أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 859

جلسة 9 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود كامل عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(172)
الطعن رقم 673 لسنة 39 القضائية

قتل عمد. "نية القتل". جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". قصد جنائي. "القصد العام. القصد الخاص".
جريمة القتل العمد. أركانها. نية القتل. ماهيتها؟ مثال لتسبيب معيب في استخلاصها.
تتميز جريمة القتل عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه وهذا العنصر ذو طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه ويتعين على القاضي أن يعني بالتحدث عنه استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. ولما كان استدلال الحكم من أقوال الشاهدين وكيفية التصويب وظروف الحال في الدعوى على توافر نية القتل لدى الطاعن لم يكن سوى مجرد رأي استنتاجي لا يفيد العلم الحقيقي بنية الفاعل ثم إن انخفاض مستوى التصويب واتجاهه إلى الناحية التي كان بها المجني عليه لا يدل على وجه اليقين بأن التصويب في هذه الصورة كان بقصد إزهاق روحه، وكان ما قاله الحكم من عنف الخصومة في المعركة وعدد الأعيرة المسند إلى الطاعن إطلاقها لا تؤدي حتماً إلى إثبات نية القتل لديه لاحتمال أن لا تتعدى نيته في هذه الحالة مجرد الإصابة وهو لا يكفي في إثبات نية القتل، كما أن تعدد الأعيرة التي أطلقت دون أن تحدث إصابة إلا من واحد منها مما يتعذر معه القول بأن مطلقها وهو خفير نظامي عالم بأصول التصويب كانت لديه نية القتل. ومن ثم فإن ما أورده الحكم في هذا الصدد لا يكفي في الكشف عن القصد الخاص في جريمة القتل التي دان الطاعن بها وهو ما كان الحكم مطالباً باستخلاصه مما يعيبه بما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في 30 أغسطس سنة 1965 بدائرة قسم شبرا محافظة القاهرة: قتل عمداً محمد سيد كدواني بأن أطلق عليه عياراً نارياً من بندقية قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه جاء قاصراً في التدليل على القصد الجنائي في جريمة القتل العمد التي دان الطاعن بها مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين تعرض لنية القتل قال ما محصله إن الطاعن حينما أطلق الأعيرة النارية إنما كان بقصد إزهاق الروح وليس للإرهاب فهو خفير نظامي عالم بأصول التصويب ولم يطلق الأعيرة النارية في الهواء عالياً بل أطلقها من سلاحه الذي كان ممسكاً به في وضع الضرب في كل الاتجاهات حسبما جاء على لسان الشاهدين نبيه عبد القادر مبروك والشاذلي عبد الواحد جاب الله وقد شهد هذا الأخير بأن الطاعن عندما أطلق تلك الأعيرة كان يبغي قتل أحد أفراد أسرة خضيري إظهاراً لقوته وقوة عائلته وأنه أطلق العيار الثالث في الجنب حيث كان يوجد المجني عليه ولو كان الطاعن يقصد من إطلاق الأعيرة النارية الإرهاب فحسب لأطلق عياراً نارياً واحداً ولكنه أطلق ثلاثة أعيرة مما يكشف عن قصد إزهاق الروح وقد تحقق له ما أراد بقتل المجني عليه، وما أورده الحكم في هذا الخصوص لا يستقيم به التدليل على نية القتل كما هي معرفة به في القانون، ذلك بأن جريمة القتل العمد تتميز عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه وهذا العنصر ذو طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه ويتعين على القاضي أن يعني بالتحدث عنه استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. لما كان ذلك، وكان استدلال الحكم من أقوال الشاهدين وكيفية التصويب وظروف الحال في الدعوى على توافر نية القتل لدى الطاعن لم يكن سوى مجرد رأي استنتاجي لا يفيد العلم الحقيقي بنية الفاعل ثم إن انخفاض مستوى التصويب واتجاهه إلى الناحية التي كان بها المجني عليه لا يدل على وجه اليقين بأن التصويب في هذه الصورة كان بقصد إزهاق روحه، كما أن ما قاله الحكم من عنف الخصومة في المعركة وعدد الأعيرة المسند إلى الطاعن إطلاقها لا تؤدي حتماً إلى إثبات نية القتل لديه لاحتمال أن تتعدى نيته في هذه الحالة مجرد الإصابة وهو ما لا يكفي في إثبات نية القتل، كما أن تعدد الأعيرة التي أطلقت دون أن تحدث إصابة إلا من واحد منها مما يتعذر معه القول بأن مطلقها وهو خفير نظامي عالم بأصول التصويب كانت لديه نية القتل. لما كان ذلك، فإن ما أورده الحكم في هذا الصدد لا يكفي في الكشف عن القصد الخاص في جريمة القتل التي دان الطاعن بها وهو ما كان الحكم مطالباً باستخلاصه ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه معيباً متعيناً نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن