مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة 1989) - صـ 32

(5)
جلسة 22 من أكتوبر سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: عبد اللطيف أحمد أبو الخير ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.

الطعن رقم 3101 لسنة 31 القضائية

أ - الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة - الجزاءات التي يجوز توقيعها على أعضائها.
المادتان 22 و23 من قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973.
حدد المشرع العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية بالإدارات القانونية من درجة مدير عام ومديراً إدارة قانونية وهى 1 - الإنذار 2 - اللوم. 3 - العزل - حرص المشرع على أن يجعل لرئيس مجلس الإدارة في سبيل تحقيق الانضباط اللازم توافره لسير العمل القانوني أن يقوم بالتنبيه كتابة على مديري وأعضاء الإدارات القانونية - لا يعتبر التنبيه عقوبة تأديبية فهو مجرد إجراء قانوني قصد به حث أعضاء الإدارة القانونية على الالتزام بأداء واجبهم الوظيفي دون تهاون - أساس ذلك: رغبة المشرع في التوفيق بين استقلال الإدارة القانونية ومسئولية رئيس مجلس الإدارة عن حسن سير العمل وحماية أموال الوحدة وتحقيق سيادة القانون - ينبغي على السلطات التأديبية مراعاة الجزاءات التي حددها المشرع عملاً بمبدأ شرعية العقوبة المنصوص عليه في الدستور والذي ينطبق كذلك على المجال التأديبي - تطبيق.
ب - الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة - أعضاؤها - تأديبهم.
اختلاف الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية - طبيعة النظام الإداري تنعكس على النظام التأديبي - النظام الإداري لا يحدد الجريمة التأديبية على النحو المستقر والمتميز في الجريمة الجنائية - أساس ذلك: تعدد وتنوع واجبات الوظائف وتعدد أساليب العاملين ومخالفة الواجبات وتحقيق المرونة للسلطة الرئاسية أو المحكمة التأديبية لتقدير صورة ومساحة المخالفة وتقدير الجزاء المناسب - لا يجوز للسلطة الرئاسية أو القضائية أن تضفى على إجراء وصف الجزاء ما لم يكن موصوفاً صراحة بأنه عقوبة تأديبية بنص القانون - مجازاة الطاعن بعقوبة التنبيه التي لم ترد بنص القانون - حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الحكم ومجازاته بعقوبة الإنذار المنصوص عليها قانوناً - لا تعارض بين قضاء المحكمة وقاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه - أساس ذلك: أن محكمة أول درجة عاقبت المخالف بأخف العقوبات بما أسمته خطأ التنبيه - ما أجرته المحكمة الإدارية العليا هو تصحيح قانوني لما حكمت به محكمة أول درجة بمجازاته بأقل الجزاءات المقررة قانوناً وهى الإنذار - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق الثامن من يوليو سنة 1985 أودع الأستاذ..... المحامى بصفته الطاعن شخصياً، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3101 لسنة 31 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بجلسة 22 من مايو سنة 1985 في الدعوى رقم 28 لسنة 27 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن، والقاضي بمجازاته بعقوبة التنبيه. وطلب الطاعن - للأسباب الموضحة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بعقوبة التنبيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاته والحكم ببراءته مما هو منسوب إليه. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباًً، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الطعين والقضاء مجدداً بتوقيع إحدى العقوبات الواردة بالمادة (22) من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالهيئات العامة على الطاعن.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة الثامن من يونيو سنة 1988، وبجلسة الرابع من يوليو سنة 1988 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة - وحددت لنظره أمامها جلسة الثامن من أكتوبر سنة 1988 وبهذه الجلسة استمعت المحكمة لمرافعة الطاعن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم 22/ 10/ 1988 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1984 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 28 لسنة 27 القضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا منطوية على تقرير باتهام عدد من المتهمين، أولهم...... (الطاعن) مدير عام الشئون القانونية بمنطقة كهرباء القاهرة بدرجة مدير عام، لأنهم خلال الفترة منذ عام 79 وحتى عام 83 بمنطقة كهرباء القاهرة خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي وأتوا ما من شأنه الإضرار بمصلحة الدولة المالية وخالفوا أحكام القانون بأن:
الأول: 1 - استعمل السيارة (40613) ملاكي القاهرة المملوكة للمنطقة في أعراضه الخاصة بأن سافر بها من القاهرة إلى طنطا يوم 16/ 10/ 1982.
2 - خالف شروط التصريح الممنوح له بقيادة السيارة بنفسه والذي يخوله قيادتها لأعمال الطوارئ.
3 - وافق على استخراج اشتراكات أتوبيس لبعض العاملين خلال الفترة من 79 حتى 83 دون أن يستلزم عملهم الانتقال خارج مقر العمل ورغم صرف بعضهم استمارات بدل انتقال مما حمل الدولة المبالغ المبينة تفصيلاً بالأوراق.
4 - أضاف اسم..... و..... إلى كشف المكافآت المنصرفة لأعضاء اللجنة المشكلة بالأمر الإداري رقم 37 لسنة 81 لمراجعة التذاكر الطبية مما أدى إلى صرف كل منهما المبالغ المبينة بالأوراق دون أن يكونا ضمن أعضاء اللجنة ودون أن يقوما بعمل من أعمالها.
5 - كلف...... بإضافة اسم..... و..... إلى كشوف بدل مواصلات السعاه العاملين بالإدارة القانونية مما أدى إلى صرفهما المبالغ المبينة بالأوراق حال كونهما تابعين لإدارة وسائل النقل.
6 - لم يقم بالإخطار عن انقطاع السائق....... في المدة من 25/ 8/ 82 حتى 31/ 8/ 1982 ومن 22/ 9/ 82 حتى 26/ 10/ 1982 مما أدى إلى صرف السائق الذكور راتبه عن أيام الانقطاع بغير حق.
7 - صرح للسائق...... بمغادرة أراضي البلاد إلى المملكة العربية السعودية قبل بدء أجازته على النحو المبين بالأوراق.
وبذلك يكون المذكور قد ارتكب المخالفات المنصوص عليها بالمواد 76/ 1، 3 و77/ 1 و78/ 1 من لائحة نظام العاملين بهيئة كهرباء مصر الصادرة بناء على قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1416 لسنة 1977.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمته تأديبياً بالمواد سالفة الذكر وطبقاً للمواد 8، 81 من اللائحة المذكورة، والمواد 21، 22، 23/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 73 بشأن الإدارات القانونية والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958، والمادة 1 من القانون رقم 19 لسنة 1959 والمادة 13 من القانون رقم 61 لسنة 1963، والمادتين 15/ 1،
19/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 72 بشان مجلس الدولة.
وبجلسة 22 من مايو سنه 1985 أصدرت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا حكمها بمجازاة المتهم المذكور.... بعقوبة (التنبيه).
وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لما أسند إلى المحال الأول من المخالفات في قرار الإحالة، فإن الثابت من الأوراق أن التفتيش الفني على الإدارات القانونية بوزارة العدل انتهى فيما هو واضح من قرار اللجنة المختصة بتاريخ 4/ 3/ 1984 إلى حفظ المخالفات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة لعدم المخالفة وأن تقصر الإحالة إلى المحاكمة التأديبية على المخالفات الأولى والثانية والثالثة، وذلك فإنه يتعين الحكم بعدم جواز إقامة الدعوى التأديبية على المحال الأول بالنسبة للمخالفات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة نزولاً على نص المادة (11) من القانون رقم 47 لسنة 73 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة، والوحدات التابعة لها فيما قضى به من أنه لا يجوز أن تقام الدعوى التأديبية إلا بناء على طلب الوزير المختص ولا تقام هذه الدعوى في جميع الأحوال إلا بناء على تحقيق يتولاه أحد أعضاء التفتيش الفني، وأن الثابت أن موافقة الوزير بتاريخ 13/ 1/ 1984 على الإذن برفع الدعوى التأديبية اقتصر على المخالفات الثلاثة الأولى من قرار الإحالة.
ومن حيث إنه بالنسبة للمخالفتين الأولى والثانية المنسوبتين إلى المحال الأول بشأن استعماله السيارة (40613) ملاكي القاهرة المملوكة للمنطقة في أعراضه الخاصة بأن سافر بها من القاهرة إلى طنطا يوم 16/ 10/ 1982 وأنه قادها بنفسه مما أحدث بها تلفيات لوقوع حادث تصادم لها بالطريق مع سيارة نقل، فهي ثابتة بشأن اضطراره للسفر بها في الساعة الثالثة من صباح يوم 16/ 10/ 1982 استجابة لمكالمة تليفونية من عمه المقيم بطنطا لاحتضار والدته وأنه تحمل كافة تكاليف الإصلاح.
وأنه بالنسبة للمخالفة الثالثة الخاصة بموافقة الطاعن على استخراج اشتراكات أتوبيس لبعض العاملين دون أن يستلزم عملهم الانتقال، فقد ذكر المحال أن غالبية هؤلاء من المندوبين القضائيين أو مندوبي الحجر الإداري، ومقتضى طبيعة عملهم الانتقال خارج مقر العمل وأن النيابة الإدارية لم تحقق في ذلك تحقيقاً كافياً واستندت فقط لما ورد في تقرير الإدارة المركزية للتفتيش المالي بوزارة المالية والبادي للمحكمة أن غالبية المحالين الآخرين فعلاً مندوبين قضائيين أو مندوبي حجز إداري والبعض منهم يعمل بالسكرتارية ولم تفرق النيابة الإدارية بين طبيعة العمل للمندوبين وبين غيرهم، الأمر الذي يجعل المخالفة الثالثة المنسوبة إلى المحال الأول غير ثابتة ثبوتاً كافياً وترى المحكمة على كل حال الاكتفاء بمجازة المحال الأول بعقوبة التنبيه بعد استبعاد المخالفات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة.
ومن حيث أن مبنى الطعن مخالفه الحكم القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب.
فأما عن مخالفة الحكم للقانون فقد ذكر الطاعن أن المادة 22 من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية قد حددت العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على الطاعن في ثلاث جزاءات هي الإنذار, واللوم, والعزل, وذلك على سبيل الحصر, الأمر الذي لا يجوز معه إضافة عقوبة أخرى إلا بنص تشريعي في قانون وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمجازاة الطاعن بعقوبة التنبيه يكون قد أنشأ عقوبة أخرى لا وجود لها قانوناً, وهذا مخالف لقاعدة أنه لا عقوبة إلا بنص ويضيف الطاعن أن القانون قد أعطى لرئيس مجلس الإدارة سلطة التنبيه لا كعقوبة وإنما كإجراء يقتضيه حسن سير العمل ومن ثم لا يكون التنبيه جزاء من الجزاءات القانونية التي توقعها المحكمة التأديبية.
وأما عن الخطأ في تطبيق القانون وتأويله فقد أورد الطاعن أن المحكمة إذ وقعت عليه جزاء التنبيه فإنها تكون قد باشرت سلطة رئيس مجلس الإدارة ولذلك فهي لم تسند حكمها إلى نص قانوني وهذا في حد ذاته خطأ في تطبيق القانون.
وأما عن الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب فقد ذهب الطاعن إلى أن الحكم قد أغفل كثيراً مما أبداه من دفوع ودفاع على نحو ما ورد بمذكراته وحافظة مستنداته ومثال ذلك الدفع الذي أبده الطاعن بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمخالفة الأولى والثانية لسبق الفصل فيهما.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد ناقش الاتهامات السبعة التي نسبتها النيابة الإدارية إلى الطاعن وانتهت بداءة إلى عدم جواز إقامة الدعوى التأديبية عليه بالنسبة للمخالفات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، ثم انتهت إلى عدم ثبوت المخالفة الثالثة في حقه لعدم كفاية التحقيقات في التوصل إلى إلصاق المخالفة بالطاعن, ثم توصلت إلى إدانة الطاعن عن المخالفتين الأولى والثانية المنسوبتين إليه وهما المتمثلتين في استعماله السيارة المسلمة له والمملوكة لجهة الإدارة في أغراضه الخاصة مع مخالفة شروط التصريح الممنوح له بقيادتها لأعمال الطوارئ.
ومن حيث أنه من الواضح أن ما أبداه الطاعن من أعذار تمثل ظروفًا شخصية طارئة تتعلق بالطاعن وعائلته وتدعو إلى سرعة انتقاله لهذه الطوارئ الشخصية ولكن هذه الظروف لا تتحول معها السيارة التي استخدمها إلى وسيلة انتقال يجوز له استخدامها لشخصه لطوارئ ظروفه الخاصة دون الطوارئ المتعلقة بالعمل المرخص له باستخدامها فيها.
ومن حيث أن المحكمة قد بنت إدانتها للطاعن عن هاتين المخالفتين على ما ثبت في التحقيقات من اعترافه بارتكابها وبعد أن ناقشت ما أبداه من أوجه دفاع في هذا الشأن فإنه لا يكون ثمة وجه للنعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى من خلال ثبوت المخالفتين الأولى والثانية في حق الطاعن إلى مجازاته بعقوبة التنبيه.
ومن حيث إن القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة, والوحدات التابعة لها قد نص في المادة (22) منه على أن "العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية الخاضعة لهذا النظام من درجة مدير عام ومدير إدارة قانونية هي:
1 - الإنذار. 2 - اللوم. 3 - العزل".
وقد نص ذات القانون في المادة (23) منه على أنه "....... يجوز في جميع الأحوال لرئيس مجلس الإدارة المختص التنبيه كتابة على مديري وأعضاء الإدارات القانونية بمراعاة حسن أداء واجباتهم ويبلغ التنبيه الكتابي إلى الإدارة القانونية بالمؤسسة العامة أو الهيئة العامة وإلى إدارة التفتيش الفني ويجوز التظلم من القرار الصادر بالتنبيه إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة (17) من هذا القانون وبطلان قرار اللجنة بالفصل في التظلم نهائيًا".
ومن هذين النصين يبين أن المشرع قد قصر العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على شاغلي الوظائف الفنية الخاضعة للنظام التأديبي الخاص بأعضاء الإدارات القانونية. من درجة مدير عام ومدير إدارة قانونية في عقوبات ثلاث حددها على سبيل الحصر هي الإنذار واللوم والعزل.. وقد حرص المشرع على أن يجعل لرئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة أو الهيئة العامة أو الوحدة التابعة لها - في سبيل تحقيق الانضباط اللازم توافره في سير وأداء العمل القانوني - أن يقوم بالتنبيه كتابة على مديري وأعضاء الإدارات القانونية. وهذا التنبيه لا يعتبر عقوبة تأديبية وإنما مجرد إجراء قانوني قصد به حث مديري وأعضاء الإدارات القانونية على الالتزام بأداء واجبهم الوظيفي فيما تختص به هذه الإدارات دون توان أو تهاون, وذلك كما هو مستفاد من أحكام مواد هذا القانون وأعماله التنفيذية من تعمد المشرع التوفيق بين المبدأ الأساسي الذي قام عليه استقلال تلك الإدارات في قانون تنظيمها وأداء واجباتها في حماية المال العام ورعاية صالح القانون في الوحدات التي تتشابه دون تأثير من السلطات الإدارية المختصة وبين مسئولية رئيس مجلس إدارة الوحدة الاقتصادية بصفة عامة عن حسن سير العمل بالوحدة من حيث الإنتاج أو الإدارة الاقتصادية أو المالية أو مباشرة الأعمال القانونية اللازمة لحماية أموال الوحدة منها وتحقيق رعاية سيادة القانون.
ومن حيث أن الأصل أن لا عقوبة ولا جريمة إلا بناء على قانون, وهذا الأصل الذي نصت عليه المادة (66) من الدستور يشمل المجال الجنائي وأيضاً المجال التأديبي, ولطبيعة النظام الإداري التي تنعكس حتماً على النظام التأديبي بأن هذا النظام لا يحدد الجريمة التأديبية على النحو المستقر والمتميز الذي تحدد بمقتضاه الجريمة الجنائية وذلك حتى يواجه النظام التأديبي تعدد وتنوع واجبات الوظائف العمة وتعدد أساليب العاملين ومخالفة هذه الواجبات واثبات أفعال تتعارض مع مقتضياتها ولتتحقق المرونة للسلطة التأديبية سواء كانت السلطة الرئاسية أو المحاكمة التأديبية لوزن وتقدير صورة ومساحة المخالفة والجريمة التأديبية التي يتعين أن تدخل أصلًا بحسب تكييفها في الوصف العام الذي يحدده المشرع في القانون والذي يحقق الشرعية بالنسبة لكل الأفعال والموازين التي ينطبق عليها ويحقق بالتالي شرعية الجريمة التأديبية - إلا أن النظام التأديبي يتفق مع النظام الجنائي في أنهما نظامان عقابيان, ويتعين أن يتحدد بالقانون على وجه الدقة العقوبة في كل منهما بدقة, ولا تملك سلطة سوى المشرع إسباغ الشرعية على عقاب تأديبي, كما انه لا يملك سوى القانون تحدد أية عقوبة جنائية في النظام الجنائي, ومن حيث أن ذلك هو الذي تلتزمه بكل دقة أنظمة العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام ويلتزم المشرع في القانون رقم 47 لسنة 1973 آنف الذكر باعتباره نظاماً خاصاً للمحامين بالإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها والتزمته بدقة وصراحة المادة (19) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة التي نصت على أن توقع المحاكم التأديبية الجزاءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لشئون من تجرى محاكمتهم ومن ثم فإن السلطة التأديبية وهى في سبيل مؤاخذة المتهم عما يثبت في حقه من اتهام ينبغي أن تجازيه بإحدى العقوبات التأديبية التي حددها المشرع على سبيل الحصر ولا يجوز لهذه السلطة سواء كانت رئاسية أم قضائية أن تضفي على إجراء وصف الجزاء ما لم يكن ذلك الإجراء موصوفاً صراحة بأنه عقوبة تأديبية بنص القانون وإلا كان القرار أو الحكم التأديبي مخالفًا للقانون.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد ذهب في حيثياته إلى أن المحكمة ترى الاكتفاء في مجازاة الطاعن بعقوبة التنبيه فإن معنى ذلك أن المحكمة قد انعقد عزمها على الاكتفاء بمجازاة الطاعن بعقوبة تصور الحكم المطعون فيه أنها أدنى العقوبات التأديبية الجائز توقيعها على الطاعن قانوناً لما ثبت في حقه من مخالفات تأديبية.
ومن حيث أنه وإن كان الحكم الطعين قد أخطأ في تحديد العقوبة التأديبية من بين الجزاءات التي حددها المشرع لأن أدنى العقوبات التأديبية الجائز توقيعها على الطاعن - باعتباره مدير عام شئون قانونية - هي عقوبة (الإنذار) طبقًا للمادة (22) من القانون رقم 47 لسنة 73 ومن ثم فإنه يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه خطأ من النص على مجازاة الطاعن بالتنبيه وهو أمر يحتمه مبدأ شرعية العقوبة المتعلق بالنظام العام نزولاً على سيادة الدستور والقانون مع الحكم بمجازاة الطاعن بعقوبة الإنذار أدنى العقوبات المقررة قانوناً بالقانون رقم 47 لسنة 1973.
ومن حيث أنه لا تعارض بين هذا الذي تنتهي إليه هذه المحكمة وقاعدة أن الطاعن لا يضار بطعنه لأن هذه القاعدة تقوم على عدم المساس بالمركز القانوني للطاعن وفقًا لما حدده الحكم المطعون فيه والعبرة في هذا الشأن بالمعاني وليس بالألفاظ وبمراعاة ما هو لا خلاف عليه في الحكم المطعون فيه فإن المحكمة قضت بعقاب الطاعن بأدنى عقوبة مقررة وأسماها الحكم عقوبة التنبيه خطأ ومن ثم فإنه يكون ما أجرته هذه المحكمة من تصحيح قانوني لما انتهى إليه الحكم المطعون فيه أمر لا يضار به الطاعن نتيجة لطعنة وفقًا للفهم السليم للقانون لأن هذا التصحيح لا ينحدر به مركزه القانوني بحسب حقيقة ما أنطوى إليه ذلك الحكم من عقابه بأقل الجزاءات إلى مركز أسوأ قانوناً من ذلك.
ومن حيث أن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها تطبيقًا للمادة (184) مرافعات إلا أن هذا الطعن يُعفى من الرسوم القضائية بصريح نص المادة (90) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بالتنبيه ومجازاته بعقوبة الإنذار.