أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 487

جلسة 21 من أبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، وحسين سامح، ونصر الدين عزام.

(102)
الطعن رقم 1796 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج) اختراع. نماذج صناعية. تسجيل "تسجيل النماذج الصناعية". تقليد. "تقليد الاختراع". براءات اختراع. جريمة. "أركانها". دعوى مدنية. خطأ. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية. ماهية كل منها؟
(ب) براءة الاختراع. هي المناط في حماية ملكيته. عدم الحصول على هذه البراءة. لا جريمة في تقليد الاختراع.
الابتكار وحده هو الذي ينشئ ملكية الرسوم والنماذج وليس تسجيلها. التسجيل قرينة على هذه الملكية تقبل إثبات العكس.
ليس من شأن تسجيل النموذج أن يغير من طبيعته.
(ج) اقتصار المدعي المدني على تسجيل القوالب المدعي تقليدها بوصفها نماذج صناعية مع أنها اختراع. تقليد هذه القوالب. غير مؤثم. ما دام لم يحصل على براءة اختراع عنها.
(د) إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة". اختراع. نماذج صناعية تقليد. "تقليد الاختراع". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "حقها في إنزال حكم القانون".
تحديد الابتكار. مسألة فنية. مردها لأهل الخبرة.
إنزال حكم القانون على الوقائع المطروحة. مسألة قانونية. للمحكمة وحدها حق الفصل فيها.
1 - مفاد نص المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والنماذج الصناعية، أن الشرط الأساسي في الاختراع أن يكون هناك ابتكار يستحق الحماية، وهذا الابتكار قد يتمثل في فكرة أصلية جديدة فيخلق صاحبها ناتجاً جديداً، وقد تتخذ الفكرة الابتكارية شكلاً آخر ينحصر في الوسائل التي يمكن عن طريقها تحقيق نتيجة كانت تعتبر غير ممكنة في نظر الفن الصناعي القائم قبل الابتكار، وقد يكون موضوع النشاط الابتكاري مجرد التوصل إلى تطبيق جديد لوسيلة مقررة من قبل، وليس من الضروري أن تكون النتيجة جديدة، بل الجديد هو الربط بين الوسيلة والنتيجة واستخدام الوسيلة في غرض جديد، وتسمى البراءة في هذه الحالة براءة الوسيلة وهي تنصب على حماية التطبيق الجديد. أما الرسوم والنماذج فهي ابتكارات ذات طابع فني يكسب المنتجات الصناعية جمالاً وذوقاً أي أنها تتعلق بالفن التطبيقي أو الفن الصناعي فحسب.
2 - يحمي القانون الاختراع، بالبراءة التي تحمي ملكيته، بحيث إذا لم يحصل المخترع على براءة اختراعه، فإن تقليد هذا الاختراع يكون غير مؤثم قانوناً. أما الرسوم والنماذج فتنشأ الملكية فيها من ابتكارها وحده، فالتسجيل لا ينشئ ملكيتها ولو أنه يعد قرينة على الملكية، وعلى أن من قام بالتسجيل هو مبتكرها، غير أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، كما أن تسجيل النموذج ليس من شأنه أن يغير من طبيعته.
3 - متى كانت وسيلة حماية الاختراع هي الحصول على براءة اختراع على التفصيل الوارد في الباب الأول من القانون رقم 132 لسنة 1949، وكان المستأنف لم يحصل على تلك البراءة واقتصر على مجرد تسجيل القوالب بوصفها نماذج صناعية على الرغم من أنها لم تكن من هذا القبيل بل تتضمن ابتكاراً جديداً لوسيلة الصنع، فإن تقليد المتهم لهذه القوالب - على فرض حصوله - لا يكون مؤثماً، ويكون الحكم المستأنف حين قضى برفض الدعوى المدنية قد توافرت له السلامة ويتعين تأييده.
4 - إذا كان تحديد الابتكار في ذاته مسألة فنية وقد قنعت المحكمة بما أثبته الخبير الاستشاري من أن القوالب المدعى تقليدها هي ابتكار لوسيلة صناعية وما انتهى إليه مراقب براءات الاختراعات من ذلك أيضاً، فإن إنزال حكم القانون عليها هو مسألة قانونية للمحكمة وحدها حق الفصل فيها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 18 نوفمبر سنة 1961 بدائرة قسم المنشية: قلد النموذج الصناعي المبين بالمحضر والذي تم تسجيله قانوناً باسم محمد محمود القاضي. وطلبت عقابه بالمواد 37 و38 و48 و49 من القانون رقم 132 لسنة 1949 المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 1962 وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وأتعاب المحاماة. ومحكمة جنح المنشية الجزئية قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما نسب إليه ورفض الدعوى المدنية المقامة قبله وإلزام رافعها مصاريفها. فاستأنف هذا الحكم كل من النيابة العامة والمدعى بالحقوق المدنية. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف في شقيه الجنائي والمدني مع إلزام المستأنف في الدعوى المدنية المصاريف الاستئنافية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المدعى بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بتاريخ 28 يونيه سنة 1965 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى المدنية وإحالة القضية إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة - بهيئة استئنافية أخرى - قضت قبل الفصل في الموضوع بندب مراقب براءة الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية بمصلحة التسجيل التجاري بوزارة الاقتصاد لأداء المأمورية المبينة بمنطوق ذلك الحكم وبعد أن قدم تقريره قضت حضورياً في الدعوى المدنية بقبول استئناف المدعى المدني شكلاً وفي موضوعه وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليه أن يدفع إلى المستأنف مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية عن الدرجتين ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن وكيل المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض وبتاريخ 6 فبراير سنة 1968 قضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة 25 مارس سنة 1968 لنظر الموضوع وكلفت النيابة إعلان الطاعن والمطعون ضده والخبير السيد عبد الرحمن عبد السلام زكي وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.


المحكمة

حيث إن واقعة الدعوى تتحصل فيما أبلغ به المستأنف - المدعى بالحقوق المدنية - من أنه قد ابتكر قوالب "اسطمبات" لصب كعوب أحذية السيدات التي تصنع من النحاس أو الألمنيوم، وسجل نماذج ابتكاره هذا بإدارة الرسوم والنماذج الصناعية بمصلحة التسجيل التجاري طبقاً لأحكام القانون رقم 132 لسنة 1949، ثم تبين له بعد هذا التسجيل أن المستأنف عليه قام بتقليد هذه النماذج وعرضها للبيع مستعيناًً في ذلك بعامل كان يعمل لديه - لدى المستأنف - وقدم المستأنف شهادة بتسجيل نماذج صناعية لثلاثة قوالب تضمنت أن التسجيل تم دون فحص سابق وعلى مسئوليته وإذا أقامت النيابة العامة الدعوى الجنائية على المستأنف عليه، فقد ادعى المستأنف مدنياً طالباً القضاء له بالتعويض، فكان أن قضى بالبراءة ورفض الدعوى المدنية وتأيد هذا الحكم استئنافياً. وإذا نقض هذا الحكم في خصوص الدعوى المدنية فقط التي استقام لها السير مستقلة عن الدعوى الجنائية بقبول النيابة العامة لحكم البراءة فقد قضت محكمة الإحالة بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليه بالتعويض فطعن هذا الأخير بالنقض، فنقض الحكم للمرة الثانية وحددت جلسة لنظر الموضوع.
وحيث إن الحكم المستأنف، بعد أن أورد أنه لا يكفي تسجيل النموذج حتى يعاقب من يقلده، بل يجب أن تثبت له الجدة بقرينة مستمدة من تسجيله وقابلة لإثبات العكس، خلص إلى تبرئة المستأنف عليه ورفض الدعوى المدنية على سند من أن القوالب لا تتوافر فيها ذاتية تميزها عن النماذج الأخرى الخاصة بصب كعوب أحذية السيدات المتداولة في الأسواق من زمن بعيد سابق على تسجيل المستأنف لنماذجه.
وحيث إن دفاع المستأنف يقوم على أن القوالب يتوافر فيها عنصر الجدة وأنها جاءت نتيجة مجهود فكري وذهني كبير فضلاً عن المميزات الجديدة التي كشف عنها تقرير الخبير الاستشاري المقدم منه، أما المستأنف عليه فقد أفصح عن أنه إذا ما استقام دفاع المستأنف، كان من مؤداه أن القوالب تمثل اختراعاً وإذا لم يستصدر عنها براءة اختراع فإن تقليدها يكون غير مؤثماً قانوناً.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية تنص على أنه "تمنح براءة اختراع وفقاً لأحكام هذا القانون عن كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء أكان متعلقا بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أم بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة" ثم نصت المادة 37 منه على أنه "فيما يتعلق بتطبيق هذا القانون يعتبر رسماً أو نموذجاً صناعياً كل ترتيب للخطوط أو شكل جسم بألوان أو بغير ألوان لاستخدامه في الإنتاج الصناعي بوسيلة آلية أو يدوية أو كيمائية" وإذ كان مفاد نص المادة الأولى أن الشرط الأساسي في الاختراع أن يكون هناك ابتكار يستحق الحماية وهذا الابتكار قد يتمثل في فكرة أصلية جديدة فيخلق صاحبها ناتجاً جديداً، وقد تتخذ الفكرة الابتكارية شكلاً آخر ينحصر في الوسائل التي يمكن عن طريقها تحقيق نتيجة كانت تعتبر غير ممكنة في نظر الفن الصناعي القائم قبل الابتكار، وقد يكون موضوع النشاط الابتكاري مجرد التوصل إلى تطبيق جديد لوسيلة مدونة من قبل، وليس من الضروري أن تكون النتيجة جديدة، بل الجديد هو الرابطة بين الوسيلة والنتيجة واستخدام الوسيلة في غرض جديد وتسمى البراءة في هذه الحالة براءة الوسيلة وهي تنصب على حماية التطبيق الجديد. أما الرسوم والنماذج فهي ابتكارات ذات طابع فني يكسب المنتجات الصناعية جمالاً وذوقاً أي أنها تتعلق بالفن التطبيقي أو الفن الصناعي فحسب. والقانون يحمي الاختراع بالبراءة التي تحمي ملكيته، بحيث إذا لم يحصل المخترع على براءة اختراعه، فإن تقليد هذا الاختراع يكون غير مؤثم قانوناً، أما الرسوم والنماذج فتنشأ الملكية فيها من ابتكارها وحدها، فالتسجيل لا ينشئ ملكيتها ولو أنه يعد قرينة قانونية على الملكية، وعلى أن من قام بالتسجيل هو مبتكرها، غير أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، كما أن تسجيل النموذج ليس من شأنه أن يغير من طبيعته.
وحيث إنه يبين من التقرير الاستشاري الصادر من الدكتور يوسف الجندي المدرس بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، المقدم من المستأنف أنه تضمن أنه ولو أن فكرة القوالب المعدنية كطريقة لصب المعادن معروفة من قديم إلا أن براعة المصمم تظهر في صنع نماذج للقوالب ذات تصميم خاص يسمح بزيادة الإنتاج وسهولة التشغيل. ثم عرض التقرير لنواحي الابتكار في التصميم فذكر أنه "من دراسة نماذج القوالب والرسومات الهندسية الخاصة بها وبمقارنتها بالتصميمات المعروفة هندسياً الخاصة بالقوالب التي تستعمل في صب المعادن يتضح أن نماذج القوالب موضوع الدعوى تمتاز بعدة نواح مبتكرة في التصميم تميزها عن القوالب المعروفة فالقوالب العادية الخاصة بإنتاج سلعة كالكعوب الألمنيوم مثلا تتكون من نصفين محفور بهما شكل الكعب، ومجمعة بطريقة تسمح بصب الألمنيوم المنصهر وتسمح بفتح القالب بواسطة مفصلة مثبتة بالنصفين، إلا أن القالب موضوع الدعوى يتميز بعدة ابتكارات هندسية في التصميم إذ يتكون من ست قطع." وبعد أن أبرز الخبير المزايا الهندسية المبتكرة في تصميم القوالب، وهي سهولة ودقة تشغيل تجويف الكعب، وسهولة تجميع القالب، عند الإنتاج بدون حاجة إلى استعمال مفصلات، ثم سهولة فك أجزاء القالب الستة في حالة التصاق المعدن واستخراج الكعب بسهولة بواسطة الطرق الخفيف وهذا في حد ذاته يعتبر ابتكاراً مميزاً لهذا القالب كما أن النموذج به ميول خاصة تجعل الكعوب معدة للتركيب مباشرة في الجزء الخشبي العلوي من كعب الحذاء، مما يسهل عملية التركيب ويسبب وفراً كبيراً في الجزء الخشبي العلوي وقد خلص الخبير بعد إيراد ما تقدم إلى أن القوالب تعتبر نماذج صناعية لتوافر عنصري الجدة والابتكار وليست موضوع اختراع. هذا وقد سبق لمحكمة الإحالة أن ندبت مراقب براءات الاختراع ليبين وجه الشبه والخلاف بين قوالب المستأنف والمستأنف عليه، فقدم تقريرا تحدث فيه عما رآه من تشابه، وخلص إلى أن النماذج المسجلة تندرج تحت حكم المادة 37 من القانون رقم 132 لسنة 1949. وإذ ناقشت المحكمة هذا الخبير - تحقيقاً لما كان قد نعاه المستأنف عليه على محكمة الإحالة من عدم استجابتها لتلك المناقشة - فقد ذكر أن الجدة والابتكار مطلوبة في كل من النموذج والاختراع وأن الفيصل بينهما هو في طريقة التسجيل، وأنه يجوز أن يرد الاختراع على وسيلة إنتاج، ثم انتهى بعد مناقشة المحكمة له أخيراً إلى أن الابتكار في القوالب موضوع الدعوى منصب على وسيلة الصنع.
وحيث إن المحكمة ترى فيما ساقه الخبير الاستشاري في تقريره من فحص القوالب أنها كانت وليدة فكرة ذهنية جديدة لوسيلة صناعية ابتكرها المستأنف، ولا يغير من ذلك أن فكرة صب كعوب أحذية السيدات في قوالب كانت معروفة من قديم ذلك بأن الجديد في القوالب موضوع الدعوى هو تطبيق جديد لتلك الوسيلة، كما لا يقدح في ذلك وصف المستأنف للقوالب بأنها نماذج صناعية أو انتهاء الخبيرين في تقريرهما إلى النظر ذاته ذلك بأنه إذا كان تحديد الابتكار في ذاته مسألة فنية وقد قنعت المحكمة بما أثبته الخبير الاستشاري من أن القوالب هي ابتكار لوسيلة صناعية وما انتهى إليه مراقب براءات الاختراع من ذلك أيضاً، فإن إنزال حكم القانون عليها هو مسألة قانونية للمحكمة وحدها حق الفصل فيها. لما كان ذلك، وكانت وسيلة حماية الاختراع هي الحصول على براءة اختراع على التفصيل الوارد في الباب الأول من القانون رقم 132 لسنة 1949، وكان المستأنف لم يحصل على تلك البراءة واقتصر على مجرد تسجيل القوالب بوصفها نماذج صناعية - على الرغم من أنها لم تكن من هذا القبيل، بل تتضمن ابتكاراً جديداً لوسيلة الصنع - فإن تقليد المستأنف عليه للقوالب، على فرض حصوله لا يكون مؤثماً، ويكون الحكم المستأنف حين قضى برفض الدعوى المدنية قد توافرت له السلامة، ويتعين تأييده مع إلزام المستأنف المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.