مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة 1989) - صـ 150

(22)
جلسة 26 من نوفمبر سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: عبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم المستشارين.

الطعن رقم 424 لسنة 33 القضائية

استيلاء - عقارات - الاستيلاء عليها - الفرق بين الاستيلاء المؤقت و الدائم (تعليم). المادتان 32 و34 من الدستور الدائم - مادة 802 من القانون المدني - القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة.
تنظيم الحقوق يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع - للمشرع تنظيم حق الملكية على الوجه الذي يقتضيه الصالح العام - يجب التفرقة بين أحكام الاستيلاء المؤقت على العقارات طبقاً لقانون نزع الملكية للمنفعة العامة  وبين الاستيلاء على العقارات لصالح مرفق التعليم ويتضح ذلك من عدة وجوه :
أولاً: الاستيلاء المؤقت في قانون نزع الملكية محدد بثلاث سنوات بينما النوع الثاني من الاستيلاء لا يتقيد بهذه المدة.
ثانياً: لم يشترط المشرع أن يكون العقار خالياً في الاستيلاء المؤقت بخلاف الاستيلاء لمصلحة مرفق التعليم.
ثالثاً: في الاستيلاء المؤقت اشترط المشرع استخدام العقار في منفعة عامة بينما أجاز الاستيلاء في النوع الثاني لصالح الهيئات غير الحكومية التي تساهم في رسالة التعليم - مؤدى ذلك: عدم اشتراط تأمين الاستيلاء على العقارات لصالح مرفق التعليم بمدة ثلاث سنوات - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق أول يناير سنة 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن السادة/ رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم ومحافظ القاهرة ومدير منطقة الزيتون التعليمية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 424 لسنة 33 القضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 13 من نوفمبر سنة 1986 في الدعوى رقم 2519 لسنة 38 القضائية القاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وطلب الطاعنون، للأسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن، وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام رافعتها بالمصروفات.
وأعلن الطعن قانوناً وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضدها بالمصروفات.
وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7 من ديسمبر سنة 1987 وتدوول نظره أمامها بالجلسات على النحو المبين تفصيلاً بالمحاضر حتى قررت بجلسة 20 من يونيه سنة 1988 بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة أول أكتوبر سنة 1988 وأمرت بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. وبتلك الجلسة نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بالمحضر وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فيتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن السيدة/ ..... أقامت بتاريخ 2 من فبراير سنة 1983 الدعوى رقم 309 لسنة 1983 أمام محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة ضد السيد/ ....... والسادة رئيس مجلس الوزراء ووزير التربية والتعليم بمحفظة القاهرة ومدير منطقة الزيتون التعليمية بصفتهم طالبة الحكم بصفة مستعجلة بعدم الاعتداد بالقرار رقم 107 لسنة 1978 الصادر من رئيس مجلس الوزراء وبإعادة حيازتها للعقار محل الدعوى، تأسيساً على أنه قد سبق أن صدر لصالحها الحكمان رقما 5019 و5030 لسنة 89 القضائية استئناف عالي القاهرة ويقضيان بتسليمها العقار المشار إليه إلا أنها فوجئت بالاستيلاء على العقار، بعد أن كانت قد تسلمته تنفيذاً للأحكام المشار إليها، بمقولة صدور القرار رقم 107 لسنة 1978 رغم أنه لم تكن العلاقة الإيجارية قائمة بينها وبين المدعى عليه الأول بعد استلامها العقار بالفعل فضلاً عن أن المادة 18 من القانون رقم 577 لسنة 1954 تحدد مدة الاستيلاء المؤقت بثلاث سنوات وإذا كانت المدة المشار إليها انقضت دون أن تتخذ الإدارة إجراءات نزع الملكية فيتحول الاستيلاء إلى غصب يعود عليها بالضرر بحرمانها من الانتفاع بملكها. وبجلسة 23 من أبريل سنة 1983 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وألزمت المدعية بالمصروفات. فاستأنفت المدعية الحكم بموجب الاستئناف رقم 816 لسنة 1983 مدني مستعجل القاهرة. وبجلسة 20 من ديسمبر سنة 1983 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري وأبقت الفصل في المصروفات. ووردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري حيث قيدت بسجلاتها تحت رقم 2519 لسنة 38 القضائية وقامت المدعية بتعديل طلباتها إلى طلب الحكم أولاً بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الاستيلاء رقم 107 لسنة 1978 على العقار المملوك لها رقم 32 شارع عبد الرحمن نصر بالزيتون لانتهاء مدته القانونية وما يترتب على ذلك من آثار وثانياً وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي المطعون فيه الخاص بعدم إصدار قرار بتسليم العقار لمالكته في نهاية مدته القانونية وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهم بالمصروفات. وبجلسة 13 من نوفمبر سنة 1986 حكمت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن حقيقة طلبات المدعية، بعد تعديلها، تتحصل في النص على القرار السلبي بالامتناع عن تسليمها العقار المستولى عليه، وبهذه المثابة يكون الطعن عليه جائزاً طالما كان الامتناع مستمراً. وبعد أن استعرض الحكم المطعون فيه أحكام القانون رقم 521 لسنة 1955 المعدل بالقانونين رقمي 336 لسنة 1956،252 لسنة 1960 أورد بأن المستفاد من هذه الأحكام أن المشرع خول رئيس الجمهورية سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة لأغراض التعليم واستعمال هذه السلطة رهين بتحقيق الهدف الذي استهدفه المشرع وهو أن يكون الغرض من الاستيلاء لزوم العقار لحاجة وزارة التعليم أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من المعاهد التابعة لها فضلاً عن وجوب قيام حالة الضرورة التي تستدعى اللجوء إلى هذا الأسلوب وبالتالي فإن قرار الاستيلاء يكون مؤقتاً حسب الظروف الطارئة أو المستعجلة التي يواجهها، وهى ظروف مؤقتة بطبيعتها في نطاق الأصل العام المقرر بالقانون رقم 577 لسنة 1954 بتحديد مدة الاستيلاء بثلاث سنوات فإذا دعت الضرورة إلى مد هذه المدة وتعذر الاتفاق مع ذوى الشأن وجب نزع ملكية العقار للمنفعة العامة وإلا انحرفت سلطة الاستيلاء عن الغرض الذي رسمه المشرع إلى الاحتفاظ بالعقارات والمساس بحق الملكية الذي كفله الدستور والقانون. وعلى ذلك ومتى كان الثابت أن جهة الإدارة أصدرت القرار رقم 107 لسنة 1978 بالاستيلاء على العقار المملوك للمدعية وشغله بمدرسة الوادي الابتدائية لمواجهة حالة الضرورة التي تعاني منها الوزارات يتعذر إيجاد مكان آخر لتلاميذ تلك المدرسة، على ما أمضت المذكرة الإيضاحية للقرار، فكان على الجهة الإدارية عدم التواني في اتخاذ اللازم نحو تدبير حاجاتها ومواجهة الظروف المشار إليها وتسليم العقار إلى مالكته في النهاية فإذا ما عجزت عن مواجهة هذه الظروف بتدبير أماكن أخرى لتلاميذ المدرسة واستطالت مدة الاستيلاء فإنها تلتزم في هذه الحالة باتخاذ إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة، ويكون امتناع جهة الإدارة عن تسليم العقار إلى مالكته واحتفاظها به لمدة تزيد على ثماني سنوات غير قائم على سبب صحيح من القانون وقصده به الإدارة من ورائه تحقيق أغراض أخرى وذلك بالاحتفاظ بالعقار المذكور والمساس بحق الملكية الذي أسبغ عليه الدستور والقانون حمايته مما يتعين معه القضاء بإلغائه. كما أورد الحكم المطعون فيه أن موضوع الدعوى، بعد تكييف الطلبات فيها بأنها بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تسليم العقار لمالكته، منبت الصلة بموضوع الدعوى رقم 945 لسنة 32 القضائية التي حكم برفضها بجلسة 17 من مارس سنة 1981 إذ أن محل الدعوى الأخيرة المجادلة في صحة القرار الاستيلاء على العقار. وانتهى الحكم المطعون فيه إلى قبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله: ذلك أنه قام قضاءه على أن الاستيلاء على العقارات لصالح دور التعليم يجب أن يكون مؤقتاً بمدة ثلاث سنوات طبقاً لأحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بنزع الملكية، وبانتهاء هذه المدة يكون لزاماً على الجهة الإدارية إما إعادة العقار لمالكه أو اتخاذ إجراءات نزع الملكية فإذا ما لجأت الجهة الإدارية إلى شيء من ذلك فعليها أن تعيد العقار إلى مالكته فإن لم تفعل اعتبر ذلك المسلك قراراً سلبياً، وهذا النظر يخالف صحيح حكم القانون ذلك أن مفاد حكم المادة الأولى من القانون رقم 521 لسنة 1955 المعدل بالقانونين رقمي 336 لسنة 1956، 252 لسنة 1960 أنه يشترط للاستيلاء على العقار لصالح دور التعليم أن يكون العقار لازماً لحاجة وزارة التعليم أو إحدى الجامعات أو المعاهد الأخرى فضلاً عن قيام حالة الضرورة الملجئة لذلك فإذا توافرت هذه الشروط يكون القرار سليماً لا محل للنعي عليه، وعلى ذلك ومتى كانت الوقائع تتحصل في أن العقار المستولى عليه كانت تشغله مدرسة الوادي الابتدائية الخاصة المجانية قبل صدور الحكم لصالح المطعون ضدها من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 27 من أبريل سنة 1977 بفسخ العقد المبرم بينها وبين مدير المدرسة السيد/ ....... وبإخلاء العين وكان مؤدى تنفيذ الحكم المشار إليه طرد وتشريد ستمائة تلميذ بالمرحلة الابتدائية من صغار السن من المدرسة القريبة من سكنهم مما حدا برئيس مجلس الوزراء إلى إصدار القرار رقم 107 لسنة 1978 بالاستيلاء على العقار لصالح المدرسة المذكورة فيكون ولا شبهة في قيام القرار صحيحاً متفقاً مع حكم القانون الأمر الذي كشف عنه وأكده الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 17 من مارس سنة 1981 في الدعوى رقم 945 لسنة 32 القضائية بطلب إلغاء القرار بالاستيلاء فقد انتهى الحكم المشار إليه إلى رفض الدعوى تأسيساً على ما تبين من مشروعية القرار المطعون فيه بتلك الدعوى، وقد أصبح الحكم نهائياً بعدم الطعن عليه، وعلى ذلك فإذا استمرت حالة الضرورة قائمة يتعذر تدبير مكان أخر بذات المنطقة فقد تحتم استمرار قيام القرار، كما أن تقرير لزوم العقار لمرفق التعليم هو من الأمور التي تدخل في سلطة الإدارة التقديرية التي تترخص فيها الإدارة بلا معقب عليها متى كانت مبرأة من عيب الانحراف في استعمال السلطة. يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد قيداً تضمنه القانون رقم 577 لسنة 1954 واعتد به في مجال العمل بأحكام القانون رقم 521 لسنة 1955 بألا يتجاوز مدة الاستيلاء المؤقت ثلاث سنوات دون سند من القانون.
ومن حيث إن دفاع المطعون ضدها في الطعن يتحصل على ما أوردته بمذكرتها المقدمة بجلسة 2 من مايو سنة 1988 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وما ضمنته مذكرتها المودعة بتاريخ 15 من أكتوبر سنة 1988 أثناء حجز الطعن للحكم أمام هذه المحكمة وخلال الأجل المصرح به، كما أن القول بعدم تحديد مدة للاستيلاء يؤدى إلى نتائج غير مشروعة تتمثل في إجازة المصادرة والاستيلاء غير المشروع الذي ينصب على حق الانتفاع وهو حق عيني عقاري يقاسم حق الرقبة وضعه للملكية العقارية. وإذا كان القرار بالاستيلاء من قد خلا من تحديد مدة للاستيلاء فإن ذلك لا يصلح سبباً لاستمراره بعد انقضاء المدة المحددة بالقانون رقم 577 لسنة 1954 للاستيلاء المؤقت. وقد كلفت الدساتير والتشريعات المتعاقبة حماية حق الملكية فلا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، وإذا قام القرار بالاستيلاء استناداً إلى قانون أخر غير القانون رقم 577 لسنة 1954 فإن ذلك لا يعني القول بإمكان التحلل من أحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 باعتباره القانون الذي تضمن القواعد العامة الأصلية في خصوص نزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء، ولا يعدو القانون رقم 521 لسنة 1975، الذي استند إليه القرار بالاستيلاء، أن يكون أساساً للاستيلاء أما الإجراءات والأحكام التي تنظم الاستيلاء فيتعين الرجوع في شأنها إلى القانون الذي تضمن القواعد العامة في شأن الاستيلاء وهو القانون رقم 577 لسنة 1954، والإحالة الواردة بالقانون رقم 521 لسنة 1955 إلى الأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين تقتصر فقط على تقدير مقابل الانتفاع عن العقار المستولى عليه أما تحديد مدة الاستيلاء فقد تكفل ببيانها القانون رقم 577 لسنة 1954 ويكون القول بعدم تقييد الاستيلاء طبقاً للقانون رقم 521 لسنة 1955 بمدة معينة مخالفاً لحكم الدستور ولقانون نزع الملكية رقم 577 لسنة 1954 كما أكدت المطعون ضدها أن منطقة الزيتون بها العديد من المدارس التي يمكنها استيعاب تلاميذ المدرسة التي تشغل العقار المستولى عليه فضلاً عن أن المنطقة التعليمية قامت بتحويل تلك المدرسة إلى مدرسة إعدادية تستوعب عدداً لا يتجاوز أربعمائة تلميذ. وطلبت الطاعنة رفض الطعن مع إلزام الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.
ومن حيث إن المادة (32) من الدستور الصادر في 11 من سبتمبر سنة 1971 تنص على أن "الملكية الخاصة تتمثل في رأس المال غير المستغل وتنظيم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية دون انحراف أو استغلال ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب" كما تنص المادة (34) من الدستور على أنه "الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل التعويض وفقاً للقانون. وحق الإرث فيها مكفول" كما تنص المادة 802 من القانون المدني على أن "لمالك الشيء وحده في حدود القانون، حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه". ومفاد ما تقدم من أحكام، على ما ذهبت المحكمة الدستورية العليا، أنه ولئن كان تنظيم الحقوق من سلطة المشرع التقديرية إلا أنه في تنظيمه لحق الملكية، في إطار وظيفتها الاجتماعية، ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو يؤثر على بقائه وإنما يتعين على المشرع الالتزام في هذا الشأن بالقواعد الأصولية التي أرساها الدستور أساساً لما يوضع من تنظيم تشريعي (الحكم الصادر بجلسة 2 من فبراير سنة 1980 في الدعوى رقم 91 لسنة 4 قضائية دستورية). كما ذهبت تلك المحكمة إلى أن المشرع الدستوري لم يقصد أن يجعل من حق الملكية حقاً عصيباً يمتنع على التنظيم التشريعي الذي يقتضيه الصالح العام استناداً إلى ما ورد بالمادة (32) المشار إليها من الدستور من تأكيد للوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة ودورها في خدمة المجتمع، وبالتالي يكون للمشرع الحق في تنظيمها على النحو الذي يراه محققاً للصالح العام. (الحكم الصادر بجلسة 21 من يونيه سنة 1986 في الدعويين رقمي 139، 140 لسنة 5 القضائية دستورية).
ومن حيث إنه بمراجعة التشريعات التي تعاقبت بتقرير وتنظيم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة لمرفق التعليم يبين أنه بتاريخ 4 من أكتوبر سنة 1945 صدر القانون رقم 112 لسنة 1945 بتخويل وزير المعارف العمومية سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم ونص في المادة (1) منه على أنه "يجوز لوزير المعارف العمومية، بموافقة مجلس الوزراء أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي قرار يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعتين أو غيرهما من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها. ويتبع في هذا الشأن الأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التمويل". وتلا ذلك صدور القانون رقم 76 لسنة 1947، ثم صدر القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم الذي نص في المادة (1) على أنه "يجوز لوزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي عقار خال يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرهما من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم. ويتبع في هذا الشأن الأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين". وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون أنه "صدر القانون رقم 76 لسنة 1947 بتخويل وزير المعارف سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم على اختلاف أنواعها وقد أظهر العمل به أن ثمة تعديلات جوهرية من الواجب إدخالها في هذا القانون حتى تتحقق الغاية التي صدر من أجلها ذلك أن القرار يستلزم عرض الأمر في كل حالة على مجلس الوزراء لأخذ موافقته ثم يصدر قرار الاستيلاء من الوزير وقد يستغرق ذلك من الوقت ما تضيع معه فرصة الاستيلاء على العقار كأن يبادر حائزه إلى شغله أو تأجيره كما أن القانون صدر موقوتاً نسبة إلى جواز تجديد العمل به بقرار من مجلس الوزراء وظل يتحدد العمل بأحكامه سنوياً منذ سنة 1947 حتى سنة 1956 لاستمرار قيام المبررات التي دعت إلى إصداره والتي لا تنظر انتهاؤها في القريب العاجل فضلاً عن أنه لم يكن يبيح الاستيلاء لصالح الهيئات التي تشارك بنصيب في رسالة الوزارة". ثم صدر القانون رقم 336 لسنة 1956 بإضافة فقرة ثالثة إلى المادة (1) من القانون رقم 521 لسنة 1955 أجازت الاستيلاء على الأراضي المنزرعة أو الهيئات للزراعة اللازمة لمعاهد التعليم. كما صدر القانون رقم 252 لسنة 1960 في شأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء على العقارات ونص في المادة (3) على أن "يكون الاستيلاء على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم ومعاهدها بقرار من رئيس الجمهورية". ويختص الإحالة الواردة بالمادة (1) من القانون رقم 521 لسنة 1955 فإن الأحكام التي تتبع في شأن الاستيلاء استناداً إلى أحكامه تكون هي ذات الأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين.
من حيث أن لهذه المحكمة قضاء بأنه لا مجال لا عمال حكم تأقيت الاستيلاء بمدة ثلاث سنوات على نحو ما ورد بالقانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين على ما يتم من استيلاء بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين تأسيساً على أنه "لا يشفع للطاعن ما ذكره خاصاً بأن الاستيلاء مؤقت بطبيعته بما لا يجوز ثلاث سنوات فإذا جاوزها اعتبر الاستيلاء دائماً ذلك أن في هذا النظر خلطاً واضحاً بين الاستيلاء المؤقت على العقارات طبقاً لأحكام قانون نزع الملكية للمنفعة العامة والذي يتعين ألا تزيد مدته على ثلاث سنوات بحيث إذا دعت الضرورة إلى مدها وتغدو الاتفاق مع المالك وجب على السلطة المختصة أن تتخذ إجراءات نزع الملكية قبل انقضاء السنوات الثلاث بوقت كاف، وبين الاستيلاء وفقاً للقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين وهو الاستيلاء الذي يرد على منفعة العقار المستولى عليه ما دامت دواعي الاستيلاء ومبرراته قائمة وهى تحقيق المصالح التموينية على أكمل وجه". (الحكم الصادر بجلسة 26 من ديسمبر سنة 1981 في الطعن رقم 1339 لسنة 26 القضائية عليا). فإذا كان ذلك هو وجه التفسير الصحيح لحكم الاستيلاء بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، فإن الإحالة الواردة بالقانون رقم 521 لسنة 1955 المشار إليه إلى الأحكام المنصوص عليها بالمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 مؤداها أن تسرى على الاستيلاء الذي يتم استناداً إلى أي منها ذات الأحكام فيما عدا تلك التي وردت على سبيل التخصيص في القانون رقم 521 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 336 لسنة 1956 ومنها استلزام خلو العقار المبنى عند الاستيلاء. ويكون ولا وجه القول بأن الاستيلاء استناداً إلى أحكام القانون رقم 521 لسنة 1955 يكون مقيداً، في حين الزمن، بمدة الثلاث سنوات التي نصت عليها المادة (18) من القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين ذلك أن التنظيم القانوني للاستيلاء المؤقت على العقارات على نحو ما ورد بالباب الرابع من القانون رقم 577 لسنة 1954 المشار إليه، لا يسرى على قرارات الاستيلاء التي تصدر استناداً لأحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين على ما سبق أن جرى به قضاء المحكمة على النحو السابق الإشارة إليه، كما لا يسرى، بحكم الإحالة الواردة بالقانون رقم 521 لسنة 1955 لأحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945، على قرارات الاستيلاء الصادرة استناداً إلى أحكام القانون رقم 521 لسنة 1955. فالعبرة في مجال إعمال أي من أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 أو القانون رقم 521 لسنة 1955 هي باستمرار لزوم محل الاستيلاء لخدمة الأغراض المحددة قانوناً للاستيلاء. والاختلاف بين الاستيلاء المؤقت المنصوص عليه بالقانون رقم 577 لسنة 1954 المشار إليه، والاستيلاء المقرر بمقتضى القانون رقم 521 لسنة 1955 ظاهر في أن استيلاء وزارة التربية والتعليم على العقار - عدا الأرض الزراعية بعد العمل بأحكام القانون رقم 336 لسنة 1956 - مشروط بأن يكون العقار خالياً في حين أن عدم خلو العقار ليس مانعاً من الاستيلاء عليه طبقاً لأحكام قانون نزع الملكية، وهو ظاهر أيضاً فيما رسمه المشرع من إجراءات وأحكام خاصة بتقدير مقابل الانتفاع في كل منهما وفي سكوته في الاستيلاء الأول عن وضع أي أحكام خاصة بتقدير ثمن العقار مهما طالت مدة الاستيلاء عليه ووضعه تلك الأحكام بالنسبة للاستيلاء الذي تزيد مدته على ثلاث سنوات في قانون نزع الملكية، كما هو أظهر ما يكون في نطاق تطبيق كل من الاستيلاءين إذ هو في الاستيلاء الأول يجوز لصالح الهيئات غير الحكومية التي تساهم في رسالة التعليم بينما لا يجوز الاستيلاء المؤقت المنصوص عليه في قانون نزع الملكية إلا لاستخدام العقار في منفعة عامة. كل ذلك مما يؤكد أن المشرع غاير بين أحكام الاستيلاءين وقصد إلى هذه المغايرة، ولو كان الأمر غير ذلك لما كان المشرع بحاجته إلى إصدار القانون رقم 521 لسنة 1955 إذ كان في أحكام الاستيلاء المؤقت الواردة في قانون نزع الملكية ما يغنيه عن إصداره ولو أراد أن يكون استيلاء وزير التربية والتعليم على العقارات اللازمة لحاجة التعليم محدداً بمدة معينة لنص على ذلك كما فعل في قانون نزع الملكية أما وقد سكت عن ذلك وأحال إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وكان هذا المرسوم بقانون قد خلا من تحديد الاستيلاء الذي يتم وفقاً لأحكامه بمدة معينة وجعل إنهاءه على ما يستفاد من المادة (64) منه رهيناً بصدور قرار من الوزير برد الشيء المستولى عليه إلى صاحبه إذا انقضت الحاجة إليه، فإن القرار بالاستيلاء استناداً لأحكام القانون رقم 521 لسنة 1955 لا يكون محدداً سلفاً بمدة معينة ويظل قائماً طالما استمر لازماً لخدمة الغرض الذي صدر من أجله قانوناً. وعلى ذلك ومتى كان أساس صحة قيام القرار بالاستيلاء في جميع الأحوال توافر الاحتياج واللزوم فإن استمرار القرار بالاستيلاء صحيحاً يكون رهيناً باستمرار دواعيه، فيدور القرار بالاستيلاء في قيامه صحيحاً واستمراره صدقاً مع توافر واستمرار علة تقديره وجوداً وعدماً. وليس في ذلك ما يتعارض مع القواعد الدستورية التي تضمنها الدستور باعتبار حق الملكية وظيفة اجتماعية يكون لصاحبه، في حدود القانون، استعماله واستغلاله والتصرف فيه.
ومن حيث إنه في واقعة المنازعة الماثلة فإن محكمة القضاء الإداري قد سبق أن قضت بجلسة 17 من مارس سنة 1981 في الدعوى رقم 945 لسنة 32 القضائية بأن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 107 لسنة 1978 بالاستيلاء على عقار المطعون ضدها بالطعن الماثل قد صدر صحيحاً متفقاً مع حكم القانون لقيام دواعيه، وقد أصبح ذلك الحكم نهائياً بعدم الطعن عليه. وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية للقرار رقم 107 لسنة 1978، بالاستيلاء على عقار المطعون ضدها، عن دواعي إصداره وتتحصل في أن إخلاء مبنى المدرسة المذكورة يترتب عليه عرقلة الدراسة بها وتشريد أكثر من ستمائة تلميذ لا مكان لهم في أية مدارس قريبة بتلك المنطقة الأهلة بالسكان، وأن الإدارة التعليمية بشرق القاهرة تعانى أزمة شديدة في دور التعليم ويتعذر إيجار مكان مناسب آخر للمدرسة في هذه الظروف. فكل ذلك مما يكشف عن أن الاستيلاء تم لمواجهة ظروف ودواع من تلك المحددة قانوناً لصحته. ولا يبين من الأوراق أن دعوى الاستيلاء على عقار المطعون ضدها قد زالت وانقضت. كما أنه ليس في وجود وقيام مدرسة أو أكثر قريبة من عقار المطعون ضدها أو بالمنطقة المحيطة به، ما يكشف عن انحراف بالسلطة باستمرار الاستيلاء رغم زوال دواعيه، أو ينفي بذاته استمرار لزوم العقار المستولى عليه لخدمة الغرض الذي تقرر الاستيلاء ابتداء من أجل تحقيقه. ويجدي المطعون ضدها ما تثيره من أن عدد التلاميذ بالمدرسة التي تشغل العقار المستولى عليه لا يتجاوز أربعمائة تلميذ يمكن تدبير أماكن لهم بالمدارس القريبة أو في المنطقة المحيطة بالعقار المستولى عليه، ذلك أن قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981 ينيط بوزير التعليم، بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم، أن يحدد أعداد التلاميذ التي يجب ألا يتجاوزها الفصل المدرسي الواحد، وهو تحديد يتم بمراعاة تمام الاستفادة من العملية التعليمية ووفقاً لمعاير تربوية توضع لتحقيق الغرض الأساسي من التعليم وتربية النشء ولا تكشف الأوراق عن أن بالمدارس القريبة من العقار المستولى عليه أماكن يمكن معها استيعاب أعداد التلاميذ الذين يتلقون العلم بالمدرسة دون أن يكون في ذلك إخلال بالقدرة الاستيعابية للوصول على النحو المشار إليه بقانون التعليم. وفضلاً عن ذلك فإنه في إطار اعتبار الدستور التعليم حقاً تكفله الدولة على النحو المقرر بالمادة (18) من الدستور من أن "التعليم حق تكفله الدولة وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم كله". فقد نص قانون التعليم على تحديد التعليم الأساسي الإلزامي بتسع سنوات. (المادة 4 من قانون التعليم). ولهذه المحكمة قضاء بأن مرفق التعليم باعتباره من المرافق العامة ذات الأهمية الكبرى لما يندرج سيره وانتظام وإطراء في مفهوم الأمن العام بمعناه الواسع الذي يشمل استتباب الأمن وتوفير الشعور بالطمأنينة لدى الناس. وبالترتيب على ذلك جمعيه وإذ لم تكشف الأوراق عن أن الاستيلاء، في واقعة المنازعة الماثلة، استمر قائماً بعد زوال مقتضاه وانتفاء دواعيه، فإنه لا يكون ثمة وجه للقول بقيام الالتزام القانوني في حق الجهة الإدارية المستولية على العقار برده إلى مالكته. ذلك أن استمرار قيام القرار بالاستيلاء صحيحاً ينتفي معه قيام الالتزام بالرد قانوناً. فإذا كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون قد جانب صحيح حكم القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء برفض الدعوى لعدم قيامها على أساس من القانون. ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها إعمالاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعية بالمصروفات.


[(1)] راجع الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في شأن حماية حق الملكية والصادرة في الدعوى رقم 21 لسنة 4 ق بجلسة 2/ 2/ 1980 والدعويين 139 و140 لسنة 5 ق دستورية بجلسة 21/ 6/ 1986.