نوفمبر سنة 1953 (الصادر من مجلس قيادة الثورة في خصوص مصادرة أموال وممتلكات أسرة محمد علي)، وفى كل منازعة تتعلق بهذه الأموال، وقد بين القانون المذكور الإجراءات التي تتبع في مواده الأخرى، ورتب على ذلك نتيجة حتمية إذ نص في المادة الرابعة عشرة منه على أنه "استثناء من حكم المادة 12 من قانون القضاء والمادتين 3و10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال التي صدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8 من نوفمبر سنة 1953 بمصادرتها ويسرى ذلك على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم وقت العمل بهذا لقانون ولو لم يكن الأشخاص المصادرة أموالهم خصوما فيها ". ويبين من نصوص هذا القانون أنها جاءت عامة مطلقة في اختصاص اللجنة التي نصت عليها المادة التاسعة منه بالفصل في كل دين أو ادعاء بحق قبل أي شخص ممن شملهم قرار 8 نوفمبر سنة 1953، وتدخل في ذلك الدعوى المدنية التي توجه ضد أحد هؤلاء الأشخاص إذ أن موضوعها هو إصلاح الضرر المتسبب عن الجريمة باقتضاء مبلغ من المال بمثابة تعويض فهو لا يخرج عن كونه ادعاء بحق على المال.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة:1ـ أحمد حسين جاد و 2ـ محمد سعيد إسماعيل و3ـ حسين محمدين رضوان و4ـ علي محمد حسنين و5ـ الأميرالاي أحمد كامل و6 ـ محمد حسن السليماني و 7 الأميرالاي محمود عبد المجيد و8 ـ اليوزباشى عبده أرمانيوس بأنهم في ليلة الثلاثاء 25 من مارس سنة 1952 الموافق 29 جمادى الآخرة سنة 1371 بدائرة قسم مصر القديمة محافظة القاهرة أولاً: المتهمون الثلاثة الأول قتلوا عمداً الملازم أول عبد القادر طه أحمد وكان ذلك مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أسلحة نارية قاتلة وترصدوه في طريقه إلى مكان استدرجه إليه المتهم الرابع حتى إذا ما ظفروا به أطلقوا عليه ثلاثة أعيرة نارية قاصدين إزهاق روحه فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: المتهمون الباقون. اشتركوا بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهمين الثلاثة الأول في ارتكاب جريمة القتل سالفة الذكر وذلك بأن اتفق المتهمان الخامس والسادس والأميرالاي محمد وصفى الذي انقضت الدعوى الجنائية بالنسبة له لوفاته على ارتكابها ثم حرض الأميرالاي محمد وصفى المتهمين الرابع والسابع على تنفيذها فعهد المتهم السابع بذلك إلى المتهمين الثلاثة الأولين والمتهم الثامن وهم من أعوانه الذين يأنس فيهم طاعة أمره والذين استعان بهم من قبل على قتل الشيخ حسن ألبنا مرشد الأخوان المسلمين وقام المتهم الرابع باستدراج المجني عليه إلى المكان الذي اتفق على ارتكاب الجريمة فيه وتولى المتهم الثامن نقل المتهمين الثلاثة الأول إلى هذا المكان في سيارة أعدها الأميرالاي محمد وصفى لهذا الغرض وقد وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهمين جميعاً إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمواد 40 فقرة أولى وثانية وثالثة و41 و230 و231 و232 من قانون العقوبات. فقرت بذلك في 18 من مارس سنة 1953. وقد أدعت السيدة كريمة إبراهيم فرغل (زوجة المجني عليه) عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر وهم أسامة وطارق وعزة بحق مدني قدره مائة ألف جنيه. كما أدعي والدا المجني عليه طه أحمد محمدين والسيدة خضرة أحمد الجوهري وأخواه وهم أحمد طه أحمد ومحمد طه أحمد بمبلغ خمسين ألف جنيه وذلك قبل جميع المتهمين ورئيس مجلس الوزراء ووزيري الداخلية والمالية وشئون رياسة الجمهورية ومجلس إدارة تصفية أموال أسرة محمد علي وورثة المرحوم الأميرالاي محمد وصفى بصفتهم مسئولين عن الحقوق المدنية بالتضامن، والملك السابق فاروق أحمد فؤاد. وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة تنازل المدعون بالحقوق المدنية عن دعواهم المدنية المرفوعة على ورثة المرحوم الأميرالاي محمد وصفى. وبعد أن أتمت المحكمة نظرها قضت بتاريخ 10 من أبريل سنة 1954 غيابياً للمتهم السادس (محمد حسن السليماني) وحضورياً للباقين عملاً بالمواد 40/ 2 ـ 3 و41 و230 و231 و232 و235 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الرابع (علي محمد علي حسنين) والمواد 40/ 1 ـ 2 و41 و230 و231 و232 و235 من نفس القانون بالنسبة إلى المتهم السادس (محمد حسن السليماني) أولاً: بمعاقبة كل من علي محمد علي حسنين ومحمد حسن السليماني بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا ( أ ) إلى المدعية بالحق المدني كريمة إبراهيم فرغل عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر أسامة وطارق وعزه مبلغ ألفى جنيه والمصاريف المناسبة وعشرة جنيهات مقابل أتعاب محاماة.(ب) وإلى المدعين بالحق المدني طه أحمد محمدين وخضرة أحمد الجوهري مبلغ خمسمائة جنيه والمصاريف المناسبة وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. ثانياً: بإثبات تنازل المدعيين أحمد طه ومحمد طه أحمد عن دعواهما المدنية. ثالثاً: بإثبات تنازل المدعين بالحق المدني جميعاً عن دعواهم قبل ورثة محمد وصفى. رابعاً: بعدم جواز سماع الدعوى المدنية المرفوعة من المدعين بالحق المدني جميعاً قبل المسئول عن الحقوق المدنية عن المتهم السادس (محمد حسن السليماني). خامساً: ببراءة كل من أحمد حسين جاد ومحمد سعيد إسماعيل وحسين محمدين رضوان والأميرالاي أحمد كامل والأميرالاي محمود عبد المجيد واليوزباشي عبده أرمانيوس مما أسند إليهم وبرفض الدعويين المدنيتين الموجهتين قبلهم جميعاً. فطعن كل من النيابة العامة (بالنسبة إلى المتهمين المحكوم ببراءتهم) وعلي محمد علي حسنين والأستاذ محمد عزمي المحامى الوكيل عن السيدة كريمة إبراهيم فرغل عن نفسها وبصفتها المدعية بالحقوق المدنية قبل جميع المتهمين والحكومة في هذا الحكم بطريق النقض في 11 و12 و27 من أبريل سنة 1954 وقدم كل من الأستاذين أحمد عثمان حمزاوى المحامى عن الطاعن علي محمد علي حسنين ومحمد عزمي المحامى عن المدعية بالحقوق المدنية تقريراً بالأسباب في 25 و27 من أبريل سنة 1954، كما قدمت النيابة تقريراً بأسباب طعنها في 28 منه. وبجلسة 21 من فبراير سنة 1955 سمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة، ثم أجل الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

... وحيث إن الطعن المقدم من علي محمد حسنين يتحصل في أن المحكمة أخلت بحق الدفاع وشاب حكمها الفساد في الاستدلال إذ قدم الطاعن قبل نظر الدعوى طلباً كتابياً طلب فيه سماع شهود نفى وإجراء تحقيقات تكميلية، ولكن المحكمة لم تجبه إلى طلبه. وكان من بين شهود الإثبات اليوزباشى مصطفى كمال صدقي وبعد أن سمعت المحكمة أقواله تقدم إلى السجن الحربي بأن لديه أقوالاً جديدة، ولما سمعت النيابة هذه الأقوال وقدمت محضراً بها إلى المحكمة قررت المحكمة سماع أقواله من جديد، غير أنه لما مثل أمامها بدا عليها أنها لا تريد سماع هذه الأقوال وانتهت إلى طلبه في غرفة المداولة وكان نتيجة ذلك أن عدل الشاهد عن أقواله الجديدة. أما وجه الفساد في الاستدلال، فهو أن الحكم قرر أن الطاعن مع محمد وصفى ومحمد حسن ارتكبوا الجريمة لصالح السراي مع أن وقائع الدعوى تدل على انقطاع الصلة الإجرامية بين الطاعن ومحمد وصفى كما تدل على أن القتيل كان من إتباع السراي وأن الجريمة وقعت لسبب لم يكشف عنه التحقيق وكان مصطفى كمال صدقي على وشك الإفصاح عنه لولا أن المحكمة وقفت في طريقه. وتدل وقائع الدعوى كذلك على أن هناك تشابهاً بين الجريمة موضوع الطعن، وجريمة الشروع في قتل حسين سرى عامر لتشابه الخرطوشة التي وجدت بمحل الحادث وتلك التي وجدت أمام منزل حسين سرى عامر.وقد اعتمد الحكم في إدانة الطاعن على أقوال محمد حسن مع أن الثابت من الأوراق أن هذه الأقوال كانت نتيجة الوعد والوعيد وهو ما قرره محمد حسن في كتابه الذي رفعه إلى النائب العام بعد انتهاء التحقيق.
وحيث إنه يبين من محاضر الجلسات أن المحكمة أفسحت صدرها للدفاع وأجابته إلى ما طلبه وصرحت له أكثر من مرة بإعلان شهود نفى حتى إذا وصلت الإجراءات إلى مرحلة المرافعة ترافع الدفاع طويلاً وطلب براءة الطاعن ولم يشر في مرافعته إلى أن المحكمة أخلت بحق من حقوقه. لما كان ذلك، وكان ما ورد بالطعن خاصاً بمسلك المحكمة حيال الشاهد مصطفى كمال صدقي عارياً عن الدليل وقد طلب الدفاع عن الطاعن استبعاد ما ورد بمحضر النيابة خاصاً بأقواله الجديدة وكان الحكم إذ انتهى إلى القضاء بإدانة الطاعن قد ذكر الأدلة التي اعتمد عليها وهى تؤدى إلى ما رتبه عليها ومن بينها اعتراف المحكوم عليه محمد حسن السليماني وقد تعرض الحكم لما ورد في الكتاب الذي رفعه هذا المحكوم عليه بشأن ما ادعاه من أن هذا الاعتراف صدر مشوباً بالتهديد فقرر أنه أدلى به مرات متعددة وكان يؤكد في كل مرة ما قاله في المرة السابقة وأنه طلب في الكتاب المذكور أن يسمح له بمقابلة محاميه ومع ذلك لم يتقدم هو أو محاميه بشيء ينفى أقواله السابقة وحضر أمام غرفة الاتهام ولم ينكر صدور هذه الأقوال، وكذلك حضر أمام المحكمة ومعه اثنان من المحامين ولم يبد شيئاً يدل على عدوله ثم غاب ولم يحضر باقي جلسات المحاكمة وأن الاعتراف تأيد بوقائع أخرى ـ لما كان ذلك. وكان تقدير صحة الاعتراف وصدقه فيما أخذ به الحكم منه هو مما تستقل به محكمة الموضوع ـ فإن هذا الطعن يكون على غير أساس.
وحيث أن الطعن المقدم من النيابة، والسببين الأول والثاني من الطعن المقدم من زوجة القتيل المدعية بالحق المدني عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها يتحصل في أن المحكمة لا ولاية لها بالفصل في القضية موضوع الطعن ذلك بأنها تنحت عن نظر القضية رقم 1071 قصر النيل سنة 1952 الخاصة بمقتل الشيخ حسن ألبنا وكان من مقتضى ذلك أن تمتنع عن الإطلاع على أوراقها والبحث في وقائعها ولكنها أمرت بضم نسخة من التحقيقات الخاصة بها وشمل الحكم المطعون فيه الإشارة إلى وقائع تلك القضية وأوجه الشبه بينها وبين القضية الحالية وقيمة الدلالة المستمدة من أوراقها على خمسة من المتهمين في القضية الحالية سواء فيما يتعلق بهذه القضية أو تلك. وهى بذلك أسست حكمها على دليل لم يطرح عليها ولم يكن من حق الخصوم في الدعوى مناقشته. هذا إلى أن المحكمة أخلت بحق الدفاع إذ رفضت طلب ضم هذه القضية إلى القضية 1071 سنة 1952 قصر النيل ضماً قانونياً مع وجود الارتباط الوثيق بينهما وفقاً للمادة 32/ 2 عقوبات أو المادة 182 من قانون الإجراءات الجنائية. فقد دبرت الحادثتان تنفيذاً لقصد جنائي واحد وقام بتنفيذهما رجال رسميون منهم ستة اشتركوا في الحادثتين واتبعوا في تنفيذهما وسائل متماثلة واتخذوا في محاولة طمس الأدلة طرقاً متشابهة مما حمل النيابة العامة على تقديم القضية أمام هيئة واحدة واستشعرت المحكمة هذا الارتباط بتأجيلها إصدار الحكم المطعون فيه إلى ما بعد التاريخ المحدد لنظر القضية الأخرى وقدرت بادىء ذي بدء ما بين القضيتين من ارتباط وثيق وأوجه شبه كثيرة وتداخل أدلتهما فاختصت نفسها بنظرهما ونظرت قضية الشيخ حسن ألبنا أولاً ثم أوقفت السير فيما بعد أن قرر المدعى بالحق المدني بردها ونظرت الدعوى الحالية وأرجأت إصدار الحكم فيها حتى تتهيأ لها فرصة نظر القضية الأخرى وفى هذا ما يقطع بأنها كانت ترى وجوب الفصل في القضية الأخرى قبل القضية الحالية وما دام أنها استشعرت حرجاً من نظر القضية الأخرى فقد كان عليها أن تترك أمر الفصل في القضية الحالية إلى دائرة أخرى لا تستشعر حرجاً من نظر القضيتين معاً. ولا يكفى أن تكون المحكمة أطلعت على أوراق القضية الأخرى واستعرضت ما فيها من أمور تتعلق بهذه القضية لأنه ليس لها أن تقدر دليلاً وارداً في قضية أخرى غير مطروحة عليها. ومتى كانت المحكمة قد رأت أن التشابه بين القضيتين يصلح أساساً لبحث قد يؤدى إلى أدلة مقنعة، فإنه كان يجب عليها أن ترجئ إصدار حكمها في الدعوى الحالية حتى يفصل في القضية الأخرى. أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون قد أخطأ في القانون وشابه التناقض.
وحيث إنه لما كان تقدير توافر الشروط المقررة في المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توافرها أمراً داخلاً في سلطة قاضى الموضوع له أن يقرر فيه ما يراه استناداً إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدى إلى ما انتهى إليه، وكان الحكم قد تعرض لهذا الطلب ورد عليه بأن قضية مقتل الشيخ حسن ألبنا وقعت في فبراير سنة 1949 بينما وقعت القضية الحالية في مارس سنة 1952 وأن كلاً وقعت في ظروف تختلف عن الظروف التي وقعت فيها الأخرى وأنه مهما قيل من وجود تشابه بينهما فإن هذا التشابه لا يوجب الارتباط الذي لا يقبل التجزئة المنصوص عليه في المادة 32 من قانون العقوبات وأن كلاً من القضيتين مستقلة عن الأخرى في ظروفها ومادياتها ومقدماتها وأنهما جريمتان منفصلتان تمام الانفصال وأن ما قيل من أن معرفة القاتلين في هذه القضية لا يمكن الوصول إليه إلا بعد صدور حكم يعين القاتلين في قضية حسن ألبنا لا يمكن الأخذ به لآن لكل منهم في قضيته ظروفه التي تتحدد بالدلائل التي تستخلص من وقائعها، وأن الحكم الذي يصدر في قضية حسن ألبنا لا أثر له على الدليل القائم على المتهمين في هذه القضية وأنه لا محل لتطبيق المادة 182 من قانون الإجراءات الجنائية لأن أساس الاستناد الوارد بها وجود ارتباط لا يقبل التجزئة على النحو المبين في المادة 32 عقوبات وهو غير موجود. لما كان ذلك، وكان ما تقدم من الأسباب التي أوردها الحكم من شأنه أن يؤدى إلى ما انتهى إليه، وكانت المادة 182 لا توجب الضم إلا إذا كان الارتباط غير قابل للتجزئة وشمل التحقيق وقائع القضيتين معاً وهو ما لم يتوافر في الدعوى وكان تنحى المحكمة عن نظر قضية الشيخ حسن ألبنا لا يحول بينها وبين نظر القضية موضوع الطعن ما دام أنها لم تستشعر مثل هذا الحرج في نظرها ولم يتقدم أحد بردها بل أن النيابة ذاتها عارضت في طلب الضم، وكانت أسباب عدم الصلاحية قد وردت في المواد 247 من قانون الإجراءات الجنائية و313 من قانون المرافعات والمادة 18 من قانون استقلال القضاء رقم 188 لسنة 1952 وليس من بينها السبب الوارد في الطعن، وكان قيام ما عدا تلك الأسباب لا يؤثر على صحة الحكم ما دام لم يتقدم أحد بطلب رد المحكمة عن نظر الدعوى ـ فإن ما ورد في الطعن بشأن عدم صلاحية المحكمة لنظر الدعوى أو بشأن عدم تقريرها بضم القضيتين يكون لا سند له من القانون. ولما كان لا تثريب على المحكمة إذا هي استندت فيما استندت إليه في تبرئة من برأته من المتهمين إلى " أن التشابه بين حادث اغتيال حسن ألبنا وعبد القادر طه لا يعتبر في ذاته دليلاً على الإدانة، ما دام تقدير الدليل موكولاً لها، وكان لا محل للاعتراض بأن من مصلحة المدعية بالحق المدني أن تناقش أدلة القضيتين معاً وأن فصلهما يفوت عليها هذه المصلحة ويخل بحقها في الدفاع ما دام أن هذا الفصل لا يمنعها من مناقشة أدلة الدعوى الأخرى وقد كانت أوراقها مضمومة لأوراق هذه الدعوى، ومن ثم تكون هذه الأسباب على غير أساس.
وحيث إن السببين الثالث والرابع من أسباب الطعن المقدم من المدعية بالحق المدني يتحصلان في أن الحكم شاب أسبابه التناقض إذ بينما أقام الحجج على صحة اعتراف محمد حسن السليماني إذ به لا يأخذ به بالنسبة للاميرالاى أحمد كامل. ويقضى ببراءته ورفض الدعوى المدنية قبله. وبينما قطعت المحكمة في صدر حكمها باشتراك الملك السابق في تدبير الجريمة إذ بها في ختام حكمها تقرر بأنه لا توجد أدلة مقنعة في الدعوى قبل الملك السابق مما ترتب عليه تبرئة من بريء من المتهمين ورفض الدعوى المدنية قبلهم فضلاً عن أنه ما كان لها أن تتعرض للأدلة القائمة على الملك السابق وهو غير مائل أمامها في الخصومة.
وحيث إن للمحكمة في المواد الجنائية أن تجزيء أي دليل ولو كان اعترافاً من متهم على غيره وتأخذ منه بما تطمئن إليه في إدانة من ترى إدانته وتطرح سواه في حق من لا ترى توافر الدليل على إدانته. لما كان ذلك، وكان غير صحيح ما ورد في النعي بأن المحكمة قطعت في صدر حكمها باشتراك الملك السابق في تدبير الجريمة ثم قررت بعد ذلك بأنه لا توجد أدلة مقنعة على إدانته. فإن هذين السببين يكونان على غير أساس.
وحيث إن السبب الخامس من أسباب طعن المدعية بالحق المدني يتحصل في أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه إذ قضى بعدم جواز سماع الدعوى قبل الملك السابق فاروق بوصفه مسئولاً مدنياً عن جريمة محمد حسن السليماني أمينه الخاص. بمقولة إن القانون رقم 598 لسنة 1953 يمنع من نظرها. مع أن القانون المذكور لم يقصد إطلاقاً إلى أن يحول بين المحاكم الجنائية وبين نظر الدعاوى المدنية التابعة للدعاوى العمومية المرفوعة أمامها.
وحيث إن هذا السبب مردود بما جاء بالحكم المطعون فيه من "أن المادة التاسعة من القانون المذكور نصت على أنه تشكل لجنة بقرار من وزير العدل تختص بالفصل في كل طلب بدين أو ادعاء بحق قبل أي شخص ممن شملهم قرار 8 من نوفمبر سنة 1953 وفى كل منازعة تتعلق بهذه الأموال، وأن القانون المذكور بين الإجراءات التي تتبع في مواده الأخرى وأنه رتب على ذلك نتيجة حتمية إذ نص في المادة 14 منه على عدم جواز سماع أية دعوى متعلقة بالأموال المصادرة أمام أية محكمة من أي نوع وسحب هذا الحكم على الدعاوى القائمة فعلاً كما نص في المادة الرابعة منه على أنه استثناء من حكم المادة 12 من قانون نظام القضاء والمادتين 3 و10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها سماع الدعاوى المتعلقة بالأموال التي صدر قرار مجلس الثورة في 8 من نوفمبر سنة 1953 بمصادرتها ويسرى ذلك على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم وقت العمل بهذا القانون ولو لم يكن الأشخاص المصادرة أموالهم خصوماً فيها ". ولما كان يبين من نصوص هذا القانون أنها جاءت عامة مطلقة في اختصاص اللجنة التي نصت عليها المادة التاسعة منه بالفصل في كل طلب بدين أو ادعاء بحق قبل أي شخص ممن شمله قرار 8 من نوفمبر سنة 1953 وكان موضوع الدعوى المدنية هو إصلاح الضرر المتسبب عن الجريمة باقتضاء مبلغ من المال بمثابة تعويض فهو لا يخرج عن كونه ادعاء بحق على المال ـ فإن ما جاء بالحكم يكون صحيحاً في القانون.
وحيث إن السببين السادس والسابع من أسباب طعن المدعية بالحق المدني يتحصلان في أن الدعوى المدنية وجهت إلى الحكومة بوصفها مسئولة مدنياً عن جريمة المتهمين بما فيهم الأميرالاي محمد وصفى الذي توفى لأنهم تابعون لها وارتكبوا الجريمة حال تأدية وظائفهم كما وجهت إلى الحكومة ممثلة برئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ورئيس إدارة تصفية أموال أسرة محمد علي من أموال الملك السابق فاروق باعتباره مسئولاً عن فعله الشخصي ومسئولاً كذلك عن فعل المتهمين الخامس والسادس وهما الأميرالاي أحمد كامل ومحمد حسن السليماني اللذان كانا يتبعانه مع تبعيتهما في الوقت ذاته للحكومة ولكن المحكمة حددت في أسباب حكمها طلبات الطاعنة على أساس أنها استبعدت بجلسة 4 من فبراير سنة 1954 مسئولية الحكومة مدنياً عن جريمة المتهمين الرابع والخامس والسادس على محمد حسنين والأميرالاي أحمد كامل ومحمد حسن السليماني واعتبرت الأستاذ لطفي الخولى متحدثاً بلسان الطاعنة مع أنه ليس وكيلاً عنها، أما الأستاذ محمد فوزي بدر فإنه وإن كان وكيلاً عن الطاعنة إلا أنه فوجئ بالمناقشة في تحديد الطلبات في غيبة محامى الطاعنة الذي حدد تلك الطلبات وقام بإعلانها ومع ذلك فإن عبارات الأستاذ محمد فوزي الثابتة بمحضر جلسة 4 من فبراير سنة 1954 لا تطابق ما أثبتته المحكمة في حكمها وقد أذنت له المحكمة بتقديم مذكرة تفصيلية بالدعوى المدنية وقدمت المذكرة فعلاً بجلسة 21 من فبراير سنة 1954 بعد أن ترافع محامى الطاعنة الأصلي على أساس نفس الطلبات المعلنة والتي وردت في المذكرة الختامية ومع ذلك أغفلت المحكمة الأخذ بالطلبات الختامية دون أن تبين سبباً لهذا الإغفال فجاء في ذلك مخالفاً للقانون مشوباً بالقصور، والخطأ في الإسناد. واستنزلت من التعويض الذي قضى به للطاعنة مبلغ 500 جنيه دفعتها الحكومة إلى المدعية بالحق المدني مضافاً إليها 3600 جنيه مقابل المعاش الاستثنائي ـ بمقولة إن هذه المبالغ تعويض، وأفادت المتهمين الرابع والسادس علي محمد علي حسنين ومحمد حسن السليماني بالمبلغ الذي استنزلته مع أنه لا شأن لهما بما دفعته الحكومة، ومع أن الحكومة إذ فعلت ذلك لم تبنه على أساس التعويض بل بنته على أنه واجب إنساني هذا إلى أن المحكمة لم تورد الأسباب المبررة لتقديرها التعويض بالقيمة التي قدرته بها مما يعيب الحكم ويبطله.
وحيث إنه يبين من الحكم أنه جاء به " أنه بجلسة 4 من فبراير سنة 1954 اعترض محامى الحكومة على كيفية توجيه الدعوى بالنسبة للمتهم الرابع علي محمد علي حسنين وبعد المناقشة قرر محامو المدعين أنهم يعتبرون أن المتهم الرابع لم يرتكب الجريمة أثناء القيام بالوظيفة وأن إعلان وزارة المالية أساسه ألا يعيدوا إعلانها عند الحكم بالتعويض على الحكومة وأنهم أعلنوا وزارة الداخلية باعتبارها الجهة الرئيسية المباشرة للمتهمين الثلاثة الأول والمتهمين السابع والثامن وأنه بالنسبة للمتهم الرابع علي حسنين فإنهم يطالبونه بالتعويض بصفته الشخصية وبالنسبة للمتهم السادس محمد حسن السليماني بصفته الشخصية وباعتبار الملك السابق هو المسئول بالحق المدني عنه مع الحكم بالتضامن قبل المتهمين جميعاً وقبل المسئولين بالحقوق المدنية أيضاً عن كل منهم ولم يصمموا على مسئولية الحكومة عن محمد حسن السليماني أو علي حسنين "، وكان من أثر ذلك أن قضت بإلزام كل من علي محمد علي حسنين ومحمد حسن السليماني اللذين أدانتهما متضامنين بأن يدفعا إلى المدعية بالحق المدني كريمه إبراهيم فرغل عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مبلغ ألفى جنيه والمصاريف المناسبة.
ولما كان يبين من محضر جلسة 4 من فبراير سنة 1954 أنه وإن كان الحاضرون عن المدعية بالحق المدني المذكورة قرروا ما أسنده إليهم الحكم بشأن الدعوى المدنية إلا أنه ثابت أيضاً في المحضر المذكور أن أحدهم الأستاذ فوزي بدر قال: " إنه سيبحث هذا البحث القانوني في مذكرة خاصة يفصل فيها الدعوى المدنية وإلى من هي موجهة... وقالت المحكمة للأستاذ فوزي إنها توافق على تقديم مذكرة تفصيلية بالدعوى المدنية ". وبجلسة 7 من فبراير سنة 1954 ترافع محامى المدعية بالحق المدني ثم قدم مذكرته لجلسة 21 من فبراير سنة 1954 رداً على مذكرة الحكومة وتمسك في مرافعته ومذكرته بالطلبات الأصلية وتمسك باعتبار الحكومة مسئولة عن جريمتي المتهمين علي محمد علي حسنين ومحمد حسن السليماني. لما كان ذلك تكون المحكمة إذ استبعدت الحكومة عن نطاق المسئولية المدنية عن فعل المحكوم عليهما علي محمد علي حسنين ومحمد حسن السليماني، قد شاب حكمها القصور بما يعيبه ويستوجب نقضه، إذ لم تعن بالرد على ما أثاره محامى المدعية بالحق المدني الطاعنة في جلسة 7 من فبراير سنة 1954 وفى المذكرة المقدمة منه لجلسة 21 من فبراير سنة 1954 بما يتضمن التمسك بمسئولية الحكومة عن فعل هذين المتهمين مع أنها صرحت له بتقديم مذكرة تفصيلية بالدعوى المدنية عقب الأقوال التي صدرت منه بجلسة 4 من فبراير سنة 1954 مما يفيد أن هذه الأقوال لم تكن التصوير النهائي للدعوى المدنية. لما كان ذلك وكانت المحكمة بعد أن خلصت إلى إثبات الجريمة في حق من دانته من المتهمين وهما علي محمد حسنين ومحمد حسن السليماني انتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى الحكم بتعويض قدره 2000جنيه عليهما بالتضامن باعتبار أن هذا المبلغ مناسب للضرر الذي أصاب المدعية بالحق المدني الناشئ مباشرة عن الجريمة التي وقعت منهما. إذ انتهت المحكمة إلى ذلك كانت قد خصمت مبلغ 4100 جنيه بمقولة إن الحكومة دفعت للمدعية ما يقابله قياماً بواجبها الإنساني، وذلك دون أن تبحث قبل إجراء هذا الخصم، فيما إذا كانت الحكومة مسئولة بالتضامن عن فعل المحكوم عليهما علي محمد حسنين ومحمد حسن السليماني أو غير مسؤلة، مع ما لهذا البحث من الأثر في جواز هذا الخصم أو عدم جوازه، وفى إلزام المحكوم عليهما سالفى الذكر بكامل التعويض الذي قدرته المحكمة أو بالباقي منه بعد إنقاصه بمقدار ما كانت دفعته الحكومة للمدعية بالحق المدني (الطاعنة)، وهى إذ أغفلت هذا البحث يكون قد شاب حكمها القصور بما يعيبه ويستوجب نقضه، ولا يرد على ذلك بأن هذا الوجه لم يذكر في أسباب الطعن، ما دام أنه يندرج في عموم السبب السابع الذي تنعى فيه المدعية بالحق المدني على الحكم إجراء هذا الخصم وإفادة المحكوم عليهما علي محمد حسنين ومحمد حسن السليماني به، ومن ثم يكون هذان الوجهان من أوجه الطعن في محلهما، ويتعين نقض الحكم في خصوصهما، وإعادة القضية إلى محكمة جنايات مصر للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وذلك بالنسبة لمسؤلية الحكومة عن فعل المحكوم عليهما سالفى الذكر. وبالنسبة إلى جواز أو عدم جواز خصم المبلغ الذي احتسبته المحكمة مقابلاً لما قررته الحكومة ودفعته كمعاش استثنائي ومكافأة للمدعية بالحق المدني كريمة إبراهيم فرغل عن نفسها وبصفتها.