مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة 1989) - صـ 180

(26)
جلسة 26 من نوفمبر 1988

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد المهدي مليحي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وفاروق عبد الرحيم غنيم وسعد الله محمد حنتيره المستشارين.

الطعن رقم 2141 لسنة 33 القضائية

( أ ) بنوك - البنك المركزي - نيابته عن الحكومة (تأميم).
قانون البنوك والائتمان الصادر بالقانون رقم 163 لسنة 1975 نيابة البنك المركزي عن الحكومة في شئون الدين العام من حيث الإدارة والإصدار والخدمة والاستهلاك لا تنفى صفته في المنازعات المتعلقة بهذه الأمور - مؤدى ذلك: رجوع الأحكام الصادرة بشأنها إلى البنك ليتولى تنفيذها سواء كانت لصالح الحكومة أو ضدها - صفة البنك في منازعات الدين العام تصدق كذلك على المنازعات المتعلقة بالقيمة والفوائد على سندات تمثل ديناً عاماً على الدولة نتيجة التأميم.
(ب) تأميم - تحديد التاريخ الذي يعتد فيه باعتبار المنشأة مؤممة - القانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت.
المنشآت والشركات التي أممت تأميماً كليا بمقتضى القانون رقم 52 لسنة 1964 يسرى عليها القانون رقم 117 لسنة 1961 اعتباراً من تاريخ العمل به في 20/ 7/ 1961 - يتخذ هذا التاريخ أساساً لاعتبارها مؤممة قانوناً ولتحول أسهمها ورؤوس أموالها إلى سندات اسمية على الدولة ولسريان الفائدة عن قيمة هذه السندات بنسبة 4% سنوياً يتعين أن يخصم من هذه الفوائد المدة التي استغرقها التأميم الجزئي من 20/ 7/ 1961 إلى 7/ 3/ 1964 وما صرف من أرباح عن ذات المدة - أساس ذلك: منع ازدواج الإفادة بالأرباح وبالفوائد مما يشكل إثراء بلا سبب على حساب الدولة.
يجب مراعاة قيود الفوائد المنصوص عليها بالقانون المدني - من هذه القيود عدم جواز تقاضى فوائد على متجمد الفوائد - وعدم تجاوز مجموع الفوائد لرأس المال - تطبيق. [(1)]


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 11 من مايو سنة 1987 أودع الأستاذ عاصم عبده حسن المحامي بصفته وكيلاً عن السيد محافظ/ البنك المركزي المصري، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2141 لسنة 33 القضائية، ضد كل من السادة 1 - ....... 2 - ...... 3 - ...... 4 - ...... وزير المالية بصفته، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 17 من مارس سنة 1987 في الدعوى رقم 5774 لسنة 39 القضائية المقامة من المطعون ضدهم الثلاثة الأول ضد كل من الطاعن والمطعون ضده الرابع بصفتيهما، والقاضي بإلزام الأخيرين بأن يؤديا للمطعون ضدهم الثلاثة الأول مبلغاً مقداره 17504 جنيهات، 883 مليماً وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً اعتباراً من 20 من يوليه سنة 1976 حتى تمام السداد وكذلك مبلغاً يمثل قيمة الفوائد المستحقة عن سنداتهم منذ تاريخ التأميم الكلى لشركتهم في 8 من مارس سنة 1964 مخصوصاً منها ما يكون قد صرف لهم من أرباح خلال فترة التأميم الجزئي والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 29 من نوفمبر سنة 1981 حتى تمام السداد مع إلزامهما المصروفات. وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وبإلزام المطعون ضدهم الثلاثة الأول المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق.
وفي يوم السبت الموافق 16 من مايو سنة 1987 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد وزير المالية بصفته، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2232 لسنة 33 القضائية، ضد كل من السادة 1 - ...... 2 - ...... 3 - ......... 4 - محافظ البنك المركزي المصري بصفته، في ذات الحكم المطعون فيه بالطعن الأول رقم 2141 لسنة 33 القضائية. وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم محل الطعن فيما قضى به من فوائد قانونية عن مبلغ 17504 جنيهات و883 مليماً بواقع 4% سنوياً اعتبارا من 10 من يوليه سنة 1976 حتى تمام السداد وبرفض الدعوى فيما يخص حساب الفوائد من هذا التاريخ وبحساب هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 29 من نوفمبر سنة 1981 وبإلزام المطعون ضدهم الثلاثة الأول المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعنين معا ارتأت فيه الحكم بقبولهما شكلاً وبرفضهما موضوعاً وبإلزام كل طاعن مصروفات طعنه. وعين لنظر الطعن الثاني رقم 2232 لسنة 33 القضائية جلسة 18 من يناير سنة 1988 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، ونظر معه الطعن الأول رقم 2141 لسنة 33 القضائية بجلسة 15 من فبراير سنة 1988، وقررت الدائرة بجلسة 4 من أبريل سنة 1988 ضم الطعنين ليصدر فيهما حكم واحد، وجرى تداول الطعنين بالجلسات على الوجه الثابت بالمحاضر حتى قررت الدائرة بجلسة 20 من يونيه سنة 1988 إحالتهما إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) لنظره بجلسة 8 من أكتوبر سنة 1988، وفي هذه الجلسة استمعت المحكمة إلى ما رأت لزومه من إيضاحات وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن المطعون ضدهم الثلاثة الأول في الطعنين كانوا أصحاب شركة أفلاطون للمقاولات العمومية والشركة العامة للمقاولات، وبعد تأميم هاتين الشركتين جزئياً صدر القانون رقم 52 لسنة 1964 متضمنا تأميمهما كلياً اعتباراً من 20 من يوليه سنة 1961 طبقاً للقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت، وصدر قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 515 لسنة 1966 بتحديد رأس مال الشركة الأولى بمبلغ 883 ر 16904 جنيه والشركة الثانية بمبلغ 600 جنيه. ورفعوا الدعوى رقم 6179 لسنة 1969 في 15 من أكتوبر سنة 1969 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين بصفتيهما طالبين الحكم بتسليمهم سندات على الدولة بقيمة رأس مال الشركتين ومقدارها 883 ر 17504 جنيه طبقاً للمادة 2 من القانون رقم 117 لسنة 1961. وقضت محكمة شمال القاهرة الابتدائية في أول ديسمبر سنة 1973 بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص على أساس أن الامتناع عن إصدار هذه السندات يعتبر قراراً إدارياً سلبياً مما يختص القضاء الإداري بنظر الطعن فيه. وقيدت الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري برقم 1584 لسنة 28 القضائية. وقضت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في 11 من مارس سنة 1980 بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي الصادر من وزير المالية والاقتصاد بالامتناع عن تسليمهم سندات التأميم المستحقة لهم والمبالغ قيمتها 883 ر 17504 جنيه. وأقامت قضاءها على أن السندات المستحقة لهم نتيجة التأميم هي من عناصر الدين العام الذي يقوم البنك المركزي كشخص عام مستقل بإدارته وإصداره وخدمته واستهلاكه نيابة عن الحكومة طبقاً للمادة 14/ 1 من القانون رقم 163 لسنة 1957، كما أن وزارة المالية والاقتصاد بعد صدور القرار رقم 515 لسنة 1966 بتحديد رأس مال الشركتين الواجب تحويله إلى سندات على الدولة لم تخطر البنك المركزي لتسليم السندات لهم، ولا يمنع من ذلك حصولهم على أرباح خلال فترة التأميم الجزئي ومقدارها 21975 جنيهاً لآن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رأت في 2 من يناير سنة 1971 أن حصول أحد المساهمين في الشركات المؤممة كلياً على نصيبه في الأرباح المحققة خلال فترة التأميم الجزئي يعد حقاً خالصاً له ولا يجوز للدولة استرداده منه لأنه كان وقت القبض مستحقاً له قانوناً ولا يغير من ذلك صدور القانون رقم 52 لسنة 1964 والعمل به من 20 من يوليه سنة 1961 لأن المركز القانوني لهذا المساهم أقوى من مركز الحائز حسن النية الذي يكتسب ما قبضه من ثمار طبقاً للمادة 978 من القانون المدني حيث أن القانون الذي أزال ملكية المساهم لم يكن قد صدر ولم يتصل بعمله عند قبضه الأرباح إلا أنه يتعين أن يخصم من فائدة سندات التأميم ما سبق صرفه من أرباح الأسهم خلال فترة التأميم الجزئي حتى لا يجمع المساهم بين ميزتي أرباح الأسهم وفائدة السندات لما في هذا الجمع من إثراء بلا سبب على حساب الدولة. ثم أقاموا الدعوى رقم 9634 لسنة 1981 في 2 من نوفمبر سنة 1981 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد وزير المالية ورئيس مجلس إدارة البنك المركزي بطلب الحكم بإلزامهما بصفتيهما بأن يدفعا لهم مبلغاً مقداره 833 ر 31504 جنيه والفوائد القانونية من تاريخ رفع الدعوى والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وهذا المبلغ عبارة عن قيمة السندات ومقدارها 883 ر 17504 جنيه وكذا الفوائد القانونية عن هذه القيمة لمدة 20 سنة من تاريخ التأميم في 20 من يوليه سنة 1961 ومقدارها 14 ألف جنيه. وقضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بإلزام الطاعنين بأن يؤديا لهم مبلغاً مقداره 166 ر 26138 جنيه عبارة عن قيمة السندات وهى 883 ر 17504 جنيه وفوائدها من تاريخ التأميم الكلى بواقع 4% سنوياً لمدة 12 سنة و4 شهور تقريباً وهى 382 ر 8633 جنيه فضلاً عن الفوائد القانونية لمبلغ 883 ر 17504 جنيه بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية في 2 من نوفمبر سنة 1981. وطعن في هذا الحكم من جانب وزارة المالية بالاستئناف رقم 653 لسنة 101 القضائية ومن جانب البنك المركزي بالاستئناف رقم 718 لسنة 101 القضائية، وقضت محكمة استئناف القاهرة بجلسة 12 من يناير سنة 1985 في الطعنين بعد ضمهما بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم الاختصاص ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري. وقيدت الدعوى برقم 5774 لسنة 39 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بإلزام الطاعنين بأن يؤديا لهم مبلغ السندات ومقداره 883 ر17504 جنيه ومبلغ فوائده عن خمس عشرة سنة من تاريخ التأميم مخصوماً منها مدة التأميم الجزئي ومقداره 8633 جنيهاً ومجموع المبلغين 833 ر 26137 جنيه وكذا فوائد المبلغ الأول من تاريخ المطالبة القضائية في 15 من أكتوبر سنة 1969 وفوائد المبلغ الثاني من تاريخ المطالبة القضائية في 2 من نوفمبر سنة 1981 حتى تمام السداد. وقضت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 17 من مارس سنة 1983 بإلزام الطاعنين بأن يوديا لهم مبلغاً مقداره 833 ر 17504 جنيه وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من 20 من يوليه سنة 1976 حتى تمام السداد وكذا المبلغ الذي يمثل قيمة الفوائد المستحقة عن السندات من تاريخ التأميم الكلى في 8 من مارس سنة 1964 مخصوماً منها ما يكون قد صرف لهم من أرباح خلال فترة التأميم الجزئي والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 2 من نوفمبر سنة 1981 حتى تمام السداد. وجاء في أسباب حكمها أن ما أبداه البنك المركزي من أنه لا شأن له بالدعوى بحجة أن وزارة المالية هي الملزمة بقيمة السندات هو دفاع غير قائم على أساس سليم لأن طلب قيمة السندات والفوائد القانونية في الدعوى يقوم على الحكم السابق صدوره من محكمة القضاء الإداري والحائز بقوة الشيء المقضي فيه والمتضمن أن البنك المركزي صاحب صفة في الدعوى باعتباره نائباً عن الحكومة بالنسبة للدين العام. وبنت قضاءها في الموضوع على أنه طبقاً للمادة 2 من قانون رقم 117 لسنة 1961 تستحق فوائد عن السندات لمدة خمس عشرة سنة من 20 من يوليه سنة 1961 مخصوماً منها مدة التأميم الجزئي حتى 8 من مارس سنة 1964 أي تستحق عن 12 يوماً و4 شهور و12 سنة وتجرى الفوائد القانونية عن قيمة المبلغ الذي يمثل هذه الفوائد اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية بالدعوى المدنية رقم 9634 لسنة 1981 في 2 من نوفمبر سنة 1981، وتحل قيمة السندات ومقدارها 833 ر 17504 جنيه بمضي خمس عشرة سنة من 20 من يوليه سنة 1961 أي في 20 من يوليه سنة 1976، وتحسب الفوائد القانونية عن هذه القيمة اعتبارا من تاريخ حلولها في 20 من يوليه سنة 1976 خلال نظر المطالبة القضائية بالدعوى المدنية رقم 6179 لسنة 1969.
ومن حيث إن الطعن الأول رقم 2141 لسنة 33 القضائية يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره إذ قضى بإلزام الطاعن بسداد ما حكم به مع وزارة المالية لأن المادة 14 من قانون رقم 163 لسنة 1957 تفترض وجود دين عام متمثل في سندات مديونية على الحكومة حتى يباشر البنك المركزي اختصاصه وهو ما لا يتوافر في الحالة المعروضة حيث لم تصدر سندات على الحكومة ولم تطلب الجهة المدنية من البنك إصدار هذه السندات ولم يقدم أحد إلى البنك شهادة بالقيمة المحددة لرأس المال، كما أن مدة استهلاك السندات قد انتهت وانحصر الحق في التعويض الذي تلتزم به الحكومة دون البنك المركزي.
ومن حيث إن الطعن الثاني رقم 2232 لسنة 33 القضائية يقوم على أن المطعون ضدهم الثلاثة الأول لم يطلبوا في الدعوى التي صدر فيها الحكم محل الطعن الفوائد القانونية من 20 من يوليه سنة 1976 ومع ذلك قضى لهم الحكم بها مما يوجب إلغاءه في هذا الشق وحساب الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 2 من نوفمبر سنة 1981.
ومن حيث إن قانون البنوك والائتمان الصادر بالقانون رقم 163 لسنة 1957 أناط في المادة الأولى بالبنك المركزي بصفة عامة تنظيم السياسة الائتمانية والمصرفية والإشراف على تنفيذها وفقا للخطط العامة للدولة وبما يساعد على دعم الاقتصاد القومي واستقرار النقد المصري، ثم عهد في المادة 14 إلى البنك المركزي بصفة خاصة بأن ينوب عن الحكومة في إدارة الدين العام وإصداره والقيام بخدمته واستهلاكه. وصدر القانون رقم 250 لسنة 1960 في شأن البنك المركزي والبنك الأهلي وقضى في المادة الأولى بإنشاء مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تسمى البنك المركزي المصري تقوم بمباشرة سلطات واختصاصات البنك المركزي المنصوص عليها في قانون البنوك والائتمان الصدر بالقانون رقم 163 لسنة 1957. ثم صدر القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي ونص في المادة الأولى على أن (البنك المركزي المصري شخصية اعتبارية عامة مستقلة يقوم بتنظيم السياسة النقدية والائتمانية والإشراف على تنفيذها وفقا للخطة العامة للدولة.. ويباشر السلطات والاختصاصات المخولة له بالقانون رقم 163 لسنة 1957 بإصدار قانون البنوك والائتمان... بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون). ويؤخذ من هذا أن البنك المركزي المصري وان كان حسب المادة 14 من قانون البنوك والائتمان الصادر بالقانون رقم 163 لسنة 1975 نائباً عن الحكومة في شئون الدين العام من حيث الإدارة والإصدار والخدمة والاستهلاك إلا أن هذا لا ينفي صفته في المنازعات المتعلقة بهذه الشئون باعتباره القائم عليها وان كان نائباً عن الحكومة بوصفها المدين الأصيل في الدين العام، إذ ينعقد له الاختصاص بتولي شئون الدين العام ابتداء وبالتالي ترجع إليه الأحكام الصادرة في المنازعات حولها انتهاء حيث يضطلع بتنفيذها سواء كانت لصالح الحكومة المدين الأصيل في الدين العام أو ضدها، وبذا تتوافر له الصفة إلى جانب الحكومة في المنازعات الخاصة بالدين العام، وهو ما يصدق على المنازعة المتعلقة بالقيمة والفوائد على سندات تمثل ديناً عاماً على الدولة نتيجة التأميم طبقاً للقانون رقم 117 لسنة 1961 والقانون رقم 52 لسنة 1964 شأن الدعوى التي صدر فيها الحكم محل الطعن، وذلك بصرف النظر عن خروجها، لاختلاف موضوعها، من نطاق حجية الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 11 من مارس سنة 1980 في الدعوى رقم 1584 لسنة 28 القضائية ضد كل من الطاعنين بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تسليم سندات التأميم إلى المطعون ضدهم الثلاثة الأول، إذ تجد هذه الحجية حدها في منطوق الحكم وأسبابه الجوهرية بالنسبة للخصوم والسبب والموضوع، فلا تنبسط مجال إلى منازعة مختلفة موضوعها ولو كانت امتداداً لسابقتها أو بين ذات الخصوم لعين السبب، ومن ثم فإنه لا وجه للنعي على الحكم المطعون فيه أن صدر في مواجهة البنك المركزي المصري دون أن يخرجه من الدعوى.
ومن حيث إن القانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت نص في المادة الأولى على أنه (... كما تؤمم الشركات والمنشآت المبينة في الجدول المرافق لهذا القانون....)، ونص في المادة الثانية على أنه (تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المشار إليها إلى سندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنوياً.... ويجوز للحكومة بعد عشر سنوات أن تستهلك هذه السندات كلياً أو جزئياً بالقيمة الاسمية....) وقد عمل بهذا القانون وفقا للمادة التاسعة منه اعتباراً من 20 من يوليه سنة 1961. ثم صدر القانون رقم 52 لسنة 1964 بإضافة بعض شركات ومنشآت المقاولات إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961، وقضى في المادة الخامسة منه بأن يعمل به من تاريخ العمل بالقانون رقم 117 لسنة 1961. ومفاد هذا أن الشركات والمنشآت التي أممت تأميما كلياً بمقتضى القانون رقم 52 لسنة 1964، سرى عليها القانون رقم 117 لسنة 1961 اعتباراً من تاريخ العمل به في 20 من يوليه سنة 1961، فيتخذ هذا التاريخ أساساً لاعتبارها مؤممة قانوناً ولتحول أسهمها ورؤوس أموالها إلى سندات أسمية على الدولة ولسريان فائدة عن قيمة هذه السندات بنسبة 4% سنوياً ولحساب مدة تلك السندات وهى خمس عشرة سنة، وبذا تعتبر هذه القيمة ديناً مؤجلاً حتى 20 من يوليه سنة 1976، كما تعتبر الفائدة عنها من الفوائد التعويضية التي تستحق مقابل الانتفاع بالدين المؤجلة حتى حلول موعد استحقاقها مما يوقف سريانها عند حلول أجل قيمة السندات في 20 من يوليه سنة 1976، غير أنه يتعين أن يخصم من هذه الفوائد عن المدة التي استغرقها التأميم الجزئي من 20 من يوليه سنة 1961 إلى 7 من مارس سنة 1964 وما صرف من أرباح عن ذات المدة منعاً من ازدواج الإفادة بالإرباح وبالفوائد مما يشكل أثراء بلا سبب على حساب الدولة حسبما رأت بحق الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في 2 من يناير سنة 1972، وهى فوائد أيضاً تؤلف حصيلتها متجمد فوائد فلا يجوز تقاضي فوائد على تأخيرية عنها عملاً بالمادة 232 من القانون المدني التي حظرت تقاضى فوائد على متجمد الفوائد مرسيه بذلك قاعدة من القواعد الآمرة التي لا يجوز الخروج عنها لتعلقها بالنظام العام والتي تصدق على متجمد الفوائد بنوعيها تعويضية وتأخيرية ومؤدى حلول قيمة السندات بانتهاء مدتها دون استهلاك في 20 من يوليه سنة 1976 أنه تجوز المطالبة القضائية بها وتسرى عليها الفوائد التأخيرية من تاريخ هذه المطالبة القضائية طبقاً للمادة 226 من القانون المدني التي لم تكتف بالمطالبة القضائية بالدين وإنما استلزمت المطالبة القضائية بالفوائد ذاتها حتى تسرى هذه الفوائد التأخيرية، ولا ريب أنه في جميع الأحوال لا يجوز أن يزيد مجموع الفوائد بنوعيها تعويضية وتأخيرية على قيمة السندات عملاً بالمادة 232 من القانون المدني التي قضت بأنه لا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال فسنت قاعدة آمرة تشمل في عموميتها وإطلاقها الفوائد أياً كان نوعها:
ومن حيث إن يخلص من وقائع المنازعة المعروضة أن رأس مال الشركتين المؤممتين تحول بالتأميم الكامل بمقتضى القانون رقم 52 لسنة 1964 إلى دين عام على الدولة قيمته 883 ر 17504 جنيه تمثل في سندات مدتها خمس عشرة سنة بفائدة نسبتها 4% اعتباراً من 20 من يوليه سنة 1961. وهذه السندات وجب إصدارها قانوناً سواء طبقا للمادة 2 من القانون رقم 117 لسنة 1961 أو تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 11 من مارس سنة 1980 في الدعوى رقم 1584 لسنة 28 القضائية بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تسليمها إلى أصحابها المطعون ضدهم الثلاثة الأول، إلا أنه لم يتم إصدارها فعلاً وبالتالي لم يحدث استهلاك لها كلياً أو جزئياً حتى انقضت مدتها وحل أجل الدين موضوعها بمضي خمس عشرة سنة في 20 من يوليه سنة 1976، وقد جرت الفوائد التعويضية عنها بنسبة 4% منذ 20 من يوليه سنة 1961، إلا أنها فوائد استغرقت بالإرباح التي صرفت عن مدة التأميم الجزئي من هذا التاريخ حتى 7 من مارس سنة 1964، وبذا تقتصر على المدة التالية منذ 8 من مارس سنة 1964 حتى 19 من يوليه سنة 1976، وتشكل حصيلتها متجمد فوائد لا يجوز تقاضى فوائد عنه ولو كانت فوائد تأخيرية طبقاً للمادة 232 من القانون المدني. ولئن كان المطعون ضدهم الثلاثة الأول أقاموا الدعوى رقم 6179 لسنة 1969 في 15 من أكتوبر سنة 1969 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، إلا أنهم لم يضمنوها ابتداء أو بعدئذ أية مطالبة بالدين أو بفوائده حتى توجب بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 11 من مارس سنة 1980 في الدعوى رقم 1584 لسنة 28 القضائية بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تسليمهم السندات، وبذا فإنه لا محل لسريان الفوائد التأخيرية عن الدين حتى رفعهم الدعوى رقم 9634 لسنة 1981 في 2 من نوفمبر سنة 1981 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الدين ومقداره 883ر 17504 جنيه والفوائد القانونية من 20 من يوليه سنة 1961 بما يحوى طلبهم الفوائد التأخيرية من تاريخ المطالبة القضائية بها طبقا للمادة 226 من القانون المدني، وبالتالي فإنهم يستحقون الفوائد القانونية عن هذا الدين الحال بنسبة 4% منذ 2 من نوفمبر سنة 1981 وليس من تاريخ حلول الدين في 20 من يوليه سنة 1976. وعلى هذا فإنه يحق لهم أصل الدين وفوائده التعويضية بنسبة 4% من 8 من مارس سنة 1964 حتى 19 من يوليه سنة 1976 وفوائده التأخير بذات النسبة من 2 من نوفمبر سنة 1981 حتى تمام السداد على إلا يتجاوز مجموع هذه الفوائد بنوعيها أصل الدين عملاً بالمادة 232 من القانون المدني، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه وإن أصاب الحق فيما قضى به من أصل الدين ومقداره 883 ر 17504 جنيه إلا أنه خالف القانون إذ قضى بالفوائد القانونية من تاريخ حلول الدين في 20 من يوليه سنة 1976 على ظن من أن الدعوى رقم 6179 لسنة 1969 المقامة في 15 من أكتوبر سنة 1969 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية استعجله فيها المطالبة بقيمة السندات في حين أن هذه الدعوى لم تشمل تلك المطالبة التي لم تكن أيضاً لتغني عن وجوب المطالبة بالفوائد التأخيرية أيضاً وهو ما لم يتم في ذات الدعوى حتى تسرى الفوائد التأخيرية من تاريخ المطالبة القضائية بها طبقاً للمادة 226 من القانون المدني، كما أن الحكم المطعون فيه خالف القانون كذلك إذ قضى بالفوائد التأخيرية عن متجمد الفوائد التعويضية عن أصل الدين قبل حلول أجله في 20 من يوليه سنة 1976 وهو ما لا يجوز طبقاً للمادة 232 من القانون المدني، وبالتالي فإنه يتعين القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المدعى عليهما بصفتيهما بأن يؤديا للمدعين مبلغا مقداره 833 ر 17504 جنيه فوائده التعويضية بنسبة 4% من 8 من مارس سنة 1964 حتى 19 من يوليه سنة 1976 وفوائده التأخيرية بنسبة 4% من 2 من نوفمبر سنة 1981 حتى تمام السداد على ألا تزيد هذه الفوائد بنوعيها عنه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المدعى عليهما بصفتيهما بأن يؤديا للمدعين مبلغا مقداره 17504.883 جنيه سبعة عشر ألف وخمسمائة وأربعة جنيهاً هو 883/ 1000 من الجنيه وفوائده التعويضية بنسبة 4% من 8 من مارس سنة 1964 حتى 19 من يوليه سنة 1976 وفوائده التأخيرية بنسبة 4% من 2 من نوفمبر سنة 1981 حتى تمام السداد على ألا تزيد الفوائد بنوعيها على ذلك المبلغ، وألزمت المدعى عليهما مصروفات الدعوى والطعنين.


[(1)] تراجع فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلسة 2/ 1/ 1972.