أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 498

جلسة 21 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي.

(104)
الطعن رقم 2220 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) رشوة. جريمة. "أركانها". عقوبة "العقوبة المبررة". ارتباط. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة.
( أ ) إثبات الحكم على المتهم ارتكاب جنايتي عرض رشوة على شاهد الإثبات وأخذ رشوة من مجهولين حاولوا تهريب مخدرات. عدم التزام الحكم أن يقم الدليل على وقوع جريمة إحراز المخدرات. علة ذلك؟
(ب) الادعاء بعدم توافر أركان جريمة الرشوة. عدم جدواه إذا كانت المحكمة قد آخذت المتهم بجريمة عرض الرشوة المسندة إليه أيضاً وأعملت في حقه المادة 32/ 2 عقوبات وعاقبته بعقوبة تدخل في نطاق عقوبة جريمة عرض الرشوة.
(ج، د) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) أوجه الدفاع الموضوعية. لا تستوجب رداً صريحاً من المحكمة.
(د) استعداد المدافع عن المتهم. موكول إلى تقديره وفق ما يوحي به ضميره واجتهاده وتقليد مهنته.
عدم اعتراض المتهم على ندب المحكمة محامياً للدفاع عنه وطلبه تأجيل نظر الدعوى لحضور محامي موكل عنه. لا إخلال بحق الدفاع.
(هـ، و، ز) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(هـ) الأخذ بالشهادة. مؤداه إطراح ما ساقه الدفاع من اعتبارات لعدم الأخذ بها.
(و) عدم التزام المحكمة أن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
(ز) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. حق لمحكمة الموضوع. تستخلصه من سائر العناصر المطروحة أمامها. ما دام استخلاصها سائغا.
1 - إذا كان الحكم قد أثبت في حق المتهم ارتكاب جنايتي عرض الرشوة على شاهد الإثبات وأخذ الرشوة من مجهولين حاولوا تهريب مواد مخدرة وذلك للأدلة التي أوردها وأخذ بها، فإنه لا يلزم من بعد، أن يقيم الحكم الدليل على وقوع جريمة إحراز المخدرات، لأن المعول عليه إنما هو تقاضي الرشوة للإخلال بواجبات الوظيفة التي أثبتها الحكم، ولا يؤثر في قيام أركان جريمة الرشوة عدم ضبط الراشي ما دام الموظف قد قبل الرشوة منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي.
2 - لا مصلحة للمتهم من القول بعدم توافر أركان جريمة الرشوة التي دانه الحكم بها ما دام أن المحكمة قد دانته أيضاً بجريمة عرض الرشوة على شاهد الإثبات وأعملت في حقه نص المادة 32/ 2 من قانون العقوبات لارتباط الجريمتين وأوقعت عليه عقوبة واحدة عنهما تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة عرض الرشوة.
3 - ما أثاره الطاعن لدى محكمة الموضوع من تشكيك في أقوال الشاهد وما ساقه من قرائن، تشير إلى تلفيق التهمة، لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من المحكمة بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
4 - استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره هو حسبما يوحى به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته، وإذ كان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن المحامي المنتدب قد أبدى استعداده للدفاع عن المتهم، فإن ما يثيره المتهم المذكور من دعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل طالما أن المتهم لم يبد أي اعتراض على هذا الإجراء ولم يتمسك أمام المحكمة بطلب تأجيل نظر الدعوى لحضور محام موكل عنه.
5 - الأصل أنه متى أخذت محكمة الموضوع بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
6 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم أن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، وفي عدم تعرضها لأقوال بعض من سئلوا في التحقيقات ما يفيد إطراحها لها اطمئناناً منها لأدلة الثبوت التي بينها الحكم.
7 - من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في 21 مايو سنة 1965 بدائرة قسم السويس محافظة السويس: (أولاً) عرض رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدم لعبد الواحد حسن رضوان الرقيب بشرطة السواحل مبلغ أربعين جنيها على سبيل الرشوة مقابل التغاضي عن الإبلاغ عما اكتشفه من اشتراكه مع آخرين في عملية تهريب نظير الرشوة موضوع التهمة الثانية ولكن الموظف العمومي لم يقبل الرشوة منه (ثانياً) بصفته موظفاً عمومياً "عسكري بقوة قسم سواحل السويس" أخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن تقاضى مبلغ مائة وثلاثين جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل اشتراكه مع آخرين في تهريب مواد مخدرة في منطقة حراسته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 103 و104 و109 مكرر و110 و111/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات السويس قضت في الدعويين حضورياً عملاً بالمواد 103 و104 و109 مكرراً و110 و111/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 32/ 1 و17 من القانون سالف الذكر بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألفين من الجنيهات ومصادرة مبلغ الرشوة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي عرض وأخذ الرشوة قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأن المحكمة ندبت محامياً في الجلسة ترافع عن الطاعن بعد أن اطلع على ملف القضية دون أن تتيح له الوقت الكافي للدراسة والاستعداد ثم إن المحكمة التفتت عن أقوال الشهود الذين سمعوا في التحقيق وأنكروا جميعاً حصول واقعة تهريب المخدرات وقالوا برواية أخرى مغايرة للرواية التي قال بها شاهد الإثبات ولم تشر المحكمة إلى أقوالهم في أسباب حكمها. كما أنها لم تبحث ما أثاره الطاعن من القول بعدم وجود علاقة له باقتضاء الرشوة من مجهولين، ولم تستظهر الأدلة على ثبوت هذه الواقعة في حقه مما يجعل جريمتي عرض وأخذ الرشوة غير قائمتين على أساس صحيح من الواقع أو القانون، هذا وأن المحكمة استندت في الإدانة على أقوال شاهد الإثبات وهو رقيب بخفر السواحل يرأس الطاعن في عمله ولم تتأيد أقواله بديل آخر بل إن جميع شهود التحقيق ظاهروا الطاعن في دفاعه الذي ناقض رواية شاهد الإثبات وتصويره للحادث مما يقطع بتلفيقه التهمة على الطاعن.
وحيث إنه يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة ندبت الأستاذ إبراهيم الحداد المحامي للدفاع عن المتهم (الطاعن) وأعطته ملف القضية وبعد أن اطلع عليها أبدى استعداده للدفاع وترافع عن المتهم على الوجه المبين بمحضر الجلسة ولم يرد بمحضر الجلسة ما يشير إلى اعتراض المتهم على حضور المحامي المنتدب أو طلبه التأجيل لحضور محام موكل عنه، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد سمعت مرافعة المحامي المنتدب بعد أن اطلع على القضية وأبدى استعداده للقيام بواجب الدفاع، فإن ذلك لا يعد إخلالاً بحق الدفاع ما دام المتهم لم يبد أي اعتراض على هذا الإجراء ولم يتمسك أمام المحكمة بطلب تأجيل نظر الدعوى لحضور محام موكل عنه، وكان استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمراً موكولاً إلى تقديره هو حسبما يوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته، وإذ كان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن المحامي المنتدب قد أبدى للمحكمة استعداده للدفاع عن الطاعن، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما محصله أنه في ليلة الحادث بينما كان عبد الواحد حسن رضوان الرقيب بشرطة السواحل بالسويس يقوم بالمرور على الدركات وجد الطاعن وهو عسكري معين للحراسة على أحد الدركات جالساً مع بعض المدنيين خلافاً لما تقضي به التعليمات فارتاب في أمره وأخذ يراقبه عن كثب ولم يلبث أن قام الطاعن واقترب منه فاستفسر منه عمن يجالسهم فادعى بأنهم بعض خفراء معمل التكرير فنهاه عن مخالفة التعليمات وطلب منه أن يذهب إلى دركه ففعل ولكنه لم يصرف هؤلاء المدنيين وبعد فترة ذهب واحد منهم إلى الشاطئ وأشعل ثلاثة أعواد من الثقاب ثم رأى شمعة موقدة فأيقن أنها إشارة لمركب لتأتي وتفرغ حمولتها من المواد المخدرة فركز انتباهه صوب البحر وبعد قليل فوجئ بأربعة أشخاص يحيطون به وهم ملثمون ويمسك كل منهم مسدسا وصوب أولهم مسدسه نحوه فهم الرقيب إلى الإمساك بمدفعه وعندئذ صاح به الملثم مطمئناً إياه وأنبأه بأنهم أعطوا الطاعن مبلغ 130 جنيهاً لكي يسمح لهم بإنزال بضاعتهم من المخدرات من البحر وسأله عما إذا كان الطاعن قد أبلغه بذلك فسأله الرقيب عن مكان وجود الطاعن فأجاب الملثم بأنه بالنقطة فذهب الرقيب إليه وهناك ألقاه بجوار النقطة وعاتبه على ما كان من أمره مع الملثمين وتقاضيه منهم مبلغ 130 جنيها فأنكر الطاعن في بادئ الأمر ثم اعترف له بتقاضيه منهم هذا المبلغ ليسمح لهم بنزول المخدرات من البحر وإن نجحوا فى ذلك فسيعطونه مبلغا آخر وإن لم يتمكنوا فإن المبلغ الذي تقاضاه منهم يصبح نهائياً له وعرض على الرقيب مبلغ 30 جنيهاً ثمناً لسكوته وتغاضيه فتظاهر الرقيب بالقبول وأخذ يساومه مظهراً له قلة المبلغ الذي يعرضه عليه فرفع المبلغ إلى أربعين جنيهاً وسلمه أربعة ورقات من فئة العشرة جنيهات أثبت الحكم أرقامها فأخذها منه الرقيب وسلمها للمقدم قائد قسم السواحل مبلغاً إياه بالحادث. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة استقاها من أقوال الرقيب عبد الرحمن حسن رضوان ومن تقديمه المبلغ الذي أعطاه له الطاعن ومما قرره الأخير من أنه ليس هناك ما يدعو الشاهد للادعاء عليه وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك،
وكان الأصل أنه متى أخذت محكمة الموضوع بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهد الإثبات واقتنعت بصحة روايته بما في ذلك واقعة محاولة تهريب المخدرات، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.. أما ما استطرد إليه الطاعن من منازعة في التصوير الذي اعتنقه الحكم للحادث ونعيه عليه اطراحه الصورة الأخرى التي وردت بأقوال بعض من سمعوا في محضر التحقيق الابتدائي وما يثيره من إغفال الحكم إيراد أقوالهم أو الإشارة إليها فمردود بأن الأصل أن من حق محكمة الموضع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هي واقع الحال في الدعوى المطروحة - ومن المقرر أن المحكمة لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وفي عدم تعرضها لأقوال بعض من سئلوا في التحقيقات ما يفيد إطراحها لها اطمئناناً منها لأدلة الثبوت التي بينها الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن ارتكابه جنايتي عرض الرشوة على شاهد الإثبات وأخذ الرشوة من مجهولين حاولوا تهريب مواد مخدرة وذلك للأدلة التي أوردها وأخذ بها، فإنه لا يلزم من بعد أن يقيم الحكم الدليل على وقوع جريمة إحراز المخدرات، لأن المعول عليه إنما هو تقاضي الرشوة للإخلال بواجبات الوظيفة التي أثبتها الحكم. ولا يؤثر في قيام أركان جريمة الرشوة عدم ضبط الراشي ما دام الموظف قد قبل الرشوة منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي. ومع ذلك فإنه لا مصلحة للطاعن من القول بعدم توافر أركان جريمة الرشوة التي دانه الحكم بها ما دام أن المحكمة قد دانته أيضا بجريمة عرض الرشوة على شاهد الإثبات الرقيب عبد الواحد حسن رضوان وأعملت في حقه نص المادة 32/ 2 من قانون العقوبات لارتباط الجريمتين وأوقعت عليه عقوبة واحدة عنهما تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة عرض الرشوة. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد أورد واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة الأركان القانونية لجنايتي عرض وأخذ الرشوة، وأقام الدليل على اقتراف الطاعن لما نسب إليه فيهما مستنداً في ذلك إلى أدلة سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم وهي شهادة الشاهد وضبط مبلغ الرشوة الذي عرض عليه وعدم قيام ما يدعو الشاهد إلى تلفيق التهمة على الطاعن، وكان ما أثاره الطاعن لدى محكمة الموضوع من تشكيك لأقوال الشاهد وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من المحكمة بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.