أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 616

جلسة 28 من أبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(126)
الطعن رقم 522 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) جريمة. "أركان الجريمة". خيانة أمانة. قصد جنائي. ضرر. "الضرر الاحتمالي".
(أ) جريمة خيانة الأمانة. تحققها بكل فعل يدل على أن الأمين اعتبر المال الذي أؤتمن عليه مملوكا له يتصرف فيه تصرف المالك.
(ب) القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة. متى يتحقق؟
(ج) كفاية أن يكون الضرر محتمل الوقوع للمجني عليه لتحقق جريمة خيانة الأمانة.
(د) عدم تطلب القانون لقيام جريمة التبديد. حصول المطالبة برد الأمانة المدعى بتبديدها.
(هـ، و، ز) قصد جنائي. جريمة خيانة أمانة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تبديد.
(هـ) القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة. عدم لزوم التحدث عنه استقلالاً.
(و) الوفاء اللاحق لارتكاب جريمة خيانة الأمانة. لا يؤثر عليها. عدم دلالته بذاته على انتفاء القصد الجنائي.
(ز) قيام الطاعن بإيداع قيمة المنقولات. لا يؤثر على وقوع جريمة خيانة الأمانة.
(ح، ط) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر أركان الجريمة". نقض. "أسباب الطعن بالنقض، ما لا يقبل منها". إثبات. "إثبات بوجه عام". تبديد. خيانة أمانة.
(ح) البحث في حصول الضرر من عدمه. موكول إلى محكمة الموضوع عدم امتداد رقابة محكمة النقض إليه.
(ط) حق محكمة الموضوع في استمداد عقيدتها في حصول التبديد من أي عنصر من عناصر الدعوى.
(ى، ك، ل، م) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تبديد. خيانة أمانة.
(ى) اعتبار الحكم أن المال المختلس سلم للطاعن على سبيل عارية الاستعمال لا على سبيل الإيجار لا يؤثر في صحته. علة ذلك.
(ك) قول الطاعن بأن عدم بيان المنقولات بياناً كافياً يجعلها من المثليات التي يكون له أن يرد مثلها أو قيمتها في نهاية مدة العقد. غير مقبول. ما دام لا ينازع في أن العقد يلزمه برد المنقولات إلى المؤجرة في نهاية مدته وأنه لا يتضمن نصاً يعطيه حق التصرف فيها.
(ل) تحديد تاريخ وقوع جريمة التبديد. لا يؤثر في ثبوت الواقعة. شرط ذلك؟
(م) مثال للخطأ الذي لا يعيب الحكم.
(ن) جريمة. "سقوطها". خيانة أمانة. تبديد.
ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة. متى يبدأ؟
(س، ع، ف، ص، ق) إثبات. "شهود". شهود. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات المحاكمة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن بالنقض. ما لا يقبل منها".
(س) وزن أقوال الشهود. موضوعي.
(ع) أخذ المحكمة بقول شاهد. يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(ف) الاستغناء عن سماع الشهود. شرطه: أن يقبل المتهم أو المدافع عنه ذلك.
(ص) عدم جواز النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.
(ق) الدفاع الموضوعي. لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
(ر) محكمة استئنافية. "الإجراءات أمامها". إجراءات المحاكمة.
المحكمة الاستئنافية تحكم بعد الاطلاع على الأوراق. عدم سماعها من شهود الإثبات إلا من ترى لزوماً لسماعهم.
1 - تتحقق جريمة خيانة الأمانة بكل فعل يدل على أن الأمين اعتبر المال الذي أؤتمن عليه مملوكاً له يتصرف فيه تصرف المالك.
2 - يتحقق القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة بتصرف الحائز في المال المسلم إليه على سبيل الأمانة بنية إضاعته على ربه ولو كان هذا التصرف بتغيير حيازته الناقصة إلى ملكية كاملة مع بقاء عين ما تسلمه تحت يده.
3 - من المقرر أنه لا يشترط لقيام جريمة خيانة الأمانة وقوع الضرر فعلاً للمجني عليه، بل يكفي أن يكون الضرر محتمل الوقوع.
4 - لا يشترط في القانون لقيام جريمة التبديد حصول المطالبة برد الأمانة المدعى بتبديدها.
5 - لا يشترط لبيان القصد الجنائي في جريمة خيانة الأمانة أن يتحدث عنه الحكم بعبارة صريحة مستقلة، بل يكفي أن يكون مستفاداً - من ظروف الواقعة المبينة به - أن الجاني قد ارتكب الفعل المكون للجريمة عن عمد وبنية حرمان المجني عليه من الشيء المسلم إضراراً به.
6 - إن الوفاء اللاحق لارتكاب جريمة خيانة الأمانة لا يمحوها ولا يدل بذاته على انتفاء القصد الجنائي.
7 - من المقرر أنه لا يؤثر على وقوع جريمة خيانة الأمانة قيام الطاعن بإيداع قيمة المنقولات، لأنه ملزم أصلاً بردها بعينها.
8 - إن البحث في حصول الضرر من عدمه مسألة موضوعية يفصل فيها نهائياً قاضي الموضوع ولا يدخل حكمه في ذلك تحت رقابة محكمة النقض.
9 - لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تكوين عقيدتها في حصول التبديد وأن تستدل على ذلك بأي عنصر من عناصر الدعوى.
10 - متى كان الحكم قد استظهر استلام الطاعن للمنقولات بمقتضى عقد إيجار وقائمة تخوله استعمالها مقابل الأجرة المتفق عليها، فإنه لا يؤثر في صحته أن يكون قد اعتبر المال المختلس قد سلم للطاعن على سبيل عارية الاستعمال لا على سبيل الإيجار لأن كلاً من هذين العقدين هو من عقود الأمانة ويتوافر به ركن الائتمان.
11 - متى كان الطاعن لا ينازع في أن العقد يلزمه برد المنقولات إلى المؤجرة في نهاية مدته وأنه لا يتضمن نصاً يعطيه حق التصرف فيها فلا يقبل منه القول بأن عدم بيان المنقولات بياناً كافياً يجعلها من المثليات التي يكون له أن يرد مثلها أو قيمتها في نهاية مدة العقد.
12 - إن تحديد التاريخ الذي تمت فيه جريمة التبديد لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي أوردتها إلى حصول الحادث في التاريخ الذي ورد في وصف التهمة.
13 - متى كان الحكم لم يقتنع بدفاع الطاعن ولم يعول عليه في إدانته وإنما حصله وأطرحه بما يسوغ إطراحه ودلل على أنه تصرف في المنقولات، وكانت المحكمة لم تجعل لهذه الواقعة أثراً في الإدانة وكان حكمها مقاماً على أدلة مؤدية إلى ما رتبه عليها، فإن خطأ الحكم في فهم عبارة وردت بمحضر الجلسة بأنها تفيد اعتراف الطاعن ببقاء المنقولات في المسكن مع أن المقصود منها هو بقاؤها فيها - بفرض حصوله - لا يؤثر في سلامة الحكم.
14 - من المقرر أن ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة يبدأ من تاريخ طلب رد الشيء أو الامتناع عن الرد أو ظهور عجز المتهم عن ذلك إلا إذا قام الدليل على خلافه إذ يغلب في جريمة التبديد أن يغير الجاني حيازته دون أن يكون هناك من الأعمال المادية الظاهرية ما يدل على ذلك.
15 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه.
16 - متى أخذت المحكمة بقول شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
17 - إن المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 تخول المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك.
18 - ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها.
19 - لا يقبل من الطاعن أن يثير الدفاع الموضوعي أمام محكمة النقض.
20 - من المقرر أن المحكمة الاستئنافية إنما تقضي بعد الاطلاع على الأوراق وهي لا تسمع من شهود الإثبات إلا من ترى لزوماً لسماعهم.


الوقائع

أقامت المدعية بالحق المدني دعواها بالطريق المباشر أمام محكمة جنح قصر النيل ضد الطاعن متهمة إياه بأنه في غضون شهر مايو سنة 1965 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: بدد الأثاث الذي سلم إليه بعقد من عقود الأمانة وذلك إضراراً بها وهو المبين الوصف بالقائمة. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات مع إلزامه أن يدفع لها قرشاً صاغاً واحداً تعويضاً مؤقتاً والمصاريف. والمحكمة المذكورة قضت عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهراً واحداً مع الشغل وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ وإلزامه أن يدفع إلى المدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ مائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعويين الجنائية والمدنية وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم وألزمت المتهم المصاريف المدنية الاستئنافية بلا مصاريف جنائية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تبديد قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في القانون والفساد في الاستدلال والبطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الأركان القانونية لجريمة التبديد غير متوافرة فإن عدم ثبوت رد الطاعن للمنقولات التي سلمت إليه لا يفيد اختلاسه لها طالما أنه لم يقم الدليل على أنه تصرف فيها تصرف المالك أو أتى فعلاً يصدق عليه وصف الاختلاس خصوصاً وهو غير ملزم بردها إلا في نهاية مدة عقد الإيجار ولا يعني عدم وجود المنقولات توافر القصد الجنائي فضلاً عن أن المجني عليها لم يلحقها ضرر فهي ما زالت تتقاضى الأجرة المرتفعة التي لوحظ في تقديرها وجود هذه المنقولات التي آثر الطاعن إثباتاً لحسن نيته وحرصاً على سمعته الأدبية عرض قيمتها على المجني عليها، كما أن عقد الإيجار لا يلزم الطاعن برد المنقولات بعينها فهي لم توصف وصفاً نافياً للجهالة مما يفيد أن هذه المنقولات من المثليات فلا يترتب على فقدها أو تلفها أو عدم تسليمها للمالكة وقوع جريمة تبديد، كما أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن المنقولات سلمت للطاعن على سيبل عارية الاستعمال يخالف الثابت من العقد من أنها سلمت إليه على سبيل الإيجار وسواء أكان العقد عارية استعمال أو إيجاراً فإن أركان جريمة التبديد غير متوافرة. كما اعتبر الحكم المطعون فيه أن وقت ارتكاب الجريمة هو تاريخ تقديم الطاعن لبلاغه إلى الشرطة في سنة 1965، بأنه سلم المنقولات إلى البواب، بمقولة إن نية التبديد وضحت في هذا التاريخ بتقديم البلاغ في حين أن الأمر لا يخرج - وفقاً لما أوضحه الطاعن في دفاعه - عن أن يكون قد رد المنقولات فعلاً ومن ثم فلا جريمة، أو لم يردها فتكون المنقولات ما زالت موجودة ولم تبدد، أو أن يكون الطاعن قد تصرف فيها في سنة 1961 فتكون الجريمة قد لحقها التقادم، وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع بأن الطاعن ناقض نفسه حين ذكر أن المنقولات ما زالت موجودة بالمسكن خلافاً لما ادعاه من أنه سلمها للبواب سنة 1961. وهذا الذي فهمه من عبارة الطاعن غير سليم فإن سياق العبارة قاطع في الدلالة على أن المقصود هو بقاء الطاعن في العين لإبقاء المنقولات فيها كما أخطأ الحكم حين رفض إثبات واقعة رد المنقولات بالبينة على أساس أن قيمة العقد تزيد على عشرة جنيهات مع أنه يجوز إثبات فعل الاختلاس ونفيه بكافة طرق الإثبات. كما أن الحكمة بنت قضاءها بالإدانة دون دليل إذ لم تجر تحقيقاً بالجلسة مكتفية بمحضر الشرطة، وأخذت بشهادة البواب وهو تابع للمدعية بالحق المدني مع أنه كان يتعين عليها أن تسمع شهادتهما حتى يمكنها أن تفاضل بين أقوالهما، وكل ذلك مما يعب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التبديد التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه، ثم عرض إلى دفاع الطاعن بعدم توافر أركان الجريمة ورد عليه في قوله: "وحيث إن المتهم وقد دفع بالجلسة بوجود المنقولات بالشقة المؤجرة فإن المحكمة تلتفت عن هذا الدفاع خاصة وأنه قام بالإبلاغ في 16/ 5/ 1965 عن عدم وجودها بمقولة إن المدعية بالحق المدني قد تسلمتها بتاريخ 1/ 12/ 1961 عن طريق بواب العمارة. كما تلتفت المحكمة عن دفعه التهمة بمذكرته بمقولة إن استمرار العلاقة التأجيرية مانع من إسناد الاختلاس إليه وذلك لتضاربه في هذا الدفاع معه دفاعه الأول، ولأنه اعترف بعدم وجود المنقولات. وحيث إن المحكمة تستخلص من الوقائع السالفة أن المتهم قد استأجر من المدعية بالحق المدني شقة مفروشة بإيجار شهري قدره 15 جنيهاً وتسلم منها بعض المنقولات التي بالشقة بموجب القائمة المقدمة منها والمحررة في 25/ 5/ 1958 وتستخلص المحكمة من الشكوى الإدارية رقم 1666 لسنة 1965 قصر النيل أنه تصرف في هذه المنقولات إذ لا يطمئن وجدان المحكمة إلى ما قرره شاهده فيها السيد/ مصطفى الجمال خاصة وأن البواب كذبه فيما ادعاه. ويؤيد هذا النظر سكوت المتهم من 1/ 11/ 1961 وهو التاريخ الذي زعم فيه أن المدعية بالحق المدني تسلمت منقولاتها حتى تاريخ تقديمه الشكوى في 19/ 5/ 1965 وعدم استرداده طوال هذه المدة، القائمة موضوع الدعوى المقدمة منها، واعترافه بالإنذار المؤرخ 6/ 6/ 1965 بخلو الشقة من هذه المفروشات وطلبه تخفيض الإيجار تبعاً لذلك، وترى المحكمة طرح دفاعه الذي أبداه بالجلسة وبمذكرته. وحيث إن الثابت مما تقدم أن المتهم تصرف في المنقولات موضوع القائمة، ولما كان الثابت من القائمة أنه تسلم هذه المنقولات على سبيل عارية الاستعمال بموجب عقد من عقود الأمانة المنصوص عليها بالمادة 341 ع وذلك بقصد الإضرار بمالكها ومن ثم يتعين عقابه طبقاً لمواد الاتهام". وما ذكره الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه يتضمن الرد الكافي على ما أثاره الطاعن.
وحيث إن جريمة خيانة الأمانة تتحقق بكل فعل يدل على أن الأمين اعتبر المال الذي أؤتمن عليه مملوكاً له يتصرف فيها تصرف الملك ويتحقق القصد الجنائي في هذه الجريمة بتصرف الحائز في المال المسلم إليه على سبيل الأمانة بنية إضاعته على ربه ولو كان هذا التصرف بتغيير حيازته الناقصة إلى ملكية كاملة مع بقاء عين ما تسلمه تحت يده، ولا يشترط لبيان القصد الجنائي في هذه الجريمة أن يتحدث عنه الحكم بعبارة صريحة مستقلة بل يكفي أن يكون مستفاداً - من ظروف الواقعة المبينة به - أن الجاني قد ارتكب الفعل المكون للجريمة عن عمد وبنية حرمان المجني عليه من الشيء المسلم إضراراً به. كما لا يشترط لقيام الجريمة وقوع الضرر فعلاً للمجني عليه، بل يكفي أن يكون الضرر محتمل الوقوع، والبحث في حصول الضرر من عدمه مسألة موضوعية يفصل فيها نهائياً قاضي الموضوع ولا يدخل حكمه في ذلك تحت رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم لم يخطئ تقدير ذلك كله ومن ثم فإن أوجه الطعن الموجهة له في خصوص توافر أركان الجريمة تكون غير سديدة، ولا يؤثر في صحة الحكم أن يكون قد اعتبر المال المختلس قد سلم للطاعن على سبيل عارية الاستعمال لا على سبيل الإيجار ما دام قد استظهر استلامه المنقولات بمقتضى عقد إيجار وقائمة تخوله استعمالها مقابل الأجرة المتفق عليها لأن كلاً من هذين العقدين هو من عقود الأمانة ويتوافر به ركن الائتمان. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع في أن العقد يلزمه برد المنقولات إلى المؤجرة في نهاية مدته وأنه لا يتضمن نصاً يعطيه حق التصرف فيها فلا يقبل منه القول بأن عدم بيان المنقولات بياناً كافياً يجعلها من المثليات التي يكون له أن يرد مثلها أو قيمتها في نهاية مدة العقد، كما أنه لا يؤثر على وقوع الجريمة قيام الطاعن بإيداع قيمة المنقولات، لأنه ملزم أصلاً بردها بعينها كما سلف القول. لما كان ذلك، وكان الوفاء اللاحق لارتكاب الجريمة لا يمحوها ولا يدل بذاته على انتفاء القصد الجنائي، وكان لا يشترط في القانون لقيام جريمة التبديد حصول المطالبة برد الأمانة المدعى بتبديدها إذ للمحكمة مطلق الحرية في تكوين عقيدتها في حصول التبديد وأن تستدل على ذلك بأي عنصر من عناصر الدعوى، وكان الثابت أنه فضلاً عن أن الطاعن لم يدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم وقد خلت الأوراق ومدونات الحكم مما يرشح لانقضائها، فإن ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة يبدأ من تاريخ طلب رد الشيء أو الامتناع عن الرد أو ظهور عجز المتهم عن ذلك إلا إذا قام الدليل على خلافه إذ يغلب في جريمة التبديد أن يغير الجاني حيازته دون أن يكون هناك من الأعمال المادية الظاهرية ما يدل على ذلك. لما كان ما تقدم، وكان تحديد التاريخ الذي تمت فيه جريمة التبديد لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي أوردتها إلى حصول الحادث في التاريخ الذي ورد في وصف التهمة، وكان الحكم لم يخطئ تقدير ذلك كله فإن النعي بما سلف لا يكون له محل. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من أنه رفض إثبات رد المنقولات بالبينة فهو غير صحيح، ذلك أن الثابت من الحكم أنه أورد عبارة عدم جواز الإثبات بالبينة وهو بصدد سرده ما ضمنته المجني عليها دعواها المباشرة من وقائع ولم تكن قضاء من المحكمة في هذا الطلب فقد أثبتت المحكمة حدوث الاختلاس وتصرف الطاعن في المنقولات في قولها "وتستخلص المحكمة من الشكوى الإدارية رقم 1666 لسنة 1965 قصر النيل أنه تصرف في هذه المنقولات إذ لا يطمئن وجدان المحكمة إلى ما قرره شاهده فيها السيد/ مصطفى الجمال خاصة وأن البواب كذبه فيما ادعاه. ويؤيد هذا النظر سكوت المتهم من 1/ 11/ 1961 وهو التاريخ الذي زعم فيه أن المدعية بالحق المدني تسلمت منقولاتها حتى تاريخ تقديمه الشكوى في 19/ 5/ 1965 أو عدم استرداده طوال هذه المدة القائمة موضوع الدعوى المقدمة منه، وباعترافه بالإنذار المؤرخ 6/ 6/ 1965 بخلو الشقة من هذه المفروشات وطلبه تخفيض الإيجار تبعاً لذلك وترى المحكمة لذلك طرح دفاعه الذي أبداه بالجلسة وبمذكرته". وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه. لما كان ما تقدم، وكان خطأ الحكم في فهم عبارة وردت بمحضر الجلسة بأنها تفيد اعتراف الطاعن ببقاء المنقولات في المسكن مع أن المقصود منها هو بقاؤها فيها، فإن هذا الخطأ على فرض حصوله لا يؤثر في سلامة الحكم ما دام أنه لم يقتنع بهذا الدفاع ولم يعول عليه في إدانة الطاعن وإنما حصله وأطرحه بما يسوغ إطراحه ودلل على أنه تصرف في المنقولات. لما كان ذلك، وكانت المحكمة لم تجعل لهذه الواقعة أثرا في الإدانة، وكان حكمها مقاماً على أدلة مؤدية إلى ما رتبه عليها. فإن ما يثيره الطاعن من نعي في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ومتى أخذت بقول شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 تخول المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، وكانت المحكمة الاستئنافية إنما تقضي بعد الاطلاع على الأوراق وهي لا تسمع من شهود الإثبات إلا من ترى لزوماًً لسماعهم، وكانت أوراق الدعوى خلواً مما يفيد أن الطاعن طلب من المحكمة إجراء تحقيق فيها أو سماع شهادة الشهود مما يفيد نزوله عن ذلك، فإنه لا يجوز له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس واجب الرفض موضوعاً.