أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 43 - صـ 255

جلسة 29 من يناير سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ وليم رزق بدوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ طه الشريف، مصطفى حسيب، شكري العميري نواب رئيس المحكمة وعبد الصمد عبد العزيز.

(56)
الطعنان رقما 2602، 2689 لسنة 60 القضائية

(1) قوة الأمر المقضي. حكم "حجية الحكم".
المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضي فيها. شرطه. ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً يحوز قوة الأمر المقضي.
(2) التزام "آثار الالتزام" "وسائل المحافظة على الضمان العام للدائنين" الحق في الحبس. مناطه. م 246 مدني.
(3) التزام "انقضاء الالتزام" "اتحاد الذمة". عقد. بيع. إيجار.
اتحاد الذمة. مناطه. م 370 مدني. شراء المستأجر للعين المؤجرة من المؤجر وانتقال الملكية إليه. صورة من صور انتهاء الإيجار باتحاد الذمة. مؤدى ذلك.
1- لما كان المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضي فيها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يشترط أن تكون المسألة واحدة في الدعويين ولا تتوافر هذه الوحدة إلا أن تكون هذه المسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً جامعاً مانعاً وتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعى به بالدعوى الثانية ولو كان الفصل فيها وارداً في أسباب الحكم في الدعوى الأولى متى كانت هذه الأسباب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنطوقة وما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
2- الحق في الحبس - وفقاً لما جرى به نص المادة 246 من القانون المدني - يثبت للدائن الذي يكون ملتزماً بتسليم شيء لمدينه فيمتنع عن تسليمه حتى يستوفي حقه قبل هذا المدين طالما أن التزامه بتسليم الشيء مرتبط بسبب الحق الذي يطلب الوفاء به ومترتب عليه وما دام أن حق الدائن حال ولو لم يكن مقدراً بعد وهو وسيلة ضمان دون أن يكون وسيلة استيفاء.
3- مؤدى النص في المادة 370 من القانون المدني على أنه إذا اجتمع في شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة إلى دين واحد انقضى هذا الدين بالقدر الذي اتحدت معه الذمة وإذا زال السبب الذي أدى لاتحاد الذمة وكان لزواله أثر رجعي عاد الدين إلى الوجود هو وملحقاته بالنسبة إلى ذي الشأن جميعاً ويعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن وأن شراء المستأجر العين المؤجرة من المؤجر وانتقال الملكية إليه هو صورة من صور انتهاء الإيجار باتحاد الذمة وذلك بمجرد وقوع البيع ذلك لأن المستأجر بشرائه العين حل محل المؤجر فاجتمعت له صفتا المؤجر والمستأجر مما مؤداه انقضاء عقد الإيجار باتحاد الذمة بما لازمه أنه بزوال سبب اتحاد الذمة كالقضاء بفسخ عقد البيع وبما للحكم بالفسخ من أثر رجعي وعودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد عملاً بالمادة 160 من القانون المدني تعود العلاقة الإيجارية التي كانت قائمة بينهما قبل انعقاد عقد البيع بحيث يعود المشتري مستأجراً والبائع مؤجراً لاستعادته صفة المالك، أي تترتب التزامات عقد الإيجار بمقوماته الأصلية بينهما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع في الطعنين- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم الخمسة الأول ومورث الباقين أقاموا الدعوى رقم 2979 لسنة 1984 مدني كلي بني سويف على الطاعنين وآخرين بطلب الحكم بطردهم من مساحة 4 ف و20 ط الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى والتسليم وقالوا بياناً لذلك إنه بموجب عقد بيع عرفي مؤرخ 23/ 2/ 1977 باعت المطعون ضدها الأولى للطاعن الأول...... (الطاعن الرابع في الطعن المنضم 2602 لسنة 60 ق) أطيان النزاع وإذ أخل بالتزامه التعاقدي بالوفاء بباقي الثمن في الميعاد المتفق عليه أقامت ضده الدعوى رقم 472 لسنة 1979 مدني كلي بني سويف بطلب الحكم بفسخ العقد، حُكم برفضها فاستأنفته بالاستئناف رقم 21 لسنة 19 ق بني سويف حيث قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبفسخ العقد سالف البيان وتسليم أطيان النزاع إليها وحال قيامها بتنفيذ هذا الحكم واستلام الأطيان بعد أن تصرفت فيها بالبيع لباقي المطعون ضدهم بالعقد المسجل 2271 لسنة 83 بني سويف في 12/ 10/ 1983 لتنفيذ التزامها بالتسليم الناشئ عنه فتبين لها أن باقي الطاعنين يضعون أيديهم عليها بغير سند قانوني ومن ثم فقد أقاموا الدعوى بطلباتهم. تدخل الطاعن الأول خصماً في الدعوى طالباً رفضها بانياً تدخله على إقامته للدعوى رقم 6 لسنة 1985 مدني مركز بني سويف بطلب الحكم ببطلان إجراءات التنفيذ الجبري للحكم رقم 21 لسنة 19 ق بني سويف وحقه في حبس أطيان النزاع حتى توفيه المطعون ضدها الأولى بما عجله من مقدم الثمن لها قضت المحكمة برفض التدخل ورفض الدعوى. استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم كما استأنفه الطاعن الأول بالاستئنافين رقمي 123، 128 لسنة 25 ق بني سويف وبعد أن أمرت المحكمة بضمهما للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد قضت بتاريخ 11/ 4/ 1990 أولاً بإلغاء الحكم المستأنف، ثانياً وفي الاستئناف رقم 128 لسنة 25 ق بني سويف المرفوع من الطاعن الأول بقبول تدخله خصماً ثالثاً في الدعوى وفي موضوع تدخله برفضه. ثالثاً: وفي الاستئناف رقم 1230 لسنة 25 ق بني سويف بطرد الطاعنين من أطيان النزاع والتسليم. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 2689، 2602 لسنة 60 ق وقدمت النيابة مذكرة في كل منهما أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وإذ عُرض الطعنين على المحكمة في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظرهما وفيها أمرت بضمهما للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في كلا الطعنين مخالفة القانون والخطأ في تطبيق من وجهين وفي بيان الوجه الأول منهما يقولون إنه لما كان المقرر قانوناً أن للمشتري حق حبس العين المبيعة المحكوم بفسخ عقد البيع الصادر له عنها حتى يوفيه البائع ما دفعه من معجل الثمن تأسيساً على أن التزامه بتسليم العين بعد الحكم بالفسخ يقابله التزام البائع برد ما تسلمه من الثمن وأن هذا الحق لا ينقضي إلا بالوفاء البائع بالتزامه بل أن المشرع أجاء له إذا تبين له وجود سبب جدي يخشى معه نزع المبيع من تحت يده الحق في أن يحبس ما لم يكن قد أداه من الثمن ولو كان مستحق الأداء حتى يزول الخطر الذي يتهدده وإن هذا الحق كما في الحالة الأولى لا ينقضي إلا بوفاء البائع بالتزامه. لما كان ذلك وكان الطاعن الأول (المطعون ضده الرابع في الطعن المنضم 2602 لسنة 60 ق) قد تمسك في درجتي التقاضي بهذا الحق وكان أساساً لتدخله في الدعوى إلا أن الحكم المطعون فيه أطرحه على ما أورده في مدوناته من أنه أمر سبق أن تناضل فيه الخصوم في دعوى فسخ عقد البيع التي قضى فها بالفسخ والتسليم لأطيان النزاع في الاستئناف 21 لسنة 19 ق بني سويف لصالح المطعون ضدها الأولى بما يحوز الحجية في هذا الصدد وقضى برفضه على هذا الأساس دون أن يعي أن حق الحبس الذي تناوله الحكم سالف البيان إنما توقياً لحكم الفسخ وكان منصباً على مؤجل باقي الثمن الذي كان في ذمته حتى يتم تطهير الأطيان المبيعة من الديون الممتازة عليها والمستحقة للدولة وهو الدفاع الذي تناوله الحكم المذكور بالرد وبالتالي فلا حجية له بالنسبة لتمسكه بحقه في حبس أطيان النزاع حتى يستوفي ما عجله من مقدم الثمن إذ هو حق ناشئ له بعد الحكم بفسخ البيع الصادر له بما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون الخطأ في تطبيقه ويستوجب نقضه. وفي بيان الوجه الثاني يقولون إنه إذا كان من المقرر قانوناً أنه إذا اشترى المستأجر العين المؤجرة وحل محل المؤجر انتهى الإيجار قبل انقضاء مدته بإتحاد الذمة فإن مؤدى زوال سبب اتحاد الذمة بأثر رجعي بفسخ عقد البيع سريان عقد الإيجار بما يرتبه من آثار قانونية لما كان ذلك وكان الطاعن الأول (المطعون ضده الرابع في الطعن المنضم 2602 لسنة 60 ق بني سويف) قد تمسك في دفاعه أمام درجتي التقاضي بأنه مستأجر لأطيان النزاع من مورث المطعون ضدها الأولى قبل شرائه لها بعقد إيجار مؤرخ سنة 1963 وهذا أمر لم تماري فيه وأن من مؤدى فسخ عقد البيع بشأنها بأثر رجعي استمرار العلاقة الإيجارية بينهما وتُحاج بها خلفها الخاص (باقي المطعون ضدهم) بعد شرائهم لتلك الأطيان فإذا ما جابه الحكم المطعون فيه هذا الدفاع على قول منه بأن هذه العلاقة قد انقضت بالتقايل بعد شرائه لها من المطعون ضدها الأولى (المؤجرة) وأن القضاء بفسخ عقد البيع لا يُعد العلاقة الإيجارية بينهما لأنها انقضت بالتفاسخ رغم اختلافه عن اتحاد الذمة من حيث الأساس القانوني لكل منهما فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في وجهه الأول في محله ذلك أنه لما كان المنع من إعادة نظر النزاع في المسألة المقضي فيها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يشترط أن تكون المسألة واحدة في الدعويين ولا تتوافر هذه الوحدة إلا أن تكون هذه المسألة أساسية لا تتغير وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقراراً جامعاً مانعاً وتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعى به بالدعوى الثانية ولو كان الفصل فيها وارداً في أسباب الحكم في الدعوى الأولى متى كانت هذه الأسباب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنطوقة وما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي وأن الحق في الحبس وفقاً لما جرى به نص المادة 246 من القانون المدني يثبت للدائن الذي يكون ملتزماً بتسليم شيء لمدينه فيمتنع عن تسليمه حتى يستوفي حقه قبل هذا المدين طالما أن التزامه بتسليم الشيء مرتبط بسبب الحق الذي يطلب الوفاء به ومترتب عليه وما دام أن حق الدائن حال ولو لم يكن مقدراً بعد وهو وسيلة ضمان دون أن يكون وسيلة استيفاء. لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه جابة أساس تدخل الطاعن الأول (المطعون ضده الرابع في الطعن المنضم 2602 لسنة 60 ق بني سويف) بتمسكه بالحق في حبس أطيان النزاع حتى توفيه المطعون ضدها الأولى بكامل ما عجله من ثمن لها قبل الحكم بفسخ عقد البيع بينهما على ما أورده بتلك المدونات من أن هذه المسألة سبق أن تناضل فيها الخصوم في الدعوى رقم 21 لسنة 19 ق بني سويف بالفسخ وقضى برفضها مما يمتنع معه إعادة بحثها لما في ذلك من مساس بحجية الحكم في الدعوى سالفة البيان وقضى برفض تدخله على هذا الأساس وكان البين من الاطلاع على الحكم الصادر في الاستئناف رقم 21 لسنة 19 ق بني سويف المنضم أن أساس الحق في الحبس الذي تمسك به الطاعن سالف البيان إنما كان بشأن باقي مؤجل الثمن لتوقي الحكم بالفسخ حتى يتم تطهير الأطيان المبيعة من الديون الممتازة للدولة (الأموال الأميرية) وعرضت له المحكمة التي أصدرته في معرض الرد على أوجه دفاعه بشأنها وخلصت إلى رفضه لما تبين لها من عدم استحقاق أية ديون عليها وانتهت في قضاءها إلى إجابة المطعون ضدها الأولى لطلب الفسخ والتسليم وهذه مسألة تختلف عن الأساس الذي بني عليه تمسكه بالحق في حبس أطيان النزاع حتى يستوفي ما عجله من الثمن قبل صدور الحكم سالف البيان بما لا تتوافر معه شروط المنع من إعادة النظر في المسألة المقضي فيها بما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ويوجب نقضه بهذا الوجه.
وحيث إن هذا النعي سديد في وجهه الثاني ذلك أنه لما كان من مؤدى النص في المادة 370 من القانون المدني على أنه "إذا اجتمع في شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة إلى دين واحد انقضى هذا الدين بالقدر الذي اتحدت معه الذمة وإذا زال السبب الذي أدى لاتحاد الذمة وكان لزواله أثر رجعي عاد الدين إلى الوجود هو وملحقاته بالنسبة إلى ذوي الشأن جميعاً ويعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن" وأن شراء المستأجر العين المؤجرة من المؤجر وانتقال الملكية إليه هو صورة من صور انتهاء الإيجار باتحاد الذمة وذلك بمجرد وقوع البيع ذلك لأن المستأجر بشرائه العين حل محل المؤجر فاجتمعت له صفتا المؤجر والمستأجر مما مؤداه انقضاء عقد الإيجار باتحاد الذمة بما لازمه أنه بزوال سبب اتحاد الذمة كالقضاء بفسخ عقد البيع وبما للحكم بالفسخ من أثر رجعي وعودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد عملاً بالمادة 160 من القانون المدني، تعود العلاقة الإيجارية التي كانت قائمة بينهما قبل انعقاد عقد البيع بحيث يعود المشتري مستأجراً والبائع مؤجراً لاستعادته صفة المالك، أي تترتب التزامات عقد الإيجار بمقوماته الأصلية بينهما لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يُعمل الأثر القانوني لزوال اتحاد الذمة بأثر رجعي بعد أن قضى بفسخ عقد البيع وإعمال الأثر الرجعي للفسخ تحقيقاً لدفاع الطاعن الأول وقال بوجود تقايل عن الإيجار دون أن يتمسك أحد الخصوم بذلك مع اختلاف أحكامه عن أحكام اتحاد الذمة كما هي في القانون بما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون ويوجب نقضه.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعنين الأخرى على أن يكون مع النقض الإحالة.