أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 531

جلسة 21 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(111)
الطعن رقم 44 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) قتل عمد. "نية القتل". سبق الإصرار. قصد جنائي. "القصد الخاص". محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص توافر سبق الإصرار". "سلطتها في استخلاص توافر نية القتل". ظروف مشددة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) سبق الإصرار. ماهيته: ظرف مشدد في جرائم الاعتداء على الأشخاص.
لا تلازم بين القصد الجنائي وسبق الإصرار. مثال لتسبيب غير معيب في استبعاد ظرف سبق الإصرار مع قيام نية القتل.
(ب) القصد الجنائي: أمر باطني يضمره الجاني وتدل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر الأعمال المادية المحسوسة التي تصدر عنه.
(ج) استخلاص نية القتل. موضوعي.
(د) فاعل أصلي. اتفاق. جريمة. قتل عمد. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
ماهية الاتفاق على ارتكاب الجريمة. إمكان وقوع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين الجناة هو الغاية النهائية من الجريمة.
ثبوت أن كلا من المتهمين كان منتوياً القتل مع الآخرين ومباشرته فعل الاعتداء في سبيل تنفيذ مقصدهم المشترك. مساءلة كل منهم باعتباره فاعلاً ولو لم تنشأ الوفاة عن فعلته ونشأت عن فعلة زميله. مثال لتسبيب غير معيب في هذا الصدد.
(هـ) دفاع شرعي. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي".
مثال لتسبيب غير معيب في نفي قيام حالة الدفاع الشرعي.
(و) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
متى لا يتحقق التعارض في الدفاع بين مصالح المتهمين؟
1 - من المقرر أنه لا تلازم بين قيام القصد الجنائي وسبق الإصرار فقد يتوافر القصد الجنائي مع انتفاء الإصرار السابق الذي هو مجرد ظرف مشدد في جرائم الاعتداء على الأشخاص. ومتى كان الحكم المطعون فيه قد استبعد سبق الإصرار في قوله: "وبما أنه ليس في الأوراق ثمة دليل مقنع على توفر سبق الإصرار أو الترصد من جانب المتهمين وعلى خلاف ذلك ثبت من الأقوال الأولى في محضر الشرطة لابنة المجني عليه أن المتهمين تشاجروا مع والدها وقد أيد ذلك ما أظهره التقرير الطبي الشرعي عن فحص ملابس المجني عليه التي كانت على جثته من وجود تمزقات كثيرة منها، حتى بالداخلية منها، كما ثبت من معاينة النيابة لمكان الحادث وجود جثة المجني عليه في حقل يعمل به المتهمون دون أن يكون هناك ثمة مبرر لذلك من مثل كون هذا الحقل في طريق مرور المجني عليه أو سيره متجهاً إلى مسكنه أو محل عمله". ومفاد ما تقدم أن المحكمة وإن أطمأنت إلى توافر نية القتل لدى الطاعنين إلا إنها ومن وجه آخر قد أيقنت بانتفاء عنصر سبق الإصرار لما تبينه من أن الحادث كان وليد مشاجرة بين المجني عليه وبين الطاعنين وغير مسبوق بفترة من الوقت تسمح لهم بإعمال الفكر في هدوء وروية، وهو استخلاص سائغ لا تناقض فيه.
2 - إن القصد الجنائي أمر باطني يضمره الجاني وتدل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر الأعمال المادية المحسوسة التي تصدر عنه. والعبرة في ذلك هي بما يستظهره الحكم من الوقائع التي تشهد لقيامه.
3 - من المقرر أن استخلاص نية القتل موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. ومتى كان البين أن الحكم المطعون فيه قد دلل على قيام نية القتل لدى الطاعنين تدليلاً سائغاً، فإن ما يثيره الطاعنون بهذا الصدد لا يكون له محل.
4 - إن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضى في الواقع أكثر من تقابل إرادة المشتركين ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين. ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو حتى لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بينهم هو الغاية النهائية من الجريمة، أي أن يكون كل منهم قد قصد قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة، وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة. ولما كانت نية تدخل الطاعنين في مقارفة جريمة قتل المجني عليه تحقيقاً لقصدهم المشترك تستفاد من نوع الصلة بينهم إذ تربطهم صلة القربى فضلاً عن المعية بينهم في الزمان والمكان وصدورهم في ارتكاب الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وهو ما لم يقصر الحكم في استظهاره، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهم انهالوا على المجني عليه ضرباً بالعصي في مقتل ولم يتركوه إلا جثة هامدة وخلص إلى قوله: "بأن كلاً من الطاعنين يكون مسئولاً عن الوفاة حتى ولو كانت الضربة الحاصلة منه ليست بذاتها قاتلة بل إنه لا يؤثر قانوناً فيما انتهت إليه المحكمة من ذلك أن بعض الضربات لم يكن له دخل في الوفاة ما دام أن الثابت على الوجه المتقدم بيانه هو أن كلا من المتهمين كان منتوياً القتل مع الآخرين وقد باشر فعل الاعتداء في سبيل تنفيذ مقصدهم المشترك، ومن ثم فإنه يعتبر فاعلاً في القتل ولو كانت الوفاة لم تنشأ من فعلته ونشأت عن فعلة زميله. ولذلك كله لا تعول المحكمة على ما ذهب إليه الدفاع عن المتهمين من طلب مناقشة الطبيب الشرعي في هذا الخصوص". فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه، ويكون منعى الطاعنين على الحكم في شأن ذلك كله غير سديد.
5 - متى كان الحكم المطعون فيه قد أطرح ما آثاره الطاعنون بشأن قيام حالة الدفاع الشرعي في قوله: "إن ما آثاره المتهمون من القول بكونهم في حالة دفاع شرعي مردود بأن أقوال رية بنت المجني عليه التي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها قاطعة في أن مشادة حصلت قبل الاعتداء بين المجني عليه والمتهمين، وفي كل شجار، ما دامت نية طرفيه إلى الاعتداء فلا مناص من أن يبدأ أحدهما الضربة الأولى ولا يمكن أن يكون الطرف الثاني في هذه الظروف في حالة دفاع شرعي لأنه عندما يعتدي على خصمه ليس يقصد إلا الاعتداء ذاته الذي انتواه ولا تنصرف نيته أبداً إلى رد الاعتداء أو منعه للقول بأنه في حالة دفاعي". وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن كلاً من الطرفين كان يقصد الاعتداء وإيقاع الضرب على الطرف الآخر وهو ما لا تتوافر فيه حالة الدفاع الشرعي، وذلك بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء وهو رد صحيح في القانون تنتفي به حالة الدفاع الشرعي عن النفس، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الوجه يكون غير سديد.
6 - متى كان الواضح من الأدلة التي استند إليها الحكم أن كلاً من الطاعنين قد أنكر التهمة، وكان ثبوت الفعل المكون للجريمة في حق أي متهم لا يؤدي إلى تبرئة الآخر عن التهمة التي نسبت إليه، فإن مصلحة كل منهم في الدفاع لا تكون متعارضة مع مصلحة الآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 3/ 10/ 1967 بدائرة مركز ملوي محافظة المنيا: قتلوا عمداً مع سبق الإصرار والترصد على سيف صالح بأن بيتوا النية على قتله واعدوا لذلك آلات راضة "عصى" وكمنوا له في طريق عودته من حقله وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه ضربا بعصيهم قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية. والمتهم الأول أيضاً. أحدث عمداً بريه على سيف الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنيا قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 234/ 1 و242/ 1 و32/ 2 و30/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين وبمصادرة العصي. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور وتناقض وفساد فى الاستدلال كما انطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه استبعد ظرف سبق الإصرار على سند من القول بأن الحادث لم يكن وليد تدبير سابق ثم عاد وأورد في موضع آخر من مدوناته أن الطاعنين راودتهم شهوة الأخذ بالثأر من المجني عليه فانهالوا عليه ولم يتركوه إلا جثة هامدة هذا إلى أنه وعلى رغم ثبوت أن الإصابات التي أحدثها الطاعن الثالث بالمجني عليه لم تسهم في وفاته فقد دانه الحكم بجريمة القتل العمد من غير سبق الإصرار بحجة أن هذه الإصابات وإن لم تسهم في الوفاة فقد عطلت مقاومة المجني عليه وأن كلا من المتهمين مسئول عن الوفاة حتى لو كانت الضربة المسندة إليه ليست هي القاتلة ما دام أن كلاً منهم كان منتوياً القتل مع الآخرين، في حين أن مساءلة الفاعل أو الشريك عن كل النتيجة بصرف النظر عن فعله الشخصي لا تكون إلا في حالة ظرف سبق الإصرار، وقد كان يتعين على الحكم أن يحدد الفعل الذي ارتكبه كل من المتهمين. وقد تمسك الدفاع بجلسة المحاكمة باستدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في تحديد المسئولية إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب رغم جوهريته، ذلك بالإضافة إلا أنها لم تستظهر نية القتل لدى الطاعنين واكتفت بإيراد الأفعال المادية التي أتاها كل منهم كما أطرحت ما أثاره المدافع عن الطاعنين من أنهم كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس استناداً إلى أسباب غير سائغة لا تصلح لنفي قيام هذه الحالة مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إن المتهمين صالح عبد المعطي صالح وسنوسي هدية صالح وواعر هدية صالح قد التقوا بالمجني عليه علي يوسف صالح وابنته رية التي كانت ترافقه يوم 3/ 10/ 1967 بزمام ناحية قصر هور من أعمال مركز ملوي وتشاجروا مع المجني عليه الذي كان قد اتهم بقتل صالحين عبد المعطي صالح أخ المتهم الأول وقريب المتهمين الثاني والثالث وانهال المتهمون على المجني عليه ضرباً بعصيهم التي كانت معهم قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به عديداً من الإصابات التي أصابته في وجهه ويديه وظهره والتي أودت بحياته وبعد أن دلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة ورد على دفاع المتهمين بما يسوغ إطراحه استظهر نية القتل وتوافرها لدى الطاعنين بقوله "وبما أن نية القتل مستفادة من أن المتهمين مجتمعين وهم ثلاثة رجال أشداء في مقتبل العمر وميعة الصبا وقد راودت نفوسهم شهوة الأخذ بالثأر من المجني عليه لمقتل صالحين عبد المعطي صالح قد انهالوا على المجني عليه ضربا بالعصي في مقتل من مواضع كثيرة في جسمه بالرأس والوجه حتى أحدثوا به الإصابات السابق بيانها وبيان ما أحدثته من كسور في عظام الجمجمة والوجه وتهتك السحايا والمخ الذي خرجت مادته من أثر الاعتداء مما يثبت على وجه القطع واليقين أن المتهمين لم يتركوا المجني عليه إلا جثة هامدة كما قررت ابنته رية في شهادتها" ثم استبعد ظرف سبق الإصرار في قوله "وبما أنه ليس في الأوراق ثمة دليل مقنع على توفر سبق الإصرار أو الترصد من جانب المتهمين وعلى خلاف ذلك ثبت من الأقوال الأولى في محضر الشرطة لابنة المجني عليه أن المتهمين تشاجروا مع والدها وقد أيد ذلك ما أظهره التقرير الطبي الشرعي عن فحص ملابس المجني عليه التي كانت على جثته من وجود تمزقات كثيرة فيها حتى بالداخلية منها كما ثبت من معاينة النيابة لمكان الحادث وجود جثة المجني عليه في حقل يعمل به المتهمون دون أن يكون هناك ثمة من مبرر لذلك من مثل كون هذا الحقل في طريق مرور المجني عليه أو سيره متجهاً إلى مسكنه أو محل عمله" ومفاد ما تقدم أن المحكمة وإن اطمأنت إلى توافر نية القتل لدى الطاعنين إلا أنها من وجه آخر قد أيقنت بانتفاء عنصر سبق الإصرار لما تبينته من أن الحادث كان وليد مشاجرة بين المجني عليه وبين الطاعنين وغير مسبوق بفترة من الوقت تسمح لهم بإعمال الفكر في هدوء وروية، وهو استخلاص سائغ لا تناقض فيه، ذلك بأنه لا تلازم بين قيام القصد الجنائي وسبق الإصرار فقد يتوافر القصد الجنائي مع انتفاء الإصرار السابق الذي هو مجرد ظرف مشدد في جرائم الاعتداء على الأشخاص، ومن ثم فقد انحسر عن الحكم قالة التناقض في التسبيب. لما كان ذلك، وكان التحدي بأن مساءلة الفاعل أو الشريك عن كل النتيجة لا تكون إلا في حالة توافر ظرف سبق الإصرار مردوداً بأن عدم قيام ظرف سبق الإصرار لدى المتهمين لا ينفي قيام الاتفاق بينهم، إذ الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة المشتركين ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين، ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو حتى لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بينهم هو الغاية النهائية من الجريمة، أي أن يكون كل منهم قد قصد قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة، وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة، ولما كان القصد الجنائي أمراً باطنياً يضمره الجاني وتدل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر الأعمال المادية المحسوسة التي تصدر عنه، والعبرة في ذلك هي بما يستظهره الحكم من الوقائع التي تشهد لقيامه، وكانت نية تدخل الطاعنين في مقارفة جريمة قتل المجني عليه تحقيقاً لقصدهم المشترك تستفاد من نوع الصلة بينهم إذ تربطهم صلة القربى فضلاً عن المعية بينهم في الزمان والمكان وصدورهم في ارتكاب الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وهو ما لم يقصر الحكم في استظهاره حسبما تقدم بيانه، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهم انهالوا على المجني عليه ضرباً بالعصي في مقتل بمواقع عديدة من جسمه بالرأس والوجه بقصد قتله ولم يتركوه إلا جثة هامدة وخلص إلى أن كلاً من الطاعنين "يكون مسئولاً عن الوفاة حتى ولو كانت الضربة الحاصلة منه ليست بذاتها قاتلة بل إنه لا يؤثر قانوناً فيما انتهت إليه المحكمة من ذلك أن بعض الضربات لم يكن له دخل في الوفاة ما دام أن الثابت على الوجه المتقدم بيانه هو أن كلاً من المتهمين كان منتوياً القتل مع الآخرين وقد باشر فعل الاعتداء في سبيل تنفيذ مقصدهم المشترك، ومن ثم فإنه يعتبر فاعلاً في القتل ولو كانت الوفاة لم تنشأ من فعلته ونشأت عن فعل زميله ولذلك كله لا تعول المحكمة على ما ذهب إليه الدفاع عن المتهمين من طلب مناقشة الطبيب الشرعي في هذا الخصوص". فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ويكون منعى الطاعنين على الحكم في شأن ذلك كله غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن استخلاص نية القتل - وهي أمر خفي - لا يدرك بالحس الظاهر موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان البين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد دلل على قيام نية القتل لدى الطاعنين تدليلاً سائغاً، فإن ما يثيره الطاعنون بهذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، وكان الواضح من الأدلة التي استند إليها الحكم أن كلا من الطاعنين قد أنكر التهمة وكان ثبوت الفعل المكون للجريمة في حق أي متهم لا يؤدي إلى تبرئة الآخر من التهمة التي نسبت إليه، فإن مصلحة كل منهم في الدفاع لا تكون متعارضة مع مصلحة الآخر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ عرض إلى ما آثاره الطاعنون بشأن قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس قد أطرحه في قوله "إن ما آثاره المتهمون من القول بكونهم في حالة دفاع شرعي مردود بأن أقوال ريه بنت المجني عليه التي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها قاطعة في أن مشادة حصلت قبل الاعتداء بين المجني عليه والمتهمين، وفي كل شجار ما دامت نية طرفيه إلى الاعتداء فلا مناص من أن يبدأ أحدهما الضربة الأولى ولا يمكن أن يكون الطرف الثاني في هذه الظروف في حالة دفاع شرعي لأنه عندما يعتدي على خصمه ليس يقصد إلا الاعتداء ذاته الذي انتواه ولا تنصرف نيته أبداً إلى رد الاعتداء أو منعه للقول بأنه في حالة دفاع شرعي". وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن كلاً من الطرفين كان يقصد الاعتداء وإيقاع الضرب على الطرف الآخر وهو ما لا تتوافر فيه حالة الدفاع الشرعي، وذلك بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء وهو رد صحيح في القانون تنتفي به حالة الدفاع الشرعي عن النفس، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الوجه يكون بدوره غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً