أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة السادسة - صـ 679

جلسة 21 من مارس سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل المستشار، وحضور السادة الأساتذة: حسن داود، ومحمود إسماعيل، وإسحاق عبد السيد، ومحمود محمد مجاهد المستشارين.

(220)
القضية رقم 26 سنة 25 القضائية

إثبات. خبير. قيام طبيب غير الذي ندبته المحكمة بتشريح الجثة. لا يؤثر في سلامة الحكم ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى عمله.
إن قيام طبيب آخر من قسم الطب الشرعي بتشريح الجثة غير رئيسه الذي ندبته المحكمة لا يؤثر في سلامة الحكم ما دام أن المحكمة قد اطمأنت إلى عمله وإلى الأقوال الأخيرة التي أبداها الطبيب الشرعي الذي سبق له أن أوقع الكشف على المصاب وما دام تقدير الدليل موكولاً إليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: الأول ـ قتل السيد إبراهيم قنصوه عمداً ومع سبق الإصرار بأن انتوى قتله واصطحبه لمكان الحادث وأطلق عليه مقذوفين ناريين أصابه أحدهما بالإصابة الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية قاصداً من ذلك قتله وقد أودت بحياته. والثاني ـ اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب هذه الجريمة بأن اتفق معه على ارتكابها ورافقه إلى مكان الحادث لشد أزره ومساعدته فوقعت الجريمة فعلاً بناء على ذلك الاتفاق وهذه المساعدة. وطلبت من قاضى الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمادتين 230، 231 من قانون العقوبات فقرر بتاريخ 22 من ديسمبر سنة 1950 إحالتهما إليها لمحاكمتهما بالمادتين المذكورتين. وادعى ورثة السيد إبراهيم قنصوه " المجني عليه" وهم سعد ومبروكة وعبد العال وزكيه ودلال إبراهيم قنصوه ووالدته صديقه محمد ماضي بحق مدني قدره 500 جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين بالتضامن وذلك بقرار معافاة. ومحكمة جنايات طنطا نظرت هذه الدعوى وقضت فيها حضورياً عملاً بالمادتين 230، 231 من قانون العقوبات للأول والمواد 230، 231، 40\ 2 – 3، 41 من القانون المذكور للثاني مع تطبيق المادة 17 من القانون المذكور أيضاً بالنسبة لكلا المتهمين بمعاقبة حسن علي الحو بالأشغال الشاقة مدة عشر سنوات وبمعاقبة حسين علي الحو بالأشغال مدة سبع سنين وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعين بالحق المدني مبلغ 150 جنيهاً على سبيل التعويض بالتساوي بينهم مع المصاريف المدنية المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من أوجه الطعن أن المحكمة أخلت بحق الطاعنين في الدفاع إذ لم تجبهما إلى ندب خبير لمعاينة أثر الحريق بباب منزلهما والمقول بأن سبب القتل يرجع إلى اتهام المجني عليه في إحداثه ـ بل عولت في ذلك على معاينة النيابة وعلى ما شهد به العمدة في التحقيق من أن المظهر الخارجي لأثر الحريق بالباب يدل على أنه حديث العهد وعلى أنه لا جدوى من إعادة المعاينة لمضى أربع سنوات على الحادثة مع أن العمدة وعضو النيابة كلاهما ليس خبيراً في فحص هذه الآثار. كما أن عدم إجابة هذا الطلب الجوهري من شأنه أن يؤثر في الحكم وفى الوصف القانوني للدعوى إذ تنبني على الأخذ بمعاينة النيابة ثبوت الضغينة بين المجني عليه وبين الطاعنين بسبب اعتقادهما بأنه هو الذي وضع النار عمداً في منزلهما وتوافر سبق الإصرار.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتحقق معه العناصر المكونة للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد عليها أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها وتناول دفاع الطاعنين ورد عليه بأن وكيل النيابة أثبت في معاينته وجود أثر احتراق حديث بأسفل الضلفة الشرقية للباب ووجود قطعتين جديدتين من الخشب وضعتا في مكان الجزء المحترق وأن المسامير التي ثبتت بها هاتان القطعتان لا تزال على جدتها وأن ذلك كله يشير إلى أن الحريق حديث بدليل تساقط الرماد منه بمجرد اللمس. وخلص من ذلك إلى القول بأن " المحكمة ترى الأخذ بما انتهت إليه المعاينة للشواهد المادية التي تفيد حداثة الحريق الذي لوحظ بالباب البحري لمنزل المتهمين بالإضافة إلى ما شهد به العمدة من أنه رأى هذا الحريق أثناء هذه المعاينة وقال أنه حديث وأنه لا محل لما يطلبه الدفاع... لأن هذا الطلب غير منتج فضلاً عن مضى أربع سنين من وقت وقوع الحادث "ـ لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التي رتبها عليه وكانت العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق عقوبة القتل بغير سبق إصرار ـ فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن في هذا الوجه ويتعين رفضه.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن الحكم شابه القصور إذ لم يبين علاقة الإصابة بالوفاة مع أن الدفاع قرر أن الوفاة حدثت بفعل مستقل هو مرض التيتانوس الذي يصيب المريض والسليم على السواء ودلل على ذلك بأن إصابة المجني عليه حدثت في يوم 6 من يونيه سنة 1950 وكانت في غير مقتل وظل المصاب حياً حتى يوم 17 من يونيه سنة 1950 حيث توفى بالمستشفى نتيجة إصابته بمرض التيتانوس وطلب مناقشة الطبيب الشرعي فيما إذا كانت الإصابة وحدها تؤدى إلى الوفاة إذا لم يصب المجني عليه بمرض التيتانوس وفيما إذا كانت حمى التيتانوس تعتبر نتيجة للإصابة أم حدثت لسبب طارئ مستقل عنها فلم تجبه المحكمة إلى طلبه ولم ترد عليه في أسباب حكمها ولم تقض باعتبار الواقعة شروعاً في قتل وهذا منها قصور في التسبيب يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت ما أورده الطبيب الشرعي في تقريره المؤرخ 15/ 6/ 1950 عرض لهذا الدفاع وقال " إنه في يوم 31/ 7/ 1950 حرر الطبيب الشرعي المشار إليه تقريراً بناء على طلب النيابة لبيان ما إذا كانت وفاة المجني عليه نتجت من الإصابة موضع التحقيق وعن مدى صلة الإصابة بالوفاة وقد أشار في تقريره هذا إلى التقرير السابق وإلى ما ثبت من إطلاعه على أوراق المستشفى وما أعطى له من علاج حتى يوم 16/ 6/ 1950 حيث شكا بألم شديد بموضع الجرح فأعطى له أمبول مورفين وبالكشف على الجرح وجد قرص من اللباد (حشار) مع إفراز صديدي غزير وعمل له تنظيف وغيار. وفى صباح يوم 17/ 6/ 1950 ظهرت عليه أعراض تيتانوس مبكرة وتعاطى علاج تيتانوس وعزل ورغم العلاج قد توفى مساء 17/ 6/ 1950 وأشير في تذكرة العلاج أن سبب الوفاة تيتانوس وقد انتهى الطبيب الشرعي في تقريره هذا بأن من رأيه أن إصابة السيد إبراهيم قنصوه "المجني عليه" كانت شديدة وجسيمة ومصحوبة بتهتك الأنسجة واستقرار المقذوفات والحشار وقد تضاعفت الحالة بتيتانوس وأن وفاته قد تعزى إلى تضاعف الإصابة الأصلية بمرض التيتانوس كما تقرر بذلك أوراق المستشفى". لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم استناداً إلى تقرير الطبيب الشرعي من أن الوفاة نشأت عن تضاعف الإصابة الأصلية بمرض التيتانوس له أصله الثابت في هذا التقرير ـ وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما ورد فيه وأخذت به ولم تر حاجة إلى مناقشة الطبيب الشرعي فيه فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من أوجه الطعن أن الدفاع عن الطاعنين طلب بجلسة المحاكمة مناقشة الطبيب الشرعي فيما إذا كانت إصابة المجني عليه تحدث من أعلى إلى أسفل كما قرر المجني عليه في التحقيقات أم أن الضارب كان في مستوى المضروب كما يفهم من التقرير الطبي الشرعي وأن المحكمة بعد أن أجابت الدفاع إلى طلبه وناقشت الدكتور سيد المنياوي الطبيب الشرعي في ذلك طويلاً ولم تتبين من مناقشته تحديد مستوى الضارب من المجني عليه أمرت باستخراج الجثة وتشريحها لبيان سير المقذوف وندبت لذلك كبير الأطباء الشرعيين غير أن قرار المحكمة لم ينفذ على الوجه الصحيح فلم يقم كبير الأطباء الشرعيين باستخراج الجثة وتشريحها بل قام به طبيب آخر وعلق على تقريره الدكتور سيد المنياوي الذي باشر الكشف الأول والذي لم يطمئن الدفاع إلى أقواله الأولى ولكن المحكمة عولت على تقريره الأخير وردت على طلب الدفاع باستبدل طبيب آخر بأنها لا ترى محلاً لما يثيره الدفاع في هذا الصدد لأن قرار المحكمة قد نفذ فعلاً إذ أن الدكتور المنياوي هو رئيس القسم الطبي الشرعي بطنطا وتثق المحكمة بتقريره وتأخذ به وذلك دون بيان سبب رفض طلب الدفاع والعود إلى تنفيذ قرار المحكمة على وجهه الصحيح ويكون الحكم بذلك قاصر البيان معيباً.
وحيث إنه يبين من الحكم أنه عرض لنتيجة الكشف على الجثة بعد استخراجها وتناول كافة الفروض التي وردت به ومنها أنه " إذا كان المجني عليه منحنياً للأمام وفى هذه الحالة يقتضى أن يكون الضارب في مستوى أعلى منه ويكون العيار متخذاً نفس الاتجاه الذي توضح في الحالة السابقة أي من الخلف واليسار قليلاً إلى الأمام واليمين بعض الشيء ويرى أن هذه الحالة الأخيرة قد تعزز رواية المصاب عن كيفية حدوث إصابته " ثم قال " إن الدفاع قد أثار أن قرار الحكمة السابق بشأن ندب كبير الأطباء الشرعيين باستخراج الجثة وتشريحها وإبداء الرأي المطلوب لم ينفذ وطلب ندب طبيب آخر غير الدكتور سيد المنياوي الذي قام بتنفيذ هذا القرار إذ أنه هو بنفسه الذي سبق أن أوقع الكشف الطبي على المصاب ـ إلا أن المحكمة ترى أنه لا محل لما يثيره الدفاع في هذا الصدد ذلك لأن هذا القرار قد تنفذ فعلاً إذ أن الدكتور سيد محمد المنياوي هو رئيس القسم الطبي الشرعي بطنطا طبقاً لما هو ثابت بتقريره المؤرخ 10/ 6/ 1950 فضلاً عن أن المحكمة تثق به وبتقريره الأخير بشأن استخراج الجثة وما انتهى إليه من فحص الإصابة وإبداء الرأي المطلوب"ـ لما كان ذلك وكان قيام طبيب آخر من قسم الطب الشرعي بتشريح الجثة غير رئيسه الذي ندبته المحكمة لا يؤثر في سلامة الحكم ما دام أن المحكمة قد اطمأنت إلى عمله وإلى الأقوال الأخيرة التي أبداها الطبيب الشرعي الذي سبق له أن أوقع الكشف على المصاب وما دام تقدير الدليل موكولاً إليها فإن هذا الوجه لا يكون له محل. ومن ثم يكون الطعن بكافة وجوهه على غير أساس ويتعين رفضه.