أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 558

جلسة 28 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، وحسين سعد سامح، ومحمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(116)
الطعن رقم 12 لسنة 39 القضائية

( أ ) عمل. قانون. "تطبيقه". قرارات وزارية. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة.
التفات المحكمة عن الرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان. لا يعيب حكمها.
مثال في شأن تحديد الحد الأدنى لأجور العمال في المنشآت الصناعية متى تجاوزوا الثامنة عشرة سنة.
(ب، جـ، د) ارتباط. عقوبة. "عقوبة الجرائم المرتبطة". "تطبيقها". عمل. قانون. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "حالات الطعن بالنقض. الخطأ في تطبيق القانون".
(ب) مناط تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات؟
(جـ) جرائم عدم تحرير صاحب العمل عقود عمل لعماله وعدم إنشائه ملفاً لكل منهم وعدم إعلانه جدول ساعات العمل وفترات الراحة الأسبوعية ونظام تشغيل الأحداث والنساء ولائحة العمل ولائحة الجزاءات وتعيينه عمالاً دون الرجوع إلى مكتب القوى العاملة. لا ارتباط بينها.
(د) العقوبة المقررة لمخالفة أحكام المواد 122 و128 و138 من القانون رقم 91 لسنة 1959. غرامة لا تزيد عن مائة قرش. قضاء الحكم - في هذه الجرائم - بتغريم الطاعن مائتي قرش. خطأ في تطبيق القانون.
(هـ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن بالنقض. ما لا يقبل منها". إثبات. "إثبات بوجه عام".
حق محكمة الموضوع في الأخذ بما ترتاح إليه من أدلة وإطراح ما عداها. عدم التزامها بالرد على كل دليل على حدة. كفاية الرد الضمني المستفاد من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت.
الجدل الموضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى وتكوينها عقيدتها. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هي التفتت عن الرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب. ومتى كان الثابت أنه بتاريخ 4 من يونيه سنة 1958 صدر قرار وزير الصناعة رقم 140 لسنة 1958 - الذي عدل بعد ذلك بالقرار رقم 680 لسنة 1960 - بتحديد المنشآت الصناعية التي أشارت إليها المادة الثانية من القانون رقم 21 لسنة 1958، وكان من بين الصناعات التي تناولها قرار وزير الصناعة صناعة تعطين الكتان والتيل. ولما كانت المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1962 في شأن تحديد حد أدنى لأجور العمال في المنشآت الصناعية قد نصت على أن يكون الحد الأدنى لما يتقاضاه العامل الذي يجاوز سنه ثماني عشرة سنة من أجر يومي شامل في المنشآت الصناعية التي تسري في شأنها أحكام المادتين 1، 8 من القانون رقم 21 لسنة 1958 خمسة وعشرين قرشاً، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه لظهور بطلانه.
2 - إن مناط تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال تكمل بعضها البعض الآخر فتتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات.
3 - إن قعود صاحب العمل عن تحرير عقود عمل لعماله وعدم إنشائه ملفاً لكل منهم وعدم إعلانه جدول ساعات العمل وفترات الراحة الأسبوعية ونظام تشغيل الأحداث والنساء ولائحة العمل ولائحة الجزاءات وتعيينه عمالاً دون الرجوع إلى مكتب القوى العاملة إنما هي أعمال كل منها مستقل تمام الاستقلال عن الآخر ولا يوجد ثمة ارتباط بينها. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعقوبة لكل من هذه الجرائم يكون قد أصاب صحيح القانون.
4 - أوجب القانون رقم 91 لسنة 1959 في المواد 122 و128 و138 منه على صاحب العمل أن يضع على الأبواب الرئيسية لمنشأته وفي مكان ظاهر جدولاً ببيان ساعات العمل وفترات الراحة. وأن يضع في محله نسخة من الأحكام الخاصة بتشغيل الأحداث والنساء. ونص في المواد 222 و223 و224 منه على عقاب كل من يخالف أحكام المواد السابقة بغرامة لا تزيد عن مائة قرش، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى في هذه الجرائم وهي موضوع التهم الرابعة والخامسة والسادسة بتغريم الطاعن مائتي قرش يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه نقضاً جزئياً بالنسبة لما قضى به في هذه التهم الثلاث وتصحيحه.
5 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما ترتاح إليه من أدلة وتطرح ما عداها دون أن تكون ملزمة بالرد على كل دليل على حدة ما دام ردها مستفاداً ضمناً من قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت، ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعن حول ذلك يعد من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى، ومصادرة لها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في 18 ديسمبر سنة 1963 بدائرة مركز زفتى: 1 - وهو صاحب محل ومالك للمنشأة الصناعية المبينة بالمحضر أعطى عمال المنشأة الذين تجاوز سنهم ثماني عشرة سنة أجراً يومياً يقل عن خمسة وعشرين قرشاً 2 - لم يحرر عقود عمل ثابتة بينه وبين العمال من نسختين 3 - لم ينشئ ملفاً خاصاً لكل عامل من العمال الواردة أسماؤهم بالمحضر 4 - لم يضع على الأبواب الخارجية جدولاً موضحاً به ساعات العمل وفترات الراحة الأسبوعية 5 - لم يضع في محل العمل نسخة من النظام لتشغيل الأحداث 6 - لم يضع في محل العمل نسخة من نظام تشغيل النساء. كما اتهمته في الجنحة رقم 5033 سنة 1964 بأنه في 6 من أكتوبر سنة 1964 بدائرة مركز زفتى: 1 - قام بتعيين ستة عشر عاملاً عادياً دون الرجوع إلى مكتب القوى العاملة المختص 2 - بوصفه صاحب عمل يستخدم خمسة عشر عاملاً فأكثر لم يضع في مكان ظاهر من مؤسسته لائحة النظام الأساسي للعمل 3 - بصفته السابقة لم يضع لائحة بالجزاءات وشروط توقيعها بمكان ظاهر من مؤسسته 4 - لم يقم بتحرير عقد عمل من نسختين لكل عامل من العمال المذكورين بالمحضر وعددهم 19 عاملاً 5 - لم ينشئ ملف خدمة خاص لكل عامل من المذكورين بالمحضر متضمناً البيانات المقررة. وطلبت عقابه في الجنحة رقم 3641 سنة 1963 بالمادتين رقمي 1 و5 من القانون رقم 21 لسنة 1958 والمادتين رقمي 1 و2/ 1 من القانون رقم 102 لسنة 1962 والمواد أرقام 43 و68 و69 و125 و128 و138 و221 و222 من القانون رقم 91 لسنة 1959 وفي الجنحة رقم 5033 لسنة 1964 بالمواد أرقام 21 و43 و68 و69 و215 و216 و221 و235 من القانون رقم 91 لسنة 1959 والقرار الوزاري رقم 113 لسنة 1963. ومحكمة زفتى الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام (أولاً): في الجنحة رقم 3631 سنة 1963 بتغريم المتهم خمسين جنيهاً عن التهمة الأولى ومائتي قرش عن كل تهمة من باقي التهم المسندة إليه وذلك بالنسبة إلى كل عامل من العمال الذين وقعت في شأنهم الجريمة وذلك عدا التهم الرابعة والخامسة والسادسة و(ثانياً): في الجنحة رقم 5033 لسنة 1964 بتغريم المتهم مائتي قرش عن كل تهمة وبالنسبة إلى كل عامل من العمال الذين وقعت في شأنهم الجريمة عدا التهمتين الثانية والثالثة بدون تعدد. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم. ومحكمة طنطا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بتاريخ 6 من مارس سنة 1967 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة طنطا الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. أعيدت الدعوى ثانية إلى محكمة طنطا الابتدائية وقضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم إعطائه لعماله الذين تجاوز سنهم ثماني عشرة سنة أجراً يومياً يقل عن خمسة وعشرين قرشاً، وعدم تحريره عقود عمل لعماله وعدم إنشائه ملفاً لكل منهم، وعدم إعلانه على أبواب منشأته جدول ساعات العمل وفترات الراحة الأسبوعية ونظام تشغيل الأحداث والنساء، وتعيينه عمالاً دون الرجوع إلى مكتب القوى العاملة وعدم وضعه في محله لائحة النظام الأساسي للعمل، ولائحة الجزاءات. قد شابه قصور في التسبيب وأخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الطاعن دفع بعدم انطباق القانون رقم 21 لسنة 1958 والقانون رقم 102 لسنة 1962 على مصانع الكتان المملوكة للأفراد لعدم صدور قرار وزير الصناعة ببيان المنشآت الصناعية التي ينطبق عليها القانون الأخير كما قدم الطاعن مستندات تثبت أن بعض عماله يتقاضون أجورهم بحسب نسبة الإنتاج والبعض الآخر يتقاضى فعلاً أجراً لا يقل عن خمسة وعشرين قرشاً ونازع الطاعن في صحة باقي التهم المسندة إليه، غير أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع ولم يرد عليه مما يصمه بالقصور. هذا إلى أن بعض الجرائم المسندة إلى الطاعن مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة بما كان يتعين معه إعمال حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات. كما قضى الحكم في بعض هذه الجرائم بغرامة قدرها مائتي قرش مع أن الحد المقرر لها قانوناً هو مائة قرش.
وحيث إنه لما كان من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هي التفتت عن الرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب. وكان الثابت أنه بتاريخ 4 من يونيه سنة 1958 صدر قرار وزير الصناعة رقم 140 لسنة - 1958 - الذي عدل بعد ذلك بالقرار رقم 680 سنة 1960 - بتحديد المنشآت الصناعية التي أشارت إليها المادة الثانية من القانون رقم 21 لسنة 1958، وكان من بين الصناعات التي تناولها قرار وزير الصناعة، صناعة تعطين الكتان والتيل. ولما كانت المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1962 في شأن تحديد حد أدنى لأجور العمال في المنشآت الصناعية قد نصت على أن يكون الحد الأدنى لما يتقاضاه العامل الذي يجاوز سنه ثماني عشرة سنة من أجر يومي شامل في المنشآت الصناعية التي تسري في شأنها أحكام المادتين 1 و8 من القانون رقم 21 لسنة 1958 خمسة وعشرين قرشاً فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عنه لظهور بطلانه. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع قد أطرحت المستندات التي قدمها الطاعن لعدم اطمئنانها إليها، وكان من حقها أن تأخذ بما ترتاح إليه من أدلة وتطرح ما عداها دون أن تكون ملزمة بالرد على كل دليل على حدة ما دام ردها مستفاداً ضمناً من قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت الأخرى، فإن كل ما يثيره الطاعن حول ذلك يعد من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى، ومصادرة لها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان مناط تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال تكمل بعضها البعض الآخر فتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات. ولما كان قعود صاحب العمل عن تحرير عقود عمل لعماله وعدم إنشائه ملفاً لكل منهم وعدم إعلانه جدول ساعات العمل وفترات الراحة الأسبوعية ونظام تشغيل الأحداث والنساء ولائحة العمل ولائحة الجزاءات وتعيينه عمالاً دون الرجوع إلى مكتب القوى العاملة إنما هي أعمال كل منها مستقل تمام الاستقلال عن الآخر ولا يوجد ثمة ارتباط بينها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعقوبة لكل من هذه الجرائم يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون الطعن في خصوص ما تقدم على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن القانون رقم 91 لسنة 1959 المطبق على واقعة الدعوى قد أوجب في المواد 122 و128 و138 منه على صاحب العمل، أن يضع على الأبواب الرئيسية لمنشأته وفي مكان ظاهر جدولاً ببيان ساعات العمل وفترات الراحة، وأن يضع في محله نسخة من الأحكام الخاصة بتشغيل الأحداث والنساء ونص في المواد 222 و223 و224 منه على عقاب كل من يخالف أحكام المواد السابقة بغرامة لا تزيد عن مائة قرش، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى في هذه الجرائم وهي موضوع التهم الرابعة والخامسة والسادسة في القضية رقم 3631 سنة 1963 بتغريم الطاعن مائتي قرش يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه نقضاً جزئياً بالنسبة لما قضى به في هذه التهم الثلاث وتصحيحه بجعل الغرامة مائة قرش لكل منها.