أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 933

جلسة 23 يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(184)
الطعن رقم 709 لسنة 39 القضائية

تبديد. خيانة أمانة. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". دفوع. "الدفع بوجود حساب بين الطرفين". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة".
الدفاع بوجود حساب بين المدعي بالحقوق المدنية والمتهم. متى يكون جوهرياً يوجب على المحكمة تصفية الحساب حتى يمكنها القضاء في الموضوع؟
مجرد الامتناع عن رد المال المدعى اختلاسه. لا يكفي لتحقق جريمة الاختلاس. متى كان مرد ذلك إلى وجوب تصفية الحساب بين الطرفين.
القصد الجنائي في جريمة التبديد. ماهيته؟
متى كان دفاع الطاعن على ما يبين من الحكم المطعون فيه إنما يقوم على وجود حساب لم يصف بعد بينه وبين المدعيات بالحقوق المدنية وهو دفاع جدي تشهد به الأوراق ويظاهره تقرير الخبير المنتدب حسبما أورد الحكم، وكان مجرد الامتناع عن رد المال المختلس في هذه الحالة لا تتحقق به جريمة الاختلاس ما دام أن سبب الامتناع راجع إلى وجوب تصفية الحساب بين الطرفين، إذ لا يكفي في جريمة التبديد مجرد التأخير في الوفاء بل يجب أن يقترن ذلك بانصراف نية الجاني إلى إضافة المال إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً بصاحبه، مما كان يقتضي من المحكمة – حتى يستقيم قضاؤها – أن تقوم هي بفحص الحساب وتصفيته حتى تستطيع أن تحكم في موضوع التهمة بالإدانة أو البراءة أو تعيد المأمورية للخبير وتكلفه بمباشرة تصفية الحساب في جميع سني النزاع المتداخلة وتقديم تقرير لها يخضع رأيه لتقديرها، أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع متعيناً نقضه.


الوقائع

أقامت المدعيات بالحق المدني دعواهن بالطريق المباشر أمام محكمة بنها الجزئية ضد............ (الطاعن) متهمات إياه بأنه في يوم 31 أكتوبر سنة 1966 بدائرة مركز بنها: اختلس مبلغ 3817 ج و788 م. وطلبن عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات وإلزامه أن يدفع لهن مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وكفالة 10 ج لوقف تنفيذ العقوبة بلا مصاريف جنائية وإلزامه أن يدفع للمدعيات بالحق المدني مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ 100 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة بنها الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المتهم بمصاريف استئناف الدعوى المدنية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن وكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التبديد قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم استند في الإدانة إلى تقرير الخبير الحسابي المنتدب في الدعوى من انشغال ذمة الطاعن بمبلغ 2120 ج و968 م عن المدة من سنة 1956 – 1957 حتى سنة 1959 – 1960 الزراعية بغير أن يعن بتحقيق دفاعه بشأن تصفية الحساب عن مدة النزاع جميعها التي تبدأ من سنة 1955 – 1956 حتى سنة 1961 – 1962 الزراعية على الرغم من تمسك الطاعن بهذا الدفاع الجوهري ومع أن الخبير أثبت في تقريره أنه تعذر عليه تصفية المركز المالي للطاعن في السنتين الأخيرتين، ولو عنيت المحكمة بتصفية الحساب عن مدة النزاع جميعها لأسفر ذلك عن مداينته للمجني عليهن ولتغير وجه الرأي في الدعوى.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى ما محصله أن المدعيات بالحقوق المدنية أقمن الدعوى بطريق الادعاء المباشر بصحيفة ورد بها أن الطاعن بصفته وكيلاً عنهن بالأجرة في تحصيل إيجار أطيانهن التي يعمل ناظراً عليها من سنة 1955 قد اختلس مبلغ 3817 ج و788 م وهو من ضمن ما حصله ولم يسلمه للمدعية الأولى بصفتها القائمة بالإدارة وأن حسابات هذه السنوات لما تقفل بل تركت متداخلة في بعضها. وقد ندبت المحكمة خبيراً حسابياً لفحص الحساب فقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن جملة المبالغ المتبقية في ذمة الطاعن من إيجار السنوات من 1956 إلى 1960 الزراعية هو مبلغ 2120 ج و968 م طبقاً للكشوف التي أقر هو بصحة توقيعه عليها أما بالنسبة لسنتي 1961 و1962 الزراعية فلم يتمكن الخبير من تصفية الحساب لعدم تقديم مستندات عنها. وقد عرض الحكم إلى دفاع الطاعن موضوع وجه الطعن ورد عليه في قوله "أنه لا عبرة بوجود حساب آخر بين المدعيات بالحق المدني والمتهم – الطاعن – عن السنوات 1960 – 1961 و1961 – 1962 الزراعية ما دام الثابت أن المتهم أضاف إلى ملكه مبلغ 2120 ج و968 م وهو المبلغ الخاص بالمدعيات بالحق المدني". لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن على ما يبين من الحكم المطعون فيه إنما يقوم على وجود حساب لم يصف بعد بينه وبين المدعيات بالحقوق المدنية وهو دفاع جدي تشهد به الأوراق ويظاهره تقرير الخبير المنتدب حسبما أورده الحكم. ولما كان مجرد الامتناع عن رد المال المختلس في هذه الحالة لا تتحقق به جريمة الاختلاس ما دام أن سبب الامتناع راجع إلى وجوب تصفية الحساب بين الطرفين، إذ لا يكفي في جريمة التبديد مجرد التأخير في الوفاء بل يجب أن يقترن ذلك بانصراف نية الجاني إلى إضافة المال إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً بصاحبه، مما كان يقتضي من المحكمة – حتى يستقيم قضاؤها – أن تقوم هي بفحص الحساب وتصفيته حتى تستطيع أن تحكم في موضوع التهمة بالإدانة أو البراءة أو أن تعيد المأمورية للخبير وتكلفه بمباشرة تصفية الحساب في جميع سني النزاع المتداخلة وتقديم تقرير لها يخضع رأيه لتقديرها. أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة وذلك بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.