أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 685

جلسة 12 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(139)
الطعن رقم 174 لسنة 39 القضائية

(أ) قضاة. "صلاحيتهم". بطلان. "بطلان الأحكام". حكم. "بطلانه".
اقتصار عمل القاضي على المشاركة في تلاوة الحكم. لا يبطله. ولو كان عضواً في الهيئة التي أصدرت الحكم الاستئنافي المنقوض.
(ب) ارتباط. جريمة. "الارتباط بين الجرائم. أثره". دعوى جنائية. "انقضاؤها". صلح. نقد. استيراد. تهريب جمركي.
لا محل لأعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة للجرائم المرتبطة عند القضاء في إحداها بالبراءة أو السقوط أو الانقضاء. أساس ذلك. مثال في استيراد ونقد وتهريب جمركي.
انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح في إحدى الجرائم لا يمنع من نظر الجرائم الأخرى المرتبطة بها.
عقوبة استيراد سبائك الذهب بغير ترخيص والتعامل في النقد الأجنبي وعدم عرضه. أشد من عقوبة التهريب الجمركي.
(ج) استيراد. رسوم استيراد. تعويض. قانون. "سريانه. إلغاؤه." نقض. "حالات الطعن بالنقض. "الخطأ في تطبيق القانون". محكمة النقض. "سلطتها عند الطعن لثاني مرة".
إلغاء القانون 191 لسنة 1961 لرسوم الاستيراد المقررة بالقانون 159 لسنة 1958. مؤدى ذلك. نسخ الإلزام بالتعويض المنصوص عليه في القانون 9 لسنة 1959 بشأن الاستيراد. حصول واقعة الدعوى بعد إلغاء تلك الرسوم. قضاء الحكم بالتعويض. خطأ. حق محكمة النقض في تصحيحه جزئياً دون  تحديد جلسة ولو كان الطعن لثاني مرة. أساس ذلك؟
(د) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". دعوى جنائية. "نظرها والحكم فيها". إجراءات المحاكمة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
متى لا تلتزم المحكمة بالتصريح للدفاع بتقديم مذكرة ويحق لها الالتفات عن الرد على طلبه تقديم مذكرة؟
1 - إذا كان دور القاضي في الحكم قاصراً على مجرد المشاركة في تلاوته دون المداولة فيه أو إصداره، فإنه ليس يعيب الحكم المطعون فيه أن يكون هذا القاضي عضواً في هيئة المحكمة التي أصدرت الحكم الاستئنافي السابق نقضه.
2 - إن دعوى قيام الارتباط أيا ما كان وصفه بين جرائم التعامل في النقد الأجنبي واستيراد السبائك الذهبية بغير ترخيص وعدم عرض النقد الأجنبي وهي ذات العقوبة الأشد وبين جريمة التهريب الجمركي ذات العقوبة الأخف، لا توجب البتة الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية عن تلك الجرائم الثلاث تبعاً للحكم بانقضائها في جريمة التهريب الجمركي للتصالح، ولا تقتضي بداهة انسحاب أثر الصلح في الجريمة الأخيرة على تلك الجرائم، لما هو مقرر من أن مناط الارتباط في الحكم المادة 32 من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر على إحداها حكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب، لأن تماسك الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الارتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها أشد العقاب لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدي المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتاً ونفياً، فلا محل لإعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات عند القضاء بالبراءة في إحدى التهم أو سقوطها أو انقضائها.
3 - القانون رقم 159 لسنة 1958 هو الذي تكفلت نصوصه ببيان قيمة رسوم الاستيراد وكيفية تقديرها وتحصيلها على السلع المستوردة، ثم صدر بعده القانون رقم 191 لسنة 1961 ونص في مادته الأولى على إلغاء القانون 159 لسنة 1958 بفرض رسوم الاستيراد، وإذ ما كان الشارع قد ربط تقدير التعويض المنصوص عليه في المادة السابعة من القانون رقم 9 لسنة 1959 بشأن الاستيراد، بمثلى الرسوم المقررة للاستيراد والرسوم الأخرى المتصلة بها، فإن إلغاء هذه الرسوم بمقتضى القانون 191 لسنة 1961 يكون ناسخاً لوجود التعويض طالما أنه من المتعين الرجوع في تقديره إلى مقدار رسوم الاستيراد التي ألغيت. لما كان ذلك، وكانت واقعة الدعوى قد جرت بعد إلغاء تلك الرسوم بالقانون المذكور، فإن الحكم المطعون فيه بقضائه بالتعويض يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ يعيبه ويستوجب نقضه نقضاً جزئياً وتصحيحه بإلغاء ما قضى به من تعويض وذلك عملاً بالقاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، دون حاجة إلى إعمال المادة 45 من القانون سالف الذكر بتحديد جلسة لنظر الموضوع، باعتبار أن الطعن هو طعن لثاني مرة، ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي التعرض لموضوع الدعوى.
4 - متى كان الثابت من الإطلاع على الجلسة أن المدافع عن الطاعنين بعد أن ترافع في الدعوى طلب حجز القضية للحكم وأن يبين دفاعه بمذكرته، عاد فاستطرد في دفاعه القانوني والواقعي طويلاً وختم مرافعته بالدعاء للمحكمة بالتوفيق، وطلب حجز القضية للحكم فكان أن حجزتها المحكمة ولم تصرح بتقديم مذكرات، وكان الثابت مما سلف بيانه أن المحكمة قد أفسحت للمدافع عن الطاعنين مجال المرافعة الشفوية فضمنها ما شاء من ضروب الدفاع، فإن المحكمة لم تكن ملزمة بعد أن تصرح للطاعنين بتقديم مذكرة - سيما وأنهم لا يدعون أن المحكمة قد فوتت عليهم فرصة إبداء وجه من وجوه الدفاع - ولا عليها أن هي التفتت عن الرد على هذا الطلب، وتكون دعوى القصور في هذا الشأن غير مقبولة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 12 أكتوبر سنة 1965 بدائرة قسم الشرق محافظة بورسعيد: المتهم الأول (أولاً) صدر إلى خارج الجمهورية العربية المتحدة النقد الأجنبي الموضح والبالغ قيمته بالنقد المصري 12008 ج و562 م وكذلك النقد المصري الموضح بالمحضر وقدره 10 ج و500 م وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة - (ثانياً) وهو من غير المسافرين أخفى النقود المبينة في التهمة السابقة بقصد تهريبها (ثالثاً) قام بعملية من عمليات النقد الأجنبي إذ أجرى التعامل في مثل هذا النقد بأن دفع مبلغ 4420 جنيهاً إسترلينياً لمجهولين واشترى منهم ثلاث عشرة سبيكة من الذهب وكان ذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص بها (رابعاً) استورد النقد الأجنبي الموضح بالمحضر والذي بلغ قيمته بالنقد المصري 6704 ج و562 م والنقد المصري الموضح في التهمة الأولى وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً. (خامساً) لم يعرض للبيع على وزارة الاقتصاد وبسعر الصرف الرسمي الذي يحدده وزير الاقتصاد النقد الأجنبي المملوك له والمبين قيمته بالتهمة الأولى (سادساً) استورد السلع الموضحة الوصف والقيمة بالمحضر ثلاث عشرة سبيكة من الذهب من خارج الجمهورية العربية المتحدة بقصد الاتجار والتصنيع وذلك على خلاف القواعد المعمول بها في شأن تنظيم الاستيراد (سابعاً) استورد السلع المبينة في التهم السابقة قبل الحصول على ترخيص بالاستيراد من وزارة الاقتصاد (ثامناً) هرب البضائع الموضحة في التهمة "سادساً" إلى الجمهورية العربية المتحدة بطرق غير مشروعة دون أداء الضرائب الجمركية المقررة قانوناً بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة. والمتهم الثاني (أولاً) صدر إلى خارج الجمهورية العربية المتحدة أشياء ذات قيمة مالية (بضائع قيمتها 1760 جنيها إسترلينياً) وذلك بقصد تهريبها (ثانياً) صدر البضائع المبينة في التهمة السابقة إلى الخارج على خلاف القيود المقررة قانوناً في شأن التصدير (ثالثاً) صدر النقد المصري المبين مقداره بالمحضر "2 ج و250 م" إلى الخارج على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً. (رابعاً) وهو من غير المسافرين أخفى النقود المبينة في التهمة السابقة بقصد تهريبها (خامساً) قام بعملية من عمليات النقد الأجنبي إذ جرى التعامل في هذا النقد بأن قبض من مجهولين نقداً أجنبياً بلغت قيمته "2544 ج و238 م بالنقد المصري" لقاء بضائع باعها لهم وكان ذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها. (سادساً) استورد النقد المصري المبين في التهمة السابقة على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً (سابعاً) استورد السلع الموضحة الوصف والقيمة أربعة سبائك من الذهب من خارج الجمهورية العربية المتحدة بقصد الاتجار والتصنيع وذلك على خلاف القواعد المعمول بها في شأن تنظيم الاستيراد (ثامناً) استورد السلع المبينة في التهم السابقة قبل الحصول على ترخيص بالاستيراد من وزارة الاقتصاد (تاسعاً) هرب البضائع المبينة في التهمة "سابعاً" إلى أراضي الجمهورية العربية المتحدة بطرق غير مشروعة دون أداء الضرائب الجمركية المقررة قانوناً بالمخالفة للتنظيم المعمول به في شأن البضائع الممنوعة - والمتهم الثالث (أولاً) صدر النقد المصري المبين مقداره بالمحضر ثمانية جنيهات إلى الخارج خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً (ثانياً) وهو من غير المسافرين أخفى النقود المبينة في التهمة السابقة بقصد تهريبها (ثالثاً) قام بعملية من عمليات النقد الأجنبي إذ أجرى التعامل في هذا النقد بأن دفع مبلغ 1980 ج إسترليني لمجهولين واشترى منهم ست سبائك من الذهب وكان ذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها (رابعاً) استورد النقد المصري الموضح في التهمة (أولاً) والنقد الأجنبي المبين بالمحضر والبالغة قيمته بالنقد المصري 123 ج و75 م من الخارج على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً (خامساً) استورد السلع الموضحة الوصف والقيمة بالمحضر ست سبائك من الذهب من خارج الجمهورية العربية المتحدة بقصد الاتجار والتصنيع وذلك على خلاف القواعد المعمول بها في شأن تنظيم الاستيراد (سادساً) استورد السلع المبينة في التهم السابقة قبل الحصول على ترخيص في الاستيراد من وزارة الاقتصاد (سابعاً) هرب البضائع المبينة في التهمة "خامساً" إلى الجمهورية العربية المتحدة بطرق غير مشروعة دون أداء الضرائب الجمركية المقررة قانوناً وبالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة وطلبت معاقبتهم بالمواد 1، 2، 3، 9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل والمواد 1، 2، 4 من القانون رقم 98 لسنة 1947 والمواد 1، 7، 10 من القانون رقم 9 لسنة 1959 والمادتين 1، 3 من القانون رقم 95 لسنة 1963 والمادتين 121 و122 من القانون رقم 66 لسنة 1963 والمادتين 1 و12 من القانون رقم 203 لسنة 1959 وقرارات وزير الاقتصاد أرقام 51 لسنة 1947 المعدل و725 لسنة 1959، 737 لسنة 1964. ومحكمة شرق بورسعيد الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالحبس ستة أشهر مع الشغل وبتغريمه غرامة إضافية قدرها 5304 ج خمسة آلاف جنيه وثلاثمائة وأربعة جنيهات مصرية وإلزامه بتعويض يعادل مثلى رسوم الاستيراد المقررة ومثلى الرسوم الأخرى المتصلة بالاستيراد وفقاً للقانون المطبق يوم الحادث عن استيراد الثلاث عشرة سبيكة ذهبية المضبوطة مع مصادرة السبائك المذكورة عن التهمتين الثانية والسابعة المسندتين إليه وكفالة 50 ج لإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس (ثانياً) بمعاقبة المذكور بالحبس ستة أشهر مع الشغل وبغرامة إضافية قدرها 5204 ج خمسة آلاف جنيه ومائتين وأربعة جنيهات مصرية ومصادرة ما يوازي مبلغ 6137 ج و562 م ستة آلاف ومائة وسبعة وثلاثين جنيهاً وخمسمائة اثنين وستين مليماً عملة مصرية من مبالغ النقد الأجنبي المضبوط معه عن التهمة الخامسة المسندة إليه وكفالة 50 ج لإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس (ثالثاً) بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس ستة أشهر مع الشغل وبغرامة إضافية قدرها 2188 ج و200 م ألفان ومائة وثمانية وثمانون جنيهاً ومائتا مليم بالعملة المصرية وإلزامه بتعويض يعادل مثلى رسوم الاستيراد المقررة ومثلى الرسوم الأخرى المتصلة بالاستيراد وفقاً للقانون المطبق يوم الحادث عن استيراد الأربع سبائك الذهبية المضبوطة معه، مع مصادرة السبائك المذكورة عن التهمتين الخامسة والثامنة المسندتين إليه وكفالة 50 ج لإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس (رابعاً) بمعاقبة المتهم الثالث بالحبس ستة أشهر وبغرامة إضافية قدرها 2376 ألفان وثلاثمائة وستة وسبعون جنيهاً مصرياً وإلزامه بتعويض يعادل رسوم الاستيراد المقررة ومثلى الرسوم الأخرى المتصلة بالاستيراد وفقاً للقانون المطبق يوم الحادث عن استيراد الست سبائك الذهبية المضبوطة معه وبمصادرة السبائك المذكورة عن التهمتين الثالثة والسادسة المسندتين إليه وكفالة 50 ج لإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس (خامساً) ببراءة جميع المتهمين من باقي التهم المسندة إليهم (سادساً) بإعفاء المتهمين من المصاريف الجنائية. فاستأنف المحكوم عليهم هذا الحكم كما استأنفته النيابة العامة. ومحكمة بورسعيد الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 19 يونيه سنة 1967 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وذلك بالنسبة إلى تهمة التهريب الجمركي المقضي فيها بالبراءة وإلى التهم الأخرى المقضي فيها بالإدانة وإحالة القضية إلى محكمة بورسعيد الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. والمحكمة المذكورة نظرت الدعوى من جديد وقضت حضورياً (أولاً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة المتهمين بالنسبة لتهمة التهريب الجمركي لكل منهم وانقضاء الدعوى العمومية بالنسبة لها بالتصالح (ثانياً) بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من إدانة المتهمين بالنسبة للتهم الأخرى بلا مصاريف جنائية. فطعن الأستاذ الوكيل عن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن أيضاً المحكوم عليهما الثاني والثالث بالنقض.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمتي القيام بعمليات نقد أجنبي واستيراد سبائك ذهبية بغير ترخيص ودان أولهم أيضاً بجريمة عدم عرض النقد الأجنبي على وزارة الاقتصاد لبيعه بالسعر الرسمي - قد ران عليه البطلان والقصور والخطأ في تطبيق القانون. فأما البطلان فهو يتمثل في أن الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لم تكن هي الهيئة التي سمعت المرافعة، ذلك بأن القاضي كمال غريب شارك في إصدار الحكم - بدلاً من رئيس المحكمة محمد محرز - دون أن يسمع المرافعة في الدعوى، فضلاً عن أنه كان من بين أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم الأول السابق نقضه. وأما القصور فله وجهان أولهما أن الحكم أغفل الرد على طلب الطاعنين الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية عن التهم التي انتهى إلى إدانتهم بها على سند من أنها دائرة في فلك جريمة التهريب الجمركي المحكوم فيها بانقضاء الدعوى الجنائية للتصالح فضلاً عن أنه لم يشر إلى الحكم الذي قدمه الطاعنون بالاستدلال على سلامة هذا المطلب والوجه الثاني للقصور هو أن الحكم لم يبرر إطراحه الطلب المقدم من المدافع عن الطاعنين بالتصريح له بتقديم مذكرة بدفاعه التفصيلي. أما الخطأ في تطبيق القانون فآيته أن الحكم ألزم الطاعنين رسوم الاستيراد رغم إلغائها بالقانون رقم 191 لسنة 1961 المعمول به قبل الواقعة موضوع المحاكمة وبذلك كله يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الأوراق والمفردات المضمومة أن هيئة المحكمة الاستئنافية التي سمعت المرافعة في الدعوى بجلسة 16 أبريل سنة 1968 كانت مشكلة من رئيس المحكمة محمد محرز والقاضيين حسني عبد العال وأحمد حسان وأنها حجزت القضية للحكم لجلسة 28 مايو سنة 1969 وتداولت فيها بهيئتها المذكورة على ما يشهد به توقيع رئيس المحكمة على مسودة أسباب الحكم، وإذ تغيب رئيس المحكمة محمد محرز عن جلسة الحكم فقد نطقت به هيئة مشكلة من القضاة حسني عبد العال وأحمد حسان وكمال غريب على ما هو ثابت في ورقة الحكم. وإذ كان دور القاضي كمال غريب في الحكم قاصراً على مجرد المشاركة في تلاوته دون المداولة فيه أو إصداره، فإنه ليس يعيب الحكم المطعون فيه أن يكون هذا القاضي عضواً في هيئة المحكمة التي أصدرت الحكم الاستئنافي السابق نقضه، ويكون ما يثيره الطاعن حول بطلان الحكم - بوجهيه - غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن المدافع عن الطاعنين طلب الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة لجريمة التهريب الجمركي للتصالح، وذكر أن الواقعة تدور في فلك جريمة التهريب الجمركي دون سواها، وتساند في ذلك إلى صورة حكم أودعها ملف الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رأى في شأن جريمة التهريب الجمركي - على خلاف الحكم الابتدائي - أن إجراءات التحقيق ومباشرة الدعوى بالنسبة لهذه الجريمة قد تمت صحيحة في القانون، وإذ تبين له ثبوتها قبل الطاعنين وأنهم تصالحوا فيها مع مصلحة الجمارك، فقد خلص إلى الحكم فيها بانقضاء الدعوى الجنائية وإلى تأييد الحكم الابتدائي لأسبابه بالنسبة للجرائم الأخرى التي دين بها الطاعنون موضوع الطعن الحالي. ويبين من مدونات الحكم المذكور أنه أوقع عن الجريمتين الأوليين عقوبة واحدة على سند من قوله "إن كلاً من جريمة التعامل في النقد الأجنبي على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً بالنسبة إلى كل متهم تربطها جريمة استيراد السبائك الذهبية وحدة الغرض وقد احتواها فكر جنائي واحد - وقد وقعتا تنفيذا لهذا الفكر وإخراجه إلى حيز الواقع ومن ثم وجب إعمال المادة 32/ 2 عقوبات في خصوص التهمتين المذكورتين والقضاء بالعقوبة الأصلية الأشد وهي عقوبة القانون 80 لسنة 1947 المعدل وذلك دون العقوبات التكميلية إذ لا يتسع لها نص المادة 32 المذكورة، كما أوضح الحكم أيضاً علة قضائه على الطاعن الأول وحده بعقوبتين مستقلتين إحداهما عن الجريمتين المذكورتين إعمالا لحكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات والثانية عن جريمة عدم عرضه للبيع على وزارة الاقتصاد ما يملكه من نقد أجنبي، فأورد الحكم في ذلك قوله: إن المادة 12 من القانون 80 لسنة 1947 المعدل توجب الحكم على الشخص الواحد عن كل جريمة وقعت طبقاً لأحكامه - قبل أن يحاكم على واحدة منها - ولذا فإن المحكمة لم تطبق المادة 32/ 2 عقوبات في هذا الشأن على الوقائع التي ارتكبها كل متهم بالمخالفة لأحكام القانون 80 لسنة 1947 مع التنويه بأن الراجح أنه لو كانت الحالة من حالات التعدد المعنوي المنصوص عليها في المادة 32/ 1 عقوبات فإن المادة المذكورة تنطبق. وليست الوقائع المسندة إلى كل منهم مما يدخل تحت المادة 32/ 1 عقوبات بل هي حسبما سلف مما يدخل تحت نطاق المادة 32/ 2 عقوبات. لما كان ذلك، وكانت دعوى قيام الارتباط أياً ما كان وصفه بين جرائم التعامل في النقد الأجنبي واستيراد السبائك الذهبية بغير ترخيص وعدم عرض النقد الأجنبي وهي ذات العقوبة الأشد وبين جريمة التهريب الجمركي ذات العقوبة الأخف لا توجب البتة الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية عن تلك الجرائم الثلاث تبعاً للحكم بانقضائها في جريمة التهريب الجمركي للتصالح، ولا تقتضي بداهة انسحاب أثر الصلح في الجريمة الأخيرة على تلك الجرائم لما هو مقرر من أن مناط الارتباط في حكم المادة 32 من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر على إحداها حكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب، لأن تماسك الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الارتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها أشد العقاب لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدي المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتاً ونفياً، فلا محل لإعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات عند القضاء بالبراءة في إحدى التهم أو سقوطها أو انقضائها. كما هو الشأن في خصوص واقعة الدعوى ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور لعدم تعرضه إلى دفاع الطاعنين بقيام الارتباط بين جريمة التهريب التي انقضت الدعوى فيها بالصلح وبين الجرائم الأخرى التي دانهم الحكم بها يكون نعياً غير سديد، لأن محل البحث في الارتباط إنما يكون عند قيام المسئولية الجنائية عن الجرائم المرتبطة. كما لا يعيب الحكم عدم تصديه لما تضمنه الحكم الذي قدمه الطاعنون تأييداً لوجهة نظرهم. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر الجلسة أن المدافع عن الطاعنين بعد أن ترافع في الدعوى طلب حجز القضية للحكم وأن يبين دفاعه بمذكرته ثم عاد فاستطرد في دفاعه القانوني والواقعي طويلاً وختم مرافعته بالدعاء للمحكمة بالتوفيق وطلب حجز القضية للحكم فكان أن حجزت المحكمة الدعوى للحكم ولم تصرح بتقديم مذكرات. ولما كان الثابت مما سلف بيانه أن المحكمة قد أفسحت للمدافع عن الطاعنين مجال المرافعة الشفوية فضمنها ما شاء من ضروب الدفاع، ومن ثم فإن المحكمة لم تكن ملزمة من بعد أن تصرح للطاعنين بتقديم مذكرة - سيما وأنهم لا يدعون أن المحكمة قد فوتت عليهم فرصة إبداء وجه من وجوه الدفاع - ولا عليها إن هي التفتت عن الرد على هذا الطلب وتكون دعوى القصور في هذا الشأن غير مقبولة. لما كان ذلك، وكان لا يبقى من وجوه النعي غير ما يراه الطاعنون من أن الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون حين ألزمهم بالتعويض المؤسس على رسوم الاستيراد بالنسبة للسبائك الذهبية رغم إلغاء هذه الرسوم بالقانون رقم 191 لسنة 1961. وهذا النعي صحيح، ذلك بأن الحكم قد ألزم كلاً من الطاعنين دفع تعويض يعادل مثلى رسوم الاستيراد المقررة على السبائك الذهبية ومثلى الرسوم الأخرى المتصلة باستيرادها وسنده في هذا القضاء هو نص المادتين 1، 7 من القانون رقم 9 لسنة 1959 واللتين تنص أولاهما على حظر الاستيراد قبل الحصول على ترخيص وتنص الثانية على العقاب على مخالفة حكم المادة الأولى بالحبس والغرامة - أو إحدى العقوبتين - وعلى التعويض بالقدر الذي قضى به الحكم لما كان ذلك، وكان القانون رقم 159 لسنة 1958 هو الذي تكفلت نصوصه ببيان قيمة رسوم الاستيراد المذكورة وكيفية تقديرها وتحصيلها على السلع المستوردة. ثم صدر بعده القانون رقم 191 لسنة 1961 ونص في مادته الأولى على إلغاء القانون رقم 159 لسنة 1958 بفرض رسوم الاستيراد المشار إليها. وإذ ما كان الشارع قد ربط تقدير التعويض المنصوص عليه في المادة السابعة من القانون رقم 9 لسنة 1959 بمثلى الرسوم المقررة للاستيراد والرسوم الأخرى المتصلة به، فإن إلغاء هذه الرسوم بمقتضى القانون رقم 191 لسنة 1961 يكون ناسخاً لوجوب التعويض، طالما أنه من المتعين الرجوع في تقديره إلى مقدار رسوم الاستيراد التي ألغيت. لما كان ذلك، وكانت واقعة الدعوى قد جرت بعد إلغاء تلك الرسوم بالقانون المذكور، فإن الحكم المطعون فيه بقضائه بالتعويض يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ يعيبه ويستوجب نقضه نقضاً جزئياً وتصحيحه بإلغاء ما قضى به من تعويض وذلك عملاً بالقاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، دون حاجة إلى إعمال المادة 45 من القانون سالف الذكر بتحديد جلسة لنظر الموضوع، باعتبار أن الطعن هو طعن لثاني مرة، ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي التعرض لموضوع الدعوى.