أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 970

جلسة 30 يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ونصر الدين عزام، ومحمود كامل عطيفة.

(192)
الطعن رقم 926 لسنة 39 القضائية

(أ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
وجوب أن يكون الدفاع الجوهري - كيما تلتزم المحكمة بالرد عليه - جدياً يشهد له الواقع ويسانده.
(ب) جريمة. "أركان الجريمة". باعث. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الباعث على الجريمة. ليس من أركانها. خطأ الحكم في بيانه لا يؤثر في سلامته.
(ج، د) إثبات. "اعتراف". شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن بالنقض. ما لا يقبل منها".
(ج) الاعتراف في المسائل الجنائية. طبيعته: من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات.
انتهاء المحكمة إلى صحة الدليل المستمد من الاعتراف. مفاده: إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
(د) حق محكمة الموضوع في الأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات ولو خالفت أقواله بالجلسة.
1 - من المقرر أنه يشترط في الدفاع الجوهري - كيما تلتزم المحكمة بالتعرض له والرد عليه - أن يكون مع جوهريته جدياً يشهد له الواقع ويسانده. فإذا كان عارياً عن دليله وكان الواقع يدحضه فإن المحكمة تكون في حل من الالتفات عنه دون أن تتناوله في حكمها، ولا يعتبر سكوتها عنه إخلالا بحق الطاعن في الدفاع ولا قصوراً في حكمها.
2 - إن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس من أركانها أو عناصرها. ومن ثم فإنه مهما كان الحكم قد أخطأ في بيانه فإن ذلك لا يؤثر في سلامته، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد غير منتج.
3 - إن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت المحكمة إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف، فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن الأدلة المستقاة من التحقيقات والتي تنقض اعترافات الطاعن وتكشف عن بهتانها وعدم سلامتها، ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات وإن خالفت أقواله بجلسة المحاكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 17 سبتمبر سنة 1968 بدائرة مركز ناصر محافظة بني سويف: قتل فتحية واصف عوض عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها وأعد آلة حادة (مطواة) واستدرجها من مسكنها إلى مكان ناء ثم انهال عليها طعناً بالآلة الحادة قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد تلت هذه الجناية جنايتان أخربتان هما أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر قتل كلاً من يحيى وجابر نجلي المجني عليها الأولى عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلهما واصطحبهما مع والدتهما وقام بصفع أولهما على وجهه فألقاه أرضاً وإثر سقوطه على وجهه عاجله بوضع قدمه على عنقه من الخلف وظل ضاغطا عليها ثم انهال على ثانيهما طعناً بالآلة الحادة "المطواة" قاصداً من ذلك قتلهما فأحدث بهما الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهما الأمر المنطبق على المادة 230 من قانون العقوبات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات بني سويف - بعد أن قررت بتاريخ 22 فبراير سنة 1969 بإحالة القضية إلى مفتي الجمهورية - قضت فيها حضورياً عملاً بالمواد 230 و231 و234/ 2 من قانون العقوبات وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجنايتي قتل عمد مع سبق الإصرار قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال وأخطأ في الإسناد، ذلك بأن دفاع الطاعن ابتنى على أن تعدد إصابات المجني عليهم ومغايرة بيانها في تقرير الصفة التشريحية لما أورده الطاعن وصفاً لها في اعترافه إنما يشكل تعارضاً بين الدليل القولي المتحصل من اعترافات الطاعن والدليل الفني المتمثل في التقرير الطبي وقد طلب المدافع عن الطاعن استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته فيما يدعم دفاعه، إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب ولم ترد عليه، واتخذت من هذين الدليلين - مع تناقضهما - سنداً لأسبابها دون أن تعني برفع ما بينهما من تعارض، وتصدت إلى مسائل تدخل بكلياتها في صميم اختصاص الفنيين: كما دلل الطاعن على عدم صحة اعترافه بأمور عديدة مستقاة من حاصل التحقيقات تثبت بهتان ذلك الاعتراف وعدم جديته، ومع ذلك فقد وقف الحكم دون الرد عليها. وقد تحدث عن علة الحادث فأورد أنها تتجسم في مطاردة المجني عليها للطاعن ليقر ببنوة الطفلين المجني عليهما، واستدل على ذلك بأوراق الشكوى رقم 193 لسنة 1966 إداري مركز بوش مع أن موضوع هذه الشكوى لا يتعلق البتة بالمنازعة على تلك البنوة التي سبق وأن أقر بها الطاعن في تحقيقات إحدى القضايا. هذا إلى أن الحكم قد أسند إلى الشاهد سيد محمد خليفة قوله إنه رأى الطاعن مصطحباً المجني عليها وطفليها في وقت معاصر لوقوع الحادث وهو ما يخالف الثابت على لسان هذا الشاهد بجلسة المحاكمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تخلص في أن المتهم سيد محمد مسلم علي جمعة كان على علاقة غير شرعية بالمجني عليها فتحية واصف عوض ترجع إلى أكثر من عشر سنوات سابقة وفي خلالها أنجب منها طفلين هما المجني عليهما يحيى وجابر، وقد ثار نزاع بين المجني عليها والمتهم حول صحة نسب هذين الطفلين إليه. وفي ليلة الحادث استدرج المتهم المجني عليها وطفليها من مسكنهم إلى المزارع زاعماً لها أنه سيعقد قرانه عليها في بلدته القريبة، فلما بلغوا وسط المزارع فاجأ المجني عليها بأن استل آلة حادة من شأنها إحداث الوفاة "مطواة" أعدها لذلك وانهال عليها طعناً في عدة مواضع من جسمها ثم أجهز عليها قاصدا من ذلك إزهاق روحها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. ثم هرول خلف الطفلين اللذين هالهما الأمر وحاولا الفرار حتى إذا ما ظفر بهما صفع أولهما يحيى صفعة ألقته على وجهه على الأرض فوضع قدمه على عنقه من الخلف وظل ضاغطاً عليه بشدة حتى تأكد بأنه فارق الحياة ثم أمسك بالثاني جابر وطعنه عدة طعنات في العنق وفي مواضع أخرى من جسمه بذات المطواة التي كانت معه قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته". وساق الحكم للتدليل على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الواقعة ومن اعتراف الطاعن في محضر الشرطة وفي تحقيقات النيابة العامة بارتكابه جرائم قتل المجني عليهم، وما دلت عليه المعاينة وما جاء بتقرير الصفة التشريحية. وحصل الحكم مؤدى هذه الأدلة ومن بينها اعتراف الطاعن بما يتطابق مع ما أورده عن واقعة الدعوى وبما يتفق والثابت بأوراقها. لما كان ذلك، وكان ما يعيبه الطاعن على الحكم من القصور والإخلال بحق الدفاع بقالة إنه استند إلى الدليلين القولي المتحصل من اعترافات الطاعن والفني المتمثل في تقرير الصفة التشريحية مع تناقضها ودون أن يعني برفع هذا التناقض، وبالتفات المحكمة عن طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته فيما يدعم دفاع الطاعن في هذا الشأن - مردود بأن البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه وأوراق القضية أن ما أورده تقرير الصفة التشريحية من بيان لوصف إصابات المجني عليهم وكيفية حدوثها يتفق تماماً مع تصوير الطاعن لكيفية اقترافه قتل المجني عليهم بما تنتفي معه دعوى التعارض بين هذين الدليلين ويجعلها عارية عن دليلها. ولما كان يشترط في الدفاع الجوهري كيما تلتزم المحكمة بالتعرض له والرد عليه أن يكون مع جوهريته جدياً يشهد له الواقع ويسانده فإذا كان عارياً عن دليله وكان الواقع يدحضه فإن المحكمة تكون في حل من الالتفات عنه دون أن تتناوله في حكمها، ولا يعتبر سكوتها عنه إخلالاً بحق الطاعن في الدفاع ولا قصوراً في حكمها. لما كان ذلك، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت المحكمة إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن الأدلة المستقاة من التحقيقات والتي تنقض اعترافات الطاعن وتكشف عن بهتانها وعدم سلامتها، ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يجادل فيه الطاعن في شأن سبب الجريمة وخطأ الحكم في الاستدلال عليه من واقع تحقيقات الشكوى الإدارية رقم 193 لسنة 1966 مركز بوش، إنما يتصل بالباعث على ارتكاب الجريمة، وهو ليس من أركانها أو عناصرها، فإنه مهما كان الحكم قد أخطأ في بيانه، فإن ذلك لا يؤثر في سلامته، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد غير منتج. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم على لسان الشاهد سيد محمد خليفة له أصله الثابت في الأوراق، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات وإن خالفت أقواله بجلسة المحاكمة. فإن تعييب الحكم بالخطأ في الإسناد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على هذه المحكمة في الميعاد طبقاً لما هو مقرر في المادة 26 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وقدمت مذكرة برأيها في الحكم انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها المحكوم عليه بالإعدام، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون، وصدر الحكم بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية. وقد جاء الحكم سليماً من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى. ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه طبقاً لما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يتعين لذلك إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه سيد محمد مسلم علي جمعه