أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 993

جلسة 30 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(194)
الطعن رقم 1092 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) مسئولية جنائية. قتل خطأ. "خطأ. ضرر. علاقة سببية". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". قوة قاهرة.
(أ) الخطأ الشخصي أساس المسئولية. عدم مسئولية صاحب المركب جنائياً أو مدنياً عن خطأ الملتزم بتسييره إلا إذا كان العمل جارياً تحت ملاحظته وإشرافه الخاص.
(ب) جريمة القتل الخطأ. أركانها؟ خطأ وضرر ورابطة سببية. وجوب تبيان الحكم هذه الأركان وإلا كان معيباً.
(ج) انقطاع علاقة السببية بين الخطأ والضرر بالقوة القاهرة. امتناع مسئولية المخطئ إلا إذا كون خطؤه بذاته جريمة.
(د) مثال لتسبيب معيب في جريمة قتل خطأ.
1 - الأصل المقرر في القانون أن الإنسان لا يسأل إلا عن خطئه الشخصي، فصاحب المركب لا يعتبر مسئولاً جنائياً أو مدنياً عما يصيب الناس من أضرار عن خطأ الملتزم بتسييره، إلا إذا كان العمل جارياً تحت ملاحظته وإشرافه الخاص، فإذا كان هو قد سلم المركب إلى غيره على مقتضى الالتزام الذي حصل عليه من الجهة الإدارية المختصة لتسييره في الغرض المعين بوثيقته، فإن مساءلته هو تكون ممتنعة إلا أن تكون يده لا زالت مبسوطة عليه وعلى سير العمل فيه، أما إذا كانت قد غلت أو ارتفعت فلا وجه لمساءلته، والظاهر من مدونات الحكم أنه قال ببقاء يد المالك إفادة من الملك ذاته مع اختلاف الأمرين.
2 - تقتضي جريمة القتل الخطأ - حسبما هي معرفة به في المادة 238 من قانون العقوبات - لإدانة المتهم بها أن يبين الحكم الخطأ الذي قارفه ورابطة السببية بين الخطأ وبين القتل، بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير هذا الخطأ. ولما كان الحكم لم يبين أوجه الخطأ التي نسبت إلى الطاعنين بما ينحسم به أمرها، ولم يحققها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، كما لم يبين علاقة السببية أيضاً بالاستناد إلى الدليل الفني المثبت لسبب القتل لكون من الأمور الفنية البحت، فإنه يكون واجب النقض والإحالة بالنسبة إلى الطاعنين الأول والثالث، وكذلك بالنسبة إلى الطاعن الثاني ولو أنه لم يقرر بالطعن وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة ولحسن سير العدالة.
3 - متى وجدت القوة القاهرة وتوافرت شرائطها في القانون، كانت النتيجة محمولة عليها وانقطعت علاقة السببية بينها وبين الخطأ، وامتنعت المسئولية عمن أخطأ إلا إذا كون خطؤه بذاته جريمة.
4 - متى كان الحكم قد أثبت أن المتهمين حملوا المركب فوق طاقته دون أن يبين هذه الطاقة من واقع عقد الالتزام ذاته - إن أمكن - أو بغيره من الأدلة، خصوصاً أنه لم يحدد العدد الذي يحمله على وجه حاسم، وإنما قال فيه بالتراوح بين العشرين والثلاثين، علاوة على أنه أثبت نقلاً عن بعض الركاب أنه كان يسع عدداً أكثر مما حمل، هذا إلى أنه أثبت نقلاً عن شهادة المهندس المختص بهيئة النقل المائي أن القائمين على المركب لو كانوا على دراية كافية بتشغيله في الجو العاصف الذي وقع به الحادث لأمكنهم العبور به سالمين، ونقل في الوقت عينه نقيضه حين أثبت من تقرير المهندس نفسه أن العاصفة التي اقتلعت أعواد الأشجار وأعمدة التليفونات بالمنطقة هي السبب المباشر في الحادث، ولم يذكر الحكم سنداً لترجيحه لما أخذ به من هذين الدليلين المتعارضين أو ما أطرحه. وفوق ذلك فإنه اعتبر تسيير المركب في نقل الركاب خطأ أضافه إلى مجموعة الأخطاء المكونة للحادث مع تقريره في الوقت ذاته بنص الالتزام على التصريح به وأطلق القول بأن تسليم المركب إلى قائد غير مرخص له في القيادة خطأ مع أن ذلك لا يصح إلا بدلالته على نقض كفايته وقلة درايته. كل هذا ينبئ عن اضطراب صورة الدعوى في ذهن المحكمة وعدم استقرارها على النحو الذي يجعلها في حكم الوقائع المسلمة، مما يجعل الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 25 مايو سنة 1963 بدائرة مركز البداري: المتهمان الأول والثاني - تسببا خطأ في موت عيشه محمد عبد الحق وأحمد محمود محمد عبد الحق وكلثوم عبد السلام علام وحليمة عبد الحافظ حسان بأن كان ذلك ناشئاً عن عدم مراعاة القوانين واللوائح بأن قاد المتهم الثاني المركب دون أن يكون حاصلاً على ترخيص يثبت كفايته للعمل كما أنه قبل ركاباً أكثر من الحمولة المقررة بالرخصة ولم يزود المتهم الأول المركب بطاقم من البحارين وآلات للنجاة كافية فضلاً عن مخالفتهما شروط الترخيص واستعمالهما المركب لغير الغرض المخصص له مما أدى إلى انقلاب المركب وغرق المجني عليهم. المتهم الثاني: قاد المركب سالفة الذكر قبل الحصول على ترخيص. المتهمان الثالث والرابع: عملاً بالمركب قبل الحصول على ترخيص. والمتهم الأول: ( أ ) سير مركباً دون أن تتوافر فيه شروط السلامة بأن لم يضع آلات للنجاة بعدد الراكبين وفقاً للمقرر قانوناً (ب) لم يزود المركب بطاقم كاف من البحارين (ريس بحري وصبي بحري) وفقاً للمقرر بالرخصة. المتهم الثاني: قبل ركاباً حوالي 25 خمسة وعشرين أو ثلاثين شخصاً بأمتعتهم ودابتين مما حمل حمولة المركب أكثر من المقرر بالرخصة. والمتهمون الأول والثاني والسادس: خالفوا شروط الترخيص بأن غيروا من نوع العمل المخصص بالمركب بأن استعملوها لتعدية الركاب بدلاً من نقل البضائع - المتمهان الأول والسادس: لم يقوما بالتأمين على المتهم الثاني العامل لديهما. والمتهم الخامس. لم يقم بالتأمين على المتهم الثالث الذي يعمل لديه. وطلبت عقابهم بالمواد 238/ 1، 3، 1، 7، 8، 13، 14، 17/ 1 - 2 - 3 من القانون رقم 10 لسنة 1956 المعدل بالقانون رقم 57 لسنة 1962 والقرارات الخاصة و1 و2 و18 و108 و111 من القانون رقم 92 لسنة 1959. ومحكمة البداري الجزئية قضت في الدعوى حضورياً للمتهمين عدا الخامس عملاً بمواد الاتهام (أولاً) بانقضاء الدعوى الجنائية قبل المتهم الخامس لوفاته. (ثانياً) بحبس كل من المتهمين الأول والثاني والسادس سنة مع الشغل وكفالة خمسمائة قرش لوقف التنفيذ لكل منهم عن تهمة القتل الخطأ. (ثالثاً) بتغريم المتهم السادس جنيهاً واحداً عن تهمة التأمين على المتهم الثاني. (رابعاً) بتغريم المتهم الثالث مائة قرش عن تهمة ممارسة مهنة مراكبي بدون ترخيص وأمرت بوقف تنفيذ هذه الغرامة لمدة 3 سنوات تبدأ من صيرورة هذا الحكم نهائياً واجب النفاذ. (خامساً) ببراءة المتهم الرابع من التهمة المسندة إليه. فاستأنف المحكوم عليهم الحكم. ومحكمة أسيوط الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن وكيل المحكوم عليهما الأول والثالث في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بتهمة القتل الخطأ قد شابه القصور والتناقض في التسبيب، ذلك بأنه ساءل الطاعن الأول لمحض كونه مالكاً للمركب مع أن يده ارتفعت عنه وانقطعت صلته به بمجرد تسليمه إلى من التزم بتسييره بموجب الترخيص الصادر من الجهة الإدارية المختصة ولم يحدد الحكم بوجه حاسم حمولة المركب التي قال بتجاوزها، واعتبر نقل الأشخاص به خطأ قولاً بتخصيصه أصلاً لنقل البضائع مع نص عقد الالتزام على التصريح بنقلهما معاً، وجعل من عدم الترخيص لقائد المركب في تسييره خطأ مع أنه لا يعتبر كذلك إلا إذا ثبت نقص درايته في القيادة وهو ما لم يثبت، هذا إلى أن العاصفة - وهي قوة قاهرة - قطعت بين الخطأ المدعى، وبين النتيجة الضارة مما تنبت به علاقة السببية، بالإضافة إلى أنه أثبت موجب المسئولية ونقيضه في أسبابه المتهاترة، مما يعيبه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه قال في حاصل تسبيبه لإدانة الطاعنين بتهمة القتل الخطأ ما نصه (حيث إن تهمة القتل الخطأ المسندة لكل من الأول والثاني والسادس - الطاعنون الثلاثة - توافرت أركانها وأدلتها حسبما هي موصوفة بالوصف سالف الذكر، وعلى سند من تفصيل الوقائع المتقدمة واستناداً لما هو ثابت من اعترافاتهم ومن أقوال الشهود سالفي الذكر، ذلك بأن الثابت من مطالعة رخصة المركب أنها باسم المتهم الأول - الطاعن الأول - وأن المركب مخصصة للنقل وليست للركاب وقد تهاتر دفاع هذا المتهم ما بين قوله إنه باع المركب وقوله إنه إنما يؤجرها فقط الأمر الذي تلتفت معه المحكمة عن دفاعه بنوعية ويكون من الثابت لديها على أي حال أنه أحد الذين يقومون بتشغيلها في نقل وتعدية الركاب حالة كونها غير مخصصة لهذا الغرض وغير مجهزة بأدوات نجاة كافية للركاب، دون أن يعين عليها رئيس بحري ولا صبي بحري مرخص لهما في قيادتها وقد اشترك في تشغيلها على هذا النحو المتهمان الثاني والأخير - الطاعنان الثاني والثالث - باعترافهما وأبحر بها الثاني وحده دون مساعد بحري وبحمولة من الركاب والبضائع فوق طاقتها وفي جو غير ملائم ولم يستطع السيطرة عليها فانقلبت في النيل ومات المجني عليهم غرقاً نتيجة لكل ذلك لعدم وجود أدوات كافية لهم، ومن ثم تكون تهمة القتل الخطأ المنسوبة لكل من هؤلاء المتهمين الثلاثة الأول والثاني والسادس - الطاعنين - متوافرة أركانها وثابتة في حقهم ثبوتاً قاطعاً على النحو المتقدم، ويكون من المتعين عقابهم بالمادة 238/ 3 عقوبات) وهذا الذي أثبته الحكم جاء قاصراً متهافتاً، ذلك بأن الأصل المقرر في القانون أن الإنسان لا يسأل إلا عن خطئه الشخصي، فصاحب المركب لا يعتبر مسئولاً جنائياً أو مدنياً عما يصيب الناس من أضرار عن خطأ الملتزم بتسييره، إلا إذا كان العمل جارياً تحت ملاحظته وإشرافه الخاص، فإذا كان هو قد سلم المركب إلى غيره على مقتضى الالتزام الذي حصل عليه من الجهة الإدارية المختصة لتسييره في الغرض المعين بوثيقته فإن مساءلته هو تكون ممتنعة إلا أن تكون يده لا زالت مبسوطة عليه وعلى سير العمل فيه، أما إذا كانت قد غلت أو ارتفعت فلا وجه لمساءلته. والظاهر من مدونات الحكم أنه قال ببقاء يد المالك إفادة من الملك ذاته، مع اختلاف الأمرين. كما أن الحكم أثبت أن المتهمين حملوا المركب فوق طاقته دون أن يبين هذه الطاقة من واقع عقد الالتزام ذاته - إن أمكن - أو بغيره من الأدلة المفيدة، خصوصاً أنه لم يحدد العدد الذي كان يحمله على وجه حاسم، وإنما قال فيه بالتراوح بين العشرين والثلاثين علاوة على أنه أثبت نقلاً عن بعض الركاب أنه كان يسع عدداً أكثر مما حمل، هذا إلى أنه أثبت نقلاً عن شهادة المهندس المختص بهيئة النقل المائي أن القائمين على المركب لو كانوا على دراية كافية بتشغيله في الجو العاصف الذي وقع به الحادث لأمكنهم العبور به سالمين ونقل في الوقت عينه نقيضه حين أثبت من تقرير المهندس نفسه أن العاصفة التي اقتلعت أعواد الأشجار وأعمدة التليفونات بالمنطقة هي السبب المباشر في الحادث، ولم يذكر الحكم سنداً لترجيحه لما أخذ به من هذين الدليلين المتعارضين أو ما أطرحه خصوصاًًًً أن أحدهما ينفي
مسئولية الطاعنين بأن القوة القاهرة - متى وجدت وتوافرت شرائطها في القانون - كانت النتيجة محمولة عليها وانقطعت علاقة السببية بينها وبين الخطأ وامتنعت المسئولية عمن أخطأ إلا إذا كون خطؤه بذاته جريمة. وفوق ذلك فإنه اعتبر تسيير المركب في نقل الركاب خطأ أضافه إلى مجموعة الأخطاء المكونة للحادث مع تقريره في الوقت ذاته بنص الالتزام على التصريح به، وأطلق القول بأن تسليم المركب إلى قائد غير مرخص له في القيادة خطأ مع أن ذلك لا يصح إلا بدلالته على نقص كفايته وقلة درايته. كل هذا ينبئ عن اضطراب صورة الواقعة في ذهن المحكمة وعدم استقرارها على النحو الذي يجعلها في حكم الوقائع المسلمة. لما كان ذلك، وكانت جريمة القتل الخطأ - حسبما هي معرفة به في المادة 238 من قانون العقوبات - تقتضي لإدانة المتهم بها أن يبين الحكم الخطأ الذي قارفه ورابطة السببية بين الخطأ وبين القتل، بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير هذا الخطأ وكان الحكم لم يبين أوجه الخطأ التي نسبت إلى الطاعنين بما ينحسم به أمرها، ولم يحققها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، كما لم يبين علاقة السببية أيضاً بالاستناد إلى الدليل الفني المثبت لسبب القتل لكونه من الأمور الفنية البحت فإنه يكون واجب النقض ويكون متعيناً مع النقض الإحالة بالنسبة إلى الطاعنين الأول والثالث، وكذلك بالنسبة إلى الطاعن الثاني ولو أنه لم يقرر بالطعن وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة ولحسن سير العدالة.