أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 780

جلسة 26 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(157)
الطعن رقم 651 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) سبق إصرار. اتفاق. قتل عمد. "قصد القتل". قصد جنائي. "القصد الخاص". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) سبق الإصرار. ماهيته؟ لا تعارض بين نفي الحكم قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين وبين ثبوت اتفاقهم على الاعتداء على المجني عليهم. مساءلتهم عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليهم تنفيذاً لهذا الاتفاق دون تحديد محدث الإصابات التي أدت إلى وفاتهم. لا خطأ.
(ب) قصد القتل. ماهيته؟ استخلاصه أمر موضوعي.
(ج، د) إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الأدلة".
(ج) التناقض في أقوال الشهود لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة استخلاصاً سائغاً.
(د) تقدير أدلة الدعوى من إطلاقات محكمة الموضوع.
(هـ) نقض. "ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام".
عدم جواز الطعن بالنقض في الأحكام الغيابية الصادرة من محكمة الجنايات. من المحكوم عليه.
1 - لا تعارض بين ما قاله الحكم حين نفى قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين - وهو تدبر ارتكاب الجريمة والتفكير فيها تفكيراً هادئاً لا يخالطه اضطراب مشاعر ولا انفعال نفسي - وبين ثبوت اتفاقهم على الاعتداء على المجني عليهم وظهورهم سوياً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليهم على النحو الذي ساقه الحكم، ومن ثم فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي آخذت الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليهم تنفيذاً لهذا الاتفاق دون تحديد محدث الإصابات التي أدت إلى وفاتهم بناء على ما اقتنعت به للأسباب السائغة التي أوردتها من أن اتفاقهم قد أنتج النتيجة التي قصدوا إحداثها وهي الوفاة، وبالتالي فقد انحسرت عن الحكم دعوى التناقض أو الخطأ في تطبيق القانون.
2 - قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
3 - التناقض في أقوال الشهود لا ينال من سلامة الحكم متى استخلص منها الإدانة استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه.
4 - تقدير أدلة الدعوى من إطلاقات محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة شاهد، فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي تساق لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - لا تجيز المادة 33 من القانون رقم 57 لسنة 1959 للمحكوم عليه الطعن بالنقض في الأحكام الغيابية الصادرة من محكمة الجنايات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 11 أغسطس سنة 1963 بدائرة مركز إمبابة محافظة الجيزة: (أولاً) المتهمون الأول والثاني والثالث: قتلوا عمداً ومع سبق الإصرار يوسف السجيني وذلك بأن بيتوا النية على قتله وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته (ثانياً) المتهم الأول أيضاً: 1 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً (بندقية انفيلد) 2 - أحرز ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له به. (ثالثاً) المتهم الرابع 1 - شرع في قتل عاشور عبد الحفيظ أحمد علي وعبد الحفيظ أحمد علي وحكمت محروس أحمد علي ومحروس أحمد علي عمداً ومع سبق الإصرار وذلك بأن بيت النية على قتلهم وصعد إلى سطح منزله وما أن أبصر بهم في صحن دارهم حتى أطلق عليهم النار قاصداً من ذلك قتلهم فأحدث بهم الإصابات المبينة بالتقارير الطبية وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليهم بالعلاج 2 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن 3 - أحرز ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له به (رابعاً) المتهمون الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع: 1 - قتلوا عمداً ومع سبق الإصرار نبوية علي عطية وعبد الفتاح علي عطية وعلي عطية وخليفة إبراهيم الشرقاوي وكرم بدر علي وكريمة بدر علي وذلك بأن بيتوا النية على قتلهم وتوجهوا إلى منزلهم واقتحموه وما أن ظفروا بهم حتى انهالوا عليهم بإطلاق النيران والضرب بأدوات راضة وأخرى حادة قاصدين من ذلك قتلهم فأحدثوا بهم الإصابات المبينة بتقارير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهم 2- أحدثوا عمداً ومع سبق الإصرار بعبد العزيز بدر علي الإصابة المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً (خامساً) المتهم الثامن أيضاً: أحرز ذخيرة مما تستعمل في الأسلحة النارية دون أن يكون مرخصاً له في حمل السلاح وإحرازه (سادساً) المتهمان العاشر والحادي عشر: 1 - أحرزا بدون ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً (طبنجة) 2 - أحرزا ذخيرة مما تستعمل في الأسلحة النارية دون أن يكون مرخصاً لهما بإحرازها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت غيابياً للمتهم الخامس وحضورياً للباقين عملاً بالمادتين 304/ 1 و381 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والثالث والرابع والمادتين 234/ 1 و242/ 1 بالنسبة إلى المتهمين الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والمادتين 304/ 1 و381 من قانون الإجراءات الجنائية مع تطبيق المادة 30/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم العاشر والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 بالنسبة إلى المتهمين الأول والثامن والحادية عشر مع تطبيق المادتين 17 و32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمة الأخيرة (أولاً) بمعاقبة المتهمة الحادية عشرة بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم (ثانياً) ببراءة المتهم العاشر مما أسند إليه (ثالثاً) بمعاقبة كل من المتهمين من الخامس إلى التاسع (الطاعنين) بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات (رابعاً) بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عن جريمة إحراز السلاح (خامساً) ببراءة المتهم الرابع مما أسند إليه (سادساً) ببراءة كل من المتهمين الثلاثة الأول عن جريمة القتل (سابعاً) مصادرة الأسلحة والذخائر المضبوطة. فطعن المحكوم عليهم السادس والسابع والثامن والتاسع في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الخامس لم يقرر بالطعن واقتصر على إرسال مذكرة بأسباب طعنه موقعاً عليها منه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر غيابياً بالنسبة إليه، وكانت المادة 33 من القانون رقم 57 لسنة 1959 لا تجيز للمحكوم عليه الطعن بالنقض في الأحكام الغيابية الصادرة من محكمة الجنايات فإن طعنه يكون غير جائز.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعنين الأربعة الأول قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى ما ينعاه هؤلاء الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة القتل العمد قد شابه تناقض وقصور في التسبيب وفساد فى الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه على الرغم من استبعاد الحكم ظرف سبق الإصرار على سند من أن الحادث وقع لساعته دون تفكير أو روية وإعمال رأي، وهو نظر مؤداه عدم إمكان إسناد فعل محدد إلى أي من الطاعنين، إذا به يعود فيقرر أن الحادث وقع نتيجة اتفاق بين الطاعنين ويسائلهم جميعاً عن كل الأفعال مجتمعة. وفضلاً عن ذلك فقد راح الحكم يدلل على نية القتل لدى الطاعنين بعبارات إجمالية عامة لا تصلح لثبوت توافرها ويضيف الطاعنون أنه مما يشير إلى التناقض وفساد الاستدلال اعتماد الحكم على أقوال شاهدات الرؤية ذوات الروايات المتعددة التي انطوت فضلاً عن تناقضها في كيفية ارتكاب الحاث - على نفي بعض الشاهدات وجود البعض الآخر منهن في مكان الحادث، وبذلك كله يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بارتكابها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن أورد دفاع الطاعنين القائم على تجريح أقوال شاهدات الدعوى واختلافهن فيها، وعلى عدم توافر ظرف سبق الإصرار وما يترتب على ذلك من عدم إمكان تحديد فعل معين بالنسبة إلى كل طاعن، خلص إلى الكشف عن مبررات اطمئنانه لأقوال الشاهدات، وراح يطرح ظرف سبق الإصرار ويثبت قيام الاتفاق بين الطاعنين وتوافر نية القتل لديهم في قوله. "حيث إنه لا جدال في أن الحادث وقع لساعته دون تفكير أو روية وإعمال رأي وذلك بعد سماع انطلاق الأعيرة بالقرية فثارت النفوس واستيقظت الأحقاد - واندفع الجناة واقتحموا المنزل وهذا جميعه ينفي الوصف الوارد بتقرير الاتهام ويسقط قيام ركن سبق الإصرار. وأنه قد ثبت من أقوال الشهود دخول الجناة جميعاً إلى المنزل واقتحامهم إياه على أثر سماع انطلاق الأعيرة النارية وسقوط أحد أفراد عائلتهم قتيلاً وقد تسلحوا بالأسلحة النارية "البنادق" والبلط ولما ظفروا بأهل هذه الدار وهو من شيعة بغيضة على أنفسهم لثأر بينهما فانهالوا جميعاً عليهم ضرباً بما يحملون من أسلحة نارية وأدوات ضاربة دون تفرقة أو تمييز بين الطفل والغلام والشاب والكهل والمرأة والرجل وقد جمعت بين الجناة فكرة إجرامية واحدة واتحاد عزمهم ورأيهم على فكرة الاعتداء فنشأت الجريمة ووقعت من عصبة المعتدين في وقت واحد - وتستمد المحكمة قيام الاتفاق بين المتهمين الخمسة على الاعتداء من توجههم معاً في وقت واحد واقتحامهم المنزل وكل يحمل أسلحة قاتلة سواء في ذلك بنادق أو بلط - ثم مما جاء بأقوال الشهود بأن الجناة انهالوا ضرباً على القتلى وتقتيلاً مما يقطع بتوافر الفكرة الإجرامية المتحدة عندهم في وقت واحد واتحادهم جميعاً على فكرة الاعتداء واتفاقهم على القيام به مما يجعل الجميع مسئولين عن وقائع القتل العمد مجتمعة. وحيث إنه لا جدال في توافر نية القتل وإزهاق الروح لدى الجناة جميعاً ذلك من طبيعة الاعتداء وطريقة القتل والتقتيل وتتابع الإصابات وتنوعها والآلات المستعملة وقيام الضغن في النفوس والحقد الذي أثارته الخصومات كل ذلك يقطع بتوافر نية القتل وإزهاق الروح لدى الجناة جميعا". لما كان ذلك، وكان لا تعارض بين ما قاله الحكم حين نفى قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين - وهو تدبر ارتكاب الجريمة والتفكير فيها تفكيراً هادئاً لا يخالطه اضطراب مشاعر ولا انفعال نفس - وبين ثبوت اتفاقهم على الاعتداء على المجني عليهم وظهورهم سوياً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليهم على النحو الذي ساقه الحكم فيما تقدم، ومن ثم فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي آخذت الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليهم تنفيذاً لهذا الاتفاق دون تحديد محدث الإصابات التي أدت إلى وفاتهم بناء على ما اقتنعت به للأسباب السائغة التي أوردتها من أن اتفاقهم قد أنتج النتيجة التي قصدوا إحداثها وهي الوفاة وبالتالي فقد انحصرت عن الحكم دعوى التناقض أو الخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان ما أورده الحكم في استظهار ثبوت قصد القتل لدى الطاعنين هو مما يكفي ويسوغ به الاستدلال عليه، وليس صحيحاً ما قال به الطاعنون من أن الحكم قد عرض لهذا القصد في عبارات إجمالية مبهمة، ذلك بأنه يبين مما سلف إيراده من مدونات الحكم المطعون فيه، أنها تكشف عن استيعاب الحكم لكل العناصر المؤدية إلى سلامة هذا الاستدلال، ومن ثم يكون النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان التناقض في أقوال الشهود - بفرض قيامه - لا ينال من سلامة الحكم متى استخلص منها الإدانة استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه، وكان تقدير أدلة الدعوى من إطلاقات محكمة الموضوع ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي تساق لحملها على عدم الأخذ بها. ولما كان الحكم قد أورد ما تساند إليه من أقوال شاهدات الإثبات بما لا شبهة فيه لأي تناقض، فإن ما يثيره الطاعنون من ذلك لا يكون مقبولاً، وينحل دعواهم بفساد استدلال الحكم بتلك الأقوال إلى مجرد جدل موضوعي في سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.