أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 696

جلسة 12 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عطيفة، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(140)
الطعن رقم 202 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. خطأ. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر الخطأ". قتل خطأ. إصابة خطأ.
( أ ) مساءلة المالك دون المستأجر عن الضرر الذي يصيب الغير من تقصيره في صيانة ملكه وترميمه. التزام المستأجر بالترميم والصيانة. لا يعفى المالك من المسئولية قبل الغير. إلا إذا تحقق من قيام المستأجر بما التزم به.
(ب) تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً. موضوعي.
متى تتحقق جريمتي القتل والإصابة الخطأ في حق مالك البناء؟
نطاق مسئولية جهة الإدارة عن التراخي في إخلاء المساكن المعرضة للانهيار؟
(ج) جواز أن يكون الخطأ مشتركاً بين المتهم وغيره. مساءلة المتهم في هذه الحالة. صحيحة.
(د، هـ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(د) لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع ظاهر البطلان. مثال.
(هـ) عدم التزام المحكمة بالرد صراحة على الدفاع الموضوعي. كفاية الأخذ بأدلة الثبوت رداً عليه.
(و) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها من الأدلة والعناصر السائغة.
1 - إن المالك دون المستأجر هو المطالب بتعهد ملكه وموالاته بأعمال الصيانة والترميم، فإذا قصر في ذلك كان مسئولاً عن الضرر الذي يصيب الغير بهذا التقصير، ولا يعفيه من المسئولية أن يكون المستأجر قد التزم قبله بأن يقوم بأعمال الترميم والصيانة اللازمة للعين المؤجرة، إذ على المالك إخلاء لمسئوليته إزاء الغير أن يتحقق من قيام المستأجر بما التزم به في هذا الشأن [(1)].
2 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت على الطاعن بأدلة سائغة أنه أهمل في ترميم المنزل على الرغم من إخطاره بقرار الترميم، مما يتوفر به الخطأ في حقه، واستظهر في منطق سائغ رابطة السببية بين هذا الخطأ والضرر الذي أصاب المجني عليهم، وأحاط بعناصر جريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما، وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن عدم اتخاذ جهة الإدارة إجراءات إخلاء المنزل فوراً من سكانه ذلك بأن تقدير وجوب هذا التدخل أو عدم وجوبه موكول للسلطة القائمة على أعمال التنظيم، فإذا جاز القول بأن خطأها في هذا التقدير يعرضها للمسئولية من ناحية القانون العام، فإن ذلك إنما يكون بوصفها سلطة عامة ذات شخصية اعتبارية من أخص واجباتها المحافظة على الأمن وعلى أرواح الناس، كما أنه بفرض قيام هذه المسئولية فإن هذا لا ينفي مسئولية الطاعن طالما أن الحكم قد أثبت قيامها في حقه، ومن ثم فإن الحكم إذ قضى بإدانة الطاعن يكون سديداً في القانون.
3 - إن عدم إذعان المجني عليهم لطلب الإخلاء الموجه إليهم أو تراخي باقي ملاك العقار عن إجراء الترميم لا ينفي عن الطاعن الخطأ المستوجب لمسئوليته إذ يصح في القانون أن يكون الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث مشتركاً بين المتهم وغيره، فلا ينفي خطأ أحدهما مسئولية الآخر.
4 - متى كان دفاع الطاعن بانتفاء مسئوليته عن الحادث لرفض السكان إخلاء المنزل وعدم التزامه بإجراء ترميمه هو دفاع ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب، فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد عليه.
5 - دفاع الطاعن بأنه لا يدير المنزل الذي أدى إلى انهياره إلى وقوع الحادث، هو دفاع متعلق بموضوع الدعوى مما لا تلتزم المحكمة بالرد عليه صراحة، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي عدل عليها الحكم.
6 - لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، متى كانت سائغة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 23 أكتوبر سنة 1966 بدائرة مينا البصل محافظة الإسكندرية: (أولاً): تسبب بغير قصد ولا تعمد فى قتل السيدة محمد حسنين وآخرين بأن لم يتخذ الإجراءات اللازمة لصيانة العقار المبين بالمحضر فانهار ونتج عن ذلك وفاة المجني عليهم سالفي الذكر. (ثانياً). تسبب بغير قصد ولا تعمد في إصابة حميدة محمود علي وآخرين على النحو المبين بالمحضر. وطلبت عقابه بالمادتين 238/ 1، 3 و244/ 1 - 3 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح مينا البصل الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم سنة واحدة مع الشغل وكفالة ثلاثة جنيهات لوقف التنفيذ. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي القتل والإصابة الخطأ قد شابه فساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وقصور في التسبيب فقد ذهب الحكم إلى أنه ظهر للجهة القائمة على أعمال التنظيم وجود تشريكات بحوائط المنزل ودرج السلم تقتضي إجراء ترميم عاجل فأصدرت قراراً بإجراء هذا الترميم وسلم الطاعن صورة منه إلا أنه أهمل بعدم قيامه بإجراء الترميم وترتب على هذا الإهمال حالاً ومباشرة سقوط المنزل، في حين أنه يبين من الرجوع إلى قرار التنظيم أن حالة العقار تقتضي إجراء ترميم في مدى خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان المالك بذلك وبعد الحصول على ترخيص من البلدية وهذا القرار لا يوحي بأية خطورة تهدد العقار بالانهيار إن لم تتداركه يد الإصلاح الفوري ذلك بأن إعلان المالك قد يتراخى وإجراءات استصدار الترخيص بالبلدية قد تستغرق شهوراً ولو أن معاينة العقار كشفت عن وجوب الإصلاح الفوري لاتخذت الجهة الإدارية المختصة إجراء الإخلاء الفوري حرصاً على الأرواح، ولم تدخل المحكمة في تقديرها وهي تنسب الخطأ إلى الطاعن أن قرار التنظيم لم يعلن مباشرة إلى ملاك العقار بل سلم إلى قسم الشرطة للتنبيه عليهم والطاعن ليس هو المالك الوحيد وكان يتعين التنبيه على أصحاب العقار جميعاً واتفاقهم على الإصلاح قبل اتخاذ إجراءات استصدار الترخيص بالإصلاح وقد وقع الحادث بعد ثلاثة شهور من صدور هذا القرار وهي عناصر من شأنها نفي الخطأ عن الطاعن وقد نسب الحكم إلى الطاعن أنه ينفرد بإدارة العقار نيابة عن باقي الشركاء وأسند إلى الشاهدين السيد إسماعيل وفتحية شحاتة أنهما قررا ذلك بينما يبين من الرجوع إلى أقوال هذين الشاهدين أنهما قررا أن الطاعن كان يحصل الأجرة فقط ونفى أولهما قيام الطاعن بالإدارة لدى مناقشته أمام محكمة أول درجة كما نفى الطاعن في مذكرته التي قدمها بدفاعه إلى محكمة ثاني درجة قيامه بالإدارة وقرر أن مالكاً آخر هو محمد حسنين يتولى تحرير عقود الإيجار وإيصالات الأجرة وأشار إلى واقعة هامة وهي أنه توجه إلى نقطة الشرطة وأبلغ بأن السكان يرفضون إخلاء المنزل لإصلاحه وطلب التنبيه عليهم بضرورة الإخلاء والتنبيه على شركائه بالإصلاح كما قال في دفاعه أنه ليس مسئولاً عن إصلاح الخلل في العقار إذ أنه نشأ عن اندلاع حريق في الفرن الذي يشغل الدور الأرضي وأن مسئولية الإصلاح تقع على عاتق المستأجرين دون مالكي العقار طبقاً للمادة 584 فقرة ثانية من القانون المدني وأنه لا محل للقول بأنه كان يتعين إخطار السكان بأنهم ملزمون بهذه الإصلاحات لأنهم يعلمون ذلك وقد تقدموا بالشكوى ضد صاحب المخبز الذي تسبب في الحريق أما التزام المؤجر بصيانة العين المؤجرة بإجراء الترميمات التي تظهر ضرورية أثناء مدة الانتفاع فقد فرضه القانون المدني الجديد دون القانون المدني القديم ومن ثم فلا قيام لهذا الالتزام إلا في عقود الإيجار التي أبرمت بعد 15/ 10/ 1949 بينما عقود إيجار العقار سابقة على هذا التاريخ كما أنه من المقرر إعفاء المؤجر من إجراء الترميمات الضرورية لصيانة العقار إذا كانت نفقاتها باهظة لا تتناسب مع الأجرة كما هو الحال في هذه الدعوى إلا أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع الجوهري.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما يخلص في أن المنزل رقم 6 بشارع الفضل بكوم الشقافة قد انهار على سكانه فقتل ثمانية منهم تحت الأنقاض كما أصيب بعض السكان وبعد أن أورد الحكم أقوال ملاك المنزل وسكانه وما تضمنته المعاينة والتقارير الطبية خلص إلى خطأ الطاعن بقوله "وحيث إن المحكمة تستخلص من مطالعة الأوراق أن المتهم الأول (الطاعن) يضع اليد على حوالي ثلث العقار المنهار استناداً إلى عقود بيع صادرة له بعضها عرفي وبعضها مسجل وأنه ينفرد بإدارة هذا العقار نيابة عن باقي الشركاء المشتاعين وقد أفصح عن ذلك المتهمان الثاني والثالث وأيدهما في قولهما هذا السيد إسماعيل وفتحية شحاتة أحمد وانشراح عبده مصطفى وفاطمة عبده مصطفى وإذ ظهر للجهة القائمة على أعمال التنظيم وجود تشريكات بالحوائط والسلم وتلفيات الأسقف ودرج السلم تقتضي إجراء ترميم عاجل له فقد أصدرت القرار رقم 21 لسنة 1966 بإجراء ترميم بالحوائط والسلم وتغيير الأسقف التالفة في خلال خمسة عشر يوماً وسلم المتهم الأول صورة من هذا القرار في 5/ 7/ 1966 إلا أنه أهمل في ذلك، ومن ثم فإنه يكون قد قارف خطأ جسيماً وقد ترتب على هذا الخطأ حالاً ومباشرة سقوط المنزل جميعه على قاطنيه فقتل ثمانية منهم هم السيدة محمد حسنين وأمينة علي السيد ولوزة محمود علي وأحمد علي السيد وأنور خليفة إبراهيم وسعاد عبد الحميد بركة وعبده عبد العال ومحمود أبو زيد محمود وأصيب كل من محمد نجيب إبراهيم ومرفت إبراهيم خليل وحمدي محمود علي بالإصابات الموضحة بالمحضر. وحيث إنه لما تقدم تكون الجريمة المنصوص عليها في المادة 238 عقوبات معدلة بالقانون 120 لسنة 1962 قد توافرت أركانها القانونية من خطأ تجمع بينها علاقة سببية مباشرة قبل المتهم الأول ويتعين لذلك عقابه طبقا لمواد الاتهام وعملاً بالمادة 304/ 2 أ. ج. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى وكانت المحكمة قد اطمأنت للأدلة السائغة التي أوردتها في حكمها، إلى أن الطاعن هو الذي كان قائماً بإدارة المنزل الذي انهار عل سكانه، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم عن أقوال المتهمين الثاني والثالث والشاهدتين انشراح عبده مصطفى وفاطمة عبده مصطفى له أساس من الأوراق كما يبين من أقوال الشاهد السيد إسماعيل بمحضر جلسة المحاكمة وأقوال الشاهدة فتحية شحاتة أحمد كما ذكرها الطاعن في تقرير طعنه أن ما نقله الحكم عنهما جاء مطابقاً لهذه الأقوال. لما كان ذلك، وكان المالك دون المستأجر هو المطالب بتعهد ملكه وموالاته بأعمال الصيانة والترميم فإذا قصر في ذلك كان مسئولاً عن الضرر الذي يصيب الغير بهذا التقصير، ولا يعفيه من المسئولية أن يكون المستأجر قد التزم قبله بأن يقوم بأعمال الترميم والصيانة اللازمة للعين المؤجرة إذ على المالك إخلاء لمسئوليته إزاء الغير أن يتحقق من قيام المستأجر بما التزم به في هذا الشأن وكان عدم إذعان المجني عليهم لطلب الإخلاء الموجه إليهم أو تراخي باقي الملاك عن إجراء الترميم لا ينفي عن الطاعن الخطأ المستوجب لمسئوليته عن الحادث، إذ يصح في القانون أن يكون الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث مشتركاً بين المتهم وغيره فلا ينفي خطأ أحدهما مسئولية الآخر. لما كان ذلك، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الحكم قد أثبت على الطاعن بأدلة سائغة أنه أهمل في ترميم المنزل على الرغم من إخطاره بقرار الترميم في 15 يوليو سنة 1966 مما يتوفر به الخطأ في حقه واستظهر في منطق سائغ رابطة السببية بين هذا الخطأ والضرر الذي أصاب المجني عليهم وأحاط بعناصر جريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما، وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن عدم اتخاذ جهة الإدارة إجراءات إخلاء المنزل فوراً من سكانه ذلك بأن تقدير وجوب هذا التدخل أو عدم وجوبه موكول للسلطة القائمة على أعمال التنظيم فإذا جاز القول بأن خطأها في هذا التقدير يعرضها للمسئولية من ناحية القانون العام فإن ذلك إنما يكون بوصفها سلطة عامة ذات شخصية اعتبارية من أخص واجباتها المحافظة على الأمن وعلى أرواح الناس، كما أنه بفرض قيام هذه المسئولية فإن هذا لا ينفي مسئولية الطاعن طالما أن الحكم قد أثبت قيامها في حقه. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن بأنه لا يدير المنزل متعلقاً بموضوع الدعوى مما لا تلتزم المحكمة بالرد عليه صراحة بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي عول عليها الحكم، وكان دفاع الطاعن بانتفاء مسئوليته عن الحادث لرفض السكان إخلاء المنزل وعدم التزامه بإجراء ترميمه هو دفاع ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب فلا يعيب الحكم التفاته عن الرد عليه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] نفس المبدأ مقرر في الطعن رقم 586 لسنة 38 ق جلسة 13 من مايو سنة 1968 السنة 19 ص 554.