مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة 1989) - صـ 61

(9)
جلسة 5 من نوفمبر سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأستاذة: يحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.

الطعن رقم 646 لسنة 32 القضائية

( أ ) جامعات - أعضاء هيئة التدريس بها - تأديب - التحقيق.
الأصل ضرورة وجود كاتب تحقيق كضمانة لحماية حق الدفاع سواء في تحقيقات النيابة العامة أو النيابة الإدارية - في مجال التأديب لا يوجد ما يمنع المحقق من تحرير التحقيق الإداري بنفسه طالما التزم أصول التحقيق أو كان ثمة مقتضى يتطلب ذلك - تطبيق.
(ب) جامعات - أعضاء هيئة التدريس - تأديبهم - التحقيق.
تحليف الشهود اليمين - أثر تخلف اليمين.
الأصل هو تحليف الشهود اليمين لحفزهم على ذكر الحقيقة - ليس في قانون تنظيم الجامعات ما يستوجب ذلك - أداء الشهادة بغير يمين لا يصم التحقيق بالبطلان أو يؤثر على سلامته طالما أن تقديره متروك لمجلس التأديب حسبما يستخلصه من وقائع وأوراق ملف الاتهام - كذلك لا يبطل التحقيق لمجرد عدم مواجهة طالما أن التحقيق لم يهدر ضمانات الدفاع.
(ج) جامعات - أعضاء هيئة التدريس - تأديبهم - التحقيق.
توقيع المحقق والكاتب لمحضر التحقيق.
لا وجه لاشتراط توقيع المحقق والكاتب متى تبين أن التحقيق تم بخط يد المحقق ولظروف استدعت عدم حضور كاتب وكان اسم المحقق ثابتاً في صدر التحقيق.
(د) جامعات - أعضاء هيئة التدريس - تأديبهم.
للسلطة التأديبية سواء كانت مجلس التأديب أو المحكمة التأديبية المختصة أن تستند إلى قول في الأوراق الخاصة بالدعوى التأديبية دون قول آخر حسبما يطمئن إليه وجدانها - لا تثريب على السلطة التأديبية إذا ما هي اطمأنت لأسباب مستخلصة من الأوراق وأقوال الشهود إلى الشهادة الأولى لأحد الشهود وطرحت ما طرأ على هذه الشهادة من تعديل طارئ - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 28 من يناير سنة 1986 أودع الأستاذ...... المحامى بصفته وكيلاً عن السيد الدكتور...... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 646 لسنة 32 القضائية في القرار الصادر من مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية بجلسة أول ديسمبر سنة 1985 في الدعوى المقامة من رئيس الجامعة ضد الطاعن والقاضي بمجازاته بعقوبة اللوم مع تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنتين تحسب من تاريخ ترشيح مجلس الكلية للتعيين فيها.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء حكم مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس جامعة الإسكندرية المطعون فيه.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 13 من أبريل سنة 1988، وبجلسة 22 من يونيو سنة 1988 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وحددت لنظره أمامها جلسة 15 من أكتوبر سنة 1988 وبهذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 24 من سبتمبر سنة 1985 قرر السيد الأستاذ الدكتور رئيس جامعة الإسكندرية إحالة السيد الدكتور..... مدرس القانون المدني بكلية الحقوق إلى مجلس تأديب هيئة التدريس بالجامعة وأودع سكرتارية مجلس التأديب تقرير اتهام ضده نسب إليه إخلاله بكرامة وظيفته كعضو بهيئة التدريس الجامعية إخلالاً جسيماً، وذلك لقيامه يوم 18/ 3/ 1985 بخطف الإيصال المثبت لمديونيته لمنشأة المعارف بالإسكندرية ومزقه تماماً ووضعه في جيبه وفر هارباً من المنشأة بعد أن تمكن من الحصول عليه بالتحايل بحجة معرفة تاريخه وقيامه بتبادل الشتائم والعبارات الجارحة مع رجال المنشأة بما جعله يوصف بما لا يليق منهم وذلك بأنه "صايع وعيل ولا يفهم شيئاً" على مرأى ومسمع من الناس ولتعريض نفسه للمساءلة الجنائية لولا تنازل الشاكي أمام النيابة العامة التي كانت بسبيل معاملته بالمادة 365 من قانون العقوبات.
وبجلسة أول ديسمبر سنة 1985 أصدر مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية قراره بمجازاة الدكتور.... بعقوبة اللوم مع تأخر التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنتين تحسب من تاريخ ترشيح مجلس الكلية للتعين فيها.
وأقام مجلس التأديب قضاءه على أن الثابت بالأدلة القاطعة أن المحال إلى المحكمة قد أخل بوظيفته كعضو بهيئة التدريس بكلية الحقوق إخلالاً جسيماً وذلك بقيامه بخطف الإيصال المثبت لمديونيته لمنشأة المعارف بالإسكندرية وتمزيقه فتاتاً صغيرة ووضعه في جيبه وفراره هارباً من المنشأة وهو الأمر الذي يصل إلى حد ارتكاب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات كما قام بتبادل الشتائم والعبارات الجارحة مع رجال المنشأة مما جعله يوصف بأنه "صايع وعيل ولا يفهم شيئاً" وكل ذلك على مرأى مسمع من الناس بما لا يليق حسبما سلف البيان وهذا هو الذي ارتكبه المحال إلى المحاكمة يشكل في جانبه ذنباً إدارياً يستوجب مجازاته عنه تأديبياً بأحد الجزاءات المنصوص عليها في المادة (110) من قانون تنظيم الجامعات الصادر به القانون رقم 49 لسنة 1972 وفي تقدير هذا الجزاء تضمن قرار مجلس التأديب أنه يلحظ هذا المجلس أن المحال إلى المحاكمة مدرس في بداية حياته العملية الحقيقية ومن الملائم أن تتاح له فرصة الحياة الشريفة وهو ما يدعو المجلس إلى معاملته هذه المرة بالرأفة ويكتفي تبعاً بمجازاته بعقوبة اللوم مع تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنتين تحسب من تاريخ ترشيح مجلس الكلية للتعين فيها.
ومن حيث أن مبنى الطعن أن قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد صدر معيباً للأسباب الآتية:
أولاً: بطلان هذا القرار بسبب:
ما شابه من قصور في التسبيب: 1 - ومخالفة الثابت بالأوراق وذلك من خلال إغفاله دفاع الطاعن الثابت بمذكرته المقدمة لمجلس التأديب والمستند إلى بطلان التحقيق لتنازل رئيس الجامعة ضمناً عن تأشيرته القضائية بالبدء فيه، فضلاً عن أن مشاركة عميد الكلية لرئيس الجامعة في إصدار قرار الإحالة، من شأنها إبطاله وقد ثبتت هذه المشاركة مما دونه المحقق في محضر التحقيق من أنه يجريه بناء على طلب رئيس الجامعة وعميد الكلية.
2 - لإهداره القواعد القانونية والشكلية وذلك بعدم اصطحاب المحقق كاتب تحقيق فضلاً عن أن شهادة...... و....... لم يسبقها اليمين، مما يصم التحقيق بمخالفة القواعد الجوهرية التي تعد من ضمانات المتهم رغم خلو قانون الجامعات من النص عليها.
3 - ولما شابه من قصور وإخلال بحقوق الدفاع، وذلك لعدم رد الحكم على ما أبداه الطاعن من بطلان التحقيق لعدم مباشرته في حضوره أو مواجهته بأقوال شهود الإثبات رغم أن مواجهة المتهم بأقوال الشهود يعد من المسائل الجوهرية التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم.
4 - ولعدم بيان الأدلة التي كون منها عقيدته لتعويله على أدلة متساقطة ومن ذلك ما شاب المحضر المؤرخ 2/ 7/ 1985 من بطلان لعدم التوقيع عليه ممن أجراه.
5 - ولصدوره من غير بصر وبصيرة لعدم استقرار الواقعة على نحوها الصحيح في ذهن المجلس حيث أنه واضح من استعراض مفردات الحكم أنه قد فصل في الواقع متأثراً بشهادة الدكتور..... رغم أن الطاعن قدم إقراراً مفصلاً من الشاهد ذاته يوضح ما شاب شهادته من غموض بما ينفي عنها اعتبارها دليل إدانة، ولم يشر الحكم إلى هذا الإقرار على نحو يفيد أن الحكم قد فصل في الدعوى دون مطالعة كامل أوراقها.
6 - إغفال القرار حقوق الدفاع، إذ تبنى أقوال الشاكي وشهوده وأغفل تحقيق دفاع الطاعن مما يصم الحكم بالإخلال بحقوق الدفاع، و ذلك رغم عدم تصور صدور إيصال من الطاعن لأنه صاحب المؤلفات المودعة قبل الناشر ومن ثم فهو الذي يحصل على مستند من الناشر لا العكس. هذا فضلاً عن أن الطاعن رجل قانون ويعلم أن تمزيق الإيصال لا يعني انقضاء الدين، كذلك لا يتصور أن يتم تمزيق الإيصال دون العثور على قصاصاته ودون أن يمنع الشاكي ورجاله الطاعن من مغادرة المكان.
ثانياً: مبالغة القرار المطعون فيه في اختيار الجزاء على نحو واضح، إذ وقع على الطاعن العقوبة الأدنى مباشرة من أشد العقوبات المتعددة التي أوردها قانون الجامعات.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن ما نسب إلى الطاعن في تقرير الاتهام هو إخلاله بكرامة وظيفته كعضو بهيئة التدريس الجامعية إخلالاً جسيماً وذلك لقيامه بخطف الإيصال المثبت لمديونيته لمنشأة المعارف ومزقه تماماً وفر هارباً من المنشأة بعد أن تمكن من الحصول عليه بالتحايل بحجة معرفة تاريخه وقيامه بتبادل الشتائم والعبارات الجارحة مع رجال المنشأة.
ومن حيث أن قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد صدر منطوياً على إدانة الطاعن على أساس ثبوت هذا الاتهام في حقه وبمجازاته بعقوبة اللوم مع تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنتين.
ومن حيث أن هذا القرار قد صدر استناداً إلى التحقيق الذي أمر رئيس الجامعة بإجرائه.
ومن حيث أن رئيس الجامعة إذ أمر بإجراء التحقيق في الواقعة المنسوبة إلى الطاعن وهو الذي يملك قانوناً الأمر بإجرائه، فإنه لا يحول دون سلامة التحقيق المبنى على هذا الأمر الصحيح بإجرائه القول بأن رئيس الجامعة قد تنازل عن ذلك ضمناً من خلال إرساله صورة الخطاب الذي تلقاه سيادته من منشأة المعارف - بما يفيد أنه تم إرسال الموضوع إلى عميد كلية الحقوق لاتخاذ ما يراه مناسباً، ذلك أن هذه الإحالة هي إجراء مكمل للأمر بالتحقيق عدولاً عنه، لأن مفادها وجوب إرفاق صورة الخطاب المشار إليه بأوراق التحقيق واستكماله في ضوء ما ورد بهذا الخطاب وليس مفادها على أي نحو العدول عن الأمر السابق صدوره من رئيس الجامعة بإجراء التحقيق وذلك بدليل استكمال الإجراءات قبل الطاعن بعد ذلك حتى صدور القرار المطعون فيه من مجلس التأديب.
ومن حيث أنه إذا كان الأمر بإجراء التحقيق قد تم ممن يملكه وهو رئيس الجامعة فإنه لا يمس سلامة التحقيق أن يفتتحه المحقق بإثبات انه تم بناء على طلب الأستاذ الدكتور رئيس جامعة الإسكندرية والأستاذ الدكتور عميد كلية الحقوق، لأنه طالما قد أشار المحقق إلى أنه يجري التحقيق استناداً إلى تكليف ممن يملك الأمر به قانوناً فإن تزيد المحقق بإضافة تكليف عميد الكلية له بذلك لا يؤثر في سلامة التحقيق المستند أساساً إلى تكليف من المختص قانوناً للمحقق بإجرائه ذلك أن إثبات هذه العبارة لا يؤثر في صحة ثبوت صدور قرار رئيس الجامعة المختص قانوناً بالأمر بالتحقيق بإجرائه - ومن صحة ما قررته السلطة الآمرة بالتحقيق في هذا الشأن.
ومن حيث أنه فيما يتعلق بما ينعاه الطاعن على التحقيق المذكور من أنه قد تم دون اصطحاب المحقق كاتب تحقيق، فإنه وإن كان يبين من استقراء القواعد الإجرائية المنظمة لتحقيقات النيابة العامة والنيابة الإدارية أن الأصل كقاعدة عامة ضرورة وجود كاتب تحقيق هو ضمانة قانونية أساسية واجبة بصفة عامة ومستمدة أصلا كفرع من الإجراءات التي تحمي حق الدفاع المقرر بمقتضى نص المادة (67) من الدستور لأي موطن يجرى معه التحقيق سواء كان ذلك في مجال المسئولية التأديبية والإدارية أو المسئولية الجنائية ومؤدى ذلك وجوب استصحاب الضمانة في مجال التحقيق التأديبي إلا أن ذلك لا يمنع جواز تحرير المحقق التحقيق الإداري بنفسه دون اصطحاب كاتب تحقيق بشرط ألا يخالف ذلك نص القانون ويكون أساسه مراعاة لمقتضيات حسن سير وانتظام المرافق العامة بمراعاة الاعتبارات الموضوعية الثابتة عند إجراء التحقيق وظروف الإمكانيات في جهات الإدارة، أو مراعاة لاعتبار سرية التحقيق لتعلقه بما يمس الإدارة والنظام العام أو لاعتبار كرامة الوظيفة التي يشغلها من يجرى معه التحقيق - وبما لا يخل على أي وجه من الوجوه بحقوق الدفاع لمن يجرى معهم التحقيق.
ومن حيث أن التحقيق مع الطاعن قد حرره المحقق دون اصطحاب كاتب تحقيق - وهو أستاذ في كلية الحقوق - لأن ظروف إجراء هذا التحقيق تبرر ذلك سواء من ناحية موضوعه ونوعية الاتهام الموجه للطاعن وصفته كعضو بهيئة التدريس التي يوجب إحاطة مثل هذا التحقيق بالسرية، أو من ناحية إحاطة كرامة وظيفة الطاعن كعضو بهيئة التدريس بالجامعة بالحماية من تعريضها لتناقل مجريات التحقيق بواسطة كاتبه، كما أنه لم يثبت أنه كان في تحرير هذا التحقيق بواسطة المحقق أي إهدار لحق من حقوق الدفاع المقررة للطاعن فلم يثبت على ما ورد بمدونات التحقيق أنه تضمن سلباً أو إيجاباً أية مغايرة للحقيقة فيما ثبت به من أقوال الطاعن أو غيره ممن سئلوا في هذا التحقيق.
ومن حيث أنه في شأن ما ينعيه الطاعن على التحقيق من أنه تضمن شهادة بعض الشهود دون أن يسبقها أداء اليمين، إلا أنه وإن كانت القاعدة العامة في مجال تحديد ضمانات المتهم في التحقيق تستوجب ذلك لحفزهم على ذكر الحقيقة لكنه ليس في قانون تنظيم الجامعات ما يستوجب مطالبة الشهود في التحقيق بأداء اليمين قبل إبداء أقوالهم في التحقيقات الإدارية وليس هناك إخلال في هذا الخصوص بحق الطاعن في الدفاع حيث أن مجال تقدير قيمة ما أدلى به الشهود ممن لم يحلفوا اليمين ومدى صدقة مرجعه إلى تقدير مجلس التأديب مرتبطاً بما يستخلصه من وقائع التحقيق وأوراق ومستندات ملف الاتهام أمامه من اقتناع في هذا الشأن وحق إبداء ما سيراه الطاعن أمامه من دفاع وبصفة خاصة فيما يتعلق بمدى سلامة أو صحة أقوال من سئلوا في التحقيق. ومن ثم فإن عدم مطالبة المحقق لبعض الشهود في التحقيق الذي بني عليه قرار مجلس التأديب المطعون بأداء اليمين قبل إبداء أقوالهم لا يشوب وحده هذا التحقيق بالبطلان ولا يؤثر على سلامته ما دام لم يثبت أن ذلك قد أخل بحق الطاعن في الدفاع وقد أتيحت له الفرصة لإبدائه كما يراه فيما يتعلق بمدى صحة وسلامة هؤلاء الشهود.
ومن حيث إنه عن الإدعاء ببطلان التحقيق لعدم مباشرته في حضور المتهم (الطاعن) أو مواجهته بأقوال شهود الإثبات فإنه ولئن كانت مواجهة المتهم بما هو منسوب إليه يعتبر ضمانة من ضمانات التحقيق يترتب على إغفالها بطلانه فيما لو أخل ذلك بحق الدفاع على أي وجه من الوجوه إلا أن عدم مواجهة من يحقق معه بهذه الأقوال أثناء التحقيق لا يبطله ما دام قد وضع التحقيق كاملاً تحت نظره للإطلاع عليه وإبداء ما يراه من دفاع أمام مجلس التأديب ولذلك فإنه طالما أن الثابت من الأوراق أنه قد ووجه المتهم بما هو منسوب إليه وأبدى دفاعه بشأنه أمام مجلس التأديب فلا تثريب على المحقق إذا ما هو استكمل التحقيق في بعض جوانبه في غيبة المتهم ولم يطلعه على أقوال شهود الإثبات طالما أنة لم ترد بأقوالهم نسبه اتهامات جديدة إلى المتهم لم يسبق مواجهته بها وتمكينه من الرد عليها، وأنه بعد انتهاء التحقيق قد تم تمكينه على نحو لا يجحده من الاطلاع على جميع أوراق التحقيق بعد إتمامه، وذلك لإبداء دفاعه أمام مجلس التأديب المحال عليه وللرد على أية أقوال وردت على لسان هؤلاء الشهود.
ومن حيث أن الثابت من التحقيق الذي بني عليه قرار مجلس التأديب المطعون فيه أمام هذا المجلس أنه لم يحرم الطاعن من إبداء دفاعه ودراسة كل ما ورد في التحقيق من أقوال ومستندات على أي وجه كما أنه قد تمت مواجهة الطاعن بما هو منسوب إليه ولم تتضمن شهادة شهود الإثبات ما لم يتم مواجهة الطاعن به من اتهام فإنه لا يكون قد شاب التحقيق في هذا الشأن ثمة شائبة.
ومن حيث أنه عن القول ببطلان التحقيق لعدم التوقيع عليه ممن أجراه بالنسبة للمحضر المؤرخ 2/ 7/ 1985 فإن القاعدة في إجراء التحقيقات تحتم توقيع كاتب التحقيق والمحقق لازماً مع كل حلقة من حلقات إجرائه ليكون له ثبوت صدق التحقيق عمن أجراه وحرره وتمكين من يحقق معه من إبداء دفاعه في هذا الشأن مما يبطل التحقيق معه لو أغفل ثبوت هذه التوقيعات على نحو يشكك في سلامة حدوث الإجراء أو صحة ما ثبت في أوراق التحقيق أو يمنع من يحقق معه على أي وجه من إبداء دفاعه فيما يتعلق بكل ما يتعلق بالتحقيق ومن ثم فإنه ليس ثمة شك في أنه ما دام الثابت أن التحقيق تحرر بخط يد المحقق وما دام أن استلزام التوقيع غايته إثبات إجراء التحقيق بمعرفة المحقق المحرر اسمه في صدره وضمان حق المحقق معه في الدفاع، وهذه الغاية تحقق عند تدوين التحقيق بواسطة المحقق لأن في تدوين التحقيق بخط يد المحقق ما يثبت إجراءه بواسطته ولا يترتب على عدم إغفاله توقيعه عقب انتهاء كل إجراء من إجراءات على أحد ممن المحاضر المكونة له البطلان لعدم وجود شك في إجراءات التحقيق بخصم أو ثبوت عدم صحة ما أثبته أو إخلال ذلك بحق الدفاع لمن يجرى التحقيق معهم، وحيث إنه عما ينعيه الطاعن على قرار مجلس التأديب المطعون فيه من أنه صدر متأثراً بشهادة الدكتور...... رغم أن الطاعن قدم إقراراً مفصلاً من الشاهد ذاته يوضح ما شاب شهادته من غموض، فإن القاعدة أن للسلطة التأديبية سواء كانت مجلس التأديب أو المحكمة التأديبية المختصة أن تستند إلى قول في الأوراق الخاصة بالدعوى التأديبية دون قول آخر حسبما يطمئن إليه وجدانها، ولا تثريب على السلطة التأديبية إذا ما هي اطمأنت لأسباب مستخلصة استخلاصاً سائغاً من الأوراق وأقوال الشهود إلى الشهادة الأولى لأحد الشهود وطرحت ما طرأ على هذه الشهادة من تعديل طارئ.
ومن حيث أن قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد أثبت أنه بسؤال الدكتور...... حول واقعة الشيك أكد أن المحال إلى المحاكمة قدم إلى السيد.... شيكاً بمبلغ (1200) جنيه واعتذار له عن تمزيق الإيصال وعما بدر منه من إساءة وتلك هي حقيقة ما أبداه الشاهد في التحقيق وهى لا تختلف في جوهرها عما أبداه الشاهد في مذكرته المؤرخة 17/ 1/ 1985 والتي أضافت أن الاعتذار كان متبادلاً من الطرفين، وهى واقعة لا تغير من جوهر الشهادة التي اطمأن إليها مجلس التأديب شيئاً فيما يتعلق بما هو منسوب للطاعن من أنه مزق إيصالاً بمديونيته بمبلغ حرر به قيمة الشيك في الظروف التي جرت فيها تلك الواقعة بمقر المنشأة وبتبادل الشتائم والعبارات الجارحة مع رجال المنشأة. ومن ثم فلا تثريب على قرار مجلس التأديب إن هو أغفل الإشارة إلى مذكرة الشاهد اللاحقة لأنها لا تغير من جوهر شهادته وحقيقة مضمونها وفحواها.
ومن حيث أن قرار مجلس التأديب قد بني على أن الطاعن قد أخل بوظيفته كعضو بهيئة التدريس بكلية الحقوق إخلالاً جسيماً وذلك بقيامه بخطف الإيصال المثبت لمديونيته وتمزيقه فتاتاً صغيرة ووضعه في جيبه وفراره هارباً من المنشأة الأمر الذي وصل إلى حد ارتكاب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، كما قام بتبادل الشتائم والعبارات الجارحة مع رجال المنشاة.
ومن حيث أن قرار مجلس التأديب المشار إليه قد أصاب فيما ذهب إليه من اعتبار ما وقع من الطاعن يمثل إخلالاً بما تستوجبه وظيفة الطاعن من حفاظ على كرامتها وفقاً لما يتطلبه العرف والتقاليد الجامعية وما تقتضيه من حرص على سمعته التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسمعة المؤسسة التعليمية والتربوية العليا التي يعمل بها وهى مرفق التعليم الجامعي الذي يكن له المجتمع احتراماً ينبغي أن ينعكس على تصرفات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات سواء داخل الجامعة أو خارجها. ذلك أن عضو هيئة التدريس بالجامعة يرفرف عليه من كل مكان علم وظيفته التعليمية والتربوية السامية باعتباره رائداً وقدوة للجيل الصاعد من الشباب الجامعي ولذا فإذا ما خرج عضو هيئة التدريس بالجامعة ولو خارج حرمها في تصرفه على حدود ما توجيه عليه كرامة وظيفته أو سلك مسلكاً لا يتفق وما تقتضيه تلك الوظيفة من توقير واحترام فإنه يكون قد ارتكب ذنباً تأديبياً يستوجب المساءلة ومن حيث أن هذه المحكمة تستخلص مما تكشف عنه الأوراق ومما شهد به الشهود من صيغة الحوار الذي تم أثناء المشادة التي وقعت بينهما أن الواقعة تخلص في وجود معاملات متشابكة بين الطعن كمدرس بكلية الحقوق وبين الشاكي كصاحب دار نشر وأن الطاعن كان ينسب إلى الشاكي إخلالاً بالتزامات خاصة بعلاقات نشر سابقة، الأمر الذي يبين منه أن تمزيق الطاعن للإيصال كان وليد استثارة إثر مناقشات حادة من جانب الناشر وكان هذا التمزيق رد فعل من جانب الطاعن للمناقشة والموقف ذاته ولم يكن يعنى به التخلص من أدائه الدين الذي قام بتمزيق سنده وإنما اندفع فقط للتعبير بصورة غير سليمة ولا مسئولة عن غضبه واعتراضه على أسلوب المحاسبة الذي كان يعتقد عدم صحته وهو مسلك لا يليق بكرامة وهيبة من ينتمي إلى هيئة التدريس بالجامعات وفي مكان وموقع وموقف صفته واضحة وظاهرة للحاضرين بدار النشر للواقعة.
ومن حيث أن هذا الذنب التأديبي الثابت في حق الطاعن لا شك أقل جسامة مما أدانه مجلس التأديب به ومن ثم فإن الجزاء الذي صدر به قرار هذا المجلس استناداً إلى تكييفه لطبيعة الفعل التأديبي الذي أدان الطاعن به يكون قد صدر مشوباً بالغلو الذي يصم قرار المجلس بعدم المشروعية مما يستوجب إلغاءه، وتوقيع الجزاء المناسب الذي تقدره هذه المحكمة.
ومن حيث أنه طبقاً للمادة (184) مرافعات فإن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها..
ومن حيث إن هذا الطعن معفى من الرسوم القضائية باعتباره في حكم الطعن في حكم تأديبي وذلك تطبيقاً للمادة (90) من القانون رقم (47) لسنة 1978 بشأن نظام موظفي الدولة وطبقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه والصادر بتوقيع عقوبة اللوم مع تأخر التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنتين على الطاعن ومجازاته بعقوبة اللوم.