أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 802

جلسة 2 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عباس العمراوي، ومحمود كامل عطيفة، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(160)
الطعن رقم 192 لسنة 39 القضائية

(أ) محكمة إعادة المحاكمة. "سلطتها". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". طعن. "الطعن بالنقض". قتل عمد.
عدم تقيد محكمة الإعادة بما ورد في الحكم المنقوض وفي حكم النقض في شأن تقدير وقائع الدعوى. مخالفة قضاء الإعادة لحكم النقض. عدم اعتبارها بذاتها وجهاً للطعن.
(ب، ج، د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(ب) كفاية الشك في صحة إسناد التهمة للقضاء ببراءة المتهم. ما دام أن الحكم قد أورد واقعة الدعوى وأدلة الاتهام وأفصح عن عدم اطمئنانه إليها.
(ج) التقارير الطبية في ذاتها. لا تدل على وقوع الحادث من المتهم. هي دليل مؤيد لأقوال الشهود. صحة التفات الحكم عن طلب مناقشة الطبيب الشرعي لبيان ما إذا كانت إصابة المدعى المدني تحدث وفق تصوير الشهود، ما دام أن الحكم لم يأخذ بهذا التصوير.
(د) انحسار دعوى مخالفة الثابت بالأوراق عن الحكم. متى كان لقضائه سند منها.
(هـ) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". طعن. "الطعن بالنقض".
الجدل الموضوعي حول تقدير الأدلة. غير مقبول أمام النقض.
1 - الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة إعادة المحاكمة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض، فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها، وإذ كان ذلك وكان الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لمجرد مخالفته قضاء محكمة النقض، وكانت هذه المخالفة - بفرض وقوعها - لا يصح أن تكون بذاتها وجهاً للطعن على الحكم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً.
2 - يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم إنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة. ومتى كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد واقعة الدعوى وأدلة الاتهام ثم أفصح - من بعد - عن عدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت للأسباب السائغة التي أوردها والتي تكفي لحمل النتيجة التي خلص إليها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.
3 - التقارير الطبية وإن كانت لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهم - إلا أنها تصلح كدليل مؤيد لأقوال الشهود في هذا الخصوص [(1)]، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر ما ساوره من شك في أقوال الشهود، فإنه لا يعيبه التفاته عن طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته فيما إذا كانت إصابة الطاعن تحدث وفق تصوير الشهود؛ ما دام لم يأخذ بهذا التصوير، وبذلك ينحسر عنه عيب الإخلال بحق الدفاع.
4 - متى كان ما أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه له سند من الأوراق، فإن ذلك ينفي عنه دعوى مخالفة الثابت في الأوراق.
5 - الجدل الموضوعي حول تقدير أدلة الدعوى، مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1)...... و(2)...... (الطاعنين) و(3)...... بأنهم في يوم 14 مايو سنة 1965 بدائرة مركز المنشاة محافظة سوهاج: المتهم الأول: (أولاً) شرع في قتل محمود أحمد السيد عمداً بأن أطلق عليه مقذوفاً نارياً من مسدس كان يحمله قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج: (ثانياً) أحرز ذخيرة "طلقة" مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازة أو إحراز السلاح. المتهم الثاني: ضرب محمد فراج علاوى عمداً بفأس على رأسه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمى كامل بأيسر العظم الجبهى ولا ينتظر أن يملأ بعظام بل بنسيج ليفي مما يجعل المخ أكثر تعرضاً للتغيرات الجوية والصدمات البسيطة كما يجعله عرضة لمضاعفات خطيرة محتملة كالتهاب السحايا وخراج المخ وضربات الشمس والصرع والشلل والجنون مما يقلل من قدرة المصاب على العمل مما يتعذر تقديره بنسبة مئوية. المتهم الثالث: ضرب عمداً محمود أحمد السيد فأحدث به إصابته الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 45 و46 و234/ 1 و247/ 1 و242/ 1 عقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول 3 المرفق. فقرر بذلك، وادعى محمود أحمد السيد مدنياً قبل المتهمين الأول والثالث بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت كما ادعى محمد فراج علاوى مدنياً قبل المتهم الثاني بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج عدلت وصف التهمة الأولى المسندة إلى المتهم الأول من شروع في قتل إلى أنه أحدث عمداً بالمجني عليه محمود أحمد السيد الجرح الموصوف بالتقرير الطبي الشرعي والذي نشأ عنه قطع عضو "بتر ساقه". وقضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 240/ 1 و17 و32/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق بالنسبة إلى المتهم الأول والمادة 240/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني والمادة 242/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثالث (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما أسند إلى كل منهما (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثالث بتغريمه خمسة جنيهات (ثالثاً) بإلزام المتهم الأول....... دفع مبلغ خمسة وتسعين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت للمدعي بالحقوق المدنية محمود أحمد السيد والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة: (رابعاً) بإلزام المتهم الثالث....... على أن يدفع مبلغ خمسة جنيهات على سبيل التعويض المؤقت للمدعى بالحقوق المدنية محمود أحمد السيد والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة: (خامساً) إلزام المتهم الثاني...... أن يدفع للمدعى بالحقوق المدنية محمد فراج علاوى مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية ومبلغ خمسة جنيهات أتعابا للمحاماة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض. وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى الطاعنين وإحالة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى وإلزام المطعون ضدهما المصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات سوهاج قضت في الدعوى من جديد حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما وإلزام كل منهما مصاريف دعواه المدنية ومبلغ جنيهين لكل أتعاباً للمحاماة. فطعن عبد اللاه أحمد السيد بتوكيل عن شقيقه محمود أحمد السيد المدعى بالحقوق المدنية للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن - المدعى بالحقوق المدنية - ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إحداث عاهة مستديمة ورفض الدعوى المدنية قبله قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال وانطوى على مخالفة الثابت بالأوراق ذلك بأن المحكمة قضت في الدعوى دون أن تناقش الطبيب الشرعي مع أن نقض الحكم الأول كان لهذا السبب. كما أن المحكمة لم تعن بتحقيق ما طلبه المدافع عن الطاعن من استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته على الرغم من أهمية هذا الطلب للفصل في الدعوى. وقضى الحكم برفض الدعوى المدنية المرفوعة من الطاعن تأسيساً على أن هذا الأخير قد تضارب في أقواله وتناقض مع أقوال من أشهدهم من الشهود مع أن أقوال الطاعن لا تناقض فيها وتتفق وأقوال أولئك الشهود. كما ذهب الحكم إلى أن أقوال الطاعن تناقضت مع أقوال شهود الإثبات مع أن الثابت من الأوراق أن أقواله تتفق وأقوال الشهود المذكورين وقد أيدها التقرير الطبي الشرعي وهو ما يوفر مسئولية المطعون ضده عن بتر ساق الطاعن، غير أن المحكمة نفت مسئولية المطعون ضده عن هذا الإصابة مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام واستعرض أقوال الشهود عليها خلص إلى قوله "فإن المحكمة ترى من كل هذا ونظراً لأنه من المقطوع به أن عياراً واحد هو الذي انطلق بالمعركة فأصاب المجني عليه ونظراً للاحتمال الكبير في أن يكون العيار المذكور قد أطلقه..... ونظراً لأن الضغائن بين الطرفين تحيط أقوال المجني عليه وشهوده - على ما سبق بيانه وتضاربها - بظلال من الشك لمظنة التحامل الذي ينأى بها عن الصدق في رواية الحادث على حقيقته فإن المحكمة بإزاء كل هذا ولما تحسه من شك في صحة التهمة المسندة إلى المتهم الأول (المطعون ضده) جميعها تقضي ببراءته منها عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية." لما كان ذلك، وكان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة إعادة المحاكمة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها. ولما كان الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لمجرد مخالفته قضاء محكمة النقض. وكانت هذه المخالفة - بفرض وقوعها - لا يصح أن تكون بذاتها وجهاً للطعن على الحكم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكانت التقارير الطبية - وإن كانت لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهم - إلا أنها تصلح كدليل مؤيد لأقوال الشهود في هذا الخصوص. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر ما ساوره من شك في أقوال الشهود، فإنه لا يعيبه التفاته عن طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته فيما إذا كانت إصابة الطاعن تحدث وفق تصوير الشهود ما دام لم يأخذ بهذا التصوير وبذلك ينحسر عنه عيب الإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أورد واقعة الدعوى وأدلة الاتهام ثم أفصح - من بعد - عن عدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت للأسباب السائغة التي أوردها والتي تكفي لحمل النتيجة التي خلص إليها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه له سند من الأوراق على - ما يبين من المفردات المضمومة - مما ينفي عنه دعوى مخالفة الثابت في الأوراق. ولما كان ما يثيره الطاعن من مطابقة أقواله لأقوال الشهود بما يوفر مسئولية المطعون ضده عن بتر ساقه إنما ينحل إلى جدل حول تقدير أدلة الدعوى مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.


[(1)] نفس المبدأ مقرر بالطعن رقم 633 لسنة 36 القضائية. المجموعة. السنة 17 ص 743.