أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 522

جلسة 21 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(110)
الطعن رقم 40 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) جريمة. "أركان الجريمة". تزوير. "التزوير في المحررات الرسمية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "أوراق رسمية". شركات مساهمة. مؤسسات عامة.
(أ) مناط اعتبار الورقة رسمية أو أنها محرر لإحدى الشركات المساهمة؟
خلو المحرر من علامة تشهد أو تشير إلى أنه من محررات المؤسسة العامة لا يؤثر في اعتباره كذلك ما دام يحمل توقيعاً لمفوض المؤسسة.
(ب) مثال لتسبيب غير معيب في تزوير.
(ج، د، هـ، و) إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم."تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن بالنقص. ما لا يقبل منها". مؤسسات عامة.
(ج) المفاضلة بين تقارير الخبراء. من إطلاقات محكمة الموضوع بغير معقب عليها.
(د) حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع العناصر المطروحة عليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. شرط ذلك؟
(هـ) الجدل الموضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها أمام محكمة النقض. غير مقبول.
(و) الخطأ في الإسناد غير المؤثر على سلامة الحكم. لا يعيبه. مثال.
1 - من المقرر أن مناط اعتبار الورقة رسمية أو أنها محرر لإحدى الشركات المساهمة هو صدورها من موظف مختص بتحريرها ووقوع تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباته. ولما كان الحكم قد أثبت على لسان الطاعنين تسليمه بأن المحررين هما من محررات المؤسسة، بما قرره من أنه حرر الوصوليين مقابل مبالغ تسلمها المفوض منه لصرفها في شئون المطحن ريثما يقدم له مستندات وجوه الصرف، فإنه لا يقدح في اعتبار المحررين من محررات المؤسسة العامة خلوهما في ذاتهما كورقتين من علامة تشهد أو تشير أنهما كذلك، بعد أن أثبت الحكم توقيع المفوض عليهما قبل أن ينال مضمون صلبهما التغيير الذي دين به الطاعن على سند صحيح من إعمال نص المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات.
2 - متى كان الطاعن - على ما أثبته الحكم المطعون فيه - قد اعترف بالتحقيقات وبالجلسة بأن صلب الوصوليين المزورين قد حررا بيده - وهو ما لا يماري فيه الطاعن في أسباب الطعن - وكان ما أثبته الحكم من وقوع التزوير من الطاعن بمحو عبارات كانت مدونة على الورقتين وتحرير عبارات أخرى محلها مغايرة للحقيقة، يلزم عنه أن يتوافر في حقه ركن العلم بتزوير المحررين اللذين أسند إليه تزويرهما على تلك الصورة، فإن ما يثيره الطاعن من خطأ الحكم في تطبيق القانون يكون غير سديد.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه، إذ أن ذلك أمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه. ومتى كان الحكم قد أطرح الوصوليين كسند للطاعن في تأييد مدعاة بصدد المبلغ المختلس، بما انتهى إليه الحكم من ثبوت تزويرها ولم يعرض لما تضمناه من مبالغ إلا لمجرد مواجهة دعوى الطاعن بأن قيمتها تعادل ذلك المبلغ ثم خلص إلى فساد تلك الدعوى على سند من تقرير لجنة الجرد التي نوه عنها شهود الإثبات، فإن ما يثيره الطاعن على هذا الاستدلال، بأن لجنة أخرى أثبتت أن مقدار العجز عديل بقيمة الوصوليين، لا يكون له محل.
4 - إن المحكمة غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر، بل لها أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها، إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة عليها، بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. ومتى كان الحكم قد استقام رده على دفاع الطاعن بكافة مناحيه، ودل على فهمه لمجريات الأمور فيما قال به الطاعن من تهديد المفوض له تارة وتودده له تارة أخرى، وما أثاره من دعوى دلالة الشيك على الوفاء وصلة المفوض بالعجز محل الاختلاس، وعن مفهوم مبادرة الطاعن بالشكوى للمؤسسة كل ذلك في منطق سائغ ووضوح يكشف عن أنه لم يخطئ في تقدير قيمة هذا الدفاع، فإن ما يثيره الطاعن من فساد الحكم في الاستدلال يكون غير سديد.
5 - من المقرر أن الجدل الموضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها لا يقبل إثارته لدى محكمة النقض.
6 - متى كان ما يثيره الطاعن عن خطأ الحكم في الإسناد فيما أورده من مؤدى أقوال مدير المؤسسة وبعض الشهود في التحقيقات الإدارية بصدد واقعة إصدار المفوض للشيك مردوداً بأن الحكم، بعد أن استقام له الرد على دفاع الطاعن في شأن هذا الشيك وأثبت - على ما مر ذكره - أنه بالصورة التي صدر عليها كان يتعين إضافة قيمته إلى رصيد المطحن فلا يفيد منه الطاعن في سد العجز، راح يعرض تزيداً منه، على ما سلف البيان إلى ما قال به هؤلاء الشهود، عن أمر مقطوع الصلة بهذا الاستدلال، مفاده أن من حق المفوض إصدار مثل هذا الشيك لتسوية حسابات جارية بين مطحنين يقوم على إدارتهما وإذ ما كانت أقوال مدير المؤسسة في هذا الشأن لها أصل ثابت في محضر الجلسة، وكان خطأ الحكم في إسناد هذه الواقعة إلى غيره من الشهود أيضاً - على فرض حصوله - غير مؤثر على سلامته، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في الفترة ما بين 10/ 3/ 1963 حتى 9/ 4/ 1964 بدائرة قسم مينا البصل محافظة الإسكندرية: (أولاً) وهو موظف عمومي أمين خزينة بمطحن أنجال السيد عبد الجواد المملوك للدولة اختلس مبلغ 3960 ج و332 م الذي سلم إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع (ثانياً) ارتكب تزويراً في محرر أحد المؤسسات العامة هو الإيصالين المبينين بالمحضر بأن قام بمحو العبارات الصحيحة المثبتة عليهما وقام بكتابة عبارات أخرى بدلاً منها تفيد استلام السيد إبراهيم مأمون المندوب المفوض في المطحن للمبلغ المختلس السابق ذكره ثم قام بتقديم الإيصالين المزورين سالفي الذكر إلى جهة التحقيق. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 111 و112/ 2 و118 و119 و214 مكرر من قانون العقوبات. فقرر بذلك، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنين وعزله من وظيفته وإلزامه برد قيمة ما اختلسه وقدره 3960 ج و332 م وتغريمه مبلغاً مساوياً لهذا المبلغ. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دانه بوصفه موظفاً عاماً بجريمتي اختلاس مال لمطحن مملوك للدولة حالة كونه أميناً على الودائع، وتزوير محررات مؤسسة عامة - قد ران على استدلاله الفساد وأخطأ في الإسناد، وفي تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن دفاعه قام على أن المفوض على المطحن كان قد استلم منه المبلغ محل العجز في العهدة، بوصول وقعها لينفقه في شئون المطحن كان ويقدم مستندات الصرف، ثم حرر له من بعد شيكاً بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه لإخفاء العجز، وأن المفوض حين حرر له الشيك كان يتودده، وأنه - أي الطاعن - كان قد بادر بالكشف عن هذا الذي جرى في شكوى قدمها للمؤسسة، فاطرح الحكم هذا الدفاع بقالة إن المبلغ الوارد باثنين من الوصول يقل عن قيمة العجز، وراح يساند هذا النظر بما أثبته الجرد الأول، مع أن النيابة العامة لم تر في الجرد غنية عن تشكيل لجنة أخرى كشفت عن أن العجز عديل للمبلغ الثابت بالوصوليين، وبأن دعوى الطاعن بأنه لم يظهر الوصوليين منذ البداية خوفاً من تهديد المفوض غير مقبولة، وذلك على نظر من الحكم مفاده أن الطاعن قرر بأن المفوض حين حرر له الشيك، كان يتودده، وفات الحكم أنه بهذا الاستدلال قد فهم أقوال الطاعن على غير مؤداها، ذلك بأن ما قرره الطاعن في هذا الصدد هو أن المفوض كان بعد إعطائه الوصوليين دائبا على تهديده، ولم يسلك معه مسلك الود إلا حين سلمه الشيك لتسوية حساب الخزانة عندما قام ضابط الاتصال الجديد بالمطحن بعملية الاستلام ويقول الطاعن إن الحكم إذ أطرح دلالة الشيك في تأييد دفاعه، بقالة إن قيمته لا تسد العجز، وأن تقديمه للشكوى يكشف عن أنه كان عالماً بما وقع منه وأن أمره وشيك الافتضاح، ثم نعت الحكم لدفاعه بالسقم والسذاجة رغم أنه دفاع سليم متكامل، كل أولئك يشير إلى أن الحكم تنكب الطريق السوي للاستدلال، وأما الخطأ في الإسناد فيراه الطاعن ماثلاً فيما تساند إليه الحكم من أقوال مدير المؤسسة وشاهدي الإثبات ومن سئلوا في التحقيقات الإدارية من أن الشيك الذي أصدره المفوض بوصفه مديرا لمطحن آخر لصالح المطحن التابع له الطاعن هو إجراء سليم جرت به السوابق لتسوية حسابات جارية بين المطحنين، مع أن هذا الاستدلال ليس له أصل ثابت في الأوراق. وأما الخطأ في القانون فمرجعه أن الحكم اعتبر الوصوليين موضوع جريمة التزوير من محررات المؤسسة العامة مع أنهما ليسا غير مجرد ورقتين عرفيتين بعيدتين عن أوراق المؤسسة فضلاً عن عدم ثبوت علم الطاعن بما كشف عنه فحص الوصوليين من أن كتابة أخرى كانت مدونة على الورقتين قبل أن يحرر عليهما نص ما تشهدان عليه. وبذلك كله يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الأوراق أن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بارتكابهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، وهي تجمل فيما شهد به المندوب المفوض على المطحن من أن ضابط الاتصال الجديد أبلغه بوجود تلاعب في ذمامات العملاء، فشكل لجنة منه ومن هذا الضابط وضابط الاتصال السابق وإذ قامت اللجنة بالجرد فقد كشفت عن عجز مقداره 3960 ج و332 م فزعم الطاعن أن هذا المبلغ موجود لديه - أي المفوض - دون أن يفصح الطاعن عما يؤيد مدعاة ونفى الشاهد استلامه المبلغين الثابتين بالوصوليين اللذين قدمهما الطاعن. أما ضابط الاتصال فقد نقل الحكم عن أقواله أنه عندما تسلم العمل في 1/ 4/ 1964 ولاحظ عدم انتظام الحسابات، كلف الطاعن في 2/ 4/ 1964 باستكمال الإثبات في الدفاتر ليقوم بالجرد، ولما لم ينفذ الطاعن هذا الطلب وتناهى إلى علم الشاهد وجود تلاعب وعجز أبلغ المفوض فشكل اللجنة وإذ ثبت لها العجز، لم يكن قول الطاعن في ذلك إلا أن قال أن المبلغ موجود لدى المفوض، ثم أثبت الحكم أن ضابط الاتصال السابق شهد مثل ما شهد به زميله وأضاف أن الطاعن قرر أن لديه المستندات الدالة على وجود مبلغ العجز عند المفوض، وأنه سيقدمها في التحقيق. وبعد أن أورد الحكم مضمون تقرير لجنة الجرد عن مقدار العجز السالف بيانه أثبت مشاهدات قسم أبحاث التزييف والتزوير على الوصوليين اللذين قدمهما الطاعن وما انتهى إليه التقرير من أنهما موقعان بإمضاء للمفوض، غير أن الورقتين تشيران إلى حصول محو كتابة سابقة على ما دون بهما، وأن أحد الوصوليين حرر بثلاثة مدادات مختلفة - ثم عرض الحكم بعد ذلك إلى دفاع الطاعن المنوه عنه بتقرير الطعن فأطرحه على سند من اطمئنانه إلى أدلة الثبوت المار ذكرها وعلى ما خلص إليه في شأن هذا الدفاع من أن "دفاع المتهم - الطاعن - في جملته وتفصيله دفاع سقيم ظاهر الفساد فإن الإيصالين اللذين قدمهما للدلالة على أن قيمتهما تضاهي العجز في عهدته مجموعهما مبلغ 3866 ج يقل عن مقدار العجز الثابت في عهدته وأن إخفاء أمر هذين الإيصالين بمقولة إن المفوض كان يهدده أمر غير مقبول فقد قرر المتهم نفسه أن المفوض حينما حرر له الشيك لإخفاء العجز كان يتودد إليه مما يجعل القول بأن عدم الإبلاغ بشأن هذين المبلغين في حينهما حينما أخذ المفوض يراوغه خشية تهديده، قول من المتهم غير سليم وكذلك فإن دفاع المتهم بشأن قيام المفوض بتحرير الشيك بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه لإخفاء العجز دفاع ساذج غير سديد فإنه فضلاً عن أن الثلاثة آلاف جنيه لا توازي قيمة المبلغين المقول بأن المفوض تسلمها أو قيمة العجز الذي ظهر في عهدة المتهم فإن هذا الشيك وقد حرر لصالح مطحن أولاد السيد عبد الجواد من شأنه أن يضاف إلى رصيد هذا الطحن للبنك لا باسم المتهم حتى يمكنه صرفه وإيداعه الخزينة لإخفاء أي عجز وهو دون قيمة العجز كما سلف القول" وبعد أن استقر للحكم اقتناعه بأدلة الدعوى وفساد هذا الشق من دفاع الطاعن ساق فضله من القول فحواها أن من حق المفوض - على ما تبين من أقوال مدير المؤسسة وأقوال من سمعوا في التحقيقات الإدارية - أن يصدر شيكاً من مطحن لآخر يقوم على إدارتهما، وأنه إجراء تشهد له السوابق ثم استكمل الحكم رده على دفاع الطاعن فأثبت في ذلك قوله: "أما عما ذكره المتهم من أنه قام بتقديم شكوى لكل من رئيس مجلس إدارة مؤسسة المطاحن ومديرها بتاريخ 4/ 4/ 1964 ضمنها وقائع دفاعه سالفة الذكر وأنه إذ علم المفوض بذلك بادر بالأمر بتشكيل لجنة الجرد حتى يسبقه ويثبت وجود العجز في عهدته، فإنما يدل على أن المتهم وهو الذي يعلم تمام العلم بجريمته التي أوشكت على الافتضاح هو الذي أراد أن يسبق بتقديم هاتين الشكويين ذلك أن تقديمه لها في 4/ 4/ 1964 كان بعد أن أبدى له الرائد محمد عبد الحميد خطاب ضابط الاتصال ملاحظته بشأن التلاعب بحسابات ذمامات العملاء ورغبته في إجراء عملية جرد بتاريخ 2/ 4/ 1964 حسبما جاء بأقوال هذا الأخير مما يقطع بأن المتهم قد تأكد من دنو افتضاح أمره ولجأ إلى تقديم شكوييه حتى يكون صاحب السبق الذي تحدث عنه". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه، إذ أن ذلك أمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه، وكان الثابت أن الحكم قد أطرح الوصوليين كسند للطاعن في تأييد مدعاة بصدد المبلغ المختلس، بما انتهى إليه الحكم من ثبوت تزويرها ولم يعرض لما تضمناه من مبالغ إلا لمجرد مواجهة دعوى الطاعن بأن قيمتهما تعادل ذلك المبلغ ثم خلص إلى فساد تلك الدعوى على سند من تقرير من لجنة الجرد التي نوه عنها شهود الإثبات فإن ما يثيره الطاعن على هذا الاستدلال، بأن لجنة أخرى أثبتت أن مقدار العجز عديل لقيمة الوصوليين، لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر، بل لها أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة عليها، بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام لا يخرج في ذلك عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وكان الحكم قد استقام رده على دفاع الطاعن بكافة مناحيه، ودل على فهمه لمجريات الأمور فيما قال به الطاعن من تهديد المفوض له تارة وتودده له تارة أخرى، وما أثاره من دعوى دلالة الشيك على الوفاء وصلة المفوض بالعجز محل الاختلاس، وعن مفهوم مبادرة الطاعن بالشكوى للمؤسسة كل ذلك في منطق سائغ ووضوح يكشف عن أنه لم يخطئ في تقدير قيمة هذا الدفاع، فإن ما يثيره الطاعن من فساد الحكم في الاستدلال يكون غير سديد وينحل إلى مجرد جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن عن خطأ الحكم في الإسناد فيما أورده من مؤدى أقوال مدير المؤسسة وبعض الشهود في التحقيقات الإدارية بصدد واقعة إصدار المفوض للشيك مردوداً بأن الحكم، بعد أن استقام له الرد على دفاع الطاعن في شأن هذا الشيك وأثبت - على ما مر ذكره، أنه بالصورة التي صدر عليها كان يتعين إضافة قيمته إلى رصيد المطحن فلا يفيد منه الطاعن في سد العجز، راح يعرض تزيداً منه، على ما سلف البيان إلى ما قال به هؤلاء الشهود، عن أمر مقطوع الصلة بهذا الاستدلال، مفاده أن من حق المفوض إصدار مثل هذا الشيك لتسوية حسابات جارية بين مطحنين يقوم على إدارتهما وإذ ما كانت أقوال مدير المؤسسة في هذا الشأن لها أصل ثابت في محضر الجلسة، وكان خطأ الحكم في إسناد هذه الواقعة إلى غيره من الشهود أيضاً - على فرض حصوله - غير مؤثر على سلامته، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
لما كان ذلك، وكان لا يبقى من وجوه النعي غير ما رمى به الطاعن الحكم من خطأ في تطبيق القانون حين أعتبر الوصوليين محل التزوير من محررات المؤسسة على الرغم من خلو المحررين مما يشهد على ذلك، ثم عدم ثبوت علم الطاعن بمحو العبارات السابق تسجيلها على المحررين وهذا النعي مردود في شقه الأول بأنه لما كان مناط اعتبار الورقة الرسمية أو أنها محرر لإحدى الشركات المساهمة هو صدورها من موظف مختص بتحريرها ووقوع تغيير الحقيقة فيما أعدت الورقة لإثباته، وكان الحكم قد أثبت على لسان الطاعن تسليمه بأن المحررين هما من محررات المؤسسة، بما قرره من أنه حرر الوصوليين مقابل مبالغ تسلمها المفوض منه لصرفها في شئون المطحن ريثما يقدم له مستندات وجوه الصرف، فإنه لا يقدح في اعتبار المحررين من محررات المؤسسة العامة، خلوهما في ذاتهما كورقتين من علامة تشهد أو تشير أنهما كذلك، بعد أن أثبت الحكم توقيع المفوض عليهما قبل أن ينال مضمون صلبهما التغيير الذي دين به الطاعن على سند صحيح من إعمال نص المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات. كما أن النعي في شقه الثاني مردود بأنه لما كان الطاعن على ما أثبته الحكم قد اعترف بالتحقيقات وبالجلسة بأن صلب الوصوليين المزورين قد حررا بيده - وهو ما لا يماري فيه الطاعن في أسباب الطعن - وكان ما أثبته الحكم من وقوع التزوير من الطاعن بمحو عبارات كانت مدونة على الورقتين وتحرير عبارات أخرى محلها مغايرة للحقيقة، يلزم عنه أن يتوافر في حقه ركن العلم بتزوير المحررين اللذين أسند إليه تزويرهما على تلك الصورة، فإن ما يثيره الطاعن عن خطأ الحكم في تطبيق القانون فى شقيه، يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً