أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 509

جلسة 21 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(106)
الطعن رقم 30 سنة 39 القضائية

(أ) اغتصاب مال بالتهديد. جريمة. "أركانها". قصد جنائي.
حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
القصد الجنائي في جريمة التهديد. تحققه. عدم لزوم تحدث الحكم عنه استقلالاً. ما دام أن عبارات الحكم وصراحة عبارات التهديد وظروف الواقعة تكفي لذلك.
(ب) نيابة عامة. "اختصاص وكلاء الكلية بالتحقيق". تحقيق. اختصاص. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اختصاص وكلاء النيابة الكلية بتحقيق جميع الحوادث التي تقع بدائرة المحكمة الكلية التي يعملون في حدود اختصاصها.
(ج، د) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) تحصيل أقوال الشاهد وتفهم سياقها ومعرفة مراميها. موضوعي. شرطه؟
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. حق لمحكمة الموضوع.
(د) استخلاص الحكم أقوال الشهود بما لا تناقض فيه. لا يعيبه.
1 - القصد الجنائي في جريمة التهديد يتوافر متى ثبت للمحكمة أن الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجني عليه، وأنه يريد تحقيق هذا الأثر بما قد يترتب عليه من أن يذعن المجني عليه راغماً إلى إجابة طلبه، وذلك بغض النظر عما إذا كان قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً، ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه، ولا يلزم التحدث استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون مفهوماً من عبارات الحكم وصراحة عبارات التهديد وظروف الواقعة كما أوردها الحكم، كما لا يعيب الحكم إغفاله التحدث عن أثر هذا التهديد في نفس المجني عليه.
2 - إن وكلاء النيابة الكلية الذين يعملون مع رئيس النيابة مختصون بأعمال التحقيق في جميع الحوادث التي تقع بدائرة المحكمة الكلية التي هم تابعون لها، وذلك بناء على تفويض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه، تفويضاً أصبح على هذا النحو الذي استقر عليه العمل في حكم المفروض ولا يستطاع نفيه إلا إذا كان هناك نهي صريح. وإذا كان ذلك، وكان لم يقم في الأوراق ما يشير إلى توافر هذا النهي في حق وكيل النيابة الكلية الذي باشر تحقيق الواقعة، فإن ما يثيره الطاعن من النعي ببطلان الإجراءات وخطأ الحكم في تطبيق القانون بصدد اطراحه الدفع لا يكون سديداً.
3 - من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها، ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها وهي في ذلك غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر بل لها أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى إلى ما تستخلصه من مجموع العناصر المطروحة عليها.
4 - تناقض الشهود على فرض حصوله، لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص أقوالهم بما لا تناقض فيه، وإذ كان ذلك وكان ما حصله الحكم من أقوال المجني عليه والشهود قد خلا من شبهة أي تناقض، فإن دعوى الطاعن بأن أقوال الشهود جاءت على وجه الظن والتخمين، أو أنها انطوت على تناقض لم يعرض له الحكم، تكون على غير أساس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 12 مايو سنة 1960 بدائرة قسم أول المنصورة: شرع في الحصول بالتهديد على مبلغ من النقود بأن زعم وجود شكاوي ضد الدكتور إبراهيم أبو النجا عن أمور مشينة وهدده كصحفي بنشرها ما لم يدفع له مبلغاً من المال وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبط المتهم. وطلبت عقابه بالمواد 45 و47 و326 من قانون العقوبات. ومحكمة المنصورة الجزئية قضت في الدعوى حضورياً ببراءة المتهم مما أسند إليه. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة المنصورة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم شهرين مع الشغل. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانه بجريمة الشروع في الحصول بالتهديد على مبلغ من النقود، قد أخطأ في القانون وران عليه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم رفض الدفع ببطلان التحقيق، على سند من أن تحقيق وكيل النيابة الكلية للواقعة إجراء صحيح في القانون، مع أن الاختصاص بتحقيقها معقود لوكيل النيابة الجزئية المختصة، ثم راح الحكم من بعد يقضي بالإدانة على الرغم مما قرره المجني عليه بالجلسة من أن الطاعن لم يحدد نوع المقابل الذي طلبه منه، مع أن القانون يوجب للعقاب على الجريمة أن يكون المقابل نقوداً أو شيئاً مادياً. ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أنه فضلاً عن أن الحكم تساند إلى أقوال الشهود رغم ما شابها من تناقض لم يعرض له، وورود أقوال المجني عليه وأقوال الدكتور بيومي شهاب الدين على وجه الظن والتخمين، وهو ما لا يؤذن باستدلال سائغ، فإن الحكم لم يعرض لثبوت التهديد المدعى، ومدى أثره على إرادة المجني عليه وهو عميد كلية، حتى يحمله على تسليم ماله للطاعن، مع أن رواية المجني عليه في هذا الشأن لا يتوافر بها القصد الجنائي في الجريمة، وبذلك كله يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الأوراق أن الحكم المطعون فيه، بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، عرض للدفع ببطلان التحقيق الذي أجراه وكيل النيابة الكلية دون وكيل النيابة الجزئية المختص فرفضته على سند من أن لوكيل النيابة الكلية تحقيق جميع الحوادث التي تقع بدائرة المحكمة الكلية التابع لها. وهذا الذي قام عليه قضاء الحكم في الدفع صحيح في القانون، ذلك بأن وكلاء النيابة الكلية الذين يعملون مع رئيس النيابة مختصون بأعمال التحقيق في جميع الحوادث التي تقع بدائرة المحكمة الكلية التي هم تابعون لها، وذلك بناء على تفويض رئيس النيابة أو من يقوم مقامه تفويضاً أصبح على هذا النحو الذي استقر عليه العمل في حكم المفروض ولا يستطاع نفيه إلا إذا كان هناك نهي صريح، وإذا لم يقم في الأوراق ما يشير إلى توافر هذا النهي في حق وكيل النيابة الكلية الذي باشر تحقيق الواقعة، فإن ما يثيره الطاعن من النعي ببطلان الإجراءات أو خطأ الحكم في تطبيق القانون بصدد إطراحه الدفع لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن ساق الأركان القانونية للجريمة - ومنها الحصول على مبلغ من النقود أو أي شيء أخر - على ما هي معرفة به في المادة 326 من قانون العقوبات خلص إلى توافر هذه الأركان، وإدانة الطاعن بقوله: "... ومن حيث إن هذه المحكمة ترى أن أقوال المجني عليه والتي تأيدت بأقوال شهود الإثبات تكفي لإقناع هذه المحكمة بأن المتهم - الطاعن - شرع في تهديد المجني عليه بأن أشاع في مكان عام علاقة سيئة بأحد الشبان وأنه يجري تحقيق بشأن هذه الوقائع وأنه سيقوم بنشر هذه الوقائع وأقر بذلك للشاهد سيد غنيم بعد أن علم منه أنه يعرف المجني عليه، ثم انتقل إلى عمل المجني عليه وحاول الحصول من العاملين معه على صورة له والتحري عن أخباره ثم تقابل مع المجني عليه بعد أن أوهمه أنه صحفي وأخبره بأن شابا يعرفه المتهم أبلغ ضد المجني عليه بأن علاقة سيئة تربطه به وأن الشرطة تجري تحقيق بشأن هذه الواقعة وأنه يستطيع إنهاء هذا الموضوع إذا أرضاه المجني عليه لأنه يعرف الشاب المجهول، وكل هذه الوقائع تكفي لإقناع المحكمة بأن المتهم شرع في الحصول على مبلغ من النقود كما جاء بأقوال المجني عليه من أن المتهم قصد بعبارة "يرضيه" أن يعطيه مبلغاً من النقود أو الحصول على شيء آخر كما جاء بالنص وكانت وسيلته في الحصول على هذا الشيء تهديد المجني عليه والذي يحافظ على سمعته ووظيفته ولكن خاب أثر الجريمة". لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة أقوال المجني عليه أمام محكمة أول درجة أنها تكشف عن أن قصد الطاعن من التهديد كان الحصول على مبلغ من المال، وكان من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها، ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها وهي في ذلك غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر بل لها أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى إلى ما تستخلصه من العناصر المطروحة عليها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من فساد الاستدلال على توافر هذا الركن من أركان الجريمة لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم من أقوال الشهود واضح الدلالة على أن ما رواه كل منهم في حدود ما اتصل به من مجريات الواقعة جاء على وجه القطع واليقين، وكان تناقض الشهود على فرض حصوله، لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص أقوالهم بما لا تناقض فيه. وكان ما حصله الحكم من أقوال المجني عليه والشهود قد خلا من شبهه أي تناقض، فإن دعوى الطاعن بأن أقوال الشهود جاءت على الظن والتخمين، أو أنها انطوت على تناقض لم يعرض له الحكم، تكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان ذلك القصد الجنائي في جريمة التهديد يتوافر متى ثبت للمحكمة أن الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجني عليه، وأنه يريد تحقيق هذا الأثر بما قد يترتب عليه من أن يذعن المجني عليه راغماً إلى إجابة الطلب، وذلك بغض النظر عما إذا كان قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً، ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه. ولا يلزم التحدث استقلالاً عن هذا الركن، بل يكفي أن يكون مفهوماً من عبارات الحكم وصراحة عبارات التهديد وظروف الواقعة كما أوردها، كما لا يعيب الحكم إغفاله التحدث عن أثر هذا التهديد في نفس المجني عليه، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم تتوافر به واقعة التهديد وإدراك الطاعن لأثره على المجني عليه وهو عميد كلية يزعجه أي فعل أو خبر يمس سمعته أو وظيفته مما كان من المحتمل معه أن يذعن راغماً إلى إجابة الطلب، فإن ما يثيره الطاعن من قصور الحكم في استظهار ركن التهديد أو القصد الجنائي في الجريمة يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.