أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 609

جلسة 28 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سعد سامح، ومحمود عباس العمراوي.

(125)
الطعن رقم 518 لسنة 39 القضائية

(أ) رشوة. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحقق جريمة الرشوة في حق الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته. مشروط بأن يعتقد الموظف أو يزعم كذباً أنه من أعمال وظيفته. بصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". رشوة.
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. حق لمحكمة الموضوع. تستخلصه من الأدلة المباشرة أو غيرها.
الجدل الموضوعي. إثارته أمام النقض. غير جائزة.
(ج) حكم. "إصداره". "تصحيحه". "حجيته".
الكشف عن ماهية الحكم. العبرة فيه بالواقع..
النعي بتصحيح كاتب الجلسة للحكم دون الرجوع إلى رئيس الدائرة التي أصدرته. لا محل له. متى كان ما أجراه الكاتب من تصحيح يتفق وحقيقة الواقع وتداركاً لسهو وقع فيه.
(د، هـ، و، ز) إثبات. "إثبات بوجه عام". "اعتراف". "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(د) العبرة في المحاكمات الجنائية. باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه.
(هـ) عدول المتهم عن أقواله. لا يمنع المحكمة من الأخذ بها في حق ذات المتهم أو غيره من المتهمين.
(و) كفاية كون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة. عدم جواز النظر إلى دليل بعينه منها لمناقشته على حدة.
(ز) صحة الإحالة في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده الحكم من أقوال شاهد آخر. ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
(ح) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم تحقيق الدفاع غير المنتج أو الرد عليه. لا عيب.
1 - من المقرر أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً، وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد الموظف أو زعم إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء.
2 - لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها يستوي في ذلك الأدلة المباشرة أو غيرها من طرق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام ذلك سائغاً، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني من أنه كان مجرد وسيط يعفى من العقاب لاعترافه وليس مرتشياً، لا يكون له محل إذ أن ذلك منه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع، ومن ثم فإذا كان الطاعن لا يجادل في أن الثابت من محضر الجلسة ورول القاضي أن منطوق الحكم قد شمله بالإدانة وتأكد ذلك بما ورد بأسباب الحكم ذاته ومدوناته التي تكمل منطوقه في هذا الشأن، فإن نعيه بخلو منطوق الحكم بالنسخة الأصلية من شموله بالإدانة ثم تصحيح كاتب الجلسة له بعد ذلك بنفسه دون عرضه على رئيس الدائرة، لا يكون له محل إذ هو نعي عار من دليله - وبفرض صحته - فلا يعدو أن يكون مجرد سهو تداركه من وقع فيه وهو كاتب الجلسة حتى يتفق وحقيقة الواقع.
4 - إن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، وأن له أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح من الأوراق.
5 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إليها.
6 - لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
7 - لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها، وإذ كان ذلك وكان الطاعن الثاني لا يجادل في أن أقوال الشهود قد اتفقت مع ما استند إليه الحكم منها وإن ادعى اختلافها في غير ذلك، فإن نعيه في هذا الصدد لا يكون له محل.
8 - إذا كان دفاع المتهم الذي تمسك به أمام محكمة الموضوع غير منتج في الدعوى فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تحققه أو أغفلت الرد عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين، بأنهما في يوم 17 يونيو سنة 1967 بدائرة قسم ثان المنصورة محافظة الدقهلية: بصفتهما موظفين الأول كاتب حسابات والثاني قارئ عدادات بقسم المياه بمجلس مدينة المنصورة، طلبا لنفسيهما وأخذا عطية.. للإخلال بواجبات وظيفتيهما وذلك بأن طلبا وأخذا من أحمد حسيب علي الخولي مبلغ أربعة جنيهات على سبيل الرشوة مقابل ما زعماه له من إعفائه من سداد قيمة استهلاك المياه المستحقة عليه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103 و104 و111/ 6 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن ثلاث سنوات وغرامة ألف جنيه فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة الرشوة قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وانطوى على البطلان وفي بيان ذلك يقول الطاعن الأول إن الحكم قد اعتد في إدانته بأقوال رجال الشرطة فقط دون أن يشير إلى أقوال المبلغ واعتراف الطاعن الثاني عليه في حين أن أقوالهم خلت من نسبة وقوع الفعل إليه لأنها انصبت أصلاً على ضبط الطاعن الثاني في الكمين الذي أعدوه له ولم يكن هو موجوداً به ساعة الضبط، هذا إلى أن الحكم التفت عن الرد على دفاعه ومستنداته إذ سبق وحرر مذكرة قبل الحادث برفع عداد المياه من منزل زوجة المجني عليه لتأخره في دفع قيمة الاستهلاك ورفع العداد بالفعل ثم أعيد وبدأ رقمه من درجة الصفر وثبت من فحصه سلامة ختمه وما سجله من قراءة - ولا سبيل للعبث به إلا بكسره، كما حرر تقريراً عن تأخير الطاعن الثاني في تقديم قراءات العدادات بما يقطع في قيام الخصومة بينهما ويقول الطاعن الثاني إنه وإن كانت أسباب الحكم ومنطوقه بالرول قاطعة في إدانته إلا أن المنطوق بنسخة الحكم الأصلية جاء قاصراً على الطاعن الأول دونه مما حدا بالسيد رئيس النيابة إلى التأشير عليها بعرضها على رئيس الدائرة لتصحيح المنطوق بها، إلا أن كاتب الجلسة قام بإجراء هذا التصحيح بنفسه الأمر الذي يبطل الحكم لفقد مقوماته، هذا إلى أنه ليس فيما ساقه الحكم من قول مرسل للمجني عليه أو شهادة رئيس وحدة المباحث أو اعتراف له، ما يدل على أنه شريك للمتهم الأول في جريمة الرشوة وإنما هو مجرد وسيط فيها مما لازمه - وقد اعترف بالواقعة - إعفاؤه من العقاب طبقاً للمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، كما أن الحكم أحال في تحصيله لشهادة الضابط والشرطي السري إلى أقوال النقيب رئيس وحدة المباحث على الرغم من اختلاف شهادتهما وأخيراً فإنه غير مختص أصلاً بإعفاء المجني عليه من قيمة استهلاك المياه لأن عمله قاصر على رصد ما تسجله العدادات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعية الدعوى بما مجمله أنه إذ قرر المجني عليه للطاعن الأول - وهو كاتب حسابات بقسم المياه بمجلس مدينة المنصورة - أن قيمة استهلاكه للمياه تجاوز ما استهلكه فعلاً، فقد أبدى له هذا الأخير استعداده لإعفائه منها لقاء تقاضيه منه مبلغ أربعة جنيهات سيقوم باقتسامها مع الطاعن الثاني، فتظاهر المجني عليه بالموافقة ونقده منها جنيهاً واتفق معه على أن يوفد إليه الطاعن الثاني بمسكنه في الساعة الخامسة مساء من ذات اليوم لاستلام باقي مبلغ الرشوة المتفق عليه وإذ دبره أبلغ الأمر لرئيس وحدة المباحث الذي أثبت أرقام المبلغ بمحضره واستصدر إذناً من النيابة بالضبط والتفتيش وأعد كميناً منه ومن ضابط قسم ثاني المنصورة وأحد الشرطة، وفي الموعد المحدد حضر الطاعن الثاني وتسلم من المجني عليه باقي المبلغ بعد أن أفصح له عن علمه بتسلم زميله مقدم المبلغ مقابل إعفائه من قيمة استهلاك المياه وإثر ذلك قبض عليه رجال القوة، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من شهادة رئيس وحدة المباحث والضابط والشرطي المرافقين له واعتراف الطاعن الثاني بتحقيقات النيابة على نفسه وزميله وهي أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته وأن له أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما كان له مأخذه الصحيح من الأوراق وأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إليها وأنه لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه كما هو الحال في هذه الدعوى ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن الأول في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما يثيره في شأن المستندات التي أشار إلى أنه أسس عليها دفاعه وأعرض الحكم عن مناقشتها فإنها إنما تتعلق بإجراءات سابقة على ارتكاب الحادث خاصة برصد قيمة استهلاك المجني عليه للمياه من قبل وقوع الجريمة فلم تكن بما حوته لتنفي وقوعها منهما ومن ثم فإن ما ينعاه في هذا الخصوص لا يكون له محل لما هو مقرر من أنه إذا كان دفاع المتهم الذي تمسك به أمام محكمة الموضوع غير منتج في الدعوى فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تحققه أو أغفلت الرد عليه. لما كان ذلك، وكان الطاعن الثاني لا يجادل في أن الثابت من محضر الجلسة ورول القاضي أن منطوق الحكم قد شمله بالإدانة وتأكد ذلك بما ورد بأسباب الحكم ذاته ومدوناته التي تكمل منطوقه في هذا الشأن وكانت العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع فإن نعيه بخلو منطوق الحكم بالنسخة الأصلية من شموله بالإدانة ثم تصحيح كاتب الجلسة له بعد ذلك بنفسه دون عرضه على رئيس الدائرة لا يكون له محل إذ هو نعي عار من دليله - وبفرض صحته - فلا يعدو أن يكون مجرد سهو تداركه من وقع فيه وهو كاتب الجلسة حتى يتفق وحقيقة الواقع. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان بها الطاعنين لاقتضائهما من المجني عليه مبلغ الرشوة بعد أن زعما له أن في استطاعتهما إعفاءه من قيمة استهلاك المياه المستحقة عليه وانتهى الحكم إلى مساءلتهما بوصف كونهما مرتشيين، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال الشهود سالفي الذكر وكلها قد اتفقت على جوهر الواقعة كما بينها الحكم، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى على أن لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها يستوي في ذلك الأدلة المباشرة أو غيرها من طرق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سائغاً. فإن ما يثيره الطاعن الثاني من أنه كان مجرد وسيط يعفى من العقاب لاعترافه وليس مرتشياً لا يكون له محل إذ أن ذلك منه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها، وكان الطاعن الثاني لا يجادل في أن أقوال الشهود قد اتفقت مع ما استند إليه الحكم منها وإن ادعى باختلافها في غير ذلك، فإن نعيه في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان من المقرر أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً، وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد لا يكون له وجه ما دام الحكم قد أثبت في حقه على ما تقدم القول أنه زعم للمجني عليه أنه وزميله في استطاعتهما إعفاءه من قيمة ما استحق عليه من استهلاك المياه. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً