أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 43 - صـ 373

جلسة 23 من فبراير سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب، حسام الدين الحناوي (نواب رئيس المحكمة) ومحمد محمود عبد اللطيف.

(80)
الطعن رقم 168 لسنة 54 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن" "ملحقات العين المؤجرة". إثبات.
العين المؤجرة شمولها للملحقات التي لا تكتمل منفعتها المقصودة من الإيجار إلا بها. عدم تحديد الملحقات في العقد. وجوب الرجوع إلى طبيعة الأشياء وما جرى به العرف. جواز إثبات ذلك بكافة الطرق.
(2) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير رأي الخبير".
تقدير رأي الخبير. من سلطة محكمة الموضوع. أخذها. به لاقتناعها بسلامته وكفاية أبحاثه. شرطه. أن تبين كيف أفاد التقرير معنى ما استخلصته منه.
(3) حكم "عيوب التدليل" "الخطأ في الإسناد ومخالفة الثابت بالأوراق".
إقامة الحكم على واقعة لا سند لها من الأوراق أو مستندة إلى مصدر مناقض. أثره. بطلان الحكم.
1- يدل نص المواد 148/ 2، 432، 564، 566 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن العين المؤجرة لا تقتصر على ما ورد في العقد بشأنها وإنما تشتمل أيضاً ما يكون من ملحقاتها التي لا تكتمل منفعتها المقصودة من الإيجار إلا بها وأنه إذا اتفق المتعاقدان على تحديد ملحقات العين المؤجرة وجب إعمال اتفاقهما وإن لم يوجد اتفاق وجب الرجوع إلى طبيعة الأشياء وإتباع العرف دون التقيد في الخصوص بوسيلة بعينها من وسائل الإثبات لأن هذه الأمور هي من قبيل الواقع المادي الذي يجوز إثباته بكافة الطرق.
2- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير رأي الخبير دون معقب عليها باعتبار أن رأيه لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الإثبات وأن لها أن تأخذ بتقريره متى اقتنعت بسلامته وكفاية أبحاثه، إلا أن أخذها بتقرير الخبير مشروط بأن تبين المحكمة كيف أفاد التقرير معنى ما استخلصته منه.
3- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذا كان الحكم قد بني على واقعة لا سند لها من أوراق الدعوى أو مستنده إلى مصدر موجود ولكنه مناقض لها فإنه يكون باطلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت على الطاعن الدعوى رقم 4444 لسنة 1980 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بأحقيتها في استخدام مأوى السيارة الكائن أسفل العقار المبين بصحيفة الدعوى تأسيساً على أن هذا المكان يعتبر من ملحقات الشقة التي تستأجرها بهذا العقار بموجب العقد المؤرخ 1/ 5/ 1957 وأن الطاعن دأب على محاولة سلبها تلك الميزة بغير حق كما أقام الأخير على المطعون ضدها الدعوى رقم 4902 لسنة 1980 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بمنع تعرضها له في الانتفاع بالمكان سالف البيان استناداً إلى أن عقد الإيجار سالف الذكر قد خلا من النص على أحقيتها في الانتفاع بعين النزاع، كما ألغي ترخيص استغلالها كمأوى للسيارات. حكمت المحكمة برفض الدعوى الأولى وبعدم قبول الدعوى الثانية. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2534 لسنة 98 قضائية، كما استأنفه الطاعن لديها بالاستئناف رقم 2433 لسنة 98 قضائية. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئناف الأول إلى الثاني ندبت فيهما خبيراً - وبعد أن قدمت الخبيرة المنتدبة تقريرها - حكمت بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1983 في الاستئناف رقم 2433 لسنة 98 قضائية برفضه وفي الاستئناف رقم 2534 لسنة 98 قضائية بإلغاء الحكم المستأنف الصادر في الدعوى رقم 4444 لسنة 1980 مدني جنوب القاهرة الابتدائية وبأحقية المطعون ضدها في استخدام عين النزاع مأوى لسيارتها. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه أقام قضاءه بأن المطعون ضدها تنتفع بعين النزاع في إيواء سيارتها منذ بدء الإجارة بتاريخ 1/ 5/ 1957 باعتبارها من ملحقات الشقة المؤجرة لها استناداً إلى ما ورد بتقرير الخبير المنتدبة من أن الثابت من إيصالات سداد أجرة شقة المطعون ضدها إنها اشتملت على القيمة الإيجارية لتلك العين، وأن كشف عوائد العقار عن المدة من سنة 1960 حتى سنة 1970 قد خصص جزءاً من القيمة الإيجارية الواردة به لعين النزاع لاستعمالها مأوى للسيارات، وإلى أن الطاعن لم ينازع في أن أجرة هذه العين تدخل ضمن القيمة الإيجارية لشقة المطعون ضدها حسبما جاء بكشف العوائد الذي قدمته للمحكمة كما لم يبد سبباً لاستعمالها في إيواء سيارتها، وهذا الذي ذهب إليه الحكم لا يصلح سنداً لقضائه، إذ الثابت من عقد إيجار شقة المطعون ضدها أنه خلا من النص على انتفاعها بالعين المتنازع فيها لإيواء سيارتها مما يدل على أن نية المتعاقدين لم تنصرف عند التعاقد إلى أحقيتها في الانتفاع بتلك العين باعتبارها من ملحقات الشقة المؤجرة لها، كما أن إيصالات دفع أجرة هذه الشقة لا يستدل منها على غير ما حررت من أجله وهو سداد الأجرة الشهرية للشقة فقط، أما استدلال الحكم بما تضمنه كشف عوائد العقار عن العشر سنوات اللاحقة لسنة 1960 من أن القيمة الإيجارية موزعة بين مقابل الانتفاع بوحداته وميزة استعمال عين النزاع كمأوى للسيارات وغرف الخدم فهو غير سائغ لأن هذا الكشف يتعلق بفترة زمنية لاحقة لتلك الفترة التي تعاقدت فيها المطعون ضدها على استئجار شقتها بموجب العقد المؤرخ 1/ 5/ 1957، كما يناقضه كشف العوائد عن السنوات العشر ابتداءً من سنة 1950 التي حرر هذا العقد خلالها، إذ الثابت من بياناته أنها لا تتضمن تحديد أجرة مقابل الانتفاع بمأوى السيارات محل النزاع، وقد تمسك بذلك في دفاعه بمذكرتيه المقدمتين لمحكمة الاستئناف في 30/ 4/ 1983، 21/ 5/ 1983، وبأن إيصالات دفع الأجرة التي استندت إليها الخبيرة المنتدبة لم يثبت بها إلا القيمة الإيجارية للشقة المؤجرة للمطعون ضدها دون أية أجرة أخرى تخولها ميزة استعمال العين محل النزاع في إيواء سيارتها، وبأن كشف العوائد عن الفترة اللاحقة لسنة 1970 الذي قدمته الأخيرة للمحكمة لا يصلح سنداً للاستدلال على ما تضمنه في هذا الخصوص لأنه جاء لاحقاً لعقد الإيجار محل النزاع وبعد أن خفضت أجرة الأماكن بموجب القوانين الاستثنائية، كما علل في دفاعه استعمال المطعون ضدها للعين المتنازع عليها بأنه تم بطريق القوة وبغير رضائه إذ اقتحمها زوجها عنوة لإدخال سيارته، وقد أبلغ عن الواقعة وتحرر عنها المحضر رقم 19 أحوال نقطة الجزيرة في 3/ 7/ 1979 ثم أقام دعواه على هذا الأساس وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك وأغفل بحث هذا الدفاع الجوهري وما قدمه من مستندات تأييداً له فهذا مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في الفقرة الثانية من المادة 148 من القانون المدني على أنه "ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته، وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام" وفي المادة 564 من القانون ذاته على أن "يلتزم المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها في حالة تصلح معها لأن تفي بما أعدت له من المنفعة، وفقاً لما تم عليه الاتفاق أو لطبيعة العين" وفي المادة 566 منه على أن "يسري على الالتزام بتسليم العين المؤجرة ما يسري على الالتزام بتسليم العين المبيعة من أحكام، وعلى الأخص ما يتعلق منها بزمان التسليم ومكانه وتحديد مقدار العين المؤجرة وتحديد ملحقاته" وفي المادة 432 منه على أن "يشمل التسليم ملحقات الشيء المبيع وكل ما أعد بصفة دائمة لاستعمال هذا الشيء وذلك طبقاً لما تقضي به طبيعة الأشياء وعرف الجهة وقصد المتعاقدين" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن العين المؤجرة لا تقتصر على ما ورد في العقد بشأنها وإنما تشمل أيضاً ما يكون من ملحقاتها التي لا تكتمل منفعتها المقصودة من الإيجار إلا بها وأنه إذ اتفق المتعاقدان على تحديد ملحقات العين المؤجرة وجب إعمال اتفاقهما وإن لم يوجد اتفاق وجب الرجوع إلى طبيعة الأشياء وإتباع العرف دون التقيد في هذا الخصوص بوسيلة بعينها من وسائل الإثبات لأن هذه الأمور هي من قبيل الواقع المادي الذي يجوز إثباته بكافة الطرق، ولما كان الثابت أن عقد الإيجار المؤرخ 1/ 5/ 1957 لم يحدد ملحقات الشقة المؤجرة للمطعون ضدها وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر مأوى السيارات محل النزاع من ملحقات هذه الشقة أخذاً بما انتهت إليه الخبيرة المنتدبة في تقريرها والتي استندت فيه إلى ما تضمنه كشف عوائد البلدية للعقار الكائنة به تلك الشقة عن عشر سنوات اعتباراً من سنة 1960 من تحديد أجرة لهذا المكان، وصور إيصالات دفع أجرة الشقة المذكورة المؤرخة 1/ 5/ 1957، 1/ 2/ 1971، 1/ 8/ 1979، 1/ 1/ 1982 بالإضافة على ما استخلصته محكمة الاستئناف من اشتمال كشف جرد العوائد عن السنوات العشر اللاحقة من بيان منفصل لأجرة لمأوى السيارات محل النزاع وسكوت الطاعن عن المنازعة في هذا البيان وعدم تفسيره لاستعمال المطعون ضدها في استخدام هذا المأوى. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير رأي الخبير دون معقب عليها باعتبار أن رأيه لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الإثبات وأن لها أن تأخذ بتقريره متى اقتنعت بسلامته وكفاية أبحاثه، إلا أن أخذها بتقرير الخبير مشروط بأن تبين المحكمة كيف أفاد التقرير معنى ما استخلصته منه المحكمة. ومن المقرر أيضاً إنه إذا كان الحكم قد بني على واقعة لا سند لها من أوراق الدعوى أو مستندة إلى مصدر موجود ولكنه مناقض لها فإنه يكون باطلاً، لما كان ما تقدم، وكان ما استدل به الحكم من تحديد أجرة لمأوى السيارات محل النزاع سواء من البيان الوارد في كشف عوائد البلدية عن المدة التي تبدأ من سنة 1960 الذي استندت إليه الخبيرة في تقريرها أو فيما تضمنه الكشف المحرر عن الفترة اللاحقة عليها الذي قدمته المطعون ضدها إلى المحكمة هو استدلال غير سائغ لتناقضه مع بيانات كشف عوائد البلدية عن العشر سنوات السابقة في المدة من سنة 1950 لغاية سنة 1959 والتي تعاقدت خلالها المطعون ضدها على استئجار شقتها بالعقار محل النزاع بموجب العقد المؤرخ 1/ 5/ 1957 إذ خلت بيانات هذا الكشف الذي قدمه الطاعن ضمن مستنداته في الدعوى من تحديد أجرة معينة لمأوى السيارات المتنازع عليه أو أية عبارة تفيد أن القيمة الإيجارية لتلك الشقة تشتمل على مقابل الانتفاع به باعتباره من ملحقاتها كما أن الثابت من صور إيصالات دفع أجرة الشقة المذكورة التي ركنت إليها الخبيرة في تقديرها إنها اقتصرت على بيان القيمة الإيجارية للشقة فقط ولم تشر إلى أجرة مأوى السيارات آنف البيان وفي ذلك ما ينبئ عن أن ما استنتجته الخبيرة وعول عليه الحكم لا أصل له مما يصمه بعدم السلامة في الاستنباط، هذا إلى أن ما استخلصه الحكم من مسلك الطاعن في الدفاع وسكوته عن الرد على ما تضمنه كشف العوائد الذي قدمته المطعون ضدها إلى المحكمة ومن تخصيص أجرة للعين محل النزاع وعدم تفسيره لاستعمالها لها في إيواء سيارتها يخالف الثابت بالأوراق إذ يبين من الرجوع إلى مذكرتي الطاعن المقدمتين لمحكمة الاستئناف في 30/ 4/ 1983، 21/ 5/ 1983 أنه تمسك في دفاعه بنفي حق المطعون ضدها في اعتبار تلك العين من ملحقات الشقة المؤجرة إليها ودلل على ذلك بكشف العوائد المعاصر لعقد إيجارها وخلوه من ربط عوائد أو تحديد أجرة لتلك العين وبأن كشفي العوائد المقدمين منها لا يصلحان دليلاً على ما تدعيه لتعلقهما بفترة زمنية لاحقة على عقد إيجارها خفضت فيها أجرة الشقة المؤجرة لها تنفيذاً للتشريعات الاستثنائية للإيجار، وأن استعمالها عين النزاع في إيواء سيارتها في سنة 1979 تم بالقوة والعنف حسبما هو ثابت من المحضر رقم 19 أحوال نقطة الجزيرة الذي ضبط عن الواقعة. وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد جعل من تقرير الخبيرة المنتدبة وما أشار هو إليه من أوراق الدعوى واستخلصه منها عماداً لقضائه في اعتبار مأوى السيارات محل النزاع من ملحقات الشقة المؤجرة للمطعون ضدها، وكان ذلك التقرير وتلك الأوراق لا تصلح سنداً لقضائه لما سلف بيانه كما أنه لم يتناول في أسبابه أوجه دفاع الطاعن ولم يقسطه حقه من البحث والتمحيص مع أنه دفاع جوهري من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون شابه الفساد في الاستدلال والقصور المبطل بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.