أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 642

جلسة 5 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(131)
الطعن رقم 92 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ، و، ز) إثبات. "إثبات بوجه عام". "معاينة". "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تفتيش. "إذن التفتيش. إصداره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(أ) متى تلتزم محكمة الموضوع بإجابة طلب المعاينة؟
(ب) حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث. شرطه؟
(ج) وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
(د) أخذ المحكمة بأقوال الشاهد. مفاده: اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(هـ) عدم جواز مصادرة محكمة الموضوع في عقيدتها أو مجادلتها - أمام محكمة النقض - فيما اطمأنت إليه مما يدخل في سلطتها في تقدير الدليل.
(و) التناقض الذي يعيب الحكم ماهيته؟ مثال.
(ز) تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش. مرجعه إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
عدم جواز مجادلة محكمة الموضوع في تقديرها لجدية التحريات أمام محكمة النقض.
(ح) مواد مخدرة. إثبات. "إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير الدليل. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاتجار في المواد المخدرة. واقعة مادية. استقلال قاضي الموضوع بحرية التقدير فيها ما دام يقيمها على ما ينتجها.
1 - من المقرر أن طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة - كما رواها الشهود - بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته. ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وخلصت منها إلى أن تقديره للوقت اللازم لتنفيذ الإذن في حدود المعقول، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا محل للنعي عليها لعدم توليها إعادة المعاينة بمعرفتها.
2 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
3 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب.
4 - متى أخذت محكمة الموضوع بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - متى كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وصحة تصويره للواقعة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
6 - إن التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يكون واقعاً بين أسبابه بحيث أن بعضها ينفي ما يثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. ومتى كانت المحكمة قد اطمأنت، في حدود سلطتها، إلى أن واقعة الضبط حدثت حوالي الساعة 11 و50 دقيقة بعد صدور الإذن في الساعة 10 و10 دقائق ودللت على ذلك بما لا تناقض فيه، وكانت قد اقتنعت بصحة إذن التفتيش ومحضر الضبط فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع.
7 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره، وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك، فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
8 - من المقرر أن الاتجار في الجواهر المخدرة إنما هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها. ومتى كان الحكم قد دلل على هذا القصد تدليلاً سائغاً، فإن نعي الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 23/ 12/ 1966 بدائرة قسم المطرية محافظة القاهرة: حاز وأحرز بقصد الاتجار جوهرين مخدرين "حشيشاً وأفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 1/ 1 و2 و34/ 1 - 2 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ خمسة آلاف جنيه ومصادرة المخدرات المضبوطة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهرين مخدرين بقصد الاتجار، قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن المحكمة لم تستجب إلى ما طلبه الدفاع من إجراء معاينة وتجربة زمنية يعرف منهما الوقت اللازم لتنفيذ الإذن الصادر بالتفتيش حتى يتبين كذب ما ذهب إليه الضابط في أقواله ومحاضره في هذا الصدد، ولا يصلح رداً على ما طلبه الدفاع قول الحكم أن المحكمة اطمأنت إلى أقوال الضابط وتقديره للمسافة بين مكتبه بمديرية الأمن ومكان الضبط وأنها في حدود المعقول إذ أن في ذلك مصادرة منها على المطلوب كما لا يصلح رداً أيضاً على ما أثير بشأن عدم إمكان ضبط متهمين أحدهما (وهو الطاعن) بالأميرية - وهي بأقصى شمال القاهرة - والثاني - وهو...... المتهم في القضية 574 لسنة 1966 المطرية - بباب الخلق بوسط القاهرة - في فترة زمنية متقاربة وبشأن التلازم المريب بين القضيتين من ناحية الإجراءات ومن إنفراد الضابط وحده بها وعدم إخطاره النيابة العامة فور حصول الضبط ومن تأخيره في إرسال المحضر إليها لمدة خمس عشرة ساعة، وكان على المحكمة أن تمحص كل هذا وترد عليه رداً كافياً يسوغ به إطراحه وكذا الشأن بالنسبة لما أثير حول محضر التحريات والضبط وإذن التفتيش ومن أنها جميعاً حررت بقلم واحد، كما لم يعن الحكم بالتدليل على توافر قصد الاتجار إذ أن ما عول عليه من ضخامة الكمية المضبوطة من المخدر لا يصلح أساساً لهذا التقدير. كما أن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت في مدوناته أن الضابط انتقل لتنفيذ الإذن الساعة 11 و50 دقيقة م عاد وأثبت في موضع آخر بأن الضبط والتفتيش قد حدثا الساعة 11 و50 دقيقة م وذلك بعد صدور الإذن الساعة 10 و15 دقيقة م وهو قول ينقض بعضه بعضاً، كما أن استناد الحكم إلى ما جاء بإذن التفتيش ومحضر الضبط ودفتر الأحوال لإطراح ما آثاره الدفاع غير سائغ ولا يستقيم مع ما اكتنفها من ريب وشكوك وكل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض لما طلبه الطاعن من إجراء المعاينة وأطرحه في قوله "وحيث إن طلب المعاينة غير مجد في الدعوى لبيان المسافة بين مكان الضبط ومكتب الضابط في مديرية الأمن إذ أن المحكمة اطمأنت إلى أقوال السيد الضابط وتقديره لهذه المسافة وأنها في حدود المعقول فقد انتقل في الساعة 11.50 وعاد الساعة 1.15 أي بعد ساعة وخمس وعشرين دقيقة" وحيث إنه فضلاً عن أن الثابت أن الطاعن لم يتمسك بهذا الطلب بل أبداه من باب الاحتياط، فإنه من المقرر أن طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته، ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وخلصت منها إلى أن تقديره للوقت اللازم لتنفيذ الإذن في حدود المعقول، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا محل للنعي عليها لعدم توليها إعادة المعاينة بمعرفتها. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد عرض إلى الدفع بطلان إذن التفتيش ومحضر الضبط والتحريات لتحريرها بقلم واحد ورد عليه في قوله "وحيث إن المحكمة تطمئن إلى أقوال السيد الضابط وقد ثبت من اطلاع المحكمة على ملف الدعوى ومحضر التحريات الساعة 9 ثم إن إذن التفتيش صدر الساعة 10.10 دقائق م وأن الضابط انتقل لتنفيذ الإذن الساعة 11 و50 دقيقة وهذا ما يتفق وما هو ثابت في دفتر أحوال مكتب المخدرات الذي أمرت المحكمة بضمه واطلعت عليه، أما عن أن محضر الضبط والتحريات والإذن كلها بقلم واحد فقد أثار الدفاع عن المتهم.... في الجناية الأخرى رقم 574 سنة 1966 الدرب الأحمر ذات القول بذات الشبهات وأرسل السيد وكيل النيابة ذاته الأستاذ حسن السيد مذكرة للمحكمة تؤيد كتابته الإذن بالضبط والتفتيش بذات التاريخ والوقت المحدد به وبخطه وبعد أن اطلع عليها الدفاع لم ير داعياً لإعادة الجدل في صحة صدور الإذن من السيد وكيل النيابة واكتفى إلى القول إلى أنه حتى مع صدور الإذن من السيد وكيل النيابة فإن هذا لا يطمئن إلى أقوال الضابط فلم يطلب من المحكمة إرسال الإذن في هذه القضية للسيد وكيل النيابة بعد أن بين سيادته رأيه بالنسبة للإذن المماثل في قضية..... المنظورة مع هذه الدعوى والمحرر إذنها بنفس اليوم" ثم خلص الحكم إلى القول "وحيث إنه يتضح مما تقدم أن الضبط والتفتيش قد حدثا حوالي الساعة 11 و50 دقيقة م وبعد صدور الإذن في الساعة 10.10 دقائق مساء وبعد تحرير محضر التحريات في الساعة 9 و30 دقيقة م ثم عرض الحكم لما قرره محمد أبو زيد وأحمد عبد العال من أن الضبط قد حدث حوالي الساعة 9 م وكذلك لما قررته فاطمة حامد أمين زوجة هذا المتهم وهو قريب الطاعن، وانتهى إلى القول "بأن هذه الأقوال جميعاً لا تتفق مع الثابت في إذن التفتيش ومحضر الضبط ودفتر مكتب المخدرات وهي جميعها أوراق رسمية تطمئن إليها المحكمة تمام الاطمئنان والطعن عليها غير جدي ويكون القبض والتفتيش صحيحا". لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وهو ما لم يخطئ الحكم تقديره، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وصحة تصويره للواقعة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره، وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك، فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. ولما كان ما أوردته المحكمة يفيد إطراحها لما أثاره الدفاع عن الطاعن في هذا الشأن سائغاً وسديداً فإن ما يثيره الطاعن في شأنه يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى قصد الاتجار في قوله "وحيث إن المخدر المضبوط وضبط جزء منه بملابس المتهم والجزء الأكبر بمسكنه وفي حيازته ونظراً لضخامة الكمية المضبوطة بالمسكن وهي أربع طرب حشيش ترى أن القصد من الحيازة والإحراز هو الاتجار وهذا ما يؤيد تحريات السيد الضابط" وكان الاتجار في الجواهر المخدرة إنما هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها، وكان الحكم قد دلل على هذا القصد تدليلاً سائغاً، فإن نعي الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يكون واقعاً بين أسبابه بحيث أن بعضها ينفي ما يثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها إلى أن واقعة الضبط حدثت حوالي الساعة 11 و50 دقيقة م بعد صدور الإذن في الساعة 10 و10 دقائق م ودللت على ذلك بما لا تناقض فيه، وكانت قد اقتنعت بصحة إذن التفتيش ومحضر الضبط فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.