أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 43 - صـ 527

جلسة 29 من مارس سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب نائبي رئيس المحكمة، محمد شهاوي وعبد الجواد هاشم.

(112)
الطعن رقم 1310 لسنة 51 القضائية

(1، 2) إيجار "إيجار الأماكن": "التأجير من الباطن". حكم "تسبيبه: عيوب التسبيب".
(1) تصريح المالك للمستأجر بالتأجير من الباطن. اختلافه عن حقه في التأجير خالياً أو مفروشاً المستمد من نصوص القانون. المادتان 39، 40 ق 49 لسنة 1977. أساس ونطاق كل منهما. لا تعارض بين قيام الحق في التأجير من الباطن في الحالتين. إطلاق يد المستأجر في التأجير من الباطن بموافقة المالك منتج لأثره. لا يحول دون ذلك القيود التي فرضها المشرع بالمادتين سالفتي الذكر على المستأجر الذي رخص له بالتأجير خالياً أو مفروشاً. علة ذلك.
(2) تصريح المالك للمستأجر بتأجير حجرتين من الشقة المؤجرة له. مؤداه. تخويله الحق في تأجيرهما للغير. مخالفة الحكم المطعون فيه ذلك على أساس أن تأجيره لحجرتين مفروشاً بناء على تصريح المالك بذلك يخالف حكم م 40 ق 49 لسنة 1977 بما يؤدي إلى بطلان عقدي إيجارهما وإخلائهما. خطأ. علة ذلك.
1- الأصل في ظل القوانين الاستثنائية المنظمة للعلاقات بين المؤجر والمستأجر هو عدم جواز التأجير من الباطن إلا بإذن كتابي صريح من المالك فإذا ما صرح المالك به كان من شأن هذا التصريح تخويل المستأجر الحق في توسيع نطاق انتفاعه بالعين المؤجرة أما حق المستأجر في التأجير في الأحوال التي نص عليها القانون فهو يختلف في أساسه ونطاقه عن الإذن له من المؤجر بالتأجير من الباطن فبينما يستمد المستأجر حقه في التأجير خالياً أو مفروشاً من القانون وحده في حدود ما نصت عليه المادتان 39، 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك بغير حاجة إلى إذن من المالك، فإنه لا يملك التأجير من الباطن أصلاً إلا بموافقة كتابية صريحة من المؤجر، وفي حين تدخل المشرع في حالة الترخيص للمستأجر بالتأجير خالياً أو مفروشاً ووضع لها نظاماً محدداً بين فيه صفة المستأجر الذي يجوز له التأجير وقدر ما يؤجره مع أفراد أسرته والأشخاص والطوائف المرخص بالتأجير لهم، والمواسم التي يصح التأجير فيها ومواقيتها والمناطق التي يباح فيها ذلك، فإن القانون لم يضع على حرية المؤجر والمستأجر قيوداً في حالة التصريح بالتأجير من الباطن مما مؤداه أنه يجوز للمؤجر في جميع الحالات إطلاق حق المستأجر في ذلك بغير قيود، ولا تعارض في قيام هذا الحق المطلق المتولد عن الاتفاق إلى جانب حقه المستمد من القانون الاستثنائي اعتباراً بأن عقد الإيجار هو عقد رضائي يخضع في قيامه وشروطه وانقضائه لمبدأ سلطان الإرادة في حدود ما تفرضه القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن دون تجاوز لنطاقها وذلك إلى حين إلغائها، وأن الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفاً للنظام العام أو الآداب أو جاء على خلاف نص آمر أو ناهٍ في القانون. وينبني على ذلك إنه إذا ما أطلقت يد المستأجر في التأجير من الباطن بموافقة المالك فإن هذه الموافقة تنتج أثرها ولا يحول دون نفاذها تلك القيود التي فرضها المشرع بالمادتين 39، 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على المستأجر الذي رخص له بالتأجير خالياً أو مفروشاً.
2- إذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن مالك العقار قد صرح للمطعون ضده في عقد الإيجار المؤرخ 1/ 3/ 1966 بأن يؤجر حجرتين من الشقة المؤجرة له بموجبه - فإن هذا التصريح يكون صحيحاً وينتج أثره في تخويل الأخير الحق في تأجير الحجرتين محل النزاع إلى الطاعنين حتى في ظل العمل بأحكام المادتين 39، 40 من القانون 49 لسنة 1977 والقيود والشروط المفروضة بهما لأن تصريح المالك للمطعون ضده بالتأجير من الباطن الذي عمل به لإيداع سبيلاً لتطبيق الأحكام والقيود التي نص عليها التشريع الاستثنائي على حرية المالك في التصريح للمستأجر في التأجير من الباطن بغير قيود، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد حكم محكمة أول درجة فيما ذهب إليه من أن تأجير المطعون ضده الحجرتين محل النزاع إلى الطاعنين مفروشاً بناء على تصريح المالك له بذلك جاء مخالفاً لحكم المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بما يؤدي إلى بطلان عقدي إيجارهما وإخلائهما فمن ثم يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعنين الدعوى رقم 9626 لسنة 1977 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلائهما من الحجرتين المبينتين بالصحيفة وتسليمهما له بالمنقولات المفروشة بإحداهما. وقال بياناً لذلك إنه يستأجر الشقة محل النزاع مفروشة وبتاريخ 1/ 2/ 1971 أجر للطاعنين حجرة منهما ثم بتاريخ 1/ 6/ 1971 أجر لهما حجرة أخرى لاستعمالهما مكتباً مفروشاً وإذ صدر من الباطن القانون رقم 49 لسنة 1977 وحظر على مستأجر المكان مفروشاً تأجيره أو جزءاً منه من الباطن ثم أنذره المالك بالإخلاء لمخالفة هذا القانون فقد أقام الدعوى بطلبيه سالفي البيان. قضت المحكمة بإخلاء الطاعنين وتسليم الحجرتين محل النزاع إلى المطعون ضده مع المنقولات المفروشة بإحداهما. استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 393 لسنة 96 قضائية وبتاريخ 15 من مارس سنة 1981 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولان إنه أورد بمدوناته أن عقد الإيجار الصادر من المالك إلى المطعون ضده قد تضمن التصريح له بتأجير حجرتين مفروشتين مقابل زيادة بنسبة 70% من القيمة الإيجارية ومع ذلك فقد أيد الحكم الابتدائي فيما ذهب إليه من أن قيام هذا الأخير بتأجير حجرتين إلى الطاعنين بالمفروشات استناداً إلى هذا التصريح ينطوي على مخالفة لحكم المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 التي تحظر على المستأجر التأجير مفروشاً في غير الحالات المبينة بها مما يترتب عليه بطلانه والقضاء بالإخلاء، في حين أن موافقة المالك للمستأجر على التأجير من الباطن جائزة قانوناً ومن شأن حصول هذه الموافقة أن يمتنع تطبيق حكم هذه المادة، خلافاً لما انتهى إليه الحكم المطعون فيه مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك بأن الأصل في ظل القوانين الاستثنائية المنظمة للعلاقات بين المؤجر والمستأجر هو عدم جواز التأجير من الباطن إلا بإذن كتابي صريح من المالك فإذا ما صرح المالك به كان من شأن هذا التصريح تخويل المستأجر الحق في توسيع نطاق انتفاعه بالعين المؤجرة أما حق المستأجر في التأجير في الأحوال التي نص عليها القانون فهو يختلف في أساسه ونطاقه عن الإذن له من المؤجر بالتأجير من الباطن فبينما يستمد المستأجر حقه في التأجير خالياً أو مفروشاً من القانون وحده في حدود ما نصت عليه المادتان 39، 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك بغير حاجة إلى إذن من المالك، فإنه لا يملك التأجير من الباطن أصلاً إلا بموافقة كتابية صريحة من المؤجر، وفي حين تدخل المشرع في حالة الترخيص للمستأجر بالتأجير خالياً أو مفروشاً ووضع لها نظاماً محدداً بيّن فيه صفة المستأجر الذي يجوز له التأجير وقدر ما يؤجره مع أفراد أسرته والأشخاص والطوائف المرخص بالتأجير لهم، والمواسم التي يصح التأجير فيها ومواقيتها والمناطق التي يباح فيها ذلك، فإن القانون لم يضع على حرية المؤجر والمستأجر قيوداً في حالة التصريح بالتأجير من الباطن مما مؤداه أنه يجوز للمؤجر في جميع الحالات إطلاق حق المستأجر في ذلك بغير قيود، ولا تعارض في قيام هذا الحق المطلق المتولد عن الاتفاق إلى جانب حقه المستمد من القانون الاستثنائي اعتباراً بأن عقد الإيجار هو عقد رضائي يخضع في قيامه وشروطه وانقضائه لمبدأ سلطان الإرادة في حدود ما تفرضه القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن دون تجاوز لنطاقها وذلك إلى حين إلغائها، وأن الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفاً للنظام العام أو الآداب أو جاء على خلاف نص آمر أو ناهٍ في القانون. وينبني على ذلك إنه إذا ما أطلقت يد المستأجر في التأجير من الباطن بموافقة المالك فإن هذه الموافقة تنتج أثرها ولا يحول دون نفاذها تلك القيود التي فرضها المشرع بالمادتين 39، 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على المستأجر الذي رخص له بالتأجير خالياً أو مفروشاً. لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن مالك العقار قد صرح للمطعون ضده في عقد الإيجار المؤرخ 1/ 3/ 1966 بأن يؤجر حجرتين من الشقة المؤجرة له بموجبه - فإن هذا التصريح يكون صحيحاً وينتج أثره في تخويل الأخير الحق في تأجير الحجرتين محل النزاع إلى الطاعنين حتى في ظل العمل بأحكام المادتين 39، 40 من القانون 49 لسنة 1977 والقيود والشروط المفروضة بهما لأن تصريح المالك للمطعون ضده بالتأجير من الباطن الذي عمل به لإيداع سبيلاً لتطبيق الأحكام والقيود التي نص عليها التشريع الاستثنائي على حرية المالك في التصريح للمستأجر في التأجير من الباطن بغير قيود، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد حكم محكمة أول درجة فيما ذهب إليه من أن تأجير المطعون ضده الحجرتين محل النزاع إلى الطاعنين مفروشاً بناءً على تصريح المالك له بذلك جاء مخالفاً لحكم المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بما يؤدي إلى بطلان عقدي إيجارهما وإخلائهما فمن ثم يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث السبب الآخر.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، لما كان المطعون ضده قد أسس دعواه بطلب إخلاء الطاعنين على مخالفة التصريح الصادر له من المالك بالتأجير لهما مفروشاً لحكم المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977، مما لا أساس له قانوناً، ولما تقدم يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.