أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 895

جلسة 16 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عباس العمراوي، ومحمود كامل عطيفة.

(179)
الطعن رقم 646 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". جريمة. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب. "ضرب أفضى إلى موت".
(أ) تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي. موضوعي.
مجرد قيام المجني عليه بقطع زرع اشتراه ولم يدفع ثمنه. ليس فيه جريمة يقوم معها حق الدفاع الشرعي عن المال.
(ب) البحث فى تجاوز حق الدفاع الشرعي. لا ينشأ إلا بنشوء الحق فيه.
(ج) متى يكون النعي على الحكم بأنه لم يستظهر من البادئ بالعدوان. مردوداً؟
(د، هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
(د) كفاية كون الأدلة فى مجموعها كوحدة منتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها.
(هـ) تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. من شأن محكمة الموضوع.
1 - تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليها. وإذ كان ذلك، وكان مؤدى ما أورده الحكم من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه من نفي حالة الدفاع الشرعي، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد لا يكون مقبولاً، ومن ناحية أخرى فإن مجرد قيام المجني عليه بقطع البرسيم المتفق بينه وبين الطاعن على شرائه - بفرض أنه لم يكن قد دفع ثمنه - لا يكون جريمة تبيح للطاعن حق الدفاع الشرعي عن ماله.
2 - إن البحث فى تجاوز حق الدفاع الشرعي لا يكون إلا بعد نشوء الحق وقيامه، ولما كان الحكم قد نفى حصول عدوان من جانب المجني عليه، فإنه لا يكون قد قام حق للطاعن فى الدفاع يسوغ معه البحث فى مدى مناسبة طعنه للمجني عليه بمطواة كرد على ذلك العدوان.
3 - القول بأن المحكمة لم تستظهر البادئ بالعدوان، مردود بأن الحكم قد تصدى لهذا الأمر وهو بصدد الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي، واستخلص فى تدليل سائغ أن الطاعن هو المعتدي أولاً وأخيراً.
4 - من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى، بل يكفي أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها منتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
5 - متى كان لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير، وكان ما أثبته الحكم من مقارفة الطاعن للفعل المسند إليه طعناً للمجني عليه بالمطواة عمداً يكفي فى سليم المنطق وصحيح القانون رداً على ما أثاره الطاعن من شبهات فى حقيقة الحادث، فإن منعاه فى هذا الصدد لا يكون مقبولاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 21 مارس سنة 1967 بدائرة مركز ديرب نجم محافظة الشرقية: جرح سلامه أحمد سالم عمداً بأن أحدث به عمداً الإصابة الواردة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن أفضى إلى موته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً لما هو وارد بقرار الإحالة، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت فى الدعوى حضورياً عملاً بالمادة 236 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن مدة سبع سنين. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور فى التسبيب والفساد في الاستدلال كما عابه الخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأنه على الرغم من أن دفاع الطاعن المبدى أمام المحكمة قد قام أصلاً على أن إصابة المجني عليه من المطواة لم تكن عمدية وهو ما يتفق ورواية الشهود وما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن الجرح مستعرض إلا أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع الجوهري دون أن تحققه من الناحية الفنية أو تستظهر فى حكمها ما يفيد أنها كانت على بينة منه أو ترد رداً عليه بما يدحضه. هذا وأن الحكم أستند فى إدانة الطاعن إلى ما جاء بتقرير الصفة التشريحية وإلى جماع ما ورد بأقوال شهود الإثبات الثلاثة فى حين أن تقرير الصفة التشريحية ليس فيه سوى وصف الإصابة. ثم إن أقوال شهود الإثبات فى التحقيقات وبالجلسة قد ران عليها التناقض فلم يشهد منهم سوى الأول بأنه رأى الطاعن وهو يطعن المجني عليه بينما لم يشهد الآخران بذلك. كما أن الحكم ركن فى التدليل على نفي حالة الدفاع الشرعي التي أثارها الطاعن فى دفاعه إلى القول بأنه هو الذي بدأ بالعدوان لأنه أراد أن يمنع المجني عليه قسراً من قطع "البرسيم" الذي ابتاعه منه وفات الحكم أن يستظهر من هو صاحب الحق منهما فى منع الآخر عن قطع "البرسيم" محل النزاع أو من منهما بدأ التماسك وهي لو فعلت ذلك لا تضح لها أن المجني عليه هو المعتدي على حق الطاعن والبادي بالعدوان وبذلك تكون قد قضت بعقوبة فى الدعوى على غير أساس يقيني مما يعيب حكمها المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعن باع لزوج أخته المجني عليه أربعة قراريط "من زراعة برسيم" قائمة وفى يوم الحادث قدمها المجني عليه وأخوه حسن أحمد سالم وطفقا يقطعان فيها وفى ذلك الوقت حضر الطاعن معترضاً حتى يقوم المجني عليه بدفع ثمن ما اشتراه فأجابه بأنه أرسل إليه مساء اليوم السابق خمسة جنيهات فأنكر عليه الطاعن ذلك مصراً على منعه من قطع "البرسيم" فرأى المجني عليه أن يستمر فى ذلك ولا ضير على الطاعن أن يأخذ البرسيم بعد جمعه إذا ما تحقق ظنه فى عدم ورود الثمن إليه فأبى عليه الطاعن ذلك وأصر على موقفه وأقبل على المجني عليه ليمنعه واشتد الأمر بينهما فتماسكا ثم أخرج الطاعن مطواة ليعتدي بها فتخوف المجني عليه على نفسه وأمسك بنصلها يبغى دفع الأذى عن نفسه وصاح بمحمد فوزي محمد نصر وعلي مشرف أحمد مستغيثاً متوجساً مما سيصيبه من المطواة ولكن الطاعن جذبها منه فأصاب نصلها أصابع يد المجني عليه اليسرى وراحتها بعدة جروح قطعية حتى إذا استخلص النصل من قبضة المجني عليه طعنه بالمطواة فى مقدم يسار صدره فأصابه بجرح قطعي طعني طوله 1.5 سم بالمسافة الضلعية السادسة يسار الخط المنتصف بمسافة 3 سم أسفل الترقوة بمسافة 20 سم فنفذ محدثاً قطعا بغضروف الضلع السادس الأيسر ونفذ للتجويف الصدري ثم التامور ثم بعضلة البطين الأيمن للقلب ونفذ لتجويف البطين الأيمن فسقط المجني عليه صريعاً قد فارقته الحياة بسبب تلك الإصابة ونفاذها إلى القلب وما صحب ذلك من نزيف. وساق الحكم للتدليل على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة سائغة مستمدة من أقوال شهود الإثبات حسن أحمد سالم ومحمد فوزي محمد أحمد نصر وعلي مشرف أحمد ومما جاء بتقرير الصفة التشريحية. وبعد أن حصل الحكم مؤدى هذه الأدلة بما يتطابق مع ما أورده عن واقعة الدعوى وبما يتفق والثابت بأوراقها - عرض إلى ما أثاره الطاعن من دفاع فى شأن التشكيك فى حيازة الطاعن للمطواة المستعملة فى الحادث وأن إصابة المجني عليه حدثت نتيجة الشد والجذب ولم تحدث بطريق الطعن بدليل وصفها بتقرير الصفة التشريحية بأنها جرح مستعرض وهي بهذا الوصف لا تحدث عن تعمد التعدي ورد الحكم على هذا الدفاع مشيراً إلى الأدلة التي استخلص منها صورة واقعة الدعوى وذلك فى قوله "ولا ينال من هذا الرأي افتراضات أجراها الدفاع عن المتهم تارة بالقول إن المطواة كانت بيد المجني عليه وحدثت إصابته أثناء التماسك أو أن المتهم لم يقصد إحداث إصابة المجني عليه عندما أمسك بالمطواة وقتئذ فتلك افتراضات ظنية لا أساس لها من واقع فما قال بها المتهم وما شهد بها أحد ولا يسع المحكمة إلا إطراحها وعدم التعويل عليها اطمئناناً منها إلى دلالة أقوال الشهود المدعمة بالتقرير الطبي الشرعي نفيها الدلالة كل الدلالة على أن عطية أحمد منصور (الطاعن) طعن المجني عليه بالمطواة فى صدره متعمداً جرحه فأفضى ذلك إلى موته" وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ وكاف لإثبات أن الطاعن طعن المجني عليه عمداً بالمطواة فأحدث به الإصابات التي أودت بحياته. لما كان ذلك، وكان مؤدى ما نقله الحكم عن تقرير الصفة التشريحية من أن تلك الإصابة قطعية طعنية تحدث من الطعن بآلة حادة كمطواة له أصله الثابت فى الأوراق - على ما يبين من المفردات المنضمة - وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها. وكان ما أثبته الحكم من مقارفة الطاعن للفعل المسند إليه طعناً للمجني عليه بالمطواة عمداً يكفى فى سليم المنطق وصحيح القانون رداً على ما أثاره الطاعن من شبهات فى حقيقة الحادث، ومن ثم فإن منعاه فى هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى بل يكفى أن الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. ولما كان ما شهد به الشاهدان الأخيران محمد فوزي محمد أحمد نصر وعلي مشرف أحمد وأخذ به الحكم لا تناقض فيه مع ما ورد بشهادة الشاهد الأول حسن أحمد سالم عن الصورة الكاملة للحادث التي اعتنقتها المحكمة وكان الحكم قد استخلص الإدانة من مجموع تلك العناصر استخلاصاً سائغاً فلا وجه للنعي عليه استناده إليها مجتمعة بقوله إن شطراً من الواقعة التي استقرت فى عقيدة المحكمة إنما كان أساسه أقوال الشاهد الأول وحده. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد عرض إلى دفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعي وأطرحه فى قوله: "إذا كان المتهم الطاعن وقد أقبل على المجني عليه ليمنعه من قطع ما باعه له من برسيم قد أصر على ذلك لا تثنيه محاولة من المجني عليه لاقتناعه ولما وجد منه استمساكا بحقه نزل إليه عطية - الطاعن - متماسكاً. فإذا ما أسفر هذا التماسك عن إصابات بالمتهم هي خدوش بالوجه وأعلا الظهر فليس فى ذلك ما يجيز للمتهم طعن المجني عليه بالمطواة بمقولة إنه كان فى حالة دفاع شرعي عن النفس فالثابت لدى المحكمة من قول أخي المجني عليه المدعم بالتقرير الطبي الشرعي أن المتهم قد أقبل ليمنع المجني عليه من حقه فى برسيم ابتاعه منه فلما وجد منه استمساكاً بهذا الحق أقبل عليه ليمنعه قسراً فتماسكا فأخرج عطية عندئذ المطواة ليعتدي بها فبادر سلامه - المجني عليه - إلى الإمساك بنصلها يستغيث وقد تخوف على نفسه مما بدا له من شر يوشك أن يوقعه به المتهم فما زاد ذلك هذا الأخير إلا إصراراً على غيه فجذب المطواة وهو الممسك بمقبضها حتى أدمى نصلها راحة يد المجني عليه وأغمدها من بعد فى صدره فكان هو المعتدي أولاً وأخيراً وما كان يرد عدواناً، تلك هي الحقيقة المستخلصة من أقوال أخي المجني عليه والمدعمة بأقوال الشاهدين بالتحقيقات لا ينال منها محاولة من الشاهد علي مشرف أحمد بجلسة المحاكمة تصوير الأمر ليجد فيه المتهم ملاذاً لنفسه فذلك منه قول جديد لا تقيم له المحكمة وزناً فقد ابتغى بباطله إعانة الجاني على الفرار من القصاص. أما تلمس الدفاع قيام حالة الدفاع الشرعي فى القول بأن المتهم كان فى شجار مع المجني عليه يواجهه مع أخيه قد تكالبا عليه عدواناً فذلك ينفيه قول الشاهدين محمد فوزي وعلي مشرف بالتحقيقات أن حسن أحمد سالم لم يشارك فى التماسك ولم يعتد على المتهم. لكل هذا تطرح المحكمة هذا الدفاع فلا سند له من الواقع أو القانون". لما كان ذلك، وكان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلقاً بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليها. ولما كان مؤدى ما أورده الحكم من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه من نفى حالة الدفاع الشرعي، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد لا يكون مقبولاً ومن ناحية أخرى فإن مجرد قيام المجني عليه بقطع البرسيم المتفق بينه وبين الطاعن على شرائه - بفرض أنه لم يكن قد دفع ثمنه - لا يكون جريمة تبيح للطاعن حق الدفاع الشرعي عن ماله. أما القول بأن المحكمة لم تستظهر البادئ بالعدوان فمردود بأن الحكم قد تصدى لهذا الأمر. وهو بصدد الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي واستخلص فى تدليل سائغ أن الطاعن هو المعتدي أولاً وأخيراً أما ما استطرد إليه الطاعن من إثارة تجاوز الطاعن حق الدفاع الشرعي فمردود بأن البحث فى تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي لا يكون إلا بعد نشوء الحق وقيامه. ولما كان الحكم قد نفى حصول عدوان من جانب المجني عليه فإنه لا يكون قد قام حق للطاعن فى الدفاع يسوغ معه البحث فى مدى مناسبة طعن المجني عليه بمطواة كرد على ذلك العدوان. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.