أحكام النقض- المكتب الفني- جنائي
العدد الثاني- السنة 20- صـ 822

جلسة 2 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، وأنور خلف.

(164)
الطعن رقم 209 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) حكم. "بياناته".
الأحوال التي يرجع فيها القاضي الجنائي إلى قانون المرافعات المدنية؟
خلو نص المادتين 310 إجراءات و349 مرافعات من النص على وجوب إثبات البيان الخاص بالإطلاع على الأوراق والمداولة في الحكم.
(ج) إجراءات.
الأصل في الإجراءات الصحة. على من يدعى مخالفتها إقامة الدليل على ذلك.
(د) دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". دفوع. "الدفع باعتبار المدعى المدني تاركاً لدعواه". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع باعتبار المدعى المدني تاركاً لدعواه. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(هـ) رابطة سببية. قتل خطأ. إصابة خطأ. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر أركان الجريمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب. معيب".
تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة. أمر موضوعي.
(و) إثبات. "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب.
للمحكمة الأخذ بشهادة الشاهد في التحقيقات ولو خالفت أقواله بجلسة المحاكمة دون التزامها ببيان العلة.
(ز) نقض. أسباب الطعن. ما لا يقبل منها.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
1- جرى قضاء محكمة النقض على أن المحكمة الجنائية لا ترجع إلى قانون المرافعات المدنية إلا عند إحالة صريحة على حكم من أحكامه وردت في قانون الإجراءات الجنائية أو عند خلو هذا القانون من نص على قاعدة من القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات. ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد نص على كيفية إصدار الأحكام وتحديد بياناتها، وكانت المادتان 275 و411 من هذا القانون وإن فرضنا أن يكون إصدار الأحكام بعد الإطلاع على الأوراق وبعد المداولة، إلا أن المادة 310 من نفس القانون التي حددت البيانات التي يجب أن يتضمنها الحكم قد خلت من النص على وجوب إثبات هذا البيان، فإن ما يثيره الطاعن من وجوب استيفاء بيانات الحكم طبقاً لقانون المرافعات يكون غير سديد.
2- إن كل ما فرضته المواد 338 وما بعدها من قانون المرافعات هو أن يكون صدور الحكم بعد المداولة وقد خلا نص المادة 349 من ذلك القانون التي حددت ما يجب أن يتضمنه الحكم من بيانات من النص على وجوب إثبات هذا البيان بالحكم.
3- الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت، وعلى من يدعى أنها خولفت إقامة الدليل على ذلك. ولما كان الطاعن لا يدعي في طعنه مخالفة هذه الإجراءات، فإن ما ينعاه بشأن خلو الحكم من بيانات لم يوجب القانون أن يتضمنها لا يكون سديداً.
4- لا يجوز للطاعن إثارة الدفع باعتبار المدعى بالحق المدني تاركاً لدعواه لأول مرة أمام محكمة النقض ذلك أن هذا الدفع من الدفوع التي تستلزم تحقيقاً موضوعياً.
5- إن تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافرها من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق.
6- للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد في التحقيقات وإن خالفت أقواله بجلسة المحاكمة دون أن تكون ملزمة ببيان العلة في ذلك.
7- لا يجوز إثارة الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 16/ 5/ 1965 بدائرة قسم عتاقة: تسبب خطأ في موت محمود علي محمد وإصابة محمد عبد الله سيد زاخر وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه بأن أهمل في اتخاذ الإجراءات الواجبة لتثبيت بكرة الكابل الكهربائي بظهر السيارة النقل المعدة لنقلها مع كونه مكلف بذلك فسقطت على أحد جوانبها أثناء سير السيارة وأدت إلى موت وإصابة المجني عليهم وطلبت معاقبته بالمادتين 238 و244/ 1 من قانون العقوبات. وادعت زوجة القتيل- عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنياً بمبلغ قرش صاغ قبل المتهم ووزير المواصلات بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية وذلك على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة السويس الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر وكفالة 3 ج لوقف التنفيذ وفي موضوع الدعوى المدنية إلزام المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية أن يدفعا إلى المدعية بالحق المدني عن نفسها وبصفتها مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت وإلزامهما بالمصاريف ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة السويس الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي القتل والإصابة الخطأ قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب ذلك بأنه خلا من النص فيه على أنه صدر بعد سماع المرافعة والإطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً، مع أن قانون المرافعات المدنية وهو القانون العام قد أوجب في المواد 338 منه وما بعدها ذكر هذا البيان، ثم أنه أطرح أقوال الشاهدين محمد عبد اللاه السيد ومحمد النادي يوسف أمام المحكمة الاستئنافية بحجة تضاربها في حين أن شادتهما بالجلسة لا ترشح لقيام التضارب بينهما هذا إلى أنه قضى بتأييد الحكم المستأنف رغم أن المدعية بالحق المدني لم تمثل بعدة جلسات ولم تبد طلباً ما مما كان يتعين معه اعتبارها تاركة لدعواها وفقاً للمادة 261 من قانون الإجراءات الجنائية، ذلك بالإضافة إلى أن الحكم المطعون فيه جاء خلواً من استظهار رابطة السببية بين الخطأ والضرر مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكانت المادتان 275 و411 من قانون الإجراءات الجنائية وإن فرضتا أن يكون إصدار الأحكام بعد الإطلاع على الأوراق وبعد المداولة إلا أن المادة 310 من نفس القانون التي حددت البيانات التي يجب أن يتضمنها الحكم قد خلت من النص على وجوب إثبات هذا البيان وفضلاً عن أن قضاء محكمة النقض قد جرى على أن المحكمة الجنائية لا ترجع إلى قانون المرافعات المدنية إلا عند إحالة صريحة على حكم من أحكامه وردت في قانون الإجراءات الجنائية أو عند خلو هذا القانون من نص على قاعدة من القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات، وكان قانون الإجراءات الجنائية قد نص على كيفية إصدار الأحكام وتحديد بياناتها كما سلف فإن ما يثيره الطاعن من وجوب استيفاء بيانات الحكم طبقاً لقانون المرافعات مردود بأن كل ما فرضته المواد 338 وما بعدها من هذا القانون هو أن يكون صدور الحكم بعد المداولة وقد خلا نص المادة 349 من ذلك القانون التي حددت ما يجب أن يتضمنه الحكم من بيانات من النص على وجوب إثبات هذا البيان بالحكم. لما كان ذلك، وكان الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت، وعلى من يدعي أنها قد خولفت إقامة الدليل على ذلك، وكان الطاعن لا يدعي في طعنه مخالفة هذه الإجراءات، فإن ما ينعاه بشأن خلو الحكم من بيانات لم يوجب القانون أن يتضمنها لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أورد مضمون شهادة محمد عبد اللاه السيد ومحمد النادي يوسف بالجلسة أطرحها بقوله: "أما ما شهد عليه الشاهدان محمد عبد اللاه السيد ومحمد النادي يوسف أمام هذه المحكمة من أنه تم تثبيت البكرة حسب الأصول الفنية وتم ربطها في السيارة بواسطة ألواح خشبية مثبتة بالمسامير، فإن المحكمة لا تطمئن إلى هذه الشهادة التي جاءت مؤخراً تعكس صورة غير صحيحة لحقيقة الواقعة، وآية ذلك أن هذين الشاهدين لم يذكرا ذلك في محضر ضبط الواقعة، بل أرجعا وقوع الحادث إلى سوء تثبيت البكرة بواسطة العوارض الخشبية والمسامير بالإضافة إلى أن المعاينة التي أجريت لمكان الحادث تدحض شهادتهما بالإضافة إلى التضارب الواضح في أقوالهما حينما يؤكد الشاهد محمد عبد اللاه السيد أن المتهم (الطاعن) شارك العمال في تثبيت البكرة بالمسامير في الألواح الخشبية يذكر الشاهد الثاني محمد النادي يوسف أن العمال هم الذين قاموا بهذا الإجراء وهو من بينهم وبعد الانتهاء منها ناظر المتهم ما فعلوه وسمح لهم بالركوب في صندوق السيارة الأمر المستفاد من شهادته أن المتهم لم يشاركهم فعلاً في تثبيت البكرة على نحو ما شهد به الشاهد السابق. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد في التحقيقات وإن خالفت أقواله بجلسة المحاكمة دون أن تكون ملزمة ببيان العلة في ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح أقوال الشاهدين بالجلسة وأخذ بشهادتهما في التحقيقات فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بهذا السبب يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أنه تحدد لنظر الدعوى جلسة 28/ 1/ 1967 وفيها لم تحضر المدعية بالحق المدني وتقرر بالتأجيل لجلسة 11/ 3/ 1967 حيث حضر وكيل عن المدعية بالحق المدني كما حضر وكيل عن المسئول عن الحقوق المدنية وطلب أجلاً للاستعداد فتقرر بالتأجيل لجلسة 29/ 4/ 1967 ولم تحضر المدعية بالحق المدني ثم تقرر بحجز الدعوى للحكم لجلسة 3/ 6/ 1967 وبعد أن مد أجل الحكم أعيدت الدعوى للمرافعة لجلسة 21/ 10/ 1967 ولم تحضر المدعية وتداولت القضية بالجلسات حتى صدر الحكم فيها بجلسة 3/ 2/ 1968 دون أن تخطر المدعية بالحق المدني بالجلسات. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر الجلسات أن المتهم (الطاعن) لم يطلب اعتبار المدعية تاركة لدعواها فإنه لا يجوز له أن يثير شيئاً من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأن الدفع باعتبار المدعي المدني تاركاً لدعواه هو من الدفوع التي تستلزم تحقيقاً موضوعياً، وبالتالي فإن هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه قد عرض إلى رابطة السببية بين الخطأ والضرر في قوله "ولا شبهة بعد هذا أن تقرر المحكمة أن هذا الخطأ من جانب المتهم والمتمثل في إهماله وعدم احترازه وإخلاله بما تفرضه عليه أصول وظيفته وإخلاله بما نيط به من واجبات قد أدى مباشرة إلى انزلاق البكرة نحو المجني عليهم وارتطامها بهم وإحداث ما بهم من إصابات أدت إلى وفاة المجني عليه الأول" لما كان ذلك، وكان تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات المدنية.