أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة السادسة - صـ 635

جلسة 14 من مارس سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود إسماعيل، ومصطفى كامل واسحق عبد السيد المستشارين.

(206)
القضية رقم 2057 سنة 24 القضائية

( أ ) بلاغ كاذب. خلوه من اتهام صريح لشخص معين. ذكر المبلغ اسم المبلغ ضده عند سؤاله في التحقيق. يكفى لتحقق الجريمة.
(ب) بلاغ كاذب. تحقيق كذب البلاغ أو صحته. موكول إلى المحكمة.
1ـ إن جريمة البلاغ الكاذب تتحقق وإن خلا البلاغ الكاذب من اتهام صريح إلى شخص معين متى كان المبلغ قد أفصح أمام السلطة التي
قدم إليها البلاغ عند سؤاله في التحقيق عن اسم المبلغ ضده.
2ـ إن البحث في كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك أمر موكول إلى المحكمة تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها.


الوقائع

أقام المدعى بالحق المدني (محمد عبد الواحد علي) دعواه مباشرة أمام محكمة جنح كرموز الجزئية التي قيدت بجدولها برقم 4229 سنة 1953 ضد الطاعنة الأولى (نعيمة حميده عبد الوارث) متهماً إياها بأنها أبلغت ضده بأنه كان قد خطف ابنها عبد الوهاب أحمد مرسى الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات بقصد الإضرار. وفى أثناء نظر الدعوى أدخل المدعى بالحق المدني متهماً آخر في الدعوى وهو مصطفى أحمد مرسى (الطاعن الثاني) بأنه اشترك مع الأولى في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بالاتفاق والمساعدة. وطلبت معاقبتهما بالمواد 302 و303 و304 و305 و40/ 2ـ 3 و41/ 1 من قانون العقوبات مع إلزامهما متضامنين بأن يدفعا له قرشاً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وبعد أن أتمت المحكمة نظرها قضت فيها حضورياً بتاريخ 13 من يناير سنة 1954 ـ عملاً بمواد الاتهام ـ بحبس كل من المتهمين شهراً واحداً مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لكل منهما لوقف التنفيذ وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعى المدني قرشاً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فأستأنف المتهمان هذا الحكم. وبعد أن نظرت محكمة الإسكندرية الابتدائية هذا الاستئناف قضت فيه حضورياً بتاريخ 13 من فبراير سنة 1954 بقبوله شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بتغريم كل من المتهمين عشرين جنيهاً بلا مصروفات جنائية وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للدعوى المدنية وألزمت المتهمين بالمصروفات المدنية الاستئنافية. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن صحيفة الجنحة المباشرة التي أعلنت للطاعنين جاءت خلواً من بيان الجهة التي قدم إليها البلاغ مما يعيب الحكم ويبطله لأن هذا البيان ركن جوهري من أركان جريمة البلاغ الكاذب، كذلك خلا بلاغ الطاعنة الأولى من التبليغ عن أمر كاذب معين وتوجيه اتهام صريح إلى المدعى بالحقوق المدنية ـ أما مجرد قولها في محضر ضبط الواقعة إنها تشتبه في أن يكون ابنها عند المدعى المذكور لأنها سمعت من الشاهد سعد محمد عبد الحليم بأنه رآهما معاً فلا يعتبر بلاغاً كاذباً في حق المدعى، هذا فضلاً عن أنها لم تكن تعلم بكذب هذه الواقعة التي سمعتها من الشاهد مما ينتفي معه ركن القصد الجنائي. يضاف إلى ذلك أن المحكمة ليس لها أن تخوض في بحث ما إذا كان البلاغ صحيحاً أو كاذباً لأن هذا البحث موكول إلى السلطة المختصة إلى تلقت البلاغ وتولت تحقيقه أما قول الحكم بأن الطفل اعترف بالواقعة بعد أن ضيق عليه المحقق الخناق فلا يصح الأخذ به كدليل على كذب البلاغ لأن هذا الاعتراف كان وليد الإكراه المادي والأدبي كما يفهم ذلك من معنى العبارة المتقدمة ـ هذا إلى أن الطاعن الثاني لم يقم بأي عمل مادي يعتبر اشتراكاً في الجريمة ولم يتقدم إلى البوليس للتبليغ أو للشهادة بما يؤيد بلاغ الطاعنة الأولى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية المكنونة للجريمة التي دين الطاعنان بها ومنها بيان الجهة التي قدم إليها البلاغ وهى بوليس قسم كرموز واستظهر الحكم كذب البلاغ وعلم الطاعنة الأولى بكذبه بقوله" إنه لما سئل الغلام المدعى بخطفه في التحقيق قرر أن المدعى بالحق المدني وابنه هما اللذان أخذاه بينما كان يلهو في حديقة وذهبا به إلى جهة نائية في الريف بعد أن استقلوا سيارة وبعد بضعة أيام أخذه شخص لا يعرفه إلى مكان بالقرب من مقهى عبد المنعم محمود إبراهيم وتركه وحيداً فذهب مع شخص لا يعرفه إلى ذلك المقهى واقتاده صاحبه إلى والدته ـ وبإعادة مناقشته قرر أنه في واقع الأمر كان والده والمتهم الثاني (الطاعن الثاني) قد ذهبا به إلى منزل خالته حيث أقام فيه طوال تلك المدة وأوصاه المتهمان (الطاعنان) بأن يدعى بأن المدعى بالحق المدني وابنه قد اختطفاه عند سؤاله أمام البوليس فأطاعهما إلا أنه وقد ضيق عليه الخناق فقد اضطر إلى الاعتراف بالحقيقة. وأن ما أبلغت به المتهمة الأولى في يوم 11 من يونيه سنة 1953 من أن ابنها كان مع المدعى بالحق المدني وإن لم يرد فيه صراحة أنهما خطفاه إلا أنه يبين من أقوالها وهى جزء لا يتجزأ من بلاغها ما يتضمن اتهامه باختطاف ابنها: وأنه يبين من أقوال عبد الوهاب أحمد مرسى ومن أقوال المدعى بالحق المدني أن المتهمة الأولى قد عمدت إلى ذلك التبليغ بعد أن اتفقت مع المتهم الثاني بأخذ ابنها إلى أختها أنيسه وإخفائه لديها حتى تنكل بالمدعى بالحق المدني وتنتقم منه إزاء الخلاف بينهما الذي يتمثل في وجود قضايا بين ابنها الذي كان متزوجاً من ابنة المدعى بالحق المدني فكان بلاغها السالف الذكر كاذباً وأجرته على سوء قصدها بغية الانتقام من المبلغ ضده السابق ذكره. ولما كان ما قاله الحكم من ذلك كافياً في بيان كذب البلاغ وعلم الطاعنة الأولى بكذبه وكانت جريمة البلاغ الكاذب تتحقق وإن خلا البلاغ الكاذب من اتهام صريح إلى شخص معين متى كان المبلغ قد أفصح أمام السلطة التي قدم إليها البلاغ عند سؤاله في التحقيق عن اسم المبلغ ضده وكان البحث في كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك أمراً موكولاً إلى المحكمة تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها وكانت المحكمة قد استدلت على اشتراك الطاعن الثاني مع الطاعنة الأولى في ارتكاب الجريمة بأنه اتفق معها على تدبيرها وأخذ الطفل المدعى بخطفه وأخفاه عند خالته وأوصاه بأن يدعى عند سؤاله في التحقيق بأن المدعى بالحقوق المدنية وولده قد خطفاه وفى ذلك البيان الكافي للأعمال التي وقعت بين الطاعن الثاني يؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعنان في طعنهما لا يكون له محل. أما ما يثيرانه بشأن الإكراه فإنهما لم يتمسكا به أمام محكمة الموضوع فضلاً عن أن العبارة التي أوردها الحكم واستدل بها الطاعنان على وقوعه لا تفيد أن إكراها ما وقع على الطفل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.