أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 817

جلسة 2 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(163)
الطعن رقم 208 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) قتل خطأ. إصابة خطأ. خطأ. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر الخطأ". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(أ) تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً. موضوعي.
(ب) مجرد اعتراض السيارة ليلاً للطريق الصحراوي محل الحادث. خطأ.
(ج) طعن. "الصفة فيه والمصلحة".
الصفة مناط الطعن.
ليس للخصم صفة في التحدث إلا فيما يتصل بشخصه وله مصلحة فيه. مثال.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء والأخذ بما جاء بها عن حصول الواقعة على وجهها المحتمل. موضوعي.
وجوب بناء أحكام الإدانة على اليقين.
1 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب، ما دام قد أسس قضاءه على أسباب تحمله.
2 - إن مجرد اعتراض السيارة ليلاً للطريق الصحراوي الذي وقع فيه الحادث خطأ يستوجب مسئولية صاحبه.
3 - الأصل أن الصفة هي مناط الحق في الطعن، وليس للخصم صفة في التحدث إلا فيما يتصل بشخصه في خصوص ما حكم عليه به مما له مصلحة فيه. وإذ كان ذلك، وكان إغفال الحكم المطعون فيه ذكر اسم المسئول عن الحقوق المدنية وصفته بفرض وقوعه إنما يتصل بغيره من الخصوم، فلا صفة له في التحدث عنه ولا مصلحة لتعلق الأمر بمسئولية غيره ممن لا يضار بمساءلته.
4 - متى كان من حق محكمة الموضوع تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء، فإن الأخذ بالتقرير الفني المؤسس على افتراض حصول الواقعة على وجهها المحتمل بناء على الماديات التي عاينها واضعه، لا عيب فيه من جهة كونه ضميمة إلى غيره من أدلة الدعوى، وما دام الحكم قد بني الإدانة على اليقين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 28/ 8/ 1966 بدائرة قسم عتاقة: (أولاً) تسبب خطأ في إصابة كل من حمزة حميد طه وبهاء الدين الحبشي وأحمد طلب بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن غير اتجاه سيارته فجأة بدون إعطاء الإشارة الدالة على ذلك فصدم سيارة المجني عليهم ونتج عن ذلك إصابتهم (ثانياً) تسبب خطأ في موت السيد محمد نوار بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن غير اتجاه سيارته فجأة بدون إعطاء الإشارة الدالة على ذلك فصدم سيارة المجني عليه ونتج عن ذلك إصابته التي أدت إلى موته. وطلبت عقابه بالمادتين 238/ 1 و244 من قانون العقوبات. وادعى بهاء الدين عبد الحميد الحبشي مدنياً بمبلغ 51 ج قبل المتهم وشركة النصر للأسمدة والصناعات الكيماوية بصفتها المسئولة عن الحقوق المدنية وذلك على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة السويس الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادتي الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً لوقف التنفيذ وإلزام المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية بصفته متضامنين أن يدفعا إلى المدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسون جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات الدعوى المدنية ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم، كما استأنفه المسئول عن الحقوق المدنية. ومحكمة السويس الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المسئول عن الحقوق المدنية بالمصاريف. فطعن الأستاذ الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل والإصابة الخطأ قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه ألزم المسئول عن الحقوق المدنية بالتعويض دون بيان اسمه وصفته، وأغفل الرد على المآخذ التي وجهها إلى تقرير المهندس الفني من أنه بني على فروض لا سند لها من الأوراق، مع أن الأحكام الجنائية إنما تبنى على اليقين - كما اعتبر أن الحادث وقع بخطأ الطاعن وحده مع أن خطأ قائد السيارة الأخرى يستغرق خطأه بفرض ثبوته، مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه بالحكم المطعون فيه أثبت في أجزائه المتكاملة بياناً لواقعة الدعوى ما محصله أن الطاعن كان يقود سيارة نقل في الطريق من السويس إلى القاهرة ليلاً في مكان عرضه ثمانية أمتار، وإذ رأى سيارة معطلة في بعض الطريق، رجع إلى الخلف بعرضه دون أن يتأكد من خلوه من السيارات القادمة أو يعطيها إشارة جانبية أو يتخذ أي إجراء آخر لتحذيرها من الخطر، وقد كان ذلك في إمكانه، فاصطدمت بها السيارة الملاكي التي كانت مقبلة في ذات الاتجاه فتهشمت وأصيب ثلاثة من ركابها وقتل رابعهم، إذ فوجئ قائدها بسيارة النقل تعترض طريقه دون أن يستطيع تلافى الحادث الذي وقع برعونة المتهم وعدم تبصره وجهله الفاضح بأصول القيادة ومخالفته قواعد المرور التي توجب على قائد السيارة عند تغيير اتجاهه إعطاء الإشارة الدالة على ذلك تحذيراً لغيره. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة ومنها المعاينة التي أجراها مأمور الضبط القضائي وتقرير المهندس الفني فضلاً عن إقرار المتهم نفسه في تحقيق النيابة بما يدل على خطئه ووقوع الحادث نتيجة مباشرة لهذا الخطأ. ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن المؤسس على وقوع الحادث بخطأ قائد السيارة الملاكي قولاً منه بأن هذا الأخير كان يقود سيارته بسرعة وكان في وسعه أن يرى عن بعد سيارة النقل وهي واقفة في عرض الطريق على الضوء الذي ينبعث من سيارته هو وأن يتلافى الحادث بوقوفه دونها، ورد على هذا الدفاع بأن الطاعن نفسه أقر في تحقيق النيابة بأن الحادث وقع أثناء محاولته الاستدارة بسيارته لا أثناء وقوفها وأنه كان يرى السيارة الأخرى عن بعد على الضوء المنبعث منها وأنه بفرض صحة دفاعه فإن ذلك لا ينفي خطأه لأن مجرد اعتراض السيارة ليلاً للطريق الصحراوي الذي وقع فيه الحادث خطأ يستوجب مسئولية صاحبه وهو ما له أصل ثابت في شهادة المهندس الفني الذي سمعت شهادته بجلسة المحاكمة وأن خطأ ما لم يقع من قائد السيارة الملاكي الذي التزم السرعة التي يجيزها قرار وزير الداخلية الصادر تنفيذاً للقانون رقم 449 لسنة 1955 في شأن المرور. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمتين المسندتين إليه، والتفت إلى دفاعه، وأقسطه حقه، ورد عليه بما يفنده، ولما كان الأصل أن الصفة هي مناط الحق في الطعن وليس للخصم صفة في التحدث إلا فيما يتصل بشخصه في خصوص ما حكم عليه به مما له مصلحة فيه، وكان إغفال الحكم المذكور ذكر اسم المسئول عن الحقوق المدنية وصفته - بفرض وقوعه - إنما يتصل بغيره من الخصوم، فلا صفة له في التحدث عنه ولا مصلحة لتعلق الأمر بمسئولية غيره ممن لا يضار بمساءلته فضلاً على أن الحكم لم يغفل اسم المسئول عن الحقوق المدنية وصفته في الخصومة كما ادعى. ولما كان من حق محكمة الموضوع تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء، وكان الأخذ بالتقرير الفني المؤسس على افتراض حصول الواقعة على وجهها المحتمل بناء على الماديات التي عاينها واضعه لا عيب فيه من جهة كونه ضميمة إلى غيره من أدلة الدعوى، وما دام الحكم قد بني الإدانة على اليقين. لما كان ما تقدم، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام قد أسس قضاءه على أسباب تحمله، وكان الحكم قد دلل على خطأ الطاعن تدليلاً مقبولاً، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.