مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة 1989) - صـ 40

(6)
جلسة 29 من أكتوبر سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: عبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد المهدي مليحي وصلاح عبد الفتاح سلامة والسيد عبد الوهاب أحمد المستشارين.

الطعن رقم 1569 لسنة 31 القضائية

( أ )اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - ما يخرج عن اختصاص القضاء الإداري - (قوات مسلحة) (اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة) (منازعة إدارية), القانونان رقما 96 لسنة 1971 و71 لسنة 1975.
المشرع قصر الاختصاص بالنظر في جميع المنازعات الإدارية الخاضعة لضباط القوات المسلحة على لجان ضباط القوات المسلحة ولجان أفرع هذه القوات - أصبغ المشرع الصفة القضائية على هذه اللجان - شمول اختصاصها لكافة المنازعات الإدارية المتعلقة بهؤلاء الضباط دون تمييز بين أنواع هذه المنازعات - الأثر المترتب على ذلك: يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري كافة المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة - مثال: طلب التعويض عن قرار إنهاء الخدمة بغير الطريق التأديبي - أساس ذلك: أن هذه المنازعة لا تعدو أن تكون منازعة إدارية في شأن من الشئون الوظيفية لأحد الضباط بالقوات المسلحة - تطبيق.
(ب) اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة القضاء الإداري - ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري. (تعويض) (قوات مسلحة) (اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة) (منازعات إدارية).
القانون رقم 96 لسنة 1971 بشأن الطعن في قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة والقانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة, طلب التعويض عن قرار اعتقال ضابط بالقوات المسلحة لأسباب سياسية - لا يعتبر من قبيل المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوات المسلحة - أساس ذلك: مناط اعتبار المنازعة من المنازعات الإدارية بالضباط أن تتعلق بأمر من أمور الضباط الوظيفية التي تنظمها قوانين شروط خدمة الضباط - اعتقال ضابط لأسباب سياسية لا يعدو في هذه الحالة أن يكون فرداً عادياً - الأثر المترتب على ذلك: دخول المنازعة في قرار الاعتقال في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - تطبيق.
(ج) دعوى الإلغاء - الطعن في الأحكام - حدود رقابة المحكمة الإدارية العليا. (اختصاص) (مرافعات) إذا انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الاختصاص فإنه يتعين عليها أن تعيده إلى المحكمة التي أصدرته ولا تفصل في موضوع الدعوى - أساس ذلك: ألا تفوت على ذوى الشأن إحدى درجات التقاضي - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 31/ 3/ 1985 أودع الأستاذ..... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1569 لسنة 31 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 904 لسنة 38 ق بجلسة 17/ 3/ 1985 القاضي بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية للاختصاص بنظر الدعوى وإبقاء الفصل في المصروفات. وطلب الطعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به والحكم باختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري لنظر طلبات الطاعن موضوعاً والقضاء له بها مع حفظ كافة حقوقه.
وأعلن الطعن قانوناً بتاريخ 9/ 4/ 1985 وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وبتعديل الحكم المطعون عليه ليكون بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى في شقها الخاص بإحالة المدعى إلى المعاش وإحالتها إلى لجنة الضباط القضائية المختصة بالقوات المسلحة, وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها في الشق الخاص بالتعويض عما أصاب المدعي من أضرار نتيجة ما يدعيه من صدور قرار باعتقاله خلال الفترة من 24/ 7/ 1967 إلى 29/ 5/ 1968 وإبقاء الفصل في المصروفات, مع إلزام كل من الطاعن والجهة الإدارية بمصروفات الطعن مناصفة بينهما.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 1/ 2/ 1988 وتدوول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 1/ 10/ 1988 وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين. وقد أودعت الجهة الإدارية بتاريخ 12/ 10/ 1988 مذكرة بدفاعها.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن أقيم في المعاد القانوني مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن الطاعن أقام ضد المطعون ضدهما أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 904 لسنة 38 ق طالباً الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له مبلغ خمسين ألف جنيه والمصروفات وأتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وقال شرحاً لدعواه أنه تخرج في الكلية الحربية سنة 1948 والتحق ضابطاً بسلاح المشاة واشترك في الحروب التي خاضتها مصر ووصل في الترقي إلى رتبة عقيد سنة 1965 ونقل إلى إدارة المخابرات الحربية وعقب النكسة سنة 1967 والخلاف الذي دب بين رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة صدر قرار باعتقاله ليلة 23/ 7/ 1967 وأودع الكلية الحربية وظل في معتقله حتى 29/ 5/ 1968 وقد اتخذ ذلك الاعتقال ذريعة لأنها خدمته بغير الطريق التأديبي بالقرار الجمهوري رقم 1459 لسنة 1967 بتاريخ 12/ 8/ 1967 دون أي مسوغ قانوني, وأوضح المدعى أن قرار إحالته إلى المعاش مخالف للقانون وقد أصيب بأضرار مادية وأدبية جسيمة من جراء قرار رئيس الجمهورية المذكور واعتقاله الفترة المشار إليها تتمثل في تفويت الفرصة عليه في أن يلحق زملاءه وترك أكبر المناصب في القوات المسلحة التي شغلها زملاؤه بعد ذلك فضلاً عن حرمانه من أجره العالي المقترن بهذه المناصب المرموقة. كما أن اعتقاله وإحالته إلى المعاش تسببا في وصفه بصفات غير شريفة فضلاً عن الآلام النفسية العظيمة ويقدر المدعي هذه الأضرار بمبلغ خمسين ألف جنية. وردت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وفقاً لأحكام القانونين رقم 96 لسنة 1971 ورقم 71 لسنة 1975 وبجلسة 17/ 3/ 1985 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى اللجنة القضائية المختصة بالقوات المسلحة وأبقت الفصل في المصروفات تأسيساً على اختصاص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة - وفقاً للقانون رقم 96 لسنة 1971 ورقم 71 لسنة 1975 إذ هي المختصة دون غيرها بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بضابط القوات المسلحة ومن ثم تخرج المنازعة المطروحة عن اختصاص القضاء الإداري بمجلس الدولة.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والإجحاف بحقوقه إذ أخطأ في الاستدلال لأن القانون رقم 96 لسنة 1971 جعل الاختصاص منعقداً للجان الضباط المنعقدة بصفة هيئة قضائية عند نظر المنازعة الإدارية الخاصة بالقرارات التي تصدرها لجان الضباط بالقوات المسلحة بينما النزاع في دعواه يتعلق بالتعويض عن قرار جمهوري قضى بإحالته إلى المعاش وكذا تعويضه عن اعتقاله دون سبب أو مبرر وهما يخرجان عن اختصاص هذه اللجان ويختص بنظرهما القضاء الإداري, كما أن طلب التعويض عن الأضرار التي لحقه من جراء اعتقاله لا علاقة له بالقوانين المنظمة لعمله كضابط بالقوات المسلحة إذ أنه لم ينسب إليه أنه أتى ما يستوجب اعتقاله. فضلاً عن أن المحكمة الإدارية العليا قضت في حالة مماثلة في الطعن رقم 34 لسنة 24 ق بقبول الطعن في الشق الخاص عن الاعتقال وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيه وبإحالة الطعن بالنسبة لإلغاء القرار الجمهوري بإحالة الطاعن إلى المعاش إلى اللجنة القضائية المعتمدة بصفة هيئة قضائية. وردت الجهة الإدارية على الطعن بأن محل الدعوى المطعون في حكمها هو قرار إحالة الطاعن للمعاش وإيداعه الكلية الحربية على حد قولة بصحيفة دعواه من 24/ 7/ 1967 حتى 26/ 5/ 1968 فهي منازعة إدارية تختص بها اللجنة القضائية لضباط القوات البرية المنصوص عليها في القانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة ويكون الحكم المطعون فيه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبإحالتها إلى اللجنة القضائية المختصة بالقوات المسلحة يتفق وصحيح حكم القانون, وما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أن القانون رقم 71 لسنة 1975 أنشأ قضاء عسكرياً يختص بالمنازعات الإدارية ومنها دعاوى التسوية وكافة المنازعات الخاصة بهم سواء كانت طعناً في قرارات إدارية أو استحقاقاً مما يعتبر تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو اللوائح, ويكون ما أورده السيد مفوض الدولة في الشق الأخير من رأيه والطعن عليه غير قائم على سند من القانون خليقاً بالرفض. ولا يغير من ذلك ما أشار إليه الطاعن من صدور حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 34 لسنة 24 ق عليا بجلسة 28/ 5/ 1983 بإعادة دعوى مماثلة في الشق الخاص بتعويض الطاعن عن الأضرار التي أصابته من جراء اعتقاله إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها إذ أن الطاعن أورد في صحيفة دعواه أن احتجازه كان في الكلية الحربية وهو أمر قد يتعلق بعمله كضابط ويغاير وقائع الدعوى التي أشار إلى الحكم الصادر في الطعن الذي أقيم عن الحكم الصادر فيها مما يتعين معه عدم الأخذ به واختصاص اللجان القضائية للقوات المسلحة بهذا الشق من الدعوى أيضاً وقد ورد النص على اختصاص اللجان القضائية بالقوات المسلحة بكافة المنازعات الإدارية المتعلقة بضباطها عاماً ومطلقاً فيشمل كافة المنازعات الإدارية التي يقضي بها مجلس الدولة وقد نقل المشرع إلى تلك اللجان هذا الاختصاص, وطلبت الجهة الإدارية الحكم برفض الطعن مع إلزام الطاعن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وعقب الطاعن على تقرير هيئة مفوضي الدولة فيما ارتآه من عدم اختصاص المحكمة بالنسبة طلب المدعى الخاص بتعويضه عن إحالته للمعاش بالقرار رقم 1470 لسنة 1967 استناداً إلى القانونين رقم 96 لسنة 1971 ورقم 71 لسنة 1975 بأن واقعة الإحالة إلى المعاش حثت قبل صدور هذين القانونين ولا يجوز تطبيقهما على وقائع حدثت قبل صدروهما وعلى ذلك تكون محكمة القضاء الإداري مختصة بنظر الطلب المذكور. كما أن اختصاص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة - وفقاً لنصوص هذين القانونين - مقصور فقط على نظر الطعون على قرارات لجان شئون الضباط بالقوات المسلحة ولا تتعداها إلى أمور أخرى وهذا هو ما ورد في نصوص إنشاء هذه اللجان ولا يجوز التوسع في اختصاصها لأن الاختصاص من النظام العام, وخلص الطاعن إلى التصميم على طلباته الواردة بصحيفة الطعن. وأحالت مذكرة الجهة الإدارية المودعة بتاريخ 12/ 10/ 1988 إلى ما جاء بمذكرتها المودعة ملف الطعن في خصوصية الاختصاص القضائي للجان الضباط بالقوات المسلحة بنظر المنازعة الماثلة طبقاً لأحكام المادة 183 من الدستور وأحكام القانونين رقم 96 لسنة 1971 ورقم 71 لسنة 1975 وبالتالي سلامة الحكم المطعون فيه, إذ أن قواعد الاختصاص تعتبر من النظام العام ولا يجوز مخالفتها وتطبق على كافة المنازعات التي تنظر أمام القضاء ويكون ما أثاره الطاعن من عدم انطباق أحكام القانونين المذكورين على موضوع النزاع مخالفاً للقانون. وأضافت المذكرة أنه بالنسبة لما جاء بتقرير السيد المفوض الدولة من اختصاص محكمة القضاء الإداري بطلب التعويض عمل يدعيه الطاعن من قرار اعتقاله من 24/ 7/ 1967 حتى 29/ 5/ 1968 بالكلية الحربية - وهى مدة تدخل في خدمته بسلاح المهمات فضلاً عن أن الطاعن لم يقدم دليلاً على صدور قرار باعتقاله فقد نفي المطعون ضدهما وجود هذا القرار ولم يجحد الطاعن ذلك، ومن ثم فلا محل للقول باختصاص القضاء الإداري بالتعويض عن قرار لم يثبت صدوره. وخلصت الجهة الإدارية إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات والأتعاب.
ومن حيث أنه عن اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر طلب الطاعن تعويضه عن قرار إنهاء خدمته بغير الطريق التأديبي فإن المادة الأولى من القانون رقم 174 لسنة 1957 في شأن التظلم من قرارات لجان ضباط القوات المسلحة نصت على أن "تنشأ بوزارة الحربية لجنة تسمى اللجنة العليا لضباط القوات المسلحة وتختص دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة، وتنشأ لجنة أخرى تسمى اللجنة الإدارية بكل فرع من أفرع القوات المسلحة يصدر بتنظيمها واختصاصها قرار من وزير الحربية "وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن هذا القانون - كما هو ظاهر من ديباجته التي أشار فيها إلى القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة ومن مذكرته الإيضاحية - قد هدف إلى إبعاد مجلس الدولة كهيئة قضاء إداري عن نظر المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة. وقد جاء نص المادة الأولى منه من العموم والشمول في هذا الشأن بما يمنع المجلس المذكور عن نظر تلك الأمور جميعها. وبعد أن نزع القانون المذكور عن المجلس الاختصاص في الأمور المذكورة على هذا النحو الشامل حدد اختصاص اللجنة العليا لضباط القوات المسلحة، كما نص على إنشاء لجنة أخرى تسمى اللجنة الإدارية لكل فرع من أفرع القوات المسلحة يصدر بتنظيمها قرار من وزير الحربية وفوض بذلك الوزير في تنظيم تلك اللجان الإدارية المختلفة وتحديد اختصاصاتها بما يتسع لنظر المنازعات الإدارية كافة. ولما صدر القانون رقم 232 لسنة 1959 في شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة وتحدث عن اختصاصات اللجنة العليا لضباط في تلك الأمور أكد اختصاصها دون غيرها بالنظر في جميع المنازعات الإدارية المترتبة على القرارات التي تصدرها لجان الضباط المختلفة. ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 96 لسنة 1971 بشأن الطعن في قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة الذي حل محل القانون رقم 174 لسنة 1957 سالف الذكر مردداً ما قضى به هذا القانون الأخير من قصر الاختصاص بالنظر في جميع المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة على لجان ضباط القوات المسلحة ولجان أفرع هذه القوات. وجاءت نصوص القانون المذكور في هذا الخصوص من العموم والشمول أيضاً بما يدخل جميع المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة في اختصاص لجان الضباط المشار إليها دون القضاء الإداري، إذ نصت مادته الأولى على أن "تختص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التي تصدرها لجان الضباط بالقوات المسلحة وتنشأ بكل فرع من أفرع القوات المسلحة لجنة قضائية تختص دون غيرها بالفصل في باقي المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة ويصدر بتنظيمها وتحديد اختصاصاتها قرار من رئيس الجمهورية" ويبين من استقراء أحكام هذا القانون أنه جاء صريحاً واضحاً في إسباغ الصفة القضائية على لجان الضباط المنشأة في أفرع القوات المسلحة طبقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة الأولى سالفة الذكر وفي تخويل هذه اللجان اختصاصاً شاملاً مطلقاً في كل المنازعات الإدارية المتعلقة بالضباط أياً كان نوعها فيما عدا ما تختص به لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية المشار إليها بالفقرة الأولى من المادة المذكورة. ثم صدر القانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة ونص على إنشاء اللجان القضائية لأفرع هذه القوات، وحدد هذه اللجان وكيفية تشكيلها وقضى باختصاصها دون غيرها بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوات المسلحة عدا العقوبات الانضباطية وما تختص بنظره لجنة ضباط القوات المسلحة وفقاً لأحكام القانون رقم 96 لسنة 1971 المشار إليه، مؤكداً اختصاص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة دون غيرها بالفصل في جميع المنازعات الإدارية المتعلقة بهؤلاء الضباط، إذ جرى نص المادة الثالثة من القانون المذكور على أن "تختص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوات المسلحة عدا العقوبات الانضباطية وما تختص بنظره لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية وفقاً لأحكام القانون رقم 96 لسنة 1971 في شأن الطعن في قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة. وأشارت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور إلى نص المادة 183 من الدستور التي تنص على أن "ينظم القانون القضاء العسكري ويبين اختصاصاته في "حدود المبادئ الواردة في الدستور" وإلى أنه استناداً إلى هذا النص الدستوري صدر القانون رقم 96 لسنة 1971 ومن بعده القانون رقم 71 لسنة 1975 المشار إليهما، مما يقطع في الصفة القضائية للجان الضباط المشار إليها وفي شمول اختصاصها لكافة المنازعات الإدارية المتعلقة بهؤلاء الضباط دون تميز بين أنواع هذه المنازعات.
ومن حيث أنه لما كانت المنازعة الماثلة في شقها الخاص بطلب التعويض عن إنهاء خدمة الطاعن بغير الطريق التأديبي بالقرار الجمهوري رقم 1740 لسنة 1967 اعتباراً من 12/ 8/ 1967 لا تعدو أن تكون منازعة إدارية في شأن من الشئون الوظيفية لأحد ضباط القوات المسلحة ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظرها إلى اللجنة القضائية المختصة بالقوات المسلحة إعمالاً لأحكام القانونين رقم 96 لسنة 1971 ورقم 71 لسنة 1975 سالفي الذكر دون مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، ولا وجه لما يذهب إليه الطاعن من أن اختصاص لجان الضباط بالقوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية مقصور على نظر المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات التي تصدرها لجان الضباط بالقوات المسلحة دون ما يتعلق بالقرارات الجمهورية الصادرة بإحالتها إلى المعاش بغير الطريق التأديبي إذ أن المادة 138 من القانون رقم 232 لسنة 1959 في شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة خولت رئيس الجمهورية الاختصاص بإنهاء خدمة الضباط بإحالتها إلى المعاش وقد نزعت القوانين أرقام 174 لسنة 1975 و232 لسنة 1959 و96 لسنة 1971 و 71 لسنة 1975 - كما سبق القول - عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري كافة المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة وقصرتها على اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة واللجان القضائية لأفرع هذه القوات دون غيرها ومن ثم تختص هذه اللجان بنظر طلب التعويض عن إنهاء خدمة الطاعن بغير الطريق التأديبي اعتباراً من 12/ 8/ 1967 بالقرار الجمهوري رقم 1470 لسنة 1967 ولا يغير من هذا الرأي ما ذهب إليه الطاعن من أن القانونين رقمي 96 لسنة 1971 و71 لسنة 1975 سالفي الذكر قد صدرا في تاريخ لاحق على صدور القرار المطلوب التعويض عنه وأن في إخضاع المنازعة لأحكامها من شأنه إعمال القانونين المذكورين بأثر رجعى. ذلك لأن هذين القانونين بوصفهما من القوانين المنظمة للاختصاص القضائي يسريان بأثر مباشر على هذه المنازعة بما يخضعها لأحكامهما طبقاً للقواعد العامة وإذ قضت محكمة القضاء الإداري في هذا الشق من الدعوى بعدم اختصاصها بنظره وأمرت بإحالته إلى اللجنة القضائية المختصة بالقوات المسلحة وأبقت الفصل في المصروفات فإن قضاءها يكون صائباً، ويكون الطعن عليه على غير أساس سليم من القانون ويتعين الحكم برفضه وإلزام الطاعن بالمصروفات.
ومن حيث أنه فيما يتعلق بطلب التعويض المقدم من الطاعن عن القرار الصادر باعتقاله خلال الفترة من 24/ 7/ 1967 إلى 29/ 5/ 1968 فإنه لا يعتبر من قبيل المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوات المسلحة التي ينعقد الاختصاص بنظرها للجنة القضائية المختصة بالقوات المسلحة طبقاً لأحكام القانونين رقمي 96 لسنة 1971 و71 لسنة 1975 السالف الإشارة إليهما، إذ أن مناط اعتبار المنازعة من المنازعات الإدارية المنوه عنها أن تتعلق بأمر من أمور الضباط الوظيفية التي تنظمها قوانين شروط خدمة الضباط الأمر الذي لا يتوفر في حالة اعتقال الضابط لأسباب سياسية حيث لا يعدو الضابط إزاء القرار الصادر باعتقاله في هذه الحالة أن يكون فرداً عادياً من الأفراد مما يعقد الاختصاص بشأن المنازعة في قرار الاعتقال إلى القضاء الإداري. ولا يغير من هذا أن الاحتجاز - كما تقول الإدارة في ردها على الطعن - كان في الكلية الحربية، إذن هذا الاحتجاز لا ينفي عن قرار الاعتقال صفته كقرار اعتقال، وليس هناك ما يدل على ما تذكره الإدارة - من أن الاحتجاز قد يتعلق بعمله كضابط. وليس صحيحاً ما جاء بمذكرة الإدارة المودعة في 12/ 10/ 1988 من أن الإدارة نفت صدور قرار باعتقال الطاعن إذ أن حافظة مستندات الإدارة ورد بها أن قرار الاعتقال والأفراد لم يصدرا من القوات المسلحة ولا يعنى ذلك عدم صدورهما البتة وإنما صدورهما من غيرها وإذ قضت محكمة القضاء الإداري في حكمها المطعون فيه بعدم اختصاصها بنظر هذا الشق من الدعوى فإن قضاءها يكون غير صحيح ويتعين الحكم بإلغائه وباختصاصها بنظره.
ومن حيث أنه سبق للمحكمة الإدارية بدائرتها المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 أن قضت في الطعن رقم 1352 لسنة 33 بجلسة 14/ 5/ 1988 بأن على المحكمة الإدارية العليا إذا ما تبينت بطلان الحكم المطعون فيه وانتهت إلى إلغائه أن تفصل في موضوع الدعوى متى كان صالحاً للفصل فيه وأوضحت المحكمة في أسباب الحكم المذكور أنه لا يختلف إلغاء الحكم لبطلانه عن إلغائه لغير ذلك من الأسباب، وفصل المحكمة العليا في النزاع بعد إلغاء الحكم لغير البطلان لا يختلف عن فصلها فيه بد إلغائه للبطلان. ويتعين على المحكمة الإدارية العليا إذا انتهت إلى إلغاء الحكم المطعون فيه أمامها لغير مخالفة قواعد الاختصاص أن تفصل فيه مباشرة ولا تعيده إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه إذا كان صالحاً للفصل فيه، بما مفاده أنه إذا انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الاختصاص فإنه يتعين عليها أن تعيده إلى المحكمة التي أصدرته ولا تفصل في موضوع الدعوى حتى لا تفوت على ذوى الشأن إحدى درجات التقاضي، وإذ كان الثابت مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد خالف قواعد الاختصاص بالنسبة لطلب التعويض عن قرار اعتقال الطاعن خلال الفترة من 24/ 7/ 1967 حتى 29/ 5/ 1968 فمن ثم يتعين إلغاؤه وإعادة الدعوى في هذا الشق منها إلى المحكمة القضاء الإداري للفصل فيها مع إلزام الجهة الإدارية بمصروفاته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به من عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى في شقها الخاص بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدى للطاعن تعويضاً عن الأضرار التي أصابته من جراء اعتقاله من الفترة من 24/ 7/ 1967 حتى 29/ 5/ 1968 وبإعادة الدعوى في هذا الشق منها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها، وبرفض الطعن فيما عدا ذلك وألزمت الطاعن والجهة الإدارية بمصروفات الطعن مناصفة.


[(1)] يراجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا - الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلا بالقانون رقم 136 لسنة 1984 في الطعن رقم 1352 لسنة 33 ق الصادر بجلسة 14/ 5/ 1988.