مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة 1989) - صـ 301

(45)
جلسة 17 من ديسمبر سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد أبو الخير ويحي السيد الغطريفي وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.

الطعن رقم 2335 لسنة 30 القضائية

إدارات قانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة - الضمانات المقررة لأعضائها - حدود هذه الضمانات.
القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية. (رجال القضاء والنيابة العامة).
الضمانات المقررة لمديري وأعضاء الإدارات القانونية في مجال التأديب مقصورة على ما يقع منهم من مخالفات في أداء أعمالهم الفنية - مؤدي ذلك: انحسار هذه الضمانات عند قيامهم بأعمال الإدارة التنفيذية التي تسند إليهم خارج نطاق العمل الفني - تختلف هذه الضمانات عن تلك المقررة لرجال القضاء فالضمانات الأخيرة عامة ومطلقة وتجد مصدرها في الدستور والقوانين المنظمة للهيئات القضائية لكفالة استقلال القاضي في أداء واجبه حماية للعدالة من التدخل والتأثير فيها بالترغيب أو الترهيب - مؤدى ذلك: - أن الحصانة التي يتمتع بها القاضي هي حصانة دائمة دوام ولاية القضاء ولصيقة بصفة القاضي وشخصه سواء في مجلس القضاء أو خارج مجلس القضاء وسواء في نطاق الأعمال القضائية أو في غيرها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 19 من يونيو سنة 1984 أودع الأستاذ..... المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ ..... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2335 لسنة 30 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 22 من أبريل سنة 1984 في الدعوى رقم 821 لسنة 11 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن والقاضي بمجازاته بخفض أجره في حدود العلاوة.
وطلب الطاعن للأسباب الموضحة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم في الدعوى التأديبية بعدم قبولها لرفعها من غير ذي صفة.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة التاسع من مارس سنة 1988، وبجلسة 25 من مايو سنة 1988 أحالت الدائرة المذكورة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة الرابع من يونيو سنة 1988، وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1988 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم 17 من ديسمبر سنة 1988 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه فور النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية، فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ الرابع من يونيو سنة 1983 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 821 لسنة 11 القضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالمنصورة منطوية على تقرير اتهام كل من.
1 - ...... مدير إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بالإسماعيلية فئة ثالثة
2 - ...... مدير الشئون القانونية بمكتب التأمينات الاجتماعية بالتل الكبير فئة ثالثة
3 - ...... الموظفة بمكتب الإسماعيلية النمطي فئة ثالثة
4 - ..... موظفة بمكتب المقاولات بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بالإسماعيلية فئة ثالثة
5 - ..... موظف بالتأمينات الاجتماعية بالإسماعيلية فئة ثالثة
6 - ..... موظفة بالتأمينات الاجتماعية بالإسماعيلية فئة ثالثة
لأنهم في غضون المدة من 1/ 7/ 1976 حتى 31/ 8/ 1979 بمقر عملهم المشار إليه - بدائرة محافظة الإسماعيلية - خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة واتوا ما من شأنه المساس بحق مالي للدولة، وذلك بأن لم يتحروا الدقة في فحص طلبات الموظفين المستفيدين بالقانون رقم 112 لسنة 1975 ومطابقتها على المستندات المقدمة إليهم، الأمر الذي ترتب عليه صرف مبلغ (700 و36727) جنيهاً دون وجه حق لأصحاب المعاشات على النحو الموضح بالأوراق، ورأت النيابة الإدارية أن المذكورين بذلك يكونوا قد ارتكبوا المخالفة الإدارية المنصوص عليها بالمادتين 52/ 1، 53/ 1، 4 من القانون رقم 58 لسنة 71 والمواد 76/ 1، 77/ 1، 4، 80، 82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، والمادتين 15، 19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، وطلبت لذلك محاكماتهم تأديبياً، وبجلسة 22 من إبريل سنة 1984 أصدرت المحكمة التأديبية بالمنصورة حكمها بمجازاة المتهمين.... و...... و...... و..... و....... و......، بخفض أجر كل منهم في حدود علاوة.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن ما نسب إلى كل من المتهمين الستة من عدم تحريهم الدقة في طلبات المواطنين المستفيدين بالقانون رقم 112 لسنة 1975 ومطابقتها على المستندات المقدمة إليهم مما ترتب عليه صرف مبلغ (700 و36727) جنيهاً دون وجه حق لأصحاب المعاشات يكون قد ثبت في حق كل منهم - وبدرجة واحدة - وذلك من خلال الأوراق والتحقيقات التي أجرتها النيابة العامة والنيابة الإدارية، ولا ينال من ذلك ما حاول به كل منهم، بأقوال واحدة دفع ما نسب إليه عن نفسه، هذا فضلاً عما حاول به باقي المتهمين - عدا الأول. في مذكرة دفاعهم، إلقاء التهمة على المتهم الأول وحده وذلك لمخالفة ما ذهبوا إليه للواقع والقانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقام من المتهم الثاني السيد/ ..... أن الحكم المطعون فيه مشوب بخطأ في الإجراءات، وفساد في الاستدلال، ومخالفة القانون.
وذلك على النحو الآتي:
1 - في شأن خطأ الإجراءات، ذلك أن قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ينص في المادة (79) منه على أنه "لا يجوز توقيع جزاء على العامل إلا بعد التحقيق معه كتابة" والواقع أنه لم يتم التحقيق مع الطاعن ولا علم له بما جرى من تحقيقات، الأمر الذي يفيد بطلان إجراءات محاكمة الطاعن أمام المحكمة التأديبية التي أصدرت الحكم المطعون فيه.
2 - في شأن فساد الاستدلال، فإن الطاعن كان يعمل في الفترة من 1/ 7/ 1976 حتى 31/ 8/ 1979 مديراً لمكتب تأمينات الإسماعيلية بجانب عمله الأصلي كرئيس للشئون القانونية، وهذا المكتب به أكثر من عشرة أقسام من بينها قسم التأمين الشامل، وأنه وفقاً للقرار رقم 498 لسنة 1975 يكون للطاعن الإشراف الإداري فقط على المكتب في حين كان الأشراف الفني يمس زميله المتهم الأول، وطالما أن ما وقع من مخالفة كان في نطاق العمل الفني فإن الطاعن صاحب الأشراف الإداري - لا يسأل عنه.
3 - في شأن مخالفة القانون، فإن الطاعن رجل قانون، فهو محام أول بإدارة التأمينات الاجتماعية، وهو الذي اكتشف الخطأ الذي يسأل عنه الآخرون الذين ارتكبوه ولا يسأل عنه الطاعن الذي اكتشفه.
هذا فضلاً عن أن نص المادة (21) من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية تجعل للمساءلة التأديبية لأعضاء الإدارات القانونية بالهيئات العامة إجراءات خاصة فضلاً عن أنها لا تجيز أن تقام الدعوى التأديبية قبل هؤلاء الأعضاء إلا بناء على طلب الوزير المختص.. وهذه الإجراءات لم تتبع مع الطاعن على نحو تبطل معه إجراءات محاكمته التأديبية المنتهية بالحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى التأديبية الصادر فيها الحكم المطعون فيه أن النيابة الإدارية قد نسبت للطاعن السيد/ .... مدير الشئون القانونية بمكتب التأمينات بالتل الكبير - أنه خلال الفترة من 1/ 7/ 1976 حتى 31/ 8/ 1979 لم يتحر الدقة في فحص طلبات المواطنين المستفيدين بالقانون رقم 112 لسنة 1975 ومطابقتها على المستندات المقدمة إليهم الذي ترتب عليه صرف مبلغ يزيد على 36 ألف جنيه دون وجه حق لأصحاب المعاشات.
ومن حيث إنه يتعين بداءة تدارس القانون الواجب التطبيق في مجال مساءلة الطاعن وما إذا كانت قواعد وأحكام المسئولية التأديبية المنظمة وفقاً لأحكام القانون رقم 47 لسنة 73 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها، أم قواعد وأحكام المسئولية التأديبية المنظمة وفقاً لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
ومن حيث إن القانون رقم 47 لسنة 1973 المشار إليه ينص في المادة (21) منه على أن تنظم الأحكام الخاصة بالتحقيق والنظام التأديبي لمديري الإدارات القانونية وأعضائها. وبإجراءات ومواعيد التظلم مما قد يوقع عليهم من جزاءات، لائحة يصدرها وزير العدل بعد موافقة اللجنة المنصوص عليها في المادة 7 من هذا القانون، ويجوز أن تتضمن هذه اللائحة بيانات بالمخالفات الفنية والإدارية التي تقع من مديري الإدارات القانونية وأعضائها، والجزاءات المقررة لكل منها والسلطة المختصة بتوقيعها. ولا يجوز أن تقام الدعوى التأديبية إلا بناء على طلب الوزير المختص ولا تقام هذه الدعوى في جميع الأحوال إلا بناء على تحقيق يتولاه أحد أعضاء التفتيش الفني".
ومن حيث إن مفاد هذا النص المشرع قد أراد أن يحمى مديري الإدارات القانونية وأعضاءها في مجال ممارستهم لأعمالهم القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها بحيث يمارسون أعمالهم القانونية في مجال الدعاوى والفتاوى والتحقيقات باستقلال عن الرئاسة الإدارية، لأنهم يمارسون من خلال هذه المهام وظيفة رئاسية في خدمة سيادة القانون بالنسبة لجهة الإدارة وهو ما يقضي تمتعهم في هذا النطاق باستقلالية يحميها المشرع بتنظيم أسلوب خاص بمسائلتهم يتضمن من الضمانات ما يحمى لهم استقلالهم في مواجهة جهة الإدارة التنفيذية العاملة غير أن هذه الضمانات التي قررها المشرع لمديري وأعضاء الإدارات القانونية بها هؤلاء عند مباشرتهم لمهام أعمالهم القانونية في مجال الدعاوى والفتاوى والتحقيقات، فإذا ما أسند إلى هؤلاء عمل إداري خارج إطار المهام القانونية فإن هذا الإسناد يكون في ذاته غير موافق لمقتضيات أصول التنظيم والإدارة لأنه يرتب الجمع بين العمل الرقابي القانوني الذي يباشره أحد رجال الإدارات القانونية والذي كان الأساس المستهدف من أفرادهم بتنظيم قانوني خاص في القانون رقم 47 لسنة 1973 وبين العمل التنفيذي الذي يسند إليهم على هذا النحو غير السديد الذي يتعارض مع أهداف وغايات هذا القانون وعندئذ لا تسرى على هؤلاء - أياً كانت إدارة إسناد مكتب الأعمال التنفيذية الخارجة على اختصاص الإدارات القانونية - الأحكام المنظمة بالتحقيق والنظام التأديبي لأعضاء الإدارات القانونية إذ أن ذلك منوط حسب صريح أحكام القانون الخاص بهم رقم 47 لسنة 73 بأعمال وظائفهم في الإدارات القانونية وحدها ومن ثم ترتفع عن هؤلاء في مجال العمل التنفيذي المسند إليهم الحصانة المقررة لمديري وأعضاء الإدارات القانونية في مجال مباشرتهم لأعمالهم الفنية من دعاوى وفتاوى وتحقيقات لعدم تحقق مناطها أو الحكمة المقررة تلك الحصانات الخاصة من أجلها.
ومن حيث إنه يغني عن البيان أن الضمانات التي قررها المشرع لمديري وأعضاء الإدارات القانونية تختلف عن الضمانات التي قررها المشرع لرجال القضاء، إذ أن الضمانات المقررة لمديري وأعضاء الإدارات القانونية في مجال التأديب مصدرها القانون وهي بحسب طبيعة وظائفهم والغاية المرجوة من تقرير هذه الضمانات مقصورة على ما يقع منهم من مخالفات بوصفهم من مديري وأعضاء الإدارات القانونية في أداء أعمالهم الفنية أو غيرها والمرتبطة بهيئة الإدارات ولا تمتد إلى ما يقع من هؤلاء بوصفهم من رجال الإدارة التنفيذية العاملة إذا ما أسند إليهم عمل من هذا القبيل، أما الضمانات المقررة لرجال القضاء فإنها ضمانات عامة ومطلقة مصدرها الدستور والقوانين المنظمة للهيئات القضائية لكفالة استقلال القاضي في أدائه لواجبه في الفصل في المنازعات التي تتولاها المحاكم بصفة خاصة ولحماية شئون العدالة من أي تدخل أو تأثير بالترغيب أو الترهيب لشخص القاضي المنوط به مسئولية الفصل في المنازعات بين المواطنين ولذلك فهي حصانة دائمة دوام ولاية القضاء ولصيقة بصفة القاضي وشخصيته لحماية استقلاله وحريته في الحسم والفصل في القضايا والمنازعات وإقامة العدالة سواء في مجلس القضاء أو خارج مجلس القضاء وفي الأعمال القضائية أو في غير ذلك ولذا فهو تحوطه هذه الحصانة في شأن أية مخالفة قد تنسب إليه وذلك ما أكده صراحة نص المادة (98) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم (46) لسنة 1973.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أن الطاعن وهو مدير الشئون القانونية بمكتب التأمينات الاجتماعية بالتل الكبير قد تولى مباشرة العمل في ذات الوقت مديراً لهذا المكتب ومن ثم فإن الطاعن استناداً لما تقدم يسأل تأديبياً فيما يختص عمله المنوط بوظيفة الإدارة القانونية وفقاً لإجراءات المساءلة التأديبية المقررة لمديري وأعضاء الإدارات القانونية في حين يسأل تأديبياً فيما يخص عمله الإداري وكمدير للمكتب وفقاً لإجراءات وقواعد المسئولية التأديبي المقررة في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
ومن حيث إن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن إنما وقعت منه خلال عمله كمدير لمكتب التأمينات الاجتماعية بالتل الكبير وليس خلال عمله كمدير للشئون القانونية بالمكتب المشار إليه وبالتالي فإن القاعدة التي تطبق في شأنه هي وجوب مساءلته وفقاً لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب هذا المذهب فإنه يكون قد صدر من هذه الزاوية صحيحاً لا مطعن عليه.
ومن حيث إنه عما ينعيه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أنه قد صدر بإدانة الطاعن رغم أنه لم يتم التحقيق معه ولا علم له بما أجري من تحقيقات، فإن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ينص في المادة (79) منه على أنه لا يجوز توقيع جزاء على العامل إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه... إلا أن هذا القانون لم ينص على تحديد لمن يتولى إجراء هذا التحقيق، وترك ذلك للنصوص المنظمة للاختصاص بالتحقيق في القوانين المختلفة المنظمة لذلك والمبادئ القانونية العامة التي تنظم إجراءات التحقيق بما يكفل بلوغ الحقيقة وتجميع إدانتها الصحيحة وتحقيق دفاع كل منهم.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية ينص في المادة (18) منه على أنه في التبليغات والشكاوى التي يرى إحالتها إلى النيابة العامة بعد التحقيق لانطوائها على جريمة جناية وفقاً لنص المادة (17) من القانون، يجب على عضو النيابة الإدارية المحقق تحديد المسئولية الإدارية المالية والبت فيها دون انتظار التصرف النهائي في الدعوى الجنائية كلما كان ذلك ممكناً. أما التبليغات والشكاوى التي أبلغت عنها النيابة العامة دون تحقيق تفصيلي من النيابة الإدارية، فيتم تحديد المسئولية الإدارية والمالية فيها على ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة.
ومن حيث إن مؤدى ذلك أنه يجوز للنيابة الإدارية أن تحدد المسئولية الإدارية والمالية للمتهم على ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة إذا ما تم تحقيق النيابة العامة بناء على بلاغ أو شكوى قبل إجراء النيابة الإدارية لتحقيقها.
ومن حيث إن الثابت في شأن الواقعة الماثلة أنه وإن لم تسمع أقوال الطاعن أمام النيابة الإدارية إلا أنه قد سمعت أقواله ووجه بالاتهام المنسوب إليه أمام النيابة العامة، وذلك حسبما هو ثابت بتحقيق النيابة العامة المرفق بالأوراق، في صفحة (87) وما بعدها من أوراق التحقيق، وهو الأساس الذي استند إليه قرار الاتهام الذي حددت بموجبه مسئوليته التأديبية بمعرفة النيابة الإدارية.
ومن حيث أنه عن مدي مسئولية الطاعن عن المخالفة المنسوبة إليه وهي عدم تحرى الدقة في فحص طلبات المواطنين المستفيدين بالقانون رقم 112 لسنة 1975 ومطابقتها على المستندات المقدمة إلى المكتب، فإنه وأن كان الثابت أن قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية رقم (418) لسنة 1975 ينص في المادة الثانية منه على أن تنشأ بكل مكتب نمطي للتأمينات الاجتماعية وحدة للتأمين على فئات العاملين المشار إليهم بالمادة السابقة (أي الخاضعين للقانون رقم 112 لسنة 1975) وتخضع هذه الوحدة إداريا للإشراف المباشر لمدير المكتب وفنياً لرئيس القسم المناظر بالمنطقة المختصة إلا أن هذا النص لا يفيد انتفاء مسئولية الطاعن وكمدير التأمينات الاجتماعية - عن الخطأ الذي يقع من موظفي وحدة التأمين على الموظفين الخاضعين للقانون رقم 112 لسنة 1975 لأن هؤلاء الموظفين وإن كانوا يخضعون فنياً لإشراف رئيس قسم المناظر لهذه الوحدة على مستوى المنظمة التي تضم عدة مكاتب إلا أن هؤلاء الموظفين بتلك الوحدة يخضعون إدارياً للأشراف المباشر للطاعن باعتباره مديراً للمكتب الذي يعملون به.
ومن حيث إن الأشراف الإداري هو أهم اختصاصات السلطة الرئاسية يعنى الأشراف الشامل لمختلف عناصر الإدارة بمفهومها العلمي وهي التخطيط، والتنظيم، والقيادة، والتنسيق، والرقابة وذلك في الحدود التي قدرتها القوانين واللوائح لكل مستوى من مستويات السلطة الرئاسية فإن مسئولية الرئيس الإداري لا تقتصر على متابعة حضور الموظفين التابعين له وانصرافهم، وإنما تتسع لتشمل التحقق بصفة فردية وبصفة عامة ولو بصفة دورية - من حسن أدائهم جميعاً لأعمالهم ولعل هذا المفهوم كان مستقراً في ذهن الطاعن - باعتباره رجل قانون - من حين رفع مذكرته المؤرخة 21/ 8/ 1979 إلى مدير المنظمة المختص يفيد فيها أنه قام بتشكيل لجنة خاصة لبحث ما تم من ربط معاشات بقسم التأمين الشامل أسفر عن تكشف عدة مخالفات وكان حرياً به أن يقوم بتشكيل اللجنة التي شكلها للقيام بعملها ولو مرة واحدة في كل عام، ذلك أنه لو كان فعل ذلك لتكشفت له المخالفات التي وقعت منذ 1/ 7/ 1976 أي قبل تشكيل اللجنة المشار إليها بأكثر من ثلاث سنوات أما وأنه قد تقاعس عن أداء هذا الواجب الوظيفي في مراقبة أعمال مرءوسيه وهو ما توجبه عليه وظيفته التنفيذية التي يقوم بأعبائها بحسب مبادئ الإدارة الحسنة فإنه يكون بذلك لم يتحر الدقة في فحص طلبات المواطنين المستفيدين بالقانون رقم 112 لسنة 1975 على النحو المنسوب إليه في تقرير الاتهام.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى تلك النتيجة فإنه يكون قد صدر صحيحاً موافقاً لصحيح حكم القانون على نحو لا محل معه للطعن عليه الأمر الذي يستوجب القضاء برفض الطعن.
ومن حيث إن هذا الطعن معفى من الرسوم القضائية وفقاً لحكم نص المادة (90) من نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وذلك باعتباره الشريعة العامة للوظائف العامة من جهة، ولأن الحكم المطعون فيه من أحكام المحاكم التأديبية من جهة أخري.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.