أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 748

جلسة 19 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور خلف، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(152)
الطعن رقم 650 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) اختلاس. "أموال أميرية. أموال جمعيات خاصة". موظفون عموميون. أشخاص معنوية. مؤسسات عامة. جمعيات تعاونية. عقوبة. "تطبيقها". "العقوبة المبررة". ظروف مخففة.
(أ) انطباق حكم المادتين 112، 113 عقوبات على ما يرتكبه الأشخاص المذكورون في المادة 111/ 6 عقوبات من أفعال تؤثمها أي من هاتين المادتين.
الجمعية التعاونية التي تساهم فيها الدولة أو أحد الأشخاص العامة. هي منشأة تنطبق على العاملين فيها المادة 111/ 6 عقوبات.
مساواة المشرع بين أموال الوحدات الاقتصادية التابعة للأشخاص المعنوية العامة وبين أموال هذه الأشخاص وأموال الدولة.
سريان المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات على العاملين بالجمعيات التعاونية المملوكة جميعها للأفراد، ولو كانت خاضعة لإشراف إحدى الجهات الحكومية أو المؤسسات العامة.
(ب) خطأ الحكم في اعتبار الجمعية التعاونية الزراعية المملوكة للأفراد ذات نفع عام وفي عد إمدادها بالقروض من جانب الدولة أو إشراف الإصلاح الزراعي عليها مؤذناً بانطباق المادة 113/ 1 عقوبات على سكرتير مجلس إدارة الجمعية المتهم بالاختلاس. يبرره أن العقوبة التي أوقعها تدخل في نطاق عقوبة المادة 113 مكرراً عقوبات الواجبة التطبيق على واقعة الاتهام.
(ج) المرجع في تقدير العقوبة إلى ذات الواقعة التي قارفها الجاني. لا إلى الوصف القانوني الذي تسبغه المحكمة عليها.
إعمال المحكمة حقها في أخذ الجاني بالرأفة وفق المادة 17 عقوبات. مراعاة تقدير العقوبة متناسبة مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف.
(د) اختلاس. "أموال جمعيات خاصة". جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
متى تتحقق جناية الاستيلاء على المال بغير حق المنصوص عليها في المادة 113 مكرراً عقوبات؟
(هـ) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. موضوعي.
أخذ المحكمة بتقرير الخبير. مفاده أن ما وجه إليه من مطاعن لا يستحق الالتفات إليها.
الجدل الموضوعي. لا شأن لمحكمة النقض به.
1 - إن الفقرة السادسة والأخيرة من المادة 111 من قانون العقوبات التي أضيفت بالقانون رقم 120 لسنة 1962 قد نصت على أن يعد في حكم الموظفين "أعضاء مجلس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والهيئات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت" ومفاد هذا النص انطباق حكم المادتين 112 و113 من قانون العقوبات على ما يرتكبه الأشخاص المذكورون به من أفعال تؤثمها أي من هاتين المادتين. وإذ كان ذلك، وكانت القوانين الصادرة في شأن المؤسسات العامة وهي القوانين 263 لسنة 1960، 60 لسنة 1963، 32 لسنة 1966 قد خولت جميعها للمؤسسات العامة سلطة إنشاء جمعيات تعاونية تعد وحدة اقتصادية تابعة لها، فإنه يجب التمييز بينها وبين الجمعيات التعاونية التي يمتلك الأفراد وحدهم أموالها. أما النوع الأول فيندرج تحت مدلول المنشآت التي تساهم الهيئات العامة في مالها بنصيب والتي نصت الفقرة الأخيرة من المادة 111 من قانون العقوبات على اعتبار العاملين فيها في حكم الموظفين العموميين، ولا يقدح في ذلك أن تكون الفقرة الأخيرة من المادة السالفة الذكر لم تتضمن النص صراحة على الجمعيات التعاونية وذلك بأنه فضلاً عن أن الجمعية التعاونية إن هي إلا منشأة وقد نص القانون على موظفي المنشآت، فإن النصوص تكمل بعضها البعض وقد استهدف الشارع من تعديل قانون العقوبات بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الحفاظ على أموال الدولة والأشخاص المعنوية العامة كالمؤسسات العامة وسوى بين أموالها وبين أموال الوحدات الاقتصادية التابعة لها ما دامت تملك أموالها بمفردها أو تساهم في مالها بنصيب ما. أما الجمعيات التعاونية المملوكة جميعها للأفراد فهي وحدها التي يسري عليها نص المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات التي أضيفت بالقانون 120 لسنة 1962 والتي استحدث فيها المشرع عقوبة جديدة يقضي بها على العاملين في بعض المشروعات الخاصة الواردة على سبيل الحصر، بعقوبة أشد جسامة مما لو تركهم للقواعد العامة إذا ما اقترفوا الفعل المادي المنصوص عليه في المادتين 112، 113 من قانون العقوبات وتسري المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات على العاملين في تلك المشروعات ولو كانت تخضع لإشراف إحدى الجهات الحكومية أو المؤسسات العامة ما دام أن الإشراف يقتصر على مراقبة أعمالها ولا يمتد إلى حد المساهمة في رأس المال.
2 - متى كان الحكم المطعون فيه قد قام على تقريرات قانونية خاطئة، سواء حين اعتبر الجمعية المجني عليها ذات نفع عام أو حين عد إمدادها بالقروض أو إشراف الإصلاح الزراعي عليها مؤذناً بانطباق حكم المادة 113/ 1 من قانون العقوبات على الطاعن بوصفه سكرتير مجلس إدارتها أو اعتبار الطاعن من المكلفين بخدمة عمومية، وكان التطبيق الصحيح للقانون على هدى ما سلف بيانه هو أن المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات بما نصت عليه في فقرتها الأولى من أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين كل عضو بمجلس إدارة إحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام وكذلك كل مدير أو مستخدم في إحداها اختلس أموالاً أو أوراقاً أو أمتعة أو غيرها مسلمة إليه بسبب وظيفته أو استولى بغير حق على مالها أو سهل ذلك لغيره" هي التي ينطبق حكمها على واقعة الدعوى على ما صار إليه مؤدى ما حصله الحكم عنها، وإذ كان الطاعن لم ينازع في سلامة هذا النظر، وكانت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة لتلك المادة، فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره من نعي بشأن خطأ الحكم في تكييف المركز القانوني للجمعية أو لمركزه فيها وانحسار الوظيفة العامة عنه وهو المسلم بأنه سكرتير مجلس إدارتها.
3 - إن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تسبغه المحكمة عليها، وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف.
4 - جناية الاستيلاء بغير حق على مال مما نص عليه في المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات تتحقق بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه، ولا مراء في أن ما أتاه الطاعن للحصول على العلف المستولى عليه من اصطناع المحررات المزورة قد انطوى على حيلة توصل بها إلى الاستيلاء عليه وحرمان الجمعية المجني عليها منه، ولم يكن أداء الثمن - في خصوص واقعة الدعوى - إلا وسيلة للوصول إلى الاستيلاء على العلف بغير حق.
5 - مرجع الأمر في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات إلى محكمة الموضوع، وأن لهذه المحكمة كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير والأخذ بما ترتاح إليه منها لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يومي 13 و31/ 3/ 1964 بدائرة مركز كفر الشيخ محافظة كفر الشيخ: (أولاً) وهو سكرتير مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية بناحية العباسية الموضوعة تحت رقابة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي استولى بغير حق على كمية العلف المصنع المبينة الوصف والقيمة بالتحقيقات والمملوكة لبنك التسليف الزراعي والتعاوني (ثانياً): ارتكب تزويراً في محررين من محررات الجمعية التعاونية الزراعية سالفة الذكر هما سركي السلف رقمي 441298 و441299 - من محررات الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وذلك بطريق الاصطناع ووضع إمضاءات وأختام وبصمات مزورة بأن أدرج بنموذج كل من السركيين المزورين أسماء أشخاص وأدرج قرين كل اسم عدد الماشية المملوكة له وكمية العلف اللازمة لها ووقع كل منها بتوقيع أو بصمة ختم أو إصبع مزورة عليه في الخانة المعدة للتوقيع بما يفيد استلام كمية العلف المخصصة لصاحب التوقيع أو البصمة وذلك على خلاف الحقيقة (ثالثاً): ارتكب تزويراً في محرر من محررات الجمعية التعاونية الزراعية سالفة الذكر في التهمة الأولى هو محضر جلس مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية بالعباسية رقم 13 المؤرخ 13/ 3/ 1964 والذي يختص بتحريره والتوقيع عليه موظف بالهيئة العامة للإصلاح الزراعي هو مشرف الجمعية المعين من قبل الهيئة العامة المذكورة وذلك بطريق الاصطناع ووضع إمضاءات مزورة عليه لأعضاء مجلس إدارة الجمعية بأن حرر محضراً أثبت فيه على خلاف الحقيقة اجتماع مجلس الإدارة وموافقته بالإجماع على صرف كمية العلف المصنع المستولى عليها في التهمة الأولى وتفويض مدير الجمعية في استلام العلف المذكور وتسليمه للأعضاء ووقع على المحضر المزور بتوقيعات مزوره منسوبة لعضوي مجلس إدارة الجمعية عبد العزيز أمين وعبد الحميد الدسوقي سعفان (رابعاً): استعمل المحررات المزورة سالفة الذكر في التهمتين السابقتين بأن قدمها للمشرف الزراعي للجمعية للتوقيع عليها واعتمادها كما قدم محضر الجلسة المزور لمفتش الزراعة لختمه بخاتم الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لاستلام كمية العلف المدرجة به من بنك التسليف الزراعي مع علمه بتزويرها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 111/ 1 - 5 - 6 و113/ 1 و118 و119 و214/ 1 - 2 مكرر من قانون العقوبات، فصدر قراره بذلك. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت عملاً بمواد الاتهام والمادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ خمسمائة جنيه وعزله من وظيفته. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بوصفه سكرتير مجلس إدارة جمعية تعاونية زراعية، بجرائم الاستيلاء على مال مملوك لها وتزوير في محرراتها واستعمال هذه المحررات قد أخطأ في تطبيق القانون وران عليه القصور والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن لخطأ الحكم في القانون وجهين أولهما أنه اعتبر الجمعية من الجهات ذات النفع العام، وأن الطاعن من الموظفين العموميين طبقاً لنص الفقرتين الأولى والسادسة من المادة 111 من قانون العقوبات، تأسيساً على مجرد إشراف الدولة على الجمعية ومدها بالقروض، مع أن الجمعيات التعاونية ليست من المصالح المشار إليها في الفقرة الأولى وليس كل إشراف يتحقق به معنى الرقابة المشار إليها في هذا النص، فضلاً عن أن مساهمة الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مال الجمعية طبقاً لنص الفقرة السادسة من المادة المذكورة لا تتحقق بمجرد مد الجمعية بالقروض على ما انتهى إليه الحكم. والوجه الثاني أن الحكم دان الطاعن بالاستيلاء على العلف على الرغم من سداده كامل ثمنه قبل استلامه من بنك التسليف فلم يضع شيء على رب هذا المال، ولا يغير من ذلك ما قال به الحكم من مخالفة الطاعن لقيود التموين المنظمة لصرف العلف لأنها مخالفة لا توفر أركان الجريمة. أما القصور وفساد الاستدلال فيراهما الطاعن ماثلين في أن الحكم لم يبين كيف أن مخالفة قيود التموين توفر جريمة الاستيلاء على العلف رغم سداده ثمنه، وفي التفات الحكم عما أثاره الطاعن حول تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من إطلاقه القول بأن جميع التوقيعات مزورة بخط الطاعن رغم إقرار بعض أصحاب التوقيعات بصحتها، ومن أن الخبير لم ينتظر ورود استكتاب الطاعن الذي طلبه، حتى تكتمل له عناصر الفحص، كما لم يلق الحكم بالاً لما قال به الكثير من شهود الإثبات ومنهم المشرف ومفتش الزراعة من أن الأوراق المقول بتزويرها جاءتهم من أعضاء الجمعية لا عن طريق الطاعن وبذلك كله يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن - وهو سكرتير مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية بالعباسية اصطنع ثلاثة محررات من محرراتها هي محضر جلسة بالموافقة على صرف كمية من علف الكسب من بنك التسليف لتسليمها للأعضاء وتفويض مدير الجمعية في الاستلام من البنك، وسركيان أثبت الطاعن فيهما أسماء بعض أعضاء الجمعية وتوقيعاتهم باستلام كمية العلف، وبعد أن استوقع الطاعن مدير الجمعية أثناء وجوده ببنك التسليف على الاستلام قام هو بدفع الثمن واستلام الكمية حيث وجهها وجهة أخرى غير الجمعية التعاونية الزراعية صاحبة الحق فيها. وبعد أن أورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة لديه على هذا النحو أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، عرض لدفاع الطاعن القائم على أنه لا يعد من بين المستخدمين في المصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة المنصوص عليهم في الفقرة الأولى من المادة 111 من قانون العقوبات التي قام عليها الاتهام، كما أن الدولة لا تساهم في مال الجمعية بنصيب حتى يطبق في شأنه نص المادة 113/ 1 من القانون المذكور فضلاً عن أن الاستيلاء على العلف لم يكن بغير حق بعد ثبوت أداء الطاعن لثمنه. وبعد أن عرض الحكم لما تقدم خلص إلى إطراحه وأدان الطاعن على سند من نص الفقرات الأولى والخامسة والسادسة من المادة 111 والمادة 113/ 1 من قانون العقوبات، ذاهباً في تأييد هذا القضاء إلى أن الجمعية التعاونية هي إحدى الجهات ذات النفع العام وهي خاضعة لرقابة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وأن الطاعن من أعضاء مجلس إدارة جمعية تمدها الدولة بالقروض واحتياجاتها الزراعية عن طريق بنك التسليف وهو إمداد تتمثل به مساهمة الدولة أو إحدى المؤسسات في مال الجمعية بنصيب، وفضلاً عن ذلك فإن الطاعن يعتبر بحكم عمله من الأشخاص المكلفين بخدمة عمومية. وإذ عرض الحكم لأمر سداد ثمن العلف فقد خلص إلى أن هذا السداد لا يجعل الطاعن صاحب حق فى الاستيلاء عليه لأن القانون يحرم تداوله إلا على الجمعيات التعاونية الزراعية وأعضائها فقط. لما كان ذلك، وكانت الفقرة السادسة والأخيرة من المادة 111 من قانون العقوبات التي أضيفت بالقانون رقم 120 لسنة 1962 قد نصت على أن "يعد في حكم الموظفين أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والهيئات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت" فإن مفاد هذا النص انطباق حكم المادتين 112 أو 113 من قانون العقوبات على ما يرتكبه الأشخاص المذكورون به من أفعال تؤثمها أي من هاتين المادتين، ولما كانت القوانين الصادرة في شأن المؤسسات العامة وهي القوانين رقم 267 لسنة 1960، ورقم 60 لسنة 1963 ورقم 32 لسنة 1966 قد خولت جميعها للمؤسسات العامة سلطة إنشاء جمعيات تعاونية تعد وحدة اقتصادية تابعة لها، فإنه يجب التمييز بينها وبين الجمعيات التعاونية التي يمتلك الأفراد وحدهم أموالها. أما النوع الأول فيندرج تحت مدلول المنشآت التي تساهم الهيئات العامة في مالها بنصيب والتي نصت الفقرة الأخيرة من المادة 111 من قانون العقوبات على اعتبار العاملين فيها في حكم الموظفين العموميين، ولا يقدح في ذلك أن تكون الفقرة الأخيرة من المادة سالفة الذكر لم تتضمن النص صراحة على موظفي الجمعيات التعاونية ذلك بأنه فضلاً عن أن الجمعية التعاونية إن هي إلا منشأة وقد نص القانون على موظفي المنشآت، فإن النصوص تكمل بعضها البعض وقد استهدف الشارع من تعديل قانون العقوبات بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الحفاظ على أموال الدولة والأشخاص المعنوية العامة كالمؤسسات العامة وسوى بين أموالها وبين أموال الوحدات الاقتصادية التابعة لها ما دامت تملك أموالها بمفردها أو تساهم في مالها بنصيب ما، أما الجمعيات التعاونية المملوكة جميعها للأفراد فهي وحدها التي يسري عليها نص المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات التي أضيفت بالقانون رقم 120 لسنة 1962 والتي استحدث فيها المشروع عقوبة جديدة يقضى بها على العاملين في بعض المشروعات الخاصة الواردة على سبيل الحصر بعقوبة أشد جسامة مما لو تركهم والقواعد العامة إذا ما اقترفوا الفعل المادي المنصوص عليه في المادتين 112 و113 من قانون العقوبات، وعلة تشديد العقوبة في هذه الحالة على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية المصاحبة للقانون أن أموال هذه المشروعات وإن كانت أموالاً خاصة، إلا أن اتصالها الدقيق بالاقتصاد القومي للبلاد يقتضي من الشارع رعاية أوفى - وتسري المادة 113 مكرراً على العاملين في تلك المشروعات ولو كانت تخضع لإشراف إحدى الجهات الحكومية أو المؤسسات العامة ما دام أن الإشراف يقتصر على مراقبة أعمالها ولا يمتد إلى حد المساهمة في رأس المال. ولما كان مفاد ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد قام على تقريرات قانونية خاطئة سواء حين اعتبر الجمعية ذات نفع عام أو حين عد إمدادها بالقروض أو إشراف الإصلاح الزراعي عليها مؤذناً بانطباق حكم المادة 113/ 1 من قانون العقوبات على الطاعن بوصفه سكرتير مجلس إدارتها أو اعتبار الطاعن من المكلفين بخدمة عمومية، وكان التطبيق الصحيح للقانون على هدي ما سلف بيانه هو أن المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات بما نصت عليه في فقرتها الأولى من أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين كل عضو بمجلس إدارة إحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات التعاونية المعتبرة قانوناً ذات نفع عام وكذلك كل مدير أو مستخدم في إحداها اختلس أموالاً أو أوراقاً أو أمتعة أو غيرها مسلمة إليه بسبب وظيفته أو استولى بغير حق على مال لها أو سهل ذلك لغيره هي التي ينطبق حكمها على واقعة الدعوى على ما صار إليه مؤدى ما حصله الحكم عنها، وإذ كان الطاعن لم ينازع في سلامة هذا النظر، وكانت العقوبة الموقعة على الطاعن تدخل في الحدود المقررة لتلك المادة فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره من نعي بشأن خطأ الحكم في تكييف المركز القانوني للجمعية أو لمركزه فيها وانحسار الوظيفة العامة عنه وهو المسلم بأنه سكرتير مجلس إدارتها ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة إذ أن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تسبغه المحكمة عليها وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن سداد ثمن العلف مردوداً بأن جناية الاستيلاء بغير حق على مال مما نص عليه في المادة 113 مكرراً من قانون العقوبات تتحقق بمجرد حصول الاستيلاء عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه، ولا مراء في أن ما أتاه الطاعن للحصول على العلف من اصطناع المحررات المزورة قد انطوى على حيلة توصل بها إلى الاستيلاء عليه وحرمان الجمعية منه، ولم يكن أداء الثمن في خصوص واقعة الدعوى إلا وسيلة للوصول إلى الاستيلاء على العلف بغير حق. لما كان ذلك، وكانت دعوى القصور في الرد على ما نعاه الطاعن على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير مردوداً بأنه لما كان مرجع الأمر في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع، وأن لهذه المحكمة كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير والأخذ بما ترتاح إليه منها لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.