أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 960

جلسة 23 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري. وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(190)
الطعن رقم 888 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". دفوع. "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". اثبات. "إثبات بوجه عام". نقض. "الطعن بالنقض". "نطاقه". "نظره والحكم فيه". طعن. قتل عمد.
(أ) تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي. شرط ذلك؟
استدلال الحكم على نفي حالة الدفاع الشرعي إلى تعدد اصابات المجني عليه وشدتها، وإلى إطلاق جميع طلقات مسدسه. استدلال معيب. أساس ذلك؟
(ب) العبرة في قيام حالة الدفاع الشرعي. هي باعتقاد المتهم أو تصوره. متى أقيم ذلك على أسباب مقبولة. متى يقضي بنقض الحكم لطاعن وغيره من الطاعنين.
1 - لئن كان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلقاً بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم لا عيب فيه، ويؤدي منطقياً إلى ما انتهى إليه. وإذ كان ما تقدم، وكان الثابت من واقعة الدعوى كما أوردها الحكم المطعون فيه أن المجني عليه ومن معه خرجوا من مكمنهم يطلقون الأعيرة النارية من الأسلحة التي كانوا يحملونها جميعاً - لا المجني عليه وحده - على الطاعن الرابع وعائلته، وكان الحكم قد استدل على نفي حالة الدفاع الشرعي إلى ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية من تعدد اصابات المجني عليه وشدتها فضلاً عما تبين من فحص مسدس المجني عليه - عقب الحادث - أن طلقاته الست قد أطلقت جميعها - وهو ما لا يؤدي في حكم العقل والمنطق إلى ما رتبه عليه، ذلك أن تعدد الاصابات وشدتها وانتشارها بجثة المجني عليه لا يفيد بذاته أنها لم تكن لرد إعتداء متخوف منه في وقت كان المجني عليه يحمل سلاحاً والطاعن يحمل عصا.
2 - يكفى لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفى أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره، بشرط أن يكون الاعتقاد أو التصور مبنياً على أسباب مقبولة، إذ أن تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري، المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصلح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بالمخاطر والملابسات، وهو ما قصر الحكم في استظهاره مما يعيبه بالقصور في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس. لما كان ما تقدم، وكان لا يصلح في نفي قيام حالة الدفاع الشرعي ما تبين بعد الحادث من اطلاق جميع طلقات سلاح المجني عليه، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعن الرابع وإلى باقي الطاعنين لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 4 يونيه سنة 1969 بدائرة مركز الواسطى محافظة بني سويف المتهمون الثلاثة الأول 1 - قتلوا محمود عبد السلام فرج وشرعوا في قتل زارع عبد السلام فرج عمداً ومع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتلهما وأعدوا لذلك أسلحة نارية وترصدوهما في طريقهما إلى مبنى مركز الشرطة حتى إذا ما ظفروا بهما أطلقوا عليهما النار قاصدين من ذلك قتلهما فأحدثوا بهما الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياة أولهما وخاب أثر الجريمة بالنسبة للمجني عليه الثاني زارع عبد السلام فرج لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو مداركته بالعلاج. المتهمون الرابع والخامس والسادس. قتلوا جابر لبيب فرج عمداً بأن ضربوه بعصا عدة ضربات في مواضع متفرقة من جسمه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته. المتهمون الأول والثاني والثالث: (أولاً) أحرزوا بغير ترخيص أسلحة نارية مششخنة (ريفولفر). (ثانياً) أحرزوا ذخيرة مما تستخدم في الأسلحة النارية سالفة الذكر دون أن يكون مرخصاً لأي منهم في حيازة هذه الأسلحة أو إحرازها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضورياً عملاً بالمواد 45 و46 و230 و231 و232 و32/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والقسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق به بالنسبة إلى المتهمين الثلاثة الأول والمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الرابع والمادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأربعة الأول والمادتين 304/ 1 و381 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمين الخامس والسادس (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني والثالث بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح المضبوط. (ثانياً) معاقبة المتهم الرابع بالسجن مدة عشر سنين. (ثالثاً) ببراءة كل من المتهمين الخامس والسادس مما أسند إليهما الأولين. فطعن المحكوم عليهم الأربعة الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن الرابع على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة قتل جابر لبيب فرج عمداً قد شابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأنه دفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس لرد الاعتداء المتوقع عليه هو ومن معه، إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع وذهب في رده إلى أن ما وقع منه كان بقصد التشفي والانتقام وليس دفاعاً مباحاً، وتساند في ذلك إلى ما جاء بالتقرير الطبي الشرعي من تعدد الضربات التي كالها للمجني عليه وشدتها وانتشارها في جميع أجزاء جسده وإلى أن التعدي على المجني عليه كان بعد أن أفرغ الأخير الطلقات الست التي يحويها مسدسه في حين خلت الأوراق من الدليل على انفراد الطاعن وحده بإحداث إصابات المجني عليه بل أن البلاغ عن الحادث قد تضمن أن الطاعن وإخوته ضربوا المجني عليه بالعصي وأخذوا "طبنجته" فضلاً عن أن حالة الفزع التي كان عليها الطاعن وفريقه من جراء الأعيرة النارية التي أطلقها خصومهم المعتدين لا يتحقق معها القول بأن الطاعن ومن معه كانوا على علم بأن المجني عليه أطلق جميع الطلقات التي كانت معه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه بينما كان (الطاعن الرابع) في طريقه إلى ديوان مركز الواسطي تلبية لطلب وجه إليه منه لسؤاله في الجنحة رقم 923 سنة 1969 الواسطي المحررة عن بلاغ قدمته ضده - جليلة محمد عبد الحميد - متهمة إياه بالتعدي عليها، وقد رافقه في مسيرته كل من أشقائه وزوج شقيقته....... وشقيقة هذا الأخير...... الأربعة الأول منهم لحمايته مما عساه أن يقع عليه من اعتداء والخامسة كي تشهد لصالحه في الاتهام المنسوب إليه. وأثناء سير الجميع في شارع بين الزاوية والصلاب وهو الطريق المعتاد للوصول إلى ديوان المركز إذ بكل من: جابر لبيب جابر (المجني عليه) (باقي الطاعنين) الذين كانوا قد بيتوا النية على قتل.......... (الطاعن الرابع) وأفراد عائلته المرافقين له لما يحملون لهم من حقد وضغينة لنزاع بين الفريقين على حد يفصل أطيانهما وأعدوا لذلك أسلحة نارية مششخنة وتربصوا لهم في أرض فضاء محاطة بسور يبلغ ارتفاعه حوالي متر ونصف تطل على الشارع سالف الذكر الذين يعلمون أنهم سيمرون فيه في طريقهم إلى ديوان المركز - إذ بهؤلاء الأربعة يخرجون من مكمنهم ثم يطلقون الأعيرة النارية من الأسلحة التي يحملونها على كل من محمود عبد السلام فرج وزارع عبد السلام قاصدين من ذلك قتلهما فاصيب كل منهما بالإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والآتي بيانها والتي أودت بحياة أولهما وخاب أثر الجريمة بالنسبة للثاني لسبب خارج عن إرادة الجانين هو مداركته بالعلاج - كما انهال...... بعصا كان يحملها بالضرب على جابر لبيب فرج في جميع أجزاء جسمه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والآتي بيانها والتي أودت بحياته ثم استولى على السلاح الذي كان معه وسارع إلى عمدة الناحية أحمد سيد حسين وأبلغه بالحادث وسلمه السلاح المذكور بينما تمكن باقي الجناة من الفرار". وبعد أن أورد الحكم ما تساند عليه من أدلة عرض إلى ما أثاره الطاعن الرابع عن قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس وأطراحه بقوله. "وتلتفت (المحكمة) أخيراً عما تمسك به الدفاع عن المتهم الرابع محمد عبد السلام فرج من أنه كان وقت تعديه على جابر لبيب فرج - بفرض حصوله - في حالة دفاع شرعي، ذلك أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتدي على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان وأن المحكمة ترى أن حالة الدفاع الشرعي المقول بها منتفية وأن التعدي على جابر لبيب فرج لم يكن إلا بعد أن انتهى هو من أفعال الاعتداء التي قام بها، وكان بقصد الانتقام والقصاص منه وأية ذلك ما ثبت من التقرير الطبي الشرعي المشار إليه سابقاً من تعدد الضربات التي كالها المتهم...... للمجني عليه جابر لبيب فرج وشدتها وانتشارها في جميع أجزاء جسمه وهو ما يفصح بوضوح أن المتهم المذكور لم يكن يقصد دفاعاً شرعياً وإنما كان يقصد الانتقام والقصاص والعقاب والعدوان وخاصة بعد ما ثبت من فحص السلاح الذي كان يستعمله جابر لبيب فرج في الاعتداء والذي التقطه هذا المتهم بعد أن أنهى تعديه هو على حامله وسلمه لرجال الأمن إنما يحتوي على ست طلقات هي كل ما يسعه من طلقات وأنها جميعاً أطلقت حديثاً الأمر الذي يؤكد أن التعدي عليه - إنما حدث في واقع الأمر بعد أن كان قد انتهى اعتداؤه وهو المستفاد من انتهاء طلقات السلاح الذي كان يستعمله لا سيما وأن أحداً ولا المتهم - سالف الذكر لم يقل أن المجني عليه المذكور قد أطلق أعيرة نارية من سلاحه أثناء أو بعد انتهاء الاعتداء عليه". لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بغير معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم لا عيب فيه، ويؤدي منطقياً إلى ما انتهى إليه. ولما كان الثابت من واقعة الدعوى كما أوردها الحكم المطعون فيه أن المجني عليه ومن معه خرجوا من مكمنهم يطلقون الأعيرة النارية من الأسلحة التي كانوا يحملونها جميعاً - لا المجني عليه وحده - على الطاعن الرابع وعائلته، وكان الحكم قد استدل على نفي حالة الدفاع الشرعي إلى ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية من تعدد إصابات المجني عليه وشدتها فضلاً عما تبين من فحص مسدس المجني عليه - عقب الحادث - أن طلقاته الست قد أطلقت جميعها وهو ما لا يؤدي في حكم العقل والمنطق إلى ما رتبه عليه، ذلك بأن تعدد الإصابات وشدتها وانتشارها بجثة المجني عليه لا يفيد بذاته أنها لم تكن لرد اعتداء متخوف منه في وقت كان المجني عليه يحمل سلاحاً والطاعن يحمل عصا كما أن ما تبين - بعد الحادث - من إطلاق جميع طلقات سلاح المجني عليه لا يصلح في نفي حالة الدفاع الشرعي التي يكفي لقيامها أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنياً على أسباب مقبولة وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصلح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بالمخاطر والملابسات، وهو ما قصر الحكم في استظهاره مما يعيبه بالقصور في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بالنسبة للطاعن الرابع وإلى باقي الطاعنين لوحدة الواقعة ولحسن سير العدالة وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.