أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 832

جلسة 2 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، وأنور خلف.

(166)
الطعن رقم 648 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) قتل عمد. "قصد القتل". سبق الإصرار. قصد جنائي. "القصد خاص". محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص توافر نية القتل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية جنائية.
(أ) سبق الإصرار. ماهيته؟
توافر سبق الإصرار رغم احتساء المتهم للخمر. ما دام قد أقدم على احتسائه حتى يقوى على ارتكاب الجريمة التي دبر لها في هدوء وروية.
(ب) قصد القتل. تعريفه؟
(جـ) استخلاص توافر نية القتل من عناصر الدعوى. موضوعي.
(د) إثبات. "خبرة". "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع." سلطتها في تقدير الدليل".
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق. مثال لتسبيب غير معيب.
(هـ، و) إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(هـ) حق محكمة الموضوع في الأخذ بقول للشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة والالتفات عما عداه. عدم التزامها ببيان علة ذلك ولا بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أساس فيها.
(و) حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالفها من صور أخرى.
عدم التزامها بالأخذ بالأدلة المباشرة فحسب بل لها استخلاص صورة الواقعة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. شرط ذلك؟ أن يكون استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق لها أصلها في الأوراق.
1 - إن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج. ومتى كان الحكم قد استظهر ظرف سبق الإصرار في قوله: "أن العمد وسبق الإصرار متوافران في حق المتهمين من ذلك التدبير والتخطيط واحتساء الثاني والثالث للخمر حتى يفقدا شعورهما ويقوى قلباهما فلا تأخذهما بالمجني عليه شفقة ولا رحمة وإنهما تدبرا الأمر فيما بينهما بهدوء وروية وتؤدة على ذلك النحو". فإن ذلك سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون.
2 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
3 - إن استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. ومتى كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد.
4 - الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق، ومتى كان البين من الحكم المطعون فيه أن ما أورده من أقوال الطاعن الثاني واعتمد عليه في إدانة الطاعن لا يتناقض مع ما أورده من مؤدى التقرير الطبي الشرعي، فإن النعي بهذا السبب لا يكون سديداً.
5 - من المقرر في قضاء محكمة الموضوع أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بقول للشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أساس فيها وما دام الطاعن لا ينازع في صحة نسبة هذه الأقوال إليه. ومن ثم فإن النعي على الحكم بأخذه بإحدى روايتي الطاعن الثاني دون الأخرى لا يكون سديداً.
6 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقا مع حكم العقل والمنطق، ومن ثم فإن منازعة الطاعن في سلامة استنتاج الحكم أدلة الإدانة في الدعوى إنما تنحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في يوم 22/ 8/ 1967 بالطريق العام الموصل ما بين شبين الكوم وشبشير الحصة بدائرة مركز قطور محافظة الغربية: قتلوا فرحات عبد الوهاب الشرقاوي عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أجساماً صلبة حادة واستدرجوه إلى مكان الحادث وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه طعناً بها قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهم في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقوا المبلغ المبين المقدار للمجني عليه سالف الذكر حاله كونهم يحملون أسلحة ظاهرة الأمر المنطبق على المادة 315/ 1 من قانون العقوبات. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للمواد 230 و231 و234/ 2 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت فى الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 230 و231 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثلاثة الأول بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وذلك بعد أن استبعدت تهمة السرقة فى حقهم وبراءة المتهم الرابع مما أسند إليه. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين الثاني والثالث وإن قررا بالطعن فى الميعاد إلا أنهما لم يقدما أسباباً فيكون طعنهما غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مبنى تقريري الطعن المقدمين من هذا الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد شابه قصور فى البيان وفساد فى الاستدلال وخطأ فى الإسناد وتناقض فى التسبيب، ذلك بأن الحكم بعد أن حصل واقعة الدعوى على نحو مبتسر أورد روايتين للطاعن الثاني أخذ بثانيهما وأعرض عن الأولى دون تعليل ثم راح يستنتج أدلة الإدانة عن غير مورد، واستدل من اجتماع الطاعنين بالمنتزه على اتفاقهم على ارتكاب الجريمة واستخلص من تناولهم الخمر تعمدهم العمل على فقدان الشعور وقت القتل، وذهب إلى أن طلب الطاعن من سائق السيارة الانحراف إلى بلدة قطور كان بقصد اختيار مكان مناسب لارتكاب الجريمة، وقدر أن ما قرره الطاعن الثاني من قول المجني عليه للطاعن "رقبتي راحت يا معلم" يدل على أن الطاعن ذبح المجني عليه فى هذه اللحظة، كما أخذ على الطاعن أنه دفع المجني عليه صوب الطاعن الثاني حتى يمكن هذا الأخير من الإجهاز عليه، فى حين أنها جميعاً لا تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. هذا إلى أنه عول فى قضائه بالإدانة - ضمن ما عول عليه - على أن الطاعن الثاني ذكر فى أقواله أن الطاعن تمسك باصطحاب المجني عليه معهم إلى طنطا مع أن الثابت من أقوال الطاعن الثاني أن المجني عليه هو الذي طلب مصاحبتهم إلى طنطا. ذلك بالإضافة إلى أنه استخلص توافر ظرف سبق الإصرار من أمور لا تنتجه، ولم يورد على توافر نية القتل لدى الطاعن أدلة سائغة ثم أنه أخذ بأقوال الطاعن الثاني وبما جاء بالتقرير الطبي الشرعي رغم تعارضهما إذ أثبت التقرير أن تصويري الطاعن المذكور للحادث لا يتفقان مع الإصابات التي وجدت بالمجني عليه ولم يعن الحكم برفع هذا التعارض مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء محكمة النقض أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بقول للشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أساس فيها وما دام الطاعن لا ينازع في صحة نسبة هذه الأقوال إليه، فإن النعي على الحكم بأخذه بإحدى روايتي الطاعن الثاني دون الأخرى لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - وهى فى ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقاً مع حكم العقل والمنطق. لما كان ذلك، فإن منازعة الطاعن فى سلامة استنتاج الحكم أدلة الإدانة فى الدعوى إنما تنحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها فى عقيدتها مما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من أقوال الطاعن الثاني حسبما أوردها الحكم المطعون فيه أنها تتضمن فى إحدى صورها (الصورة الثانية) أن الطاعن طلب من المجني عليه الحضور معه لحضور عرس عامل لديه وأنه انتظره حتى صحبه معهم إلى طنطا، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر ظرف سبق الإصرار فى قوله: "إن العمد وسبق الإصرار متوافران فى حق المتهمين من ذلك التدبير والتخطيط واحتساء الثاني والثالث للخمر حتى يفقدا شعورهما ويقوى قلباهما فلا تأخذهما بالمجني عليه شفقة ولا رحمة وأنهم تدبروا الأمر فيما بينهم بهدوء وروية وتؤدة على ذلك النحو." وما قاله الحكم من ذلك سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به فى القانون ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج - وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى القصد الجنائي الخاص لجريمة القتل العمد بقوله "إن نية إزهاق الروح ثابتة قبل المتهمين من ذلك الاتفاق وتدبيرهم الأمر ورسمهم طريقة تنفيذه واستعمالهم لتلك الأسلحة القاتلة وإصابة المجني عليه فى مقتل على تلك الصورة الثابتة بالتقرير الطبي الشرعي وتعدد الإصابات حتى ربت على الخمس والعشرين إصابة منها حول العنق ومحيطها وذبحي وعلمهم بالنتيجة التي وصلوا إليها وأن سؤال المتهم الأول للمتهم الثاني عما إذا كان أجهز على المجني عليه يقطع فى أن نيتهم جميعا قد انصرفت إلى إزهاق روح المجني عليه". ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره فى نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية، وإذ ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً فى إثبات توافرها لدى الطاعن، فإن ما يثيره فى هذا الصدد يكون غير سديد ولا محل له. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني فى كل جزئية منه، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن ما أورده من أقوال الطاعن الثاني واعتمد عليه فى إدانة الطاعن لا يتناقض مع ما أورده من مؤدى التقرير الطبي الشرعي، فإن النعي بهذا السبب لا يكون بدوره سديداً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.