أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 890

جلسة 16 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود كامل عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(178)
الطعن رقم 547 سنة 39 القضائية

(أ، ب) رشوة. جريمة. "أركان الجريمة". موظفون عموميون. إثبات. "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن بالنقض. ما لا يقبل منها".
(أ) كفاية أن يكون للموظف المرشو علاقة بالعمل المتصل بالرشوة أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. بيان الحكم لهذه العناصر. انحسار عيوب التسبيب عنه.
عدم جواز إثارة الجدل الموضوعي أمام محكمة النقض.
(ب) للمحكمة الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه في مرحلة أخرى.
(ج، د) تفتيش. "إذن التفتيش. تنفيذه". مأمور الضبط القضائي. "سلطاتهم". نيابة عامة. تحقيق. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير صحة التفتيش" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) تنفيذ إذن التفتيش بمعرفة غير من عين فيه بالذات من مأموري الضبط القضائي. غير جائز.
(د) طريقة تنفيذ إذن التفتيش. موكولة لرجل الضبط تحت إشراف سلطة التحقيق ورقابة محكمة الموضوع. مثال.
1 - من المقرر أنه لا يلزم في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو أو الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة. ومتى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه مختص بتجميع العطاءات ودراستها وعرضها على المختصين ومعاينة ما يتم استصناعه من الأعمال والتوقيع على سند الصرف ومقتضى ذلك ولازمه أن له نصيب من الاختصاص بالعمل يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديداً إذ هو لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - إن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى. ومتى كانت المحكمة قد تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسها للأسباب السائغة التي أوردتها، فلا عليها إن هي أخذت به وعولت عليه حتى ولو عدل المقر عنه أمامها. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له وجه.
3 - الأصل أنه لا يجوز لغير من عين بالذات من مأموري الضبط القضائي في إذن التفتيش أن ينفذه ولو كان ذلك بطريق الندب من المأمور المعين ما دام الإذن لا يملكه هذا الندب.
4 - من المقرر أن طريقة تنفيذ الإذن موكولة إلى رجل الضبط المأذون له به يجريها تحت إشراف سلطة التحقيق ورقابة محكمة الموضوع فله أن يتخذ من وسائل التحوط ما يمكنه من تحقيق الغرض من التفتيش المأذون له به وأن يستعين في ذلك بأعوانه من رجال الضبط القضائي أو غيرهم من رجال السلطة العامة بحيث يكونون على مرأى منه وتحت بصره. ومتى كان الحكم قد أثبت - بما له أصل صحيح بالأوراق وبما لا يجادل فيه الطاعن - أن رجلي الرقابة الإدارية اللذين قبضا عليه وفتشاه قد قاما بهذا الإجراء على مرأى وبإشراف من زميلهما رجل الرقابة المأذون له بالقبض والتفتيش، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 4 يوليه سنة 1966 بدائرة قسم العطارين محافظة الإسكندرية: بصفته مستخدماً في شركة تساهم الدولة في مالها "رئيس قسم الملابس بمحلات شيكوريل الكبرى" طلب لنفسه وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته وذلك بأن طلب من محمد محمد السبكي مبلغ ثلاثة عشر جنيهاً وستمائة مليم وأخذ منه ثلاثة عشر جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل أن يسند إليه تصنيع ملابس الشركة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 103 و111/ 6 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادتين 103 و111/ 6 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون بمعاقبة المتهم بالسجن مدة ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الرشوة قد خالف القانون وشابه الفساد في الاستدلال، ذلك بأنه قضى برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش على الرغم من عدم إجرائهما بمعرفة عضو الرقابة الإدارية المأذون له بذلك من النيابة العامة إذ تما بواسطة زميلين له كانا يرافقانه، ولا يصحح هذا البطلان استناد الحكم إلى اعتراف الطاعن لأنه تم تحت ضغط الإكراه وقد عدل عنه بعد ذلك بجلسة المحاكمة. هذا إلى أن الطاعن ليس له اختصاص بالعمل المتصل بالرشوة لاقتصار عمله على مجرد عرض أوراق العطاءات على المختصين وليس في ذلك ما يسهل رسوها على أحد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة - لا يجادل الطاعن في أن لها معينها الصحيح بالأوراق - من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما من غير المأذون له من النيابة العامة بإجرائهما واطرحه استناداً إلى اعتراف الطاعن بجميع مراحل التحقيق بضبط مبلغ الرشوة بحيازته ولما شهد به عضو الرقابة الإدارية المأذون له من النيابة العامة بالقبض والتفتيش من قيام زميليه بهذه الإجراءات تحت إشرافه وملاحظته، كما عرض الحكم إلى دفاع الطاعن ببطلان الاعتراف الصادر منه وأطرحه استناداً إلى أن اعترافه بتحقيقات النيابة العامة جاء مفصلاً وصريحاً وواضحاً ولم يدع أن إكراهاً قد وقع عليه بقصد حمله على الاعتراف. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم سديداً في القانون سائغا في التدليل ويكفي لحمل قضائه فيما انتهى إليه من رفض هذه الدفوع، ذلك لأنه وإن كان الأصل أنه لا يجوز لغير من عين بالذات من مأموري الضبط القضائي فى إذن التفتيش أن ينفذه ولو كان ذلك بطريق الندب من المأمور المعين ما دام الإذن لا يملكه هذا الندب، إلا أن طريقة تنفيذ الإذن موكولة إلى رجل الضبط المأذون له به يجريها تحت إشراف سلطة التحقيق ورقابة محكمة الموضوع، فله أن يتخذ من وسائل التحوط ما يمكنه من تحقيق الغرض من التفتيش المأذون له به وأن يستعين فى ذلك بأعوانه من رجال الضبط القضائي أو غيرهم من السلطة العامة بحيث يكونون على مرأى منه وتحت بصره. ولما كان الحكم قد أثبت - بما له أصل صحيح بالأوراق وبما لا يجادل فيه الطاعن - أن رجلي الرقابة الإدارية اللذين قبضا عليه وفتشاه قد قاما بهذا الإجراء على مرأى وبإشراف من زميلهما رجل الرقابة المأذون له بالقبض والتفتيش، فإن منعى الطاعن فى هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، ولها فى سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم فى أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه فى مراحل أخرى، وكانت المحكمة قد تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسها للأسباب السائغة التي أوردتها، فلا عليها إن هي أخذت به وعولت عليه حتى ولو عدل المقر عنه أمامها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون له وجه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعن بتخلف شرط اختصاصه بالعمل الذي وقعت من أجله الرشوة - والذي يثيره بوجه النعي - ورد عليه بقوله "إنه مردود بما شهد به مساعد مدير الشركة من أن المتهم مختص بتجميع العطاءات ودراستها ثم عرضها على المختصين فضلاً عن أنه يقوم بمعاينة ما يتم استصناعه من الأعمال ويوقع على فاتورة الصرف مما يجعله بحكم ذلك مختصاً على وجه ما فى عمليات كثيرة ويكون من سلطته تسهيل أعمال مقدمي العطاءات" ولما كان الطاعن لا يجادل فى صحة ما نقله الحكم عن مساعد مدير الشركة، وكان من المقرر أنه لا يلزم فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو أو الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة، وكان الحكم قد أثبت فى حق الطاعن - وعلى ما سلف بيانه - أنه مختص بتجميع العطاءات ودراستها وعرضها على المختصين ومعاينة ما يتم استصناعه من الأعمال والتوقيع على سند الصرف ومقتضى ذلك ولازمه أن له نصيب من الاختصاص بالعمل يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون سديداً، إذ هو لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمه النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.