أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 862

جلسة 9 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عباس العمراوي، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(173)
الطعن رقم 675 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ، و) دعوى جنائية. "تحريكها". "قيود تحريكها". رقابة إدارية. "اختصاصها". اختصاص. "اختصاص الرقابة الإدارية". "نطاقه". هيئات عامة. مؤسسات عامة. موظفون عموميون. تحقيق. "التحقيق بمعرفة النيابة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". رشوة.
(أ) شمول اختصاص الرقابة الإدارية للجهاز الحكومي وفروعه والجهات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة وجميع الجهات التي تسهم الدولة فيها على أي وجه.
(ب) انبساط اختصاص الرقابة الإدارية على القطاع الخاص عند تعامله مع شركة من شركات القطاع العام ولو كان تعامله معها من الباطن.
(ج) عدم تقيد النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها. إلا بما وضعه المشرع من قيود. مجرد قيام جهة بعينها بالمراقبة والتحري. لا يعتبر قيداً على النيابة في تحريك الدعوى ومباشرتها.
(د) نص المادة الثامنة من القانون 54 لسنة 1964 لا يعتبر قيداً على حرية النيابة في تحريك الدعوى ومباشرتها وما ورد في النص. إجراء تنظيمي للرقابة الإدارية والخطاب فيه موجه إليها.
(هـ) انحسار الطعن عما تتخذه النيابة من إجراءات. ما دام أن المشرع لم يقيدها في هذا الصدد. حق النيابة في اتخاذ ما تراه من الإجراءات في الجريمة. ولو أبلغت إليها من آحاد الناس.
(و) اختصاص الرقابة الإدارية. لا يحول بين الجهة الإدارية وبين حقها فحص الشكوى والرقابة والتحقيق. المادة 8 من القانون 54 لسنة 1964.
(ز، ح، ط، ي) رشوة. جريمة. "أركانها". موظفون عموميون. قرارات وزارية. اختصاص. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(ز) كفاية كون الموظف له علاقة بالعمل المتصل بالرشوة، أو له فيه نصيب من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة.
(ح) تعيين أعمال الوظيفة. بمقتضى قانون أو لائحة. أو بتكليف من رئيس مختص. ولو صدر قرار وزاري بتنظيم العمل بين الموظفين.
(ط) اختصاص رئيس الشئون الفنية بهيئة التأمينات في استخراج شهادات التأمين على العمال.
(ي) خلو الحكم من التناقض والاضطراب. إيراده ما له أصل في الأوراق. عدم قبول النعي عليه في هذا النطاق.
(ك، ل، م) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". "شريط التسجيل". دفوع. "الدفع بعدم مشروعية التسجيل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(ك) الرد على الدفع بعدم مشروعية التسجيل. غير لازم. ما دام أن المحكمة لم تعول على هذا التسجيل.
عدم التزام المحكمة بالرد على قالة احتمال تأثر الشاهد بما حواه التسجيل. علة ذلك؟
(ل) أخذ المحكمة بشهادة الشاهد. يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. الجدل في ذلك أمام النقض. غير جائز.
(م) حق محكمة الموضوع في الأخذ بأقوال الشاهد في مرحلة من مراحل التحقيق دون أخرى.
مفاد أخذ المحكمة بما أخذت به أنها اطمأنت إلى صحته وأطرحت ضمناً ما ساقه الدفاع في شأن عدم الأخذ به.
1 - إذ نصت المادة الثانية من القانون رقم 54 لسنة 1964 بشأن إعادة تنظيم الرقابة الإدارية على أنه مع عدم الإخلال بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكوى والتحقيق، تختص الرقابة الإدارية بالآتي: - (ج) الكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من الموظفين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم، والعمل على منع وقوعها، وضبط ما يقع منها. كما نصت المادة الرابعة من ذات القانون على أن "تباشر الرقابة الإدارية اختصاصاتها في الجهاز الحكومي وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة، وكذلك جميع الجهات التي تسهم الدولة فيها بأي وجه من الوجوه" فإن ذلك مما يعتبر معه أن المشرع لا يقصر حق الرقابة على الموظفين بالمعنى المفهوم في فقه القانون وإنما بسطه ليشمل العاملين في جميع الجهات والأجهزة المنصوص عليها في المادة الرابعة المار ذكرها.
2 - متى كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعنين الأول والثاني من مقاولي القطاع الخاص وقد نيط بهم مباشرة أعمال عامة من باطن الشركة المصرية للأعمال المدنية وهي إحدى شركات القطاع العام، وقد عرض المذكوران الرشوة بقصد إخلال من عرضت عليهما بواجبهما عند تحديد المبلغ الواجب دفعه لهيئة التأمينات الاجتماعية عن هذه الأعمال، فإن اختصاص الرقابة الإدارية ينبسط عليهما.
3 - تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى العمومية ومباشرتها، ولا يرد على حريتها من القيود في هذا الصدد، إلا ما قرره المشرع لاعتبارات ارتآها ترجع إلى طبيعة الجريمة أو صفة المتهم بارتكابها، وليس في القانون ما يجعل من مجرد قيام جهة بعينها بالتحريات والمراقبة قيداً على تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية ومباشرتها.
4 - إن نص المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 بشأن إعادة تنظيم الرقابة الإدارية لا يعدو أن يكون إجراء منظماً للعمل في الرقابة الإدارية ولا يعتبر قيداً على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، فالخطاب في النص موجه إلى الرقابة الإدارية، أما النيابة العامة فهي تسير في التحقيق والتصرف فيه وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية.
5 - إنه متى كانت الجريمة التي باشرت الرقابة الإدارية إجراءات التحريات والرقابة بشأنها من الجرائم التي لا يخضع رفع الدعوى العمومية عنها أو ضد المتهم بارتكابها لأي قيد من القيود الواردة في قانون الإجراءات الجنائية، فإن ما تتخذه النيابة العامة من إجراءات يكون بمنأى عن أي طعن ولو كانت إحالة الأوراق إليها من الرقابة الإدارية لم يلتزم في شأنها نص المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 المشار إليه، ذلك أن من حق النيابة العامة أن تتخذ ما تراه من إجراءات ولو أبلغت إليها الجريمة من آحاد الناس.
6 - إن صدر المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 صريح في أن اختصاص الرقابة الإدارية بالتحري والمراقبة، لا يحول بين الجهة الإدارية وبين حقها في الرقابة وفحص الشكوى والتحقيق، ولا يسوغ القول مع هذا بأن المادة المذكورة لا تضع قيداً على ما تجريه الجهات الإدارية من تحقيق ثم تكون هذه المادة قيداً على ما تجريه النيابة العامة من تحقيق.
7 - من المقرر في القانون أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو وحده المختص بجميع العمل المتصل بالرشوة، بل يكفي أن يكون له علاقة به، أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة.
8 - لا يحتم القانون أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قانون أو لائحة، وليس فيه ما يمنع أن يدخل في أعمال الموظف العمومي كل عمل يرد عليه تكليف صادر من رئيس مختص، ولا يقدح في ذلك أن يكون هناك قرار وزاري بتنظيم توزيع العمل بين الموظفين لأن ذلك إجراء تنظيمي لا يهدر حق رئيس الإدارة في تكليف موظف بعمل خاص بإدارة أخرى.
9 - إذا كان الطاعنان لا يجحدان أن الموظف المعروض عليه الرشوة هو رئيس الشئون الفنية الذي يدخل في اختصاصه التفتيش على قسم الملفات المعهدة إليه باستخراج شهادات التأمين، فإن في هذا ما يجعل له اختصاصاً في صدد استخراج هذه الشهادات.
10 - متى كان ما أورده الحكم في شأن الغرض من الرشوة خالياً من التناقض والاضطراب وله أصله الثابت في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يكون على غير أساس وواجب الرفض.
11 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعنين إلى شهادة الشهود، ولم يعول في ذلك على ما تضمنه شريط التسجيل، فإنه لم يكن بحاجة إلى أن يرد على الدفع بعدم مشروعية التسجيل، أما القول باحتمال أن يكون عضواً الرقابة الإدارية الشاهدان قد استعانا في أداء الشهادة بما تضمنه التسجيل، فإنه لا يعدو أن يكون تشكيكاً في أقوال الشاهدين لا تلتزم المحكمة بالرد عليه.
12 - من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه متى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
13 - إنه لا حرج على محكمة الموضوع إذا هي أخذت بقول للشاهد في مرحلة من مراحل التحقيق دون قول آخر له في مرحلة أخرى، كما أنها غير ملزمة بأن تعرض لكل من القولين وأن تذكر العلة لأخذها بأحدهما دون الآخر، ذلك بأن أخذها بما أخذت به معناه أنها اطمأنت إلى صحته، وهو إطراح ضمني لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به مما لا يجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في 30 يونيو سنة 1966 بناحية مركز طنطا محافظة الغربية: عرضوا رشوة على موظفين عموميين للإخلال بواجبات وظيفتيهما وذلك بأن قدموا لمحمد أحمد شاهين، ورفعت بسيوني البحيري الموظفين بإدارة الشئون الفنية بمراقبة التأمينات الاجتماعية بمحافظة كفر الشيخ مبلغ 250 ج على سبيل الرشوة مقابل تخفيض قيمة المبالغ المستحقة للمراقبة قبل المتهمين الأول والثاني ولكن الموظفين العموميين لم يقبلا الرشوة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 104 و109 و110 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملا بمواد الاتهام والمادة 111/ 1 من القانون ذاته بمعاقبة كل من الطاعنين بالسجن ثلاث سنوات وتغريم كل منهم 500 ج والمصادرة. فطعن الوكيل عن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض، كما طعن فيه الوكيل عن المحكوم عليه الثالث بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما مع الطاعن الثالث في جريمة عرض رشوة جاء مشوباً بالخطأ في القانون ذلك بأن الدفاع عنهما دفع ببطلان إجراءات الضبط التي قام بها رجال الرقابة الإدارية لأنهم من رجال الضبط القضائي ذوي الاختصاص الخاص المنصوص عليه في المادة 4 من القانون رقم 54 لسنة 1964 وهذا الاختصاص الخاص لا يمتد إلى ضبط الجرائم التي يرتكبها الأفراد العاديون أو الموظفون فيما لا اتصال له بأعمال وظائفهم، وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفع بما يدل على فهم غير صحيح للقانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعنين وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ثم عرض لدفاع الطاعنين ورد عليه في قوله "وحيث إنه في خصوص ما دفع به الدفاع عن المتهمين عن عدم اختصاص للرقابة الإدارية بضبط الجريمة فهو في غير محله ذلك لأن المادة الثانية في فقرتها جـ من القانون رقم 54 لسنة 1964 تنص على أن تختص الرقابة الإدارية بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من الموظفين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم والعمل على منع وقوعها وضبط ما يقع منها. ولما كان المتهم الثالث..... وهو موظف بشركة من شركات القطاع العام قد كلف رئيس مجلس إدارة الشركة وفق ما قرر في التحقيقات تكليفاً شفوياً يوم 26/ 6/ 1966 وأصبح كتابياً يوم 28/ 6/ 1966 بموافقة المتهمين الأولين لمتابعة استخراج الشهادة المؤقتة عن كل من المقاولتين ولضمان سداد المستحق للهيئة ولا ينال من ذلك أنه ليس ممن يباشرون العمل من قبل الشركة عن المقاولتين ما دام أنه كلف من رئيسه، وبذلك فإن للرقابة الإدارية حق في ضبط الجرائم الجنائية التي تقع منه أثناء قيامه بما كلف به، كما أن للرقابة الإدارية الحق في مراقبة كل من..... و....، ولا يرد على ذلك أن الأخيرين هما اللذان أبلغا بعرض الرشوة لأن الإبلاغ ليس بمانع للرقابة الإدارية من ضبط ما يحتمل أن يرتكبه الأخيران من جريمة رشوة لجواز أن يكون التبليغ عن مبلغ أقل من المبلغ الحقيقي تغطية لمركزهما في اقتضاء ما زاد كرشوة، فإذا أضيف إلى ذلك أن للرقابة الإدارية وهي في سبيل مراقبة الموظفين للكشف عما يرتكبونه من جرائم أثناء مباشرتهم لوظائفهم أن تراقب وتتابع من ليس موظفاً حتى تصل من هذه الرقابة والمتابعة إلى الموظف المقصود ضبط الجريمة التي يقارفها، وذلك لأن مراقبة غير الموظف في هذه الحالة ليست غاية ولكنها وسيلة يتوسل بها إلى تنفيذ ما أجازه القانون للرقابة الإدارية وأقحم غير الموظف نفسه عليها فعرضها بذلك للرقابة، فإذا حصلت تلك الرقابة وقامت من غير الموظف حالة تلبس بجريمة كان من حق الشخص العادي بل ومن باب أولى لعضو الرقابة الإدارية - وهو من رجال الضبطية القضائية - ضبطه كما أن للرقابة الإدارية مباشرة كافة اختصاصاتها بالنسبة لأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة وذلك وفق ما قررته المادة الرابعة من القانون آنف الذكر إذ نصت على حق الرقابة الإدارية في مباشرة اختصاصاتها في الجهاز الحكومي وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها والجمعيات العامة والخاصة وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة. ولما كان المتهمان الأول والثاني قد أسندت إليهما أعمال عامة هي مقاولتي محطتي 3 و6 ومحولاتهما من باطن إحدى شركات القطاع العام، ومن ثم فإن للرقابة الإدارية أن تباشر اختصاصاتها حيالهما. ولما كان التأمين على العمال مرتبطاً بعملهما فلها حق ضبط ما يقع مخالفاً، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنهما قد ضبطا متلبسين بالجريمة عند ضبط المتهم الثالث - وهو موظف بإحدى الشركات التابعة لمؤسسة التشييد والبناء - ومراقبة الشاهدين الأولين، وفي كلتا الحالتين للرقابة الإدارية مباشرة اختصاصاتها وضبط ما لم يكن موظفاً وفق ما سلف البيان" وما أورده الحكم فيما تقدم يتفق وصحيح القانون، ذلك بأن المادة الثانية من القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية تنص على أنه "مع عدم الإخلال بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكوى والتحقيق تختص الرقابة الإدارية بالآتي: (ج) الكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التي تقع من الموظفين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم والعمل على منع وقوعها وضبط ما يقع منها. كما نصت المادة الرابعة من القانون المذكور على "أن تباشر الرقابة الإدارية اختصاصاتها في الجهاز الحكومي وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها والجمعيات العامة وأجهزة القطاع الخاص التي تباشر أعمالاً عامة وكذلك جميع الجهات التي تسهم الدولة فيها بأي وجه من الوجوه" مما يعتبر أن المشرع لا يقصر حق الرقابة على الموظفين بالمعنى المفهوم في فقه القانون وإنما بسطه ليشمل العاملين في جميع الجهات والأجهزة المنصوص عليها في تلك المادة. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعنين الأول والثاني من مقاولي القطاع الخاص وقد نيط بهما مباشرة أعمال عامة من باطن الشركة المصرية للأعمال المدنية وهي إحدى شركات القطاع العام. وقد عرضت الرشوة بقصد إخلال من عرضت عليهما بواجبهما عند تحديد المبلغ الواجب دفعه لهيئة التأمينات الاجتماعية عن هذه الأعمال، فإن اختصاص الرقابة الإدارية ينبسط عليها ويكون هذا الوجه من الطعن غير سديد واجب الرفض.
وحيث إن مبنى الشق الأول من الوجه الثاني أنهما دفعا تهمة عرض الرشوة المزعومة بأن شرط قيام هذه الجريمة هو أن يكون من عرضت عليه الرشوة مختصاً بالعمل المطلوب أداؤه، وأن الشاهدين المبلغين لا اختصاص لهما على الإطلاق في إصدار الشهادات المؤقتة بهيئة التأمينات الاجتماعية منهما من موظفي الإدارة الفنية، والاختصاص بإصدار الشهادات منعقد لقسم البيانات والملفات فقط، وأن قول الحكم بأن مراقب الهيئة قد عهد إلى هذين الشاهدين بحث أمر تقدير المبلغ المطلوب من الطاعنين لاستصدار الشهادة المؤقتة يتنافى مع القرارات الإدارية الرسمية المودعة بملف الدعوى والتي أغفل الحكم الإطلاع عليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفاع بقوله: "وحيث إنه في خصوص ما دفع به المتهمون من عدم اختصاص رفعت بسيوني البحيري باستخراج الشهادات المؤقتة فهو دفاع مردود، ذلك لأنه وإن كان رئيس قسم البيانات والملفات الأستاذ ممدوح الطويل منوط به استخراج الشهادات المؤقتة وفق التعليمات، إلا أن رفعت بسيوني البحيري وهو رئيس الشئون الفنية ويدخل ضمن اختصاصه التفتيش على الأقسام ومنها عمليات استخراج الشهادات المؤقتة، ومن حقه أن يبدي له مخالفتها وأن يحرر مذكرة بذلك يقدمها للمراقب الذي يقوم بإلغاء جميع الإجراءات السابقة، قد كلف تكليفاً صحيحاً من رئيسه المختص (مراقب الهيئة) بإنهاء إجراءات شهادتي التأمين المؤقتة وليس في القانون ما يحتم أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قوانين أو لوائح، فلا مانع يمنع أن تحدد هذه الأعمال بمقتضى أوامر مكتوبة أو شفوية بناء على تكليف صحيح صادر من رئيس مختص. كما أن الشاهد الثاني محمد أحمد شاهين مختص بمقتضى التفويض الصادر له من المراقب بالتوقيع على الشهادات المؤقتة كما أنه كلف من قبله أيضاً متابعة استخراج الشهادتين، ومن ثم فإن إجراءات استخراج الشهادتين والتوقيع عليهما قد أسند إليهما ذلك من رئيس مختص" وما أورده الحكم سائغ وسديد فمن المقرر في القانون أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة، بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة. كما أن القانون لا يحتم أن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضي قانون أو لائحة، وليس في القانون ما يمنع أن يدخل في أعمال الموظف العمومي كل عمل يرد عليه تكليف صادر من رئيس مختص. ولا يقدح في ذلك أن يكون هناك قرار وزاري ينظم توزيع العمل بين الموظفين لأن ذلك إجراء تنظيمي لا يهدر حق رئيس الإدارة في تكليف موظف بعمل خاص في إدارة أخرى، فضلا عن أن هذين الطاعنين لا يجحدان أن رفعت بسيوني البحيري وهو رئيس الشئون الفنية يدخل في اختصاصه التفتيش على قسم الملفات المعهود إليه باستخراج شهادات التأمين مما يجعل له اختصاصاً في صدد استخراج هذه الشهادات.
وحيث إن مبنى الشق الثاني من الوجه الثاني من أوجه الطعن أن الحكم تعثر في فهم واقعة الدعوى على وجهها الصحيح فاضطرب في بيان مقابل الرشوة ففي صدر بيانه للواقعة يردها إلى أنها كانت مقابل تسليم الطاعنين شهادتين مؤقتين للتأمين على عمالهما لقاء مبلغ أقل مما كان يتعين عليهما دفعه وللتغاضي عن توقيع الجزاءات عن التأمين في الميعاد القانوني، وتارة يرجعها إلى أنها كانت لمجرد الإسراع في استخراج الشهادتين المؤقتين دون التحقق من صحة ما تضمنته الكشوف بالنسبة لعدد العمال وأجورهم وكذلك للتغاضي عن توقيع الجزاءات التي توقع على الطاعنين بسبب عدم إجرائهما التأمين على العمال في الميعاد الذي حدده القانون، وللأخذ بالشهادة التي قدمها الطاعن الثالث من أن العمل كان شبه متوقف في الفترة من نوفمبر سنة 1965 حتى فبراير سنة 1966 وأن ما قرره الحكم عن بيان المقابل لا ترشح له أوراق الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه ذكر وهو بصدد بيانه لواقعة الدعوى أن الرشوة عرضت على الموظفين "وذلك لقاء تسليم المتهمين شهادتين مؤقتين بالتأمين عن عمال الأول والثاني منهم بعد دفع مبالغ تأمين أقل مما كان يتعين عليهما دفعه والتغاضي عن توقيع الجزاءات للتأخير عن التأمين في الميعاد القانوني" ثم عرض - وهو بصدد الحديث عن توافر أركان جريمة الرشوة - إلى الغرض منها فقال "وحيث إن ما عرضه المتهمون من رشوة لموظفين عموميين كان الغرض منه استخراج الشهادتين المؤقتتين بسرعة دون تحقيق لصحة ما تضمنته الكشوف بالنسبة لعدد العمال وأجورهم والتغاضي عن توقيع الجزاءات التي توقع على المتهمين الأولين لعدم التأمين على العمال في الوقت الذي حدده القانون والأخذ بالشهادة التي قدمها المتهم الثالث والتي تتضمن أن العمل في المقاولتين كان شبه متوقف في الفترة من نوفمبر سنة 1965 حتى فبراير سنة 1966 دون مناقشة لمحتوياتها ومدة مطابقتها للحقيقة وحتى يتوصلا لدفع مبلغ كتأمين أقل مما كان يتعين دفعه، ولما كان ما أورده في شأن الغرض من الرشوة خال من التناقض والاضطراب وله أصله الثابت في الأوراق فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يكون على غير أساس وواجب الرفض.
الأسباب المقدمة من الطاعن الثالث
من حيث إن الوجهين الأول والرابع والشق الأول من الوجه الخامس تتفق في مضمونها مع أوجه الطعن المقدمة من الطاعنين الأول والثاني وهي مردودة عما سبق الرد به على أسباب الطعن المقدمة منهما.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون حين قضى برفض الدفع ببطلان الإجراءات التي قامت عليها الدعوى لعدم صدور الإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو نائبه بإحالة الأوراق إلى النيابة العامة، مستنداً في ذلك إلى أن استصدار الإذن هو إجراء من قبيل التنظيم الإداري، ذلك بأن مبررات التنظيم التي ذكرها الحكم هي بعينها مبررات الإذن كما هو وارد بالمادة 9 من قانون الإجراءات الجنائية بوصفه قيداً إجرائياً يترتب البطلان على مخالفته.
وحيث إن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى العمومية ومباشرتها ولا يرد على حريتها من القيود في هذا الصدد إلا ما قرره المشرع لاعتبارات ارتآها ترجع إلى طبيعة الجريمة أو صفة المتهم بارتكابها، وليس في القانون ما يجعل من مجرد قيام جهة بعينها بالتحريات والمراقبة قيداً على تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية ومباشرتها. لما كان ذلك، وكان ما نص عليه المشرع في المادة الثامنة من القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية من أنه "يجوز للرقابة الإدارية أن تجرى التحريات والمراقبة السرية بوسائلها الفنية المختلفة كلما رأت مقتضى لذلك وأنه إذا أسفرت التحريات أو المراقبة عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية أو النيابة حسب الأحوال بإذن من رئيس الرقابة الإدارية أو من نائبه. وعلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة إفادة الرقابة الإدارية بما انتهى إليه التحقيق. ويتعين الحصول على موافقة رئيس المجلس التنفيذي (أصبح رئيس مجلس الوزراء) بالنسبة إلى الموظفين الذين في درجة مدير عام فما فوقها أو الموظفين الذين تجاوز مرتباتهم الأصلية 1500 ج سنوياًًًًًً عند إحالتهم للتحقيق. فإنه لا يعدو أن يكون إجراء منظماًًًًًً للعمل في الرقابة الإدارية ولا يعتبر قيدا على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها فالخطاب في النص موجه إلى الرقابة الإدارية أما النيابة العامة فهي تسير في التحقيق والتصرف فيه وفقاًً لقانون الإجراءات الجنائية فطالما كانت الجريمة التي باشرت الرقابة الإدارية إجراءات التحريات والرقابة بشأنها من الجرائم التي لا يخضع رفع الدعوى العمومية عنها أو ضد المتهم بارتكابها لأي قيد من القيود الواردة في قانون الإجراءات الجنائية فإن ما تتخذه النيابة العامة من إجراءات يكون بمنأى عن أي طعن ولو كانت إحالة الأوراق إليها من الرقابة الإدارية لم يلتزم في شأنها بنص المادة الثامنة لأن من حق النيابة العامة أن تتخذ ما تراه من إجراءات ولو أبلغت إليها الجريمة من آحاد الناس. ومما هو قاطع الدلالة في أن الإجراءات المنصوص عليها في المادة الثامنة هي من الإجراءات التنظيمية أن هذه الإجراءات تسري على الإحالة إلى النيابة الإدارية وإلى النيابة العامة وقد جاء صدر المادة الثامنة صريحاً في أن اختصاص الرقابة الإدارية بالتحري والمراقبة لا يحول بين الجهة الإدارية وبين حقها في الرقابة وفحص الشكوى والتحقيق ولا يسوغ القول بأن المادة الثامنة لا تضع قيداً على ما تجريه الجهات الإدارية من تحقيق ثم تكون هذه المادة قيداً على ما تجريه النيابة العامة من تحقيق. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن حول بطلان إجراءات التحقيق يكون على غير سند صحيح من القانون.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن رجال الرقابة الإدارية قد استعانوا في ضبط الطاعنين بجهازي تسجيل وضعوهما خفية عن المتهمين بمنزل........ الذي ضبطوا فيه وقد دفع الدفاع بعدم شرعية هذا الإجراء وخلا الحكم من الرد على هذا الدفع أو الإشارة إليه ولا يغني عن وجوب الرد على هذا الدفع أن تكون المحكمة لم تستند إلى ما جاء بشريط التسجيل لأن الطعن على التسجيل لا يقتصر على ما جاء بالشريط وإنما ينسحب أثره على شهادة من أجرى التسجيل إذ لا يعرف مدى ما تضمنته شهادة عضوي الرقابة من معلومات استقياها نقلاً عن جهاز التسجيل أو مستعينين به إذ يمكن أن يجأ إليه في كل وقت لسد ما قد يعتري الذاكرة من ثغرات نتيجة السهو والنسيان.
وحيث إن الحكم المطعون فيه استند في إثبات التهمة في حق الطاعنين إلى شهادة محمد عز الدين مراقب التأمينات الاجتماعية ورفعت بسيوني البحيري رئيس الشئون الفنية بمراقبة التأمينات الاجتماعية ومحمد أحمد شاهين مدير الإدارة الفنية بمراقبة التأمينات الاجتماعية ومصطفى يوسف وفؤاد محمود عمر عضواً الرقابة الإدارية ولم يعول في ذلك على ما تضمنه شريط التسجيل ومن ثم فلم يكن بحاجة إلى أن يرد على الدفع بعدم مشروعية التسجيل وأما القول باحتمال أن يكون عضواً الرقابة قد استعانا في أداء الشهادة بما تضمنه التسجيل، فإنه لا يعدو أن يكون تشكيكاً في أقوال الشاهدين لا تلتزم المحكمة بالرد عليه لأنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه متى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الشق الثاني من الوجه الخامس أن أقوال الشهود لم تستقر طوال التحقيق على قول واحد في تحديد الغرض من الرشوة بل تغيرت أقوالهم أكثر من مره وأن كل ما جاء بالحكم عن الغرض من الرشوة يكشف عن عدم استيعاب المحكمة لوقائع الدعوى فلم يكن الطاعنان الأول والثاني في حاجة إلى الإسراع في استخراج الشهادتين لأن المراقب نفسه كان قد أمر بسرعة استخراجها بعد أن قدر بنفسه المبالغ التي يجب دفعها وأنه لم يكن لعدد العمال دخل في تقدير هذه المبالغ لأنها قدرت على أساس قيمة العمليتين وأن توقيع الجزاء لم يكن له محل بعد تقدير مبلغ التأمين وفقاً لقيمة العمليتين واستخراج الشهادة المؤقتة.
وحيث إن قضاء محكمة النقض قد جرى أنه لا حرج على محكمة الموضوع إذا هي أخذت بقول للشاهد في مرحلة من مراحل التحقيق دون قول آخر له في مرحلة أخرى وأنها غير ملزمة بأن تعرض لكل من القولين وأن تذكر العلة لأخذها بأحدهما دون الآخر ذلك بأن أخذها بما أخذت به معناه أنها اطمأنت إلى صحته وهو إطراح ضمني لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به مما لا يجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لكل ما تقدم تكون جميع الطعون على غير أساس وواجبة الرفض موضوعاً