أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 951

جلسة 23 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد محمد محفوظ؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل؛ ومحمود عباس العمراوي؛ ومحمود كامل عطيفة؛ والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(188)
الطعن رقم 854 لسنة 39 القضائية

( أ ) نصب. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة. "أركانها".
جريمة النصب أركانها؟ مثال لتسبيب غير معيب.
(ب، ج) إجراءات المحاكمة. "الطعن بالتزوير". تزوير. "الطعن بالتزوير". "التنازل عنه". دعوى جنائية. "نظرها. إيقافها".
(ب) للطاعن بالتزوير التنازل عن طعنه في أي وقت. له التقدم بهذا التنازل إلى المحكمة التي كانت الدعوى منظورة أمامها قبل إيقافها. عدم التزام المحكمة بالسير في تحقيق الطعن بالتزوير بعد التنازل عنه.
(ج) إعلان محامي الطاعن بالتزوير عن تنازل موكله عن الطعن في حضوره بالجلسة ودون اعتراض منه. ليس للطاعن التنصل من هذا التنازل.
1 - متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهم أوهموا المجني عليه بأن في استطاعتهم شفاءه من مرضه عن طريق تحضير الأرواح في جلسات كان يعقدها الطاعن الأول في حجرات مظلمة مستعيناً بالطاعن الثاني الذي يتظاهر بالنوم ويدعى كذباً بأن الجن قد تقمص جسده وينتهز الطاعن الأول فرصة الظلام فيطلق فراشات تحوم حول الجالسين موهماً المجني عليه بأنها ملوك الجن ثم يطلق إشارات ضوئية تسلب المجني عليه إرادته كما يطلق البخور الذي يبيعه الطاعن الثالث إلى المجني عليه بثمن مرتفع، وكان الطاعن الأول يضع بيضة في محلول حامض الخليك فتلين قشرتها ثم يشقها وينتزع محتوياتها ويضع بداخلها مخلب طائر أو حيوان وأوراقاً مكتوبة برموز غير مفهومة ويعيد غلقها وبعد إضاءة الأنوار يكسر البيضة ويخرج ما بداخلها ويوهم المجني عليه بأنه قد أخرج السحر الذي كان سبباً في مرضه. وخلص الحكم من ذلك إلى أن ما قام به الطاعنون لا يدخل إطلاقاً تحت أي علم أو فن بل هو في حقيقته دجل وشعوزة وأنهم تمكنوا بذلك من خداع المجني عليه واستولوا على ماله، وما خلص إليه الحكم فيما تقدم سائغ وتتوافر به أركان جريمة النصب التي دان الطاعنين بها من طرق احتيالية ورابطة سببية بين هذه الطرق وتسليم المال إليهم والقصد الجنائي.
2 - إن الطعن بالتزوير لا يمنع الطاعن من التنازل عنه في أي وقت وله أن يتقدم بهذا التنازل إلى المحكمة التي كانت الدعوى منظورة أمامها قبل إيقافها، وهي ليست ملزمة بالسير في تحقيق الطعن بالتزوير بعد تنازل الطاعن عن طعنه.
3 - متى كان محامي الطاعن الثالث بعد أن أعلن تنازل موكله عن الطعن بالتزوير قد ترافع في موضوع الدعوى في حضور هذا الطاعن الذي لم يبد اعتراضاً على تصرف محاميه، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم جواز الاعتداد بالتنازل عن طعنه وأن محاميه لم يكن لديه توكيل يخوله هذا التنازل لا يكون مقبولاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 19 ديسمبر سنة 1963 بدائرة قسم الجمالية: (أولاً) توصلوا عن طريق استعمال وسائل احتيالية من شأنها إيهام أحمد محمود سالم بوجود وقائع مزورة في صورة وقائع صحيحة وبوجود مشاريع كاذبة إلى الاستيلاء على المبالغ المبينة قدراً بمحضر الضبط. (ثانياً) مارسوا مهنة العلاج النفسي دون أن تكون أسماءهم مثبتة بجدول المعالجين بوزارة الصحة. وطلبت عقابهم بالمادة 336 من قانون العقوبات والمواد 1 و 3 و 9 من القانون رقم 198 لسنة 1956. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهمين الثلاثة متضامنين بمبلغ 500 ج تعويضاً. ومحكمة الجمالية الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام والمادتين 30 و 32 من قانون العقوبات بحبس كل من المتهمين سنة واحدة مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً ومصادرة المضبوطات وإلزام المتهمين بالتضامن وبالسوية فيما بينهم أن يدفعوا إلى المدعى بالحقوق المدنية مبلغ مائتي جنيه وإلزامهم متضامنين بكامل المصروفات المدنية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المحكوم عليهم هذا الحكم كما استأنفه المدعي بالحقوق المدنية. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس كل من المتهمين الثلاثة شهراً مع الشغل والنفاذ وتأييد الحكم فيما عدا ذلك وألزمت المتهمين المصروفات المدنية الاستئنافية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن وكيل المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمتي النصب وممارسة مهنة العلاج النفسي بدون ترخيص قد شابه بطلان في الإجراءات وقصور في التسبيب ذلك بأن الطاعن الثالث قد طعن بالتزوير في محضر تحقيق النيابة وقضت المحكمة بوقف الدعوى حتى يفصل في الطعن بالتزوير وإحالة الأوراق إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها ثم عادت وقضت بتأييد الحكم الابتدائي استناداً إلى أن الطاعن الثالث قد تنازل عن الطعن بالتزوير بالطلب الذي تقدم به إلى المحكمة في حين أن المحكمة بعد وقف الدعوى أصبحت غير متصلة بها ولا يصح لها أن تقبل هذا التنازل، وكان يتعين عليها أن تحيله إلى النيابة لتحقيقه كما أن تزوير الأوراق الرسمية يتعلق بالنظام العام ويتعين تحقيقه بغض النظر عن تنازل الطاعن فضلاً عن أن هذا التنازل قد تم من جانب محامي الطاعن وهو ليس لديه توكيل يخوله ذلك. وقد أثار الطاعنون في دفاعهم أن أركان جريمة النصب غير متوافرة في حقهم لانعدام رابطة السببية بين أفعالهم مع المدعي بالحقوق المدنية وبين قيامه بدفع المبالغ التي يدعيها ودللوا على ذلك باندماج المدعي بالحقوق المدنية معهم بحيث أصبح عضواً بارزاً في جماعتهم وكان يمارس أعمالهم ومضت مدة طويلة على اتصاله بهم وحضور جلساتهم دون أن يفكر في تقديم شكوى ضدهم كما أن النيابة العامة قدمته متهماً معهم في إحدى القضايا وخلص الطاعنون من ذلك إلى أن قيام المدعى بالحقوق المدنية بدفع ثمن البخور الذي كان يستهلك في هذه الجلسات التي كان يستريح لها واعتادت عليها أعصابه إنما كان نتيجة لا رضاء رغبته في المداومة على حضور هذه الجلسات ولم يكن نتيجة لاحتيال وقال الحكم في رده على هذا الدفاع إن المدعي بالحقوق المدنية كان لا يزال يشكو من الأمراض ولم يكن كامل الإدراك في قبوله العلاج مما ألم به وكان يعتقد أن من حق المتهمين أن يمارسوا هذا العلاج وكان خافياً عليه حقيقة أمرهم وهو رد قاصر، فادعاء المدعي بالحقوق المدنية عند تقديم الشكوى بأنه لا يزال مريضاً لا يجب أن يقام له وزن بعد مضي سنتين على اتصاله بالطاعنين وممارسته أعمالهم وهو لم يدع في كل مراحل التحقيق أنه كان فاقد الإدراك في قبوله العلاج والقول بأنه كان لا يعرف حقيقة المتهمين لا يتفق مع اعترافه بالتعمق في صداقتهم ومعرفة أحوالهم ووظائفهم وعاداتهم كما أن الحكم لم يرد على اعتراف المدعي بالحقوق المدنية بواقعة شرائه جنيهات ذهبية ودفنها في تراب المنزل واشتراكه في الحفر لإخراجها مدعياً بأنها من آثار الكنز الوهمي هذا إلى أن الحكم الابتدائي قد سجل على المدعي بالحقوق المدنية تماديه في تعامله مع المتهمين والصرف عليهم بما لا يتفق مع فكرة الغش ولهذا لم يعطه كل ما طلبه من تعويض وأيد الحكم المطعون فيه الحكم الابتدائي في تقديره للتعويض مما يتعارض مع ما ذهب إليه هذا الحكم من أن المدعي بالحقوق المدنية كان فاقد الإدراك في قبوله العلاج كما دفع الطاعنون بعدم توافر القصد الجنائي لديهم وهو قصد الاحتيال وابتزاز مال الغير ودللوا على ذلك بما شهد به بعض الشهود من الاستفادة من أعمال الطاعنين واقتراب هذه الأعمال من عمليات العلاج النفسي التي تتوقف على الإيحاء الشخصي والتأثير النفسي على المريض وإن كانوا غير حاصلين على الشروط اللازمة لهذا العلاج ذلك بأنهم لم يدعوا أنهم أطباء ولم يتخذوا لهم عيادات لممارسة هذه الأعمال واقتصر الحكم في رده على هذا الدفاع على قوله إن ثمن البخور المرتفع هو هدف المتهمين من الاحتيال مع أن البخور فضلاً عن استهلاكه في إشباع رغبة المجني عليه فقد ثبت من التحقيقات أن تاجراً آخر كان يبيعه بهذا السعر المرتفع ولم يكن له صلة بالمتهمين وهو لا يستحق أن يضحي الطاعنون بمستقبلهم في سبيل الحصول عليه ولا يصح أن يكون هدفاً من الاحتيال.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعنين أوهموا المجني عليه بأن في استطاعتهم شفاءه من مرضه عن طريق تحضير الأرواح في جلسات كان يعقدها الطاعن الأول في حجرات مظلمة مستعينا بالطاعن الثاني الذي يتظاهر بالنوم ويدعي كذبا بأن الجن قد تقمص جسده وينتهز الطاعن الأول فرصة الظلام فيطلق فراشات تحوم حول الجالسين موهماً المجني عليه بأنها ملوك الجن ثم يطلق إشارات ضوئية تسلب المجني عليه إرادته كما يطلق البخور الذي يبيعه الطاعن الثالث إلى المجني عليه بثمن مرتفع وكان الطاعن الأول يضع بيضة في محلول حامض الخليك فتلين قشرتها ثم يشقها وينتزع محتوياتها ويضع بداخلها مخلب طائر أو حيوان وأوراقاً مكتوبة برموز غير مفهومة ويعيد غلقها وبعد إضاءة الأنوار يكسر البيضة ويخرج ما بداخلها ويوهم المجني عليه بأنه قد أخرج السحر الذي كان سبباً في مرضه. وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه والشهود واعتراف الطاعنين وخلص الحكم من ذلك إلى أن ما قام به الطاعنون لا يدخل إطلاقاً تحت أي علم أو فن بل هو في حقيقته دجل وشعوزه وأنهم تمكنوا بذلك من خداع المجني عليه واستولوا على ماله. وما خلص إليه الحكم فيما تقدم سائغ وتتوافر به أركان جريمة النصب التي دان الطاعنين بها من طرق احتيالية ورابطة سببية بين هذه الطرق وتسليم المال إليهم والقصد الجنائي. لما كان ذلك، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن الثالث قرر بالطعن بالتزوير في محضر تحقيق النيابة فقضت المحكمة بجلسة 28 مايو سنة 1968 بوقف الدعوى حتى يفصل في الطعن بالتزوير وإحالة الأوراق إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها ثم قدم محامي الثالث طلباً إلى المحكمة قرر فيه تنازل موكله عن الطعن بالتزوير وطلب تحديد جلسة 15 يناير سنة 1969 لنظر الدعوى مع قضية أخرى فأجابته المحكمة إلى طلبه وفي هذه الجلسة حضر الطاعنون عدا الثالث فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 29 يناير سنة 1969 لإعلانها وفيها حضر الطاعنون جميعاً وقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 12 فبراير سنة 1969 لضم محضر تحقيق النيابة المطعون فيه بالتزوير وبهذه الجلسة الأخيرة حضر الطاعنون وترافع محامي كل من الطاعنين الأول والثالث في موضوع الدعوى. ولما كان الطعن بالتزوير لا يمنع الطاعن من التنازل عنه في أي وقت وله أن يتقدم بهذا التنازل إلى المحكمة التي كانت الدعوى منظورة أمامها قبل إيقافها وهي ليست ملزمة بالسير في تحقيق الطعن بالتزوير بعد تنازل الطاعن عن طعنه، وكان محامي الطاعن الثالث بعد أن أعلن تنازل موكله عن الطعن بالتزوير قد ترافع في موضوع الدعوى في حضور هذا الطاعن الذي لم يبد اعتراضاً على تصرف محاميه فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم جواز الاعتداد بالتنازل عن طعنه وأن محاميه لم يكن لديه توكيل يخوله هذا التنازل لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين من أن المجني عليه كان راضياً عما قاموا به من أعمال وأنهم لم يتقاضوا منه مقابلاً عنها ورد عليه بقوله "وحيث إنه عن قول المتهمين بأن المجني عليه كان قابلاً وراضياً بما كانوا يقومون به فإن هذا غير صحيح ذلك لأنه وهو في هذه الحالة من المرض التي كان قد وصفها بأنه كان يصاب بصداع مستديم فى رأسه وآلام حادة بظهره واضطراب نفسي مستمر إلى غير ذلك مما أشار إليه وكان هو يرغب في الشفاء مما يشكو منه أن يتلمس الشفاء ممن اعتقد أنهم من الأطباء النفسيين وهو تحت ضغط الحاجة الملحة إلى العلاج والتماس الخلاص مما يعانيه من آلام قاسية مما لا يمكن معه القول بأنه كان كامل الإرادة في قبوله العلاج مما ألم به... ومن حيث إن قول المتهمين بأنهم لم يتقاضوا مقابل مال عن أي من الأعمال المسندة إليهم فإن هذا القول مردود عليه بأن الحيطة اقتضتهم بأن لا يتظاهروا بتقاضي المقابل نقداً بل تقاضوه في صورة ثمن بخور بسعر الأوقية منه ثمناً خيالياً عن طريق المتهم الثالث الذي كانوا يشيرون إلى المجني عليه بأنه الوحيد الذي يمكنه الحصول على هذا النوع من البخور فضلاً عن تقاضيهم مبالغ نقدية صوروها في صورة مقدمة ومن ثم فقولهم بأنهم لم يتقاضوا مقابل مال فمردود وعندما فطن المجني عليه إلى كذب ادعاء المتهمين وعدم قدرتهم على العلاج بادر بالتبليغ ضدهم" وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ في الرد على دفاع الطاعنين ولا يتعارض ما قضى به الحكم الابتدائي من تعويض قدره مائتا جنيه للمدعي المدني فقد راعى في تقدير هذا التعويض أن المجني عليه لم يدرك حقيقة المتهمين بعد الاحتكاك بهم جلسة أو جلستين بل استمر في الامتثال والخضوع لهم وهو تصرف منه غير حكيم. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعنون في طعنهم لا يعدو أن يكون جدلاً في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما يستقل به قاضي الموضوع ولا تجوز إثارته لدى محكمة النقض ويتعين لذلك رفض الطعن موضوعاً.