أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 9 - صـ 689

جلسة 13 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: عثمان رمزي، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد رفعت، وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(89)
الطعن رقم 230 لسنة 24 ق

( أ ) إجارة. التزامات المستأجر. حق مستأجر الأرض الزراعية في طلب إنقاص الأجرة وفقاً لنص المادة 616/ 2. شروطه.
(ب) قوة قاهرة. إجارة. إذعان. الاتفاق على عدم مسئولية المؤجر عما يصيب المحصول من هلاك بسبب القوة القاهرة. جائز قانوناً. عقد الإيجار الذي يتضمنه لا يعتبر من عقود الإذعان.
(ج) إجارة. آثار الإيجار. المادتين 569، 616 من القانون المدني. لا تلازم بينهما في التطبيق.
(د) خبير. رأي الخبير. عنصر من عناصر الإثبات. حق محكمة الموضوع في تقديره.
(هـ) التزام. تعويض. سلطة محكمة الموضوع في تقديره. مسألة واقعية.
1 - حق المستأجر في طلب إنقاص الأجرة وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 616 مشروط بشرطين الأول منهما أن يكون هلاك المحصول بسبب قوة قاهرة والآخر ألا يكون قد اشترط في العقد عدم مسئولية المؤجر عن الهلاك لهذا السبب، وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن إصابة الزرع بدودة القطن لا يعتبر قوة قاهرة لأنه يشترط في القوة القاهرة أن تكون غير متوقعة - وهو قول صحيح في القانون، وكان لا نزاع في أن عقد الإيجار تضمن اتفاقاً بين الطر فين على عدم مسئولية المؤجر عما يصيب المحصول من تلف بسبب القوة القاهرة فإن النعي عليه خطأه في تطبيق القانون يكون غير قائم على أساس.
2 - الاتفاق على عدم مسئولية المؤجر عما يصيب المحصول من هلاك بسبب القوة القاهرة اتفاق جائز قانوناً ولا مخالفة فيه للنظام العام كما أن عقد الإيجار الذي يتضمن هذا الاتفاق لا يعتبر من عقود الإذعان.
3 - لا ارتباط بين المادتين 569، 616 من القانون المدني ولا تلازم بينهما في التطبيق فلكل مجال خاص ذلك أن المادة الأولى منهما تنظم التزامات المؤجر نحو المستأجر في حالة هلاك العين المؤجرة ذاتها وبصفة عامة سواء أكانت أرضاً زراعية أو غير ذلك، بينما تعني الثانية بوضع أحكام لهلاك المحصول الناتج من الأرض الزراعية المؤجرة بصفة خاصة، وإذن فمتى كان النزاع إنما يدور حول هلاك بعض المحصول الناتج من الأرض المؤجرة ولا صلة للهلاك بالأرض ذاتها فإن المادة 616 سالفة الذكر تكون وحدها هي الواجبة التطبيق.
4 - رأي الخبير لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الإثبات لمحكمة الموضوع تقديره دون معقب عليها في ذلك.
5 - تقدير الضرر وتقدير التعويض عنه هو من المسائل الواقعية التي تستقل بها محكمة الموضوع دن تعقيب عليها فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى إجراءاته الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أجر إلى الطاعن 61 فدان أطياناً زراعية بمقتضى عقد إيجار مؤرخ 21 من يناير سنة 1950 لمدة سنتين ابتداء من نوفمبر سنة 1949، حتى آخر أكتوبر سنة 1951 بإيجار عيني عن سنة 1950 مقداره خمسة قناطير من القطن الزهر رتبة جود للفدان الواحد وفي 11 من يوليه سنة 1950 وجه الطاعن إلى المطعون عليه إنذاراً تضمن أن هذا الأخير قد أخل بالتزامه في عقد الإيجار إذ امتنع بغير حق عن إعطاء الطاعن ما تحتاج إليه زراعة القطن من مياه للري فأصيبت الزراعة من جراء ذلك بتلف شديد وأعقب ذلك أن الطاعن لم يورد القطن الذي التزم بتوريده في 15 من سبتمبر سنة 1950 فاستصدر المطعون عليه أمراً بالحجز التحفظي على زراعة القطن ورفع الدعوى رقم 512 كلي المنيا سنة 1952 طالباً الحكم بإلزام الطاعن بأن يسلم إليه الإيجار العيني المتفق عليه أو دفع ثمنه بأسعار يوم 15 سبتمبر سنة 1950، وكان الطاعن قد رفع أثناء ذلك الدعوى المستعجلة رقم 82 سنة 1950 طالباً إثبات حالة القطن قضى فيها بندب خبير قام بإثبات الحالة وقدم تقريراً جاء فيه أن الطاعن روى زراعة القطن أربع مرات من مياه وأبور ارتوازي للمطعون عليه ثم امتنع هذا الأخير عن الاستمرار في الري فاضطر الطاعن إلى إحضار شفاطات رفع بها المياه من مصرف مجاور لترعة الفقاعي وقد استغرق إحضار الشفاطات مدة طويلة فوتت على الزراعة ريتين في وقت كانت فيه أحوج ما تكون إلى الري وكانت نتيجة ذلك أن أصيبت الزراعة بدودة اللوز والندوة العسلية فلم تنتج إلى 40% من المحصول الذي كان يمكن أن تنتجه لو لم يصبها ما أصابها وقدر الخبير المحصول المنتظر من الـ 61 فداناً بمقدار 208 قنطاراً، فلما جمع محصول القطن تبين أن النتائج منه هو 198 قنطاراً و52 رطل فقط أودعت محلج جاويش بالمنيا وعندئذ عدل المطعون عليه طلباته بأن أضاف إليها طلب الحكم بإلزام المستأجر - الطاعن - بأن يدفع له مبلغ 2645 جنيهاً و501 مليماً قيمة القطن الذي لم يورد إلى المحلج ومقداره 106 قنطاراً و48 رطلاً وكذلك إلزامه بأن يدفع له الفرق بين ثمن القطن المورد وهو من رتبة تقل عن رتبة جود المتفق عليها وبين ثمنه إذا كان بهذه الرتبة، قابل الطاعن هذه الطلبات بدعوى فرعية رفعها على المطعون عليه طلب فيها الحكم بأحقيته إلى القطن الناتج والذي أودع المحلج ومقداره 198 ق و52 رطلاً وبإلزام المطعون عليه بأن يدفع له تعويضاً مقداره 4308 ج و605 م واحتياطياً إذ لم يقض بأحقيته للقطن بإلزام المطعون عليه بأن يدفع له مبلغ 10248 جنيهاً و635 مليماً والحكم برفض الدعوى الأصلية، وفي 26 من أبريل سنة 1953 قضى في الدعوى الأصلية بتسليم المطعون عليه 122 قنطاراً من القطن المودع، وفي الدعوى الفرعية بتسليم الطاعن 76 قنطاراً و52 رطلاً و134 جنيهاً و25 مليماً ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 548 سنة 70 ق واستأنفه الطاعن استئنافاً مقابلاً قيد برقم 694 سنة 70 ق وفي 23 من فبراير سنة 1954 قضى في الاستئناف الأصلي بتعديل الحكم المستأنف وأحقية المستأنف المطعون عليه - إلى الـ 198 قنطاراً و52 رطلاً وقضى في الاستئناف المقابل بإلغائه فيما قضى به من أحقية المستأنف - الطاعن - إلى 76 قنطاراً و52 رطلاً وتأييده فيما عدا ذلك فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فطلبت النيابة رفض الطعن وقررت المحكمة إحالته على هذه الدائرة لنظره بجلسة 30 من أكتوبر سنة 1958 وفي هذه الجلسة صممت النيابة على طلب رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعي الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب من ثلاثة أوجه حاصل الوجه الأول منها أن الحكم قرر مسئولية المطعون عليه أخذاً بتقرير الخبير في دعوى إثبات الحالة إذ قرر أن زراعة القطن قد تأثرت نتيجة لامتناع المطعون عليه عن مد الطاعن بمياه الري وكانت النتيجة اللازمة لما قرره الحكم أن يقضي بتعويض الطاعن عن كل ما أصابه من ضرر من جراء إخلال المطعون عليه بالتزامه ولكنه خفف من مسئوليته فقضى بالتعويض في حدود الأجرة العينية المحددة في عقد الإيجار لا في حدود الضرر الحقيقي الذي أصاب الطاعن مستنداً في ذلك إلى قول لأحد مشايخ البلد في محضر أعمال الخبير من أن الزراعة كانت قد أصيبت بآفة سماوية ووصف شيخ البلد للإصابة بهذا الوصف مقصود به دودة اللوز والندوة العسلية وقد قرر الخبير أن إصابة الزراعة بهما كان مسبباً عن العطش في وقت كانت أحوج ما تكون فيه إلى الري ومن ثم فالرابطة بين تقصير المطعون عليه وإصابة الزراعة قائمة ومسببة عن فعله فهو مسئول عنها، وكذلك استند الحكم إلى دفاع للطاعن أمام محكمة أول درجة مقتضاه أن زراعة القطن كانت قد أصيبت بآفات سماوية فاعتبر الحكم هذا الدفاع إقراراً من الطاعن بأن تلف الزراعة كان مسبباً عن هذه الآفة مع أن الطاعن لم يبد هذا الدفاع إلا في مقام دفع دعوى المطعون عليه بالمطالبة بالإيجار وعلى سبيل الاحتياط في حالة ما إذا لم تر المحكمة مسئولية المطعون عليه أما وقد رأت أنه مسئول عما لحق بزراعة القطن من ضرر فقد أصبح ذلك الدفاع غير ذي موضوع. فلا يصح الاستناد إليه، ويقول الطاعن أيضاً أن من أوجه قصور أسباب الحكم ما جاء به من أن المطعون عليه لا يسأل عن نقص المحصول بنسبة 60% لأن في تقدير مسئوليته على أساس هذه النسبة مبالغة في تقدير الضرر الناتج عن الإخلال بالتزام الري، وهذه الحجة تقصر عن دفع ما أثبته الخبير في تقريره وحاصل الوجهين الثاني والثالث أن الطاعن كان قد تمسك أمام محكمة أول درجة احتياطياً بنظريتي القوة القاهرة والظروف الطارئة فرد الحكم على ذلك بعبارة مختصرة نفى بها قيام القوة القاهرة وأغفل الرد على الشق الآخر من الدفاع المستند إلى نظرية الظروف الطارئة.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول بما أقام الحكم قضاءه عليه في هذا الخصوص إذ قال: "إن الثابت من تقرير الخبير أن الزراعة موضوع النزاع لم تنتج أكثر من 40% من إنتاجها الطبيعي وأن السبب كان العطش ودودة اللوز والندوة العسلية ويرى الخبير أن العطش كان هو السبب في فتك دودة القطن، إلا أنه يتضح من محضر أعماله أنه سئل في 3 أكتوبر قبل المعاينة بأسبوع إبراهيم حسن مذودة شيخ ناحية دنشا وهاشم الكائنة بها الأرض المؤجرة فقال إن المستأجر خدم الأرض خدمة صحيحة وأن الأرض مصابة بعاهة سماوية هذا العام وهذا الذي قال به شيخ الناحية قد سلم به نفس المستأجر إذ دفع في مذكرته الابتدائية بنظرية الظروف الطارئة بالنسبة لانتشار الإصابات في تلك السنة مما وصفه المستأجر بأنها كانت في ذلك العام حالة وبائية ليس لها مثيل وكرر المذكور نفس المعنى في عريضة دعوى إثبات الحالة ... وقد ذكر المستأجر أيضاً أنه لو كانت الظروف العادية لكان المحصول الذي يتوقعه من الفدان هو عشرة قناطير على الأقل، فلا يمكن والحالة هذه أن يكون أثر عطش الزراعة هو العامل الأول في نقص المحصول بل يتضح مما تقدم أن عجز المحصول كان آفة لا صلة لها بالري أو العطش أو حسن الخدمة للزراعة أو سوئها دون أن تعتبر مع ذلك من حالات القوة القاهرة التي يشترط في توافرها أن لا تكون متوقعة"، ويبين من هذا الذي قرره الحكم أن المحكمة بعد أن اطلعت على تقرير الخبير وما ثبت في محضر أعماله انتهت في تقديرها إلى أن عطش الزراعة وإصابتها بالآفات الزراعية كانا عاملين مؤثرين في نقص المحصول ولكنهما مع ذلك غير متصلين أحدهما بالآخر صلة السبب بالمسبب على خلاف ما قرره الخبير من أن العطش كان هو السبب في إصابة زراعة القطن بدودة اللوز والندوة العسلية وليس في ذلك ما يعيب الحكم إذ أن رأي الخبير لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الإثبات لمحكمة الموضوع تقديره دون معقب عليها في ذلك ومردود في وجهيه الثاني والثالث بأن الحكم بعد إذ انتهى إلى أن إصابة زراعة القطن بدودة اللوز وبالندوة العسلية مقطوع الصلة بالعطش عرض لدفاع الطاعن المستند إلى أن الإصابة بهاتين الآفتين يعتبر قوة قاهرة تعفيه من دفع الأجرة أو ظرفاً طارئاً يجعل التزامه بها مرهقاً له وقد رد الحكم على هذا الدفاع بما يفيد عدم الأخذ به لفقدانه الأساس القانوني الذي يقوم عليه وهو كون الحادث غير متوقع الحصول وهذا القول يتفق وحكم القانون بالنسبة للقوة القاهرة والظروف الطارئة على السواء فلا جدوى من النعي على الحكم لقصور تسببيه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم وقد انتهى إلى أن المطعون عليه مقصر في تنفيذ التزامه بري الأطيان المؤجرة إلى الطاعن قدر هذه المسئولية على أساس الفرق بين ما نتج عن الزراعة فعلاً وهو 198 قنطاراً و52 رطلاً والإيجار العيني المتفق عليه في العقد وهو 305 قنطاراً وهذا التقدير لا يستند إلى أساس من القانون إذ ليس في القانون قاعدة تحدد مسئولية المؤجر المخل بالتزامه بمقدار الأجرة العينية بل القاعدة الصحيحة في القانون هي أن تقدر المسئولية بمقدار الضرر الناشئ عن الإخلال بالالتزام وهو في صورة هذه الدعوى الفرق بين ما نتج من الزراعة فعلاً وما كان منتظراً أن ينتج منها بعد استبعاد ما أتلفته الآفات الزراعية بغير نظر إلى الأجرة العينية.
وحيث إنه يبين من أسباب الحكم التي سلفت الإشارة إليها أن المحكمة تعرفت على مبلغ تأثر الزراعة بالآفات الزراعية من أقوال للطاعن نفسه سواء في مذكرته أمام محكمة أول درجة أو ما ضمنه عريضة دعوى إثبات الحالة حيث قال إن زراعة القطن في عام 1950 قد أصيبت في كافة أنحاء القطر بضرر شديد نتيجة لإصابتها بالدودة والندوة العسلية وأنه لو كانت الظروف عادية لكن المحصول الذي يتوقعه هو عشرة قناطير للفدان ثم قال الحكم في مقام تقدير مسئولية المطعون عليه نتيجة إخلاله بالتزامه بالري "ومن حيث إنه بناء على ما تقدم لا ترى المحكمة ما ذهبت إليه محكمة أول درجة من مسئولية المؤجر - المطعون عليه - عن عجز المحصول بنسبة 60% لما يكون في الحكم على أساس هذه النسبة من افتراض ضرر مبالغ فيه لعطش الزراعة خصوصاً وأن المستأجر - الطاعن - كان لديه من الوسائل القانونية وغيرها للمبادرة إلى رفع هذا الضرر عن الزراعة في الوقت المناسب وقد اتخذ بعضها بما أقامه من شفاطات وعلى ذلك فترى المحكمة اعتبار المؤجر مسئولاً بخطئه السابق الإشارة إليه في حدود ما تعتبره من أثر الآفات الزراعية في ذلك العام بحيث يؤدي بذاته إلى أن لا يزيد المحصول عن خمسة قناطير للفدان ..." ويدل هذا السياق على أن المحكمة قدرت أنه لو لم يقصر المطعون عليه في التزامه بالري لما أنتج الفدان أكثر من خمسة قناطير أي 305 قنطاراً للمساحة المؤجرة ومقدرها 61 ف بغير نظر إلى الإيجار العيني فلا يضير الحكم بعد ذلك تقدير مسئولية المطعون عليه عن خطئه بالفرق بين ما نتج من الزراعة فعلاً وبين هذا الرقم الذي وافق من قبيل المصادفة الإيجار العيني المتفق عليه في عقد الإيجار، هذا إلى أن تقدير الضرر وتقدير التعويض عنه هو من المسائل الواقعية التي تستقل بها محكمة الموضوع دون تعقيب عليها فيه ومن ثم فالنعي على الحكم بهذا السبب في غير محله متعيناً رفضه.
وحيث إن الطاعن ينعي في السبب الثالث على الحكم خطأه في تطبيق القانون من ثلاثة أوجه حاصل الوجه الأول منها أن الحكم أخطأ فهمه معنى القوة القاهرة في حكم المادة 616 من القانون المدني فأخطأ تطبيقها على وقائع الدعوى ذلك أن لعبارة القوة القاهرة الواردة في هذه المادة معنى خاصاً يختلف عن معناها العام في المواد الأخرى المتعلقة بالمسئولية العقدية فمعناها في عقد الإيجار مرتبط بنص المادة 569 من القانون، وهو واضح الدلالة في أن ما يرفع الأجرة عن المستأجر هو فوات المنفعة دون أن يكون ذلك راجعاً إلى خطأ منه بقطع النظر عن مسئولية المؤجر عن ذلك وهو واضح الدلالة أيضاً في أن الأصل أن المؤجر ملزم فوق ذلك بتعويض المستأجر عما أصابه من ضرر جسيم بسبب فوات المنفعة أي أن رفع الأجرة عن المستأجر يكفي فيه فوات المنفعة عليه دون خطأ منه فلا حاجة به إلى إثبات القوة القاهرة بمعناها الدقيق أما في دفع مسئولية المؤجر عن فوات المنفعة على المستأجر فلا بد من أن يثبت المؤجر القوة القاهرة بمعناها الدقيق وما نصت عليه المادة 616 من القانون المدني لا يعدو أن يكون تطبيقاً لحكم المادة 569 المتعلق بهلاك منفعة العين المؤجرة فالمقصود بالقوة القاهرة في هذا الشأن إنما هو فوات المنفعة على المستأجر دون خطأ منه فتدخل في ذلك الآفات السماوية متوقعة كانت أو غير متوقعة ومن ثم يكون الحكم قد أخطأ القانون إذ اعتبر أن دودة اللوز والندوة العسلية لا تعتبران من القوة القاهرة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لا ارتباط بين المادتين 569، 616 من القانون المدني ولا تلازم بينهما في التطبيق ذلك أن المادة 569 تحدثت عن التزامات المؤجر نحو المستأجر في حالة هلاك العين المؤجرة ذاتها وبصفة عامة سواء أكانت أرضاً زراعية أو غير ذلك فنصت في الفقرة الأولى منها على أن هلاك العين المؤجرة أثناء الإيجار هلاكاً كلياً يترتب عليه انفساخ العقد من تلقاء نفسه ونصت الفقرة الثانية على أنه إذا كان الهلاك جزئياً أو إذا أصبحت العين في حالة لا تصلح معها للانتفاع الذي أجرت من أجله أو نقص هذا الانتفاع نقصاً كبيراً ولم يكن للمستأجر يد في شيء من ذلك فيجوز له إذا لم يقم المؤجر في ميعاد مناسب بإعادة العين إلى الحالة التي كانت عليها أن يطلب تبعاً للظروف إما إنقاص الأجرة أو فسخ الإيجار ذاته دون إخلال بما له من حق في أن يقوم بنفسه بتنفيذ التزام المؤجر وفقاً لأحكام المادة 568 التي تنص على التزام المؤجر بأن يتعهد العين المؤجرة بالصيانة لتبقى على الحالة التي سلمت بها...، أما المادة 616 فقد عنيت بوضع أحكام لهلاك المحصول الناتج من الأرض الزراعية المؤجرة بصفة خاصة فأحكامها هي الواجبة الإتباع في خصوصية هذا النزاع دون أحكام المادة 569 وقد نصت المادة 616 في الفقرة الأولى منها على أنه إذا بذر المستأجر الأرض ثم هلك الزرع كله قبل حصاده بسبب قوة قاهرة جاز للمستأجر أن يطلب إسقاط الأجرة ونصت الفقرة الثانية على أنه إذا لم يهلك إلا بعض الزرع ولكن ترتب على الهلاك نقص كبير في ريع الأرض كان للمستأجر أن يطلب إنقاص الأجرة، وظاهر من سياق التشريع على هذا الوجه أن لكل من المادتين 569 و616 مجال خاص فالأولى منهما تنظم التزامات المؤجر نحو المستأجر إذا ما هلكت العين المؤجرة ذاتها بينما تعني الثانية بتنظيم أحكام هلاك المحصول في الأراضي الزراعية بصفة خاصة فهي وحدها الواجبة التطبيق في خصوصية هذا النزاع إذ هو يدور حول هلاك بعض المحصول الناتج من الأرض المؤجرة ولا صلة للهلاك بالأرض ذاتها.
وحيث إن حق الطاعن في إنقاص الأجرة وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 616 سالفة الذكر مشروط بشرطين الأول منهما أن يكون هلاك المحصول بسبب قوة قاهرة والآخر ألا يكون قد اشترط في العقد عدم مسئولية المؤجر عن الهلاك لهذا السبب وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على أن إصابة الزرع بدودة القطن لا يعتبر قوة قاهرة لأنه يشترط في القوة القاهرة أن تكون غير متوقعة وهو قول صحيح في القانون ولا نزاع في أن عقد الإيجار تضمن اتفاق بين الطرفين على عدم مسئولية المؤجر عما يصيب المحصول من تلف بسبب القوة القاهرة ومن ثم يكون هذا الوجه من أوجه النعي غير قائم على أساس ويتعين رفضه.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني أن الحكم أخطأ تطبيق القانون إذ قرر أن إصابة الزراعة بدودة اللوز والندوة العسلية لا تعتبران من القوة القاهرة استناداً إلى أن القوة القاهرة يشترط ألا تكون متوقعة في حين أن الإصابة بهاتين الآفتين ليست كذلك ووجه الخطأ في ذلك أن الإصابة كانت بشكل وبائي غير متوقع أما الشرط الوارد بالعقد عن عدم مسئولية المطعون عليه عن القوة القاهرة فشرط لا يعتد به إذ هو شرط تعسفي وارد بعقد من عقود الإذعان وقد دفع بذلك أمام محكمة أول درجة فلم تر محلاً للرد عليه كما أن الحكم المطعون فيه لم يتناوله بالبحث إزاء ما رآه من عدم قيام القوة القاهرة فإذا ما تقرر عدم صحة ما رآه الحكم في هذا الخصوص فإنه يتعين البحث في الدفاع المستند إلى هذا الأساس.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه قد ورد بالحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه "وقد اتفق الطرفان في البند الرابع على أنه لا يسوغ التخلص من دفع الأجرة بسبب تغييرات طقسية أو عموم الحوادث الآفية والقوات القهرية" وهذا الاتفاق جائز قانوناً ولا مخالفة فيه للنظام العام كما أن عقد الإيجار الذي تضمن هذا الاتفاق لا يعتبر من عقود الإذعان.
وحيث إن حاصل الوجه الثالث أن واقعة الدعوى توافرت فيها أيضاً صفات الظرف الطارئ المنصوص عليه في المادة 147 من القانون المدني ومن ثم فالطاعن يستحق إسقاط الأجرة أو خفضها على الأقل ولا يحول دون ذلك ما نص عليه في البند الرابع من عقد الإيجار إذ لا يجوز الاتفاق على ما يخالف حكم المادة 147 سالفة الذكر وكان يتعين على الحكم أن يعرض لهذا الوجه من الدفاع.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق الرد به على السبب الأول.
وحيث إنه يبين من ذلك أن الطعن برمته لا يستند إلى أساس فيتعين رفضه.