أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 207

جلسة 3 من مارس سنة 1975

برئاسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، وحسن علي المغربي، وعثمان مهران الزينى، وفاروق محمود سيف النصر.

(46)
الطعن رقم 91 لسنة 45 القضائية

(1 و2 و3 و4) جنون. عاهة عقلية. مسئولية عقلية. مسئولية جنائية. موانع المسئولية. إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب صحيح". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(1) المرض العقلي الذي تنعدم به المسئولية. هو الذي يفقد الشعور والإدراك. ما عدا ذلك من أمراض وأحوال نفسية لا تنعدم به المسئولية. المادة 62 عقوبات. مثال؟
(2) استقلال محكمة الموضوع بتقدير حالة المتهم العقلية. ما دام تقديرها سائغاً. عدم التزامها باللجوء إلى أهل الخبرة. إلا إذا تعذر عليها أن تشق طريقها في هذا الأمر.
(3) تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم. مرده إلى محكمة الموضوع. عدم التزامها في هذا يندب خبير آخر أو بإعادة المأمورية إلى ذات الخبير.
(4) عدم جواز النعي أمام النقض على الحكم استناده إلى تقرير فني نقل عنه على وجه غير متنازع في صحته. أساس ذلك.
(5) إجراءات المحاكمة. محضر الجلسة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
النعي بخلو محضر الجلسة من إثبات الدفاع بالكامل. عدم قبوله. ما دام الطاعن لم يطلب صراحة تدوين هذا الدفاع.
1 – من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانوناً على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه، فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
2 – الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
3 – من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها دون أن تلتزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير، ما دام استنادها إلى الرأي التي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض فيما أثبته تقرير أساتذة الطب من أن مرض البول السكري لا يصيب صاحبه إلا باضطراب في تكوين الشخصية بحيث تغدو غير سوية أو متزنة وما انتهى إليه ختام التقرير من كمال قوى المتهم العقلية يكون على غير أساس.
4 – إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أنه عول على تقرير أساتذة الطب الذي أستند إلى أوراق الدعوى وظروف الحادث مطرحاً الدليل الفني المستمد من تقرير دار الاستشفاء بعد فحص الطاعن وملاحظته، فمردود بأنه لما كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أسانيد حواها تقرير أساتذة الطب الذي لم ينازع الطاعن في صحة ما نقله الحكم عنه، فإنه لا يجوز مصادرتها في اعتقادها أو أن ينعي عليها عدم أخذها بالنتيجة التي انتهى إليها تقرير داء الاستشفاء، إذ أن كل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 – إن نعي الطاعن بخصوص خلو محضر الجلسة من إثبات دفاعه كاملاً. مردود، بأنه لا يعيب الحكم أن يكون دفاع المتهم غير مدون بالتفصيل في محضر الجلسة، ذلك أنه إذا كان يهمه بصفة خاصة تدوينه أمر فيه فعليه أن يطلب صراحة إثباته فيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية جلب إلى أراضي جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً (حشيشاً) دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمواد 1 ، 2 ، 3 ، 33/ 1 ، 36 ، 42 من القانون رقم 182 سنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 سنة 1966 والبند 12 من الجدول (أ) المرافق. فقرر ذلك في 12 يناير سنة 1972. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعن المحكوم في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب جوهر مخدر قد أخطأ في تطبيق القانون وقد شابه القصور في التسبيب والتناقض والفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع أمام محكمة الموضوع بأنه لم يكن يعلم ماهية ما بداخل الصندوق المغلق المضبوط معه وأنه يحوي بين طياته مخدراً إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفاع رغم أن وقائع الدعوى تؤكده، كما أن الحكم أطرح التقرير الطبي العقلي الصادر عن دار الاستشفاء للصحة النفسية بالعباسية دون التصدي لما أسهب فيه هذا التقرير من إيضاحات علمية وفنية قاطعة في عدم مسئولية الطاعن جنائياً، وعول الحكم على تقرير لجنة أساتذة الطب التي ندبتها المحكمة رغم ما به من تناقض بين مقدماته والنتيجة التي انتهى إليها من مجرد اطلاعه على ظروف الحادث وهو ما يتعارض مع الدليل الفني المستمد من تقرير دار الاستشفاء، وإذ كان كل ذلك مثاراً في دفاع الطاعن – رغم تجرد الجلسة من إثبات كل ما جاء به فقد كان لزاماً على المحكمة إزاء ذلك أن تعيد التقرير إلى اللجنة التي أصدرته لتتدارك ما شابه من عيوب أو تستطلع رأي خبير آخر، أما وأنها لم تفعل وجاء حكمها المطعون فيه أخذا بما انتهى إليه هذا التقرير فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة جلب المخدر التي دان الطاعن بها وأقام عليها في حقه أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها – عرض لدفاع الطاعن القائم على انتفاء علمه بكنه المادة المضبوطة معه ورد عليه بقوله "وحيث إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم علمه بكنه المخدر المضبوط ولا تعتد بدفاعه وترى في ذلك مجرد وسيلة للمساعدة بينه وبين الاتهام الذي أحاط به واستقام الدليل عليه قوياً مقنعاً مما اطمأنت إليه من أقوال شهود الإثبات، ويستعصى على وجدانها مسايرة المتهم فيما زعمه من أنه تلقى صندوقي التفاح من شخص لا يعرف لقبه ولا عنوانه في بيروت ولا يعرف محل إقامته في الديار المصرية حتى يبعث إليه ببرقية لاستلام الصندوقين كما زعم وترى في ذلك مجرد ضرب من الاختلاق لاذ به المتهم أملاً في إلقاء ظلال من الشك حول معرفته باحتواء أحد الصندوقين على مخدر. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر لا يتوافر بمجرد تحقيق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه هو من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانوناً ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو ما دام أنه يتضح من مدوناته توافره توافراً فعلياً، وكان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وبرر به اقتناعه بعلم الطاعن بأن الصندوق الذي ضبط معه كان يحوي مخدراً كافياً في الدلالة على توافر هذا العلم وسائغاً في العقل والمنطق، فإن ما يثيره الطاعن في شأن جهله بكنه المادة المخدرة ونعيه على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لتقرير دار الاستشفاء عن حالة الطاعن العقلية ورد عليه في قوله ".... فورد تقرير دار الاستشفاء للصحة النفسية بالعباسية يفيد أن المتهم يعاني من اضطراب عقلي عضوي نتيجة لمرض البول السكري ومضاعفاته على الجهاز العصبي وتكرار حدوث غيبوبة السكر. .. وانتهى واضع التقرير إلى أنه يرى أن المتهم غير مسئول في الدعوى الراهنة. .. وإذ بان للمحكمة أن النتيجة التي انتهى إليها ذلك التقرير لا تحمل المقدمات التي سبقتها داخلها الشك في سلامة مبناه ومرماه. .. فقد اتضح من استعراض التقرير أنه جاء فيما يتصل بمناقشة المتهم وفحص قواه العقلية. خلواً من أية إشارة تدل على أن هذه المناقشة وذلك الفحص ينبئ من اضطراب في قوى المتهم العقلية إذ كانت إصابته في مجملها عادية ولا يشكو إلا من مرض السكر الذي قال أنه أصابه منذ مدة طويلة". ويسبب له آلاماً في رأسه ويجعل الضوء يغشى عيونه ويحدث له دواراً، كما لم يتضمن التقرير فيما يتعلق بفحص حالة المتهم الجسمانية ما يمكن أن يؤخذ منه أنه مصاب بعلة في عقله – إذ ورد بالتقرير. ... ... .. وشخصت حالته النفسية بأنه مكتئب سريع الانفعال يتذكر الأحداث بصعوبة من بعد تكرار السؤال، وإلى هذا فإن التقرير لم يوضح ماهية الاضطراب العقلي الذي قال بأن المتهم مصاب به ولا مداه وتأثيره على تصرفاته الإرادية كما لم يوضح فنياً أو علمياً العلاقة بين هذا الاضطراب الذي أسماه عقلياً وبين مرض البول السكري. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بتقرير أساتذة كلية طب جامعة الإسكندرية. الذين ندبهم للاطلاع على أوراق الدعوى وعلى تقرير دار الاستشفاء وعلى الشهادات والأوراق الطبية الخاصة بالمتهم لإبداء الرأي علمياً في النتيجة التي انتهى إليها هذا التقرير – في قوله "وحيث إن تقرير الخبراء الثلاثة... قاطع الدلالة في أن مرض البول السكري لا يصيب صاحبه في الغالب إلا باضطراب في تكوين الشخصية حيث تغدو غير سوية أو متزنة... ويعني هذا بطريق اللزوم أن ذلك المرض لا يؤدي إلى اضطراب عقلي بصاحبه. .. ذلك أن عدم اتزان الشخصية واضطرابها لا يعتبر عاهة في العقل تجعل الشخص غير مدرك لتصرفاته وأفعاله الإرادية... فإذا كان هذا وكان التقرير الأخير قد قطع في كمال قوى المتهم العقلية طوال المدة التي استغرقها تنفيذ الجريمة المسندة إليه... في ضوء ما سجلته الأوراق عن ماهية مرضه العضوي وأقواله في التحقيقات وفي التقرير الأول وتصرفاته المادية والإرادية فإن المحكمة تطمئن استناداً إلى هذا التقرير الأخير إلى أنه ليس بالمتهم وقت اقترافه الجريمة أو بعد ذلك أية علة في العقل تعدم مسئوليته الجنائية وتلتفت عما انتهى إليه التقرير الأول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانوناً على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية، وكان الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة وهي لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها دون أن تلتزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير ما دام استنادها في الرأي التي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض فيما أثبته تقرير أساتذة الطب من أن مرض البول السكري لا يصيب صاحبه إلا باضطراب في تكوين الشخصية بحيث تغدو غير سوية أو متزنة وما انتهى إليه ختام التقرير من كمال قوى المتهم العقلية - يكون على غير أساس. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من أنه عول على تقرير أساتذة الطب الذي أستند إلى أوراق الدعوى وظروف الحادث مطرحاً الدليل الفني المستمد من تقرير دار الاستشفاء بعد فحص الطاعن وملاحظته فمردود بأنه لما كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أسانيد حواها تقرير أساتذة الطب الذي لم ينازع الطاعن في صحة ما نقله الحكم عنه، فإنه لا يجوز مصادرتها في اعتقادها أو أن ينعي عليها عدم أخذها بالنتيجة التي انتهى إليها تقرير داء الاستشفاء وكل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يطلب إلى محكمة الموضوع أي إجراء بشأن الخبرة مما يدعيه في طعنه فليس يصح له أن ينعي على المحكمة إغفالها إجراء لم يطلبه منها. أما نعيه بخصوص خلو محضر الجلسة من إثبات دفاعه كاملاً مردود بأنه لا يعيب الحكم أن يكون دفاع المتهم غير مدون بالتفصيل في محضر الجلسة إذا كان يهمه بصفة خاصة تدوين أمر فيه فهو الذي عليه أن يطلب صراحة إثباته فيه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.