أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 659

جلسة 12 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سعد سامح، ومحمود عطيفه.

(135)
الطعن رقم 7 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) نقد. جريمة. "أركانها". إثبات. "إثبات بوجه عام". "اعتراف". استدلالات تحقيق. "التحقيق بمعرفة النيابة". فاعل أصلي. اشتراك. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) إثبات الحكم تعامل المتهم في النقد الأجنبي بطريق غير مشروع ودون أن يثبته في الدفاتر المعدة لذلك أو يورده للبنك. كفاية ذلك للرد على دفاع المتهم بأن تعامله مسموح به.
(ب) إقرار المتهم في محضر الضبط وتحقيق النيابة باحتفاظه بالنقد الأجنبي وعدم توريده للبنك وتعامله فيه مقابل عمولة. هو اعتراف تتحقق به عناصر جريمتي التعامل في النقد الأجنبي وعدم عرضه على وزارة الاقتصاد.
(ج) اشتراط كون التعامل بالنقد الأجنبي محدد بواقعة معينة. غير لازم. جواز انطواء هذا التعامل على عمليات متعددة.
(د) تبرئة أحد المتهمين من جريمتي التعامل في أوراق النقد الأجنبي وعدم عرضه على وزارة الاقتصاد. لا تأثير لذلك في تأثيم من أثبت الحكم اقترافه لتلك الجريمتين.
(هـ) استناد الحكم في إدانة المتهم إلى اعترافه، وليس تأسيساً على واقعة ضبط مبلغ ذكر في الحكم الابتدائي خطأ أنه وجد بمسكن المتهم. صحة هذا الحكم.
(و، ز) نيابة عامة. "التحقيق بمعرفتها". تحقيق. "التحقيق بمعرفة النيابة". مأمورو الضبط. "واجباتهم". استدلال. إثبات. "أوراق رسمية". "اعتراف". "إثبات بوجه عام" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(و) مباشرة النيابة للتحقيق. صحة قيام مأموري الضبط إلى جانبها بواجباتهم. المادة 24 إجراءات. على هؤلاء المأمورين إرسال محاضرهم للنيابة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق ما ترى تحقيقه منها. حق المحكمة في الاستناد إلى ما ورد بهذه المحاضر.
(ز) حق مأمور الضبط في سؤال المتهم دون استجوابه. التعويل على اعتراف المتهم في هذا السؤال. صحيح.
(ح) إجراءات المحاكمة. حكم. "الادعاء بمخالفة الثابت به". محضر الجلسة. تقرير التلخيص. تزوير. "الطعن بالتزوير". إثبات. "إثبات بوجه عام". "أوراق رسمية".
الحكم يكمل محضر الجلسة في إثبات ما تم أمام المحكمة من إجراءات. خلو محضر الجلسة من إثبات هذه الإجراءات. لا عيب. إثبات عكس ما ورد بالحكم. لا يكون إلا عن طريق الطعن بالتزوير.
(ط) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "إثبات بوجه عام". "معاينة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
طلب المعاينة وضم الأوراق لا تلتزم المحكمة به؟
1 - متى كان الحكم قد أثبت أن المتهم كان يتعامل في النقد الأجنبي بطريق غير مشروع لحسابه دون أن يثبته في الدفاتر المعدة لذلك أو يورده إلى البنك، فإن ذلك يتضمن الرد على دفاعه بأن تعامله في هذا النقد الأجنبي هو تعامل مسموح به، وأنه قام به بمقتضى وظيفته وأنه غير مسئول عن قيد هذا النقد بالدفاتر وكان يسلم ما في حوزته من نقد أجنبي إلى رئيس الخزينة.
2 - إذا كان الحكم قد أثبت أن المتهم قد قرر في محضر ضبط الواقعة وفي تحقيق النيابة أنه كان يحتفظ بالنقد الأجنبي الذي يستبدله له نزلاء الفندق ولم يورده إلى البنك وأنه تعامل في هذا النقد مقابل عمولة حصل عليها بلغت مائة وستين جنيهاً، فإن هذا يعد اعترافاً من جانبه بارتكاب جريمتي التعامل في أوراق النقد الأجنبي بطريق غير قانوني وعدم عرض ما في حوزته من نقد أجنبي على وزارة الاقتصاد وتتوافر به كافة العناصر القانونية لهاتين الجريمتين.
3 - لا يلزم أن يكون التعامل بالنقد الأجنبي محدداً بواقعة واحدة بل يجوز أن ينطوي هذا التعامل على عمليات متعددة.
4 - إن قضاء الحكم المطعون فيه ببراءة أحد المتهمين من جريمتي التعامل في أوراق النقد الأجنبي وعدم عرض هذا النقد على وزارة الاقتصاد لا أثر له على قيام هاتين الجريمتين في حق الطاعن ما دام قد أثبت أنه ارتكبهما دون اشتراك أحد معه.
5 - إذا كان الحكم المطعون فيه بعد أن أحال في بيان واقعة الدعوى إلى الحكم الابتدائي، عرض لما جاء في هذا الحكم من أن تفتيش مسكن المتهم قد أسفر عن ضبط مبلغ 724 ج و150 م فصحح هذه الواقعة بما يفيد أن تفتيش مسكن المتهم الآخر هو الذي أسفر عن ضبط هذا المبلغ عنده، وكان الحكم قد عول في إدانة الطاعن على اعترافه بارتكاب الجريمتين المسندتين إليه ولم يستند إلى واقعة ضبط هذا المبلغ، فإن ما ينعاه الطاعن من أنه لم يعمل أثر هذا التصحيح لا يكون له محل.
6 - جرى قضاء محكمة النقض على أن قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكل ما في الأمر أن المحاضر الواجب على أولئك المأمورين تحريرها بما وصل إليه بحثهم ترسل إلى النيابة العامة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها، وللمحكمة أن تستند في الحكم إلى ما ورد بهذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة.
7 - لمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً ومن ثم إذا كان الثابت مما أورده الحكم أن الضابط أثبت في محضره أن الطاعن حضر أثناء التفتيش واعترف بما نسب إليه فلا تثريب إن أثبت هذا الاعتراف في محضره وللمحكمة أن تعول عليه في حكمها ما دامت قد اطمأنت إليه.
8 - من المقرر أن الحكم يكمل محضر الجلسة في إثبات ما تم أمام المحكمة من إجراءات، فإذا كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن تقرير التلخيص قد تلي، وكان لا يجوز إثبات عكس ما ثبت في ورقة الحكم إلا من طريق الطعن بالتزوير - وهو ما لم يفعله الطاعن - فإنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات تلاوة هذا التقرير.
9 - إن طلب معاينة حجرة الخزينة وضم التحقيقات الإدارية الخاصة بالمبلغ الذي ضبط بمكتب الطاعن على ما يبين مما أوضحه الطاعن في وجه طعنه لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة بل قصد به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، ومن ثم فإن المحكمة لا تلتزم بإجابته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - ...... "وصحة اسمه"...... و2 - ......... (الطاعن الثاني) و3 - ........ (الطاعن الأول) و4 - ........ بأنهم في خلال المدة من 3 يوليو سنة 1966 إلى 10 أغسطس سنة 1966 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: المتهمين الأول والثاني والثالث: تعاملوا في أوراق النقد الأجنبي المبينة بالمحضر على خلاف الشروط والأوضاع التي قررها وزير الاقتصاد وعن غير طريق البنوك المرخص لها منه بذلك بأن تلقوا من نزلاء فندق البرج بوصفهم من العاملين في خزينته ألف وخمسمائة وستة وخمسين دولاراً أمريكياً وخمسمائة وواحد من الجنيهات الاسترلينية وشلنين وستة بنسات وستمائة وثلاثة وأربعين فرنكاً فرنسياً ونصف وسبع عشرة ألف وأربعمائة ليرة إيطالية وديناراً ونصف دينار عراقيين وقاموا باستبدالها لهم بنقد مصري دون أن يثبتوا ذلك في دفاتر الفندق وعلى إقرارات العملة الخاصة بهؤلاء النزلاء. المتهمين الأول والثاني أيضاً: لم يعرضا للبيع على وزارة الاقتصاد عن طريق أحد البنوك المعتمدة وبسعر الصرف الذي يحدده وزير الاقتصاد ما دخل في حيازتهما من أوراق النقد الأجنبي المبين النوع والقدر في التهمة السابقة والتي بلغت حصيلة بيعها بسعر الصرف الرسمي مبلغ 1349 ج و485 م ألف وثلاثمائة وتسعة وأربعون جنيهاً مصرياً وأربعمائة وخمسة وثمانون مليماً. المتهم الرابع: اشترك مع المتهمين الثلاثة الأول بطريقي التحريض والاتفاق في ارتكاب الجريمتين سالفتي الذكر بأن حرضهم على استبدال النقد الأجنبي لنزلاء الفندق بنقد مصري دون إثبات هذا التعامل في إقرارات العملة أو الدفاتر المعدة لذلك، واتفق معهم على الاحتفاظ بذلك النقد دون استبداله لدى أحد البنوك المعتمدة إلى حين يتسلمه منهم في مقابل العمولة التي يؤديها إليهم عن ذلك فتمت الجريمتين بناء على هذا الاتفاق وذلك التحريض. وطلبت عقابهم بالمواد 1 و3 و9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل والمواد 1 و5 و11 و12 و14 من قرار وزير الاقتصاد رقم 893 لسنة 1960 بإصدار لائحة الرقابة على عمليات النقد والمادتين 40/ 1 - 2 و41 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح قصر النيل الجزئية قررت إحالة القضية بحالتها إلى محكمة الشئون المالية والتجارية. ومحكمة الشئون المالية والتجارية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس كل من المتهمين الأول والرابع سنتين مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً لوقف التنفيذ وحبس كل من المتهمين الثاني والثالث سنة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ مع مصادرة أوراق النقد الأجنبي والشيكات السياحية المضبوطة فاستأنف المتهمون هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً أولاً: بقبول الاستئناف شكلاً. ثانياً: إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إدانة بالنسبة للمتهم الرابع..... وببراءته مما أسند إليه. ثالثاً: بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والثالث والاكتفاء بحبس كل منهم ستة شهور مع الشغل. رابعاً، بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من مصادرة فطعن المحامي الوكيل عن المتهم الثالث (الطاعن الأول) في هذا الحكم بطريق النقض، كما قرر المحامي الوكيل من المتهم الثاني (الطاعن الثاني) الطعن في الحكم بطريق النقض.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي التعامل بأوراق النقد الأجنبي بطريق غير قانوني وعدم عرض ما دخل في حيازته من هذا النقد على وزارة الاقتصاد قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم الابتدائي استند في قضائه بإدانة الطاعن إلى أنه شريك للمتهم الرابع وكان يسلمه ما يحصله من عملات أجنبية للاتجار بها ثم قضى الحكم المطعون فيه ببراءة المتهم الرابع من التهمة المسندة إليه وهو ما تنهار معه التهمة المسندة إلى الطاعن، غير أنه قضى بإدانته دون أن يبين الواقعة التي عاقبه عليها، وقد أشار الطاعن في دفاعه في مذكرته التي قدمها إلى المحكمة الاستئنافية. أنه لا يوجد دولاب في غرفة الخزينة على خلاف ما يقرره الضابط في محضره من أنه ضبط بهذا الدولاب خمسة شيكات سياحية لم يثبتها الطاعن في الدفاتر المعدة لذلك وقرر الطاعن أنه لا يوجد بهذه الغرفة سوى مكتبه وأنه ليس لديه دفاتر لقيد العملات الأجنبية وطلب من المحكمة تحقيقاً لدفاعه معاينة هذه الحجرة إلا أن المحكمة لم تجبه إلى هذا الطلب، كما طلب الطاعن ضم التحقيقات الخاصة بمبلغ الأربعين جنيهاً التي وجدها المحقق بدرج مكتبة وزعم أنها ملك الطاعن، إذ ثبت من هذه التحقيقات أنها عجز في عهدة الطاعن وأنها من أموال الفندق ولم تجبه المحكمة إلى هذا الطلب أيضاً، وأوضح الطاعن في مذكرته أن ما نسب إليه في التهمة الأولى من تلقي أوراق النقد الأجنبي من نزلاء الفندق لا عقاب عليه لأنه مصرح له بصفته صرافاً بأن يتلقى أوراق النقد الأجنبي، أما قيد هذا النقد في دفاتر الفندق فإنه غير مسئول عنه إذ ليس لديه دفاتر لقيد النقد الأجنبي بل المسئول عن ذلك هو المتهم الرابع باعتباره رئيساً للخزينة ويقوم بالقيد في الدفتر الموجود لديه. وأما عن الاتهام الثاني وهو عدم عرض ما في حوزته من أوراق النقد الأجنبي فإن المبلغ الذي ضبط في مكتبه قد حصل عليه الطاعن بسبب وظيفته وكان ينفذ ما لديه من تعليمات بتسليم ما يدخل في حوزته من نقد أجنبي أثناء عمله إلى رئيس الخزينة الذي عليه أن يورد هذا النقد إلى البنك إلا أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي أحال عليه الحكم المطعون فيه في بيان واقعة الدعوى قد حصل هذه الواقعة بقوله إنها تخلص فيما أثبته مفتش قسم مكافحة التهريب في محضره من أنه وصل لعلمه أن المتهمين وهم من موظفي خزينة فندق البرج يقومون بالاتجار في النقد الأجنبي الذي يحصلون عليه من نزلاء الفندق وأنهم يستبدلون النقد الأجنبي لهؤلاء النزلاء ويضعون خاتم الفندق على الإقرارات الجمركية الخاصة بهم ولا يقومون بتوريد النقد الأجنبي للبنك وأنهم استبدلوا مبلغ 165 جنيهاً إسترلينياً في 8/ 8/ 1966 ومبلغ خمسين جنيهاً إسترلينياً في 9/ 8/ 1966 وأن المبالغ التي وردت إلى فرع البنك بالفندق في الفترة من 20/ 5/ 1966 إلى 31/ 5/ 1966 هي 159.05 جنيهاً وتوصل محرر المحضر إلى إحضار بعض الإقرارات الجمركية لبعض النزلاء وتبين منها استبدال أصحابها لما معهم من نقد، وقد أذنت النيابة بتفتيش المتهمين ومساكنهم، وبتفتيش الجزء الأسفل من دولاب خشبي في حضور الطاعن الأول ضبطت خمسة شيكات سياحية بمبلغ تسعين دولاراً اعترف بحيازتها وأنه حصل عليها من بعض نزلاء الفندق دون إثباتها بالدفتر الخاص بالنقد الأجنبي وأنه اشترى المبلغ المضبوط لحساب المتهم الرابع وأثبت محرر المحضر أن فرع بنك مصر بالفندق كان مفتوحاً وقت التفتيش كما ضبط لدى الطاعن الأول مبلغ أربعين جنيهاً ذكر له أنه يحتفظ بها لاستخدامها في تغطية عملية استبدال النقد وأنه يتقاضى عمولة نظير كل عملة أجنبية يوردها للمتهم الرابع الذي يورد بعض العملات للبنك ويتجر ببعضها الآخر وأسفر تفتيش مسكن الطاعن الأول عن العثور على مبلغ ألف وثمانمائة جنيه قال عنه أنه حصيلة عمولته من الاتجار في النقد الأجنبي كما ضبط محرر المحضر بمكتب بالطابق العلوي من الفندق عملات أجنبية أوضحها الحكم وأثبت محرر المحضر أن الطاعن الثاني حضر أثناء التفتيش واعترف بما هو منسوب إليه. واستند الحكم في إدانة الطاعنين إلى اعترافهما بارتكاب ما نسب إليهما في محضر ضبط الواقعة وتحقيقات النيابة وإلى ضبط نقد أجنبي في حوزة الطاعن الأول وأن الطاعنين قد استهدفا من عدم التوقيع على إقرارات النزلاء بالفندق التجهيل بشخص من قام باستبدال العملة الأجنبية مما يقطع بانصراف قصدهما إلى التعامل المحظور في النقد الأجنبي. ثم عرض الحكم المطعون فيه إلى الاتهام المسند إلى المتهم الرابع فقضى ببراءته منه استناداً إلى أن المحكمة لا تطمئن إلى أن اعتراف المتهمين الثلاثة الأول على هذا المتهم يفيد بالفعل اشتراكه معهم فيما ثبت ارتكابهم له وإنما ترى أنه صدر منهم في محاولة للدفاع ببيان أنهم صدعوا فيما اقترفوه من جرم إلى أوامر مدير لهم يؤيد ذلك أن ظروف الدعوى ومادياتها تفيد أنهم كانوا يمارسون عمليات التهريب قبل أن يعين هذا المتهم في الفندق الذي يعملون به وأن واقعة الضبط تمت أثناء غيابه في إجازة بمدينة الإسكندرية حيث ضبط، وهو أمر يفيد أنهم ضالعون في إثمهم دونه ومن قبله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمتي التعامل في أوراق النقد الأجنبي وعدم عرض هذا النقد على وزارة الاقتصاد اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، وكان قضاء الحكم المطعون فيه ببراءة المتهم الرابع لا أثر له على قيام هاتين الجريمتين بعد أن أثبت الحكم أن الطاعن قد ارتكبهما دون اشتراك ذلك المتهم معه. لما كان ذلك، وكان طلب معاينة حجرة الخزينة وضم التحقيقات الإدارية الخاصة بالمبلغ الذي ضبط بمكتب الطاعن على ما يبين مما أوضحه الطاعن في وجه طعنه لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة بل قصد به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة مما لا تلتزم المحكمة بإجابته. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن كان يتعامل في النقد الأجنبي بطريق غير مشروع لحسابه دون أن يثبته في الدفاتر المعدة لذلك أو يورده إلى البنك وهو ما يتضمن الرد على دفاعه بأن تعامله في هذا النقد الأجنبي هو تعامل مسموح به، وأنه قام به بمقتضى وظيفته وأنه غير مسئول عن قيد هذا النقد بالدفاتر، وكان يسلم ما في حوزته من نقد أجنبي إلى رئيس الخزينة. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن يكون على غير أساس ويتعين رفض الطعن موضوعاً.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو الخطأ في الإسناد والبطلان في الإجراءات والخطأ في تطبيق القانون، فقد أورد الحكم الابتدائي في تحصيله لواقعة الدعوى أن تفتيش مسكن الطاعن أسفر عن ضبط مبلغ 724 ج و150 م في حين أن الثابت من الأوراق أنه لم يضبط معه أو في مسكنه أي نقد وقد أشار الطاعن في دفاعه أمام المحكمة الاستئنافية إلى هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم الابتدائي وتحققت المحكمة من وقوع هذا الخطأ وقامت بتحصيل الوقائع على وجهها الصحيح ولكنها اكتفت بهذا التعديل دون إعمال أثره وهو استبعاد ما استقر في عقيدة محكمة أول درجة من ضبط نقد لدى الطاعن، كما أنها قضت في الدعوى دون أن يتلو أحد أعضائها تقرير تلخيص مما يبطل حكمها. وقد أشار الطاعن في مذكرته التي قدمها بدفاعه إلى محكمة ثاني درجة إلى أنه لا يجوز لرجال الضبط القضائي بعد أن تولت النيابة العامة التحقيق في الدعوى أن يقوموا بجانبها بإجراء تحقيق فيها وطلب استبعاد محضر التحقيق الذي قام به الضابط جلال مهنا الذي أذنت له النيابة بالضبط والتفتيش والذي استجوب فيه المتهمين ورد الحكم على هذا الدفاع بقوله إن إذن النيابة العامة لمأمور الضبط القضائي بضبط شخص وتفتيش مسكنه لا يحول بينه وبين سؤاله كما أنه لا يستلزم أن تباشر النيابة تحقيق الدعوى بأكملها، وهذا الرد ينطوي على خطأ في تطبيق القانون إذ أن المحاضر التي يحررها رجال الضبط القضائي في الوقت الذي تقوم فيه النيابة العامة بالتحقيق لا تعدو أن تكون محاضر جمع استدلالات وليست محاضر تحقيق تسمع فيها أقوال الشهود والمتهمين. كما أن الحكم دان الطاعن بأنه تعامل في نقد أجنبي على خلاف الأوضاع التي رسمها القانون في حين أن لموظفي الفندق - وهو من بينهم - الحق قانوناً وفقاً لنظام الفندق في أن يستبدلوا النقد الأجنبي في الفترات التي يكون فيها فرع البنك في الفندق مغلقاً ومن ثم فإن يده على هذا النقد مشروعة كما أن القصد الجنائي في هذه الجريمة وهو انتواء التعامل غير المشروع في النقد الأجنبي غير متوافر في حق الطاعن إذ كان يسلم النقد الذي يحصل عليه إلى رئيس الخزينة عند انتهاء عمله وقد وصف الحكم أقوال الطاعن في التحقيق بأنها اعتراف في حين أن قوله بأنه كان يتسلم النقد الأجنبي ويسلمه إلى رئيس الخزينة لأن البنك كان مغلقاً لا يعد اعترافاً بالجريمة، هذا إلى أن الحكم قد أسند إلى المتهمين جميعاً أنهم تعاملوا في نقد أجنبي دون أن يحدد مقدار ما حصله كل منهم من هذا النقد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أحال في بيان واقعة الدعوى إلى الحكم الابتدائي عرض لما جاء في هذا الحكم من أن تفتيش مسكن الطاعن قد أسفر عن ضبط مبلغ 724 ج و150م فصحح هذه الواقعة بما يفيد أن تفتيش مسكن المتهم الأول هو الذي أسفر عن ضبط هذا المبلغ عنده. ولما كان الحكم قد عول في إدانة الطاعن على اعترافه بارتكاب الجريمتين المسندتين إليه ولم يستند إلى واقعة ضبط هذا المبلغ فإن ما ينعاه الطاعن عليه من أنه لم يعمل أثر هذا التصحيح لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن تقرير التلخيص قد تلي، وكان من المقرر أن الحكم يكمل محضر الجلسة في إثبات ما تم أمام المحكمة من إجراءات فلا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات تلاوة هذا التقرير، وكان لا يجوز إثبات عكس ما ثبت في ورقة الحكم إلا عن طريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله الطاعن. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بشأن استبعاد الدليل المستمد من اعترافه بمحضر الضبط ورد عليه بقوله "وحيث إن الدفاع عن المتهم الثالث قدم مذكرة أمام هذه المحكمة ضمنها فضلاً عن الدفاع الموضوعي دفعا ببطلان إجراءات الضبط لأن النقيب جلال مهنا القائم به بعد أن استأذن النيابة العامة في الضبط والتفتيش لم يقف عند ذلك وإنما قام بتحرير محضر تجاوز فيه اختصاصه عندما أجرى تحقيقاً وصل فيه إلى الحصول على اعترافات للمتهمين وهو أمر يصم عمله بالبطلان ويستلزم بالتالي استبعاد الدليل المستمد منه، وهذا الدفع مردود بأن قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها بأي واجب من واجبات عملهم في ذات الوقت الذي تباشر فيه عملها على أن تعرض المحاضر المحررة منهم عن العمل على النيابة العامة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها. ومن ثم فإن إذن النيابة العامة لمأمور الضبط القضائي بضبط شخص وتفتيشه لا يحول بين هذا المأمور وسؤال المتهم كما أنه لا تستلزم ضرورة أن تباشر النيابة العامة تحقيق الدعوى بأكملها دون أن تجتزئ منها استجواب المتهمين فحسب وبالتالي فإنه يكون للمحكمة أن تستند في حكمها إلى ما ورد بالمحاضر التي حررها مأمورو الضبط القضائي على نحو ما سلف ما دامت المحاضر قد عرضت مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها" وما أورده الحكم فيما تقدم صحيح في القانون، ذلك بأن قضاء محكمة النقض جرى على أن قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكل ما في الأمر أن المحاضر الواجب على أولئك المأمورين تحريزها بما وصل إليه بحثهم ترسل إلى النيابة العامة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها، وللمحكمة أن تستند في الحكم إلى ما ورد بهذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة، ولمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً، والثابت مما أورده الحكم أن النقيب جلال مهنا قد أثبت في محضره أن الطاعن حضر أثناء التفتيش واعترف بما نسب إليه فلا تثريب عليه إن أثبت هذا الاعتراف في محضره وللمحكمة أن تعول عليه في حكمها ما دامت قد اطمأنت إليه، لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن قد قرر في محضر ضبط الواقعة وفي تحقيق النيابة أنه كان يحتفظ بالنقد الأجنبي الذي يستبدله نزلاء الفندق ولم يورده إلى البنك وأنه تعامل في هذا النقد مقابل عمولة حصل عليها بلغت نحو مائة وستين جنيهاً وهو اعتراف صريح بارتكاب جريمتي التعامل في أوراق النقد الأجنبي بطريق غير قانوني وعدم عرض ما في حوزته من نقد أجنبي على وزارة الاقتصاد وتتوافر به كافة العناصر القانونية لهاتين الجريمتين اللتين دانه الحكم بهما، وكان لا يلزم أن يكون التعامل في النقد الأجنبي محدداً بواقعة واحدة بل يجوز أن ينطوي هذا التعامل على عمليات متعددة كما هو الحال في الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن يكون أيضاً على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.