أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 811

جلسة 2 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، وأنور خلف.

(162)
الطعن رقم 207 لسنة 39 القضائية

(أ) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز إثارة الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي لأول مرة أمام محكمة النقض، طالما كانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها.
(ب) دعوى مدنية. "إجراءات نظرها. طرق الطعن فيها". إجراءات طعن.
خضوع الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية في إجراءاتها وطرق الطعن فيها لقواعد الإجراءات الجنائية التي لم ترتب وقف التنفيذ على الطعن في الحكم إلا في الأحوال المستثناة بنص صريح.
(ج، د) إثبات. "شهود. خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(ج) تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم.
(د) للمحكمة التعويل على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالف ما شهد به في جلسة المحاكمة.
(هـ، و) دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(هـ) الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً.
(و) عدم التزام محكمة الموضوع بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال.
1 - متى كان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بقيام حالة الدفاع الشرعي، وكانت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها، فإنه لا يقبل من الطاعن أن يثير هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - تخضع الدعاوى المدنية التي ترفع بطريق التبعية للدعاوي الجنائية في إجراءاتها وطرق الطعن فيها لقواعد الإجراءات الجنائية التي لم ترتب وقف التنفيذ على الطعن في الحكم إلا في الأحوال المستثناة بنص صريح في القانون وليس من بينها طلب وقف الحكم بالتعويض الصادر في الدعوى المدنية لأن أسباب الطعن يرجح معها نقض الحكم المطعون فيه وأنه يخشى مع التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه.
3 - ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى الملائمة والتوفيق.
4 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه، ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالف ما شهد به في جلسة المحاكمة ما دام محصله له مأخذ صحيح في الأوراق.
5 - الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً فلا جناح على محكمة الموضوع إن هي أطرحت دفع الطاعن بتلفيق التهمة عليه ركوناً منها إلى ما أوردته في مدونات حكمها من أن أحداً سواه لم يعتد على المجني عليها لتعلق ذلك بسلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدى إليه من نتيجة مما تستقل به بغير معقب ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - لا تلتزم محكمة الموضوع بتعقب المتهم فى مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها لها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 25/ 4/ 1964 بناحية كفر شبرا زنجى مركز الباجور محافظة المنوفية: (أولاً) ضرب فتحية محمد دياب عمداً بمطواة فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديها من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي كسر كشطي بمقدم السلامية العليا للإصبع الوسطى لليد اليسرى مما يقلل من كفاءة يدها اليسرى ويضعف من قدرتها ويعتبر عاهة مستديمة تقلل من قدرة المجني عليها وكفاءتها على العمل بما يقدر بحوالي 8% (ثانياً) أحدث بالمجني عليها سالفة الذكر إصابة كتفها الأيسر الموصوفة بالتقرير الطبي الابتدائي والشرعي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 240/ 1 و242/ 1 من قانون العقوبات فقرر بذلك وادعت المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ 250 ج على سبيل التعويض مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام والمواد 32 و17 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم على أن يكون الإيقاف شاملا كافة الآثار الجنائية وإلزامه أن يدفع إلى المدعية بالحق المدني مبلغ ثمانين جنيهاً والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة ضرب نشأ عنه عاهة مستديمة قد أخطأ في الإسناد وشابه فساد الاستدلال وقصور في التسبيب كما عابة خطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول في الإدانة على أن المجني عليها شهدت سواء بالتحقيقات أو أمام المحكمة بأنه أعمل مدية في يدها وكتفها مع أن الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أنها لم تذكر شيئاً عن إصابة يدها التي نشأت عنها العاهة المستديمة، ثم إن الحكم اجتزأ بالرد على ما أثاره الطاعن من تلفيق التهمة المسندة إليه ووصف آلة الاعتداء بأنها مطواة على الرغم من أن التقارير الطبية لا تشير إلى ذلك، كما أنه أغفل الرد على ما أثاره الطاعن من أنه لا يتصور أن يحمل "الشبشب" والمطواة بيده في وقت واحد. وفضلاً عن ذلك فإن الثابت من الأوراق أن الطاعن كان في حالة دفاع شرعي عن النفس وقت الاعتداء إذ أن زوج المجني عليها وابنها اعتديا عليه حينئذ فأصاباه برأسه وصدغه مما كان يقتضي من المحكمة تبرئته. وأخيراً طلب الطاعن وقف تنفيذ الحكم بالتعويض الصادر في الدعوى المدنية لأن أسباب الطعن يرجح معها نقض الحكم المطعون فيه لأن يخشى مع التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة العاهة المستديمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال الشهود والتقرير الطبي الشرعي. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت ما شهد به في جلسة المحاكمة ما دام ما حصله له مأخذ صحيح في الأوراق، ولما كان يبين من الإطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أسند إلى المجني عليها قالتها بمحضر الشرطة وبتحقيق النيابة بأن الطاعن أحدث الإصابة التي نشأت عنها العاهة المستديمة بيدها اليسرى، ولا تفيد مدونات الحكم البتة أن المجني عليها ذكرت هذه الواقعة بمحضر جلسة المحاكمة، وكان الطاعن لا يجادل في أن ما حصله الحكم من أقوال المجني عليها له أصله الثابت سواء في استدلال الشرطة أم في تحقيق النيابة، فإن دعوى الخطأ في الإسناد أو الفساد في الاستدلال لا يكون لها من وجه. لما كان ذلك، وكان لا جناح على محكمة الموضوع إن هي أطرحت دفع الطاعن بتلفيق التهمة عليه ركوناً منها إلى ما أوردته في مدونات حكمها من أن أحداً سواه لم يعتد على المجني عليها لتعلق ذلك بسلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدى إليه من نتيجة مما تستقل به بغير معقب ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، هذا فضلاً عن أن الدفع بتلفيق التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً أما ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قصور في الرد على دفاعه الخاص بحمله للمطواة والشبشب بيده في وقت واحد فمردود بأن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها لها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى دفاع الطاعن في شأن عدم بيان التقرير الطبي الشرعي أن الاعتداء كان بمدية ورد عليه بقوله "والقول بقصور ذلك التقرير الطبي الشرعي لعدم بيانه أن الطعن بمدية قول لا يؤثر في صحة الواقعة لأن من المسلم به في أقوال الشهود والصورة التي وقعت بها الحادثة أن الاعتداء بمدية وأن مبالغة المدعية بالحق المدني في آلامها من حركة يدها لا تفيد عدم صحة الواقعة والكسر الكشطي لا يخالف تصوير الواقعة إذ أن أثر اعتدائه هو الكسر الكشطي كما قرره ووصفه الخبير الفني وهو الطبيب الشرعي". لما كان ذلك، وكان الحكم نقل عن التقرير الطبي الابتدائي أن المجني عليها أصيبت بجرح قطعي أفقي بأعلى كتفها الأيسر وأصابعها البنصر والوسطى والسبابة اليسرى، فإنه لا يعيب الحكم أنه حدد آلة الاعتداء بمدية أخذاً بأقوال الشهود ولعدم تناقضها مع التقرير الطبي الشرعي إذ من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملائمة والتوفيق. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بقيام حالة الدفاع الشرعي وكانت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها، فإنه لا يقبل من الطاعن أن يثير هذا الدفاع لأول مرة أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً. أما عن طلب وقف التنفيذ فإنه فضلاً عن أنه أضحى غير ذي موضوع بعد الفصل في موضوع الطعن، فإنه مردود بأن الدعاوى المدنية التي ترفع بطريق التبعية للدعاوى الجنائية تخضع في إجراءاتها وطرق الطعن فيها لقواعد الإجراءات الجنائية التي لم ترتب وقف التنفيذ على الطعن في الحكم إلا في الأحوال المستثناة بنص صريح في القانون وليس من بينها ما يندرج على الطعن الراهن، ومن ثم لا يصح وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لعدم وجود أساس له في القانون.