أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 43 - صـ 796

جلسة 7 من يونيه سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب، حسام الدين الحناوي نواب رئيس المحكمة ومحمد شهاوي عبد ربه.

(165)
الطعن رقم 202 لسنة 57 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن" "التنازل عن عقد الإيجار".
التنازل عن عقد الإيجار. ماهيته. حوالة المستأجر الأصلي حقوقه والتزاماته المستمدة من عقد الإيجار إلى آخر يحل محله فيها.
(2، 3) إيجار "إيجار الأماكن" "التنازل عن عقد الإيجار". وصية. دعوى "الدفاع الجوهري".
(2) تمسك الطاعن المستفيد من امتداد الإيجار أمام محكمة الموضوع أن تنازله لابنه المطعون ضده عن عقد الإيجار لم يكن منجزاً وإنما قصد به الوصية المضافة إلى ما بعد الموت وأنه عدل عنها حال حياته. دفاع جوهري. أثره. وجوب بحث المحكمة له وتحقيقه والوقوف على ما إذا كان قد وضع التنفيذ الفعلي من عدمه.
(3) الوصية. ماهيتها. ورودها على حق المستأجر في الإيجار. لا يترتب عليه استثمار الموصى له بهذا الحق أو انتزاع العين المؤجرة من المستأجر الموصى حال حياته ولو لم يرجع في الوصية. امتناع إعمالها إذا ما تعارضت مع نصوص التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن المنظمة لامتداد الإيجار. علة ذلك.
1- التنازل عن عقد الإيجار هو عقد يحيل المستأجر الأصلي بموجبه حقوقه والتزاماته المتعلقة بالعين المؤجرة والمستمدة من عقد الإيجار إلى آخر يحل محله فيها، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو منفعة العين المؤجرة وأنه يترتب عليه خروج هذه المنفعة التي يرتبها عقد الإيجار الأصلي من حوزة هذا الأخير ودخولها في حوزة المتنازل إليه.
2- إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن تمسك في دفاعه أمام محكمة أول درجة بأنه أقام مع شقيقته زوجة المستأجر الأصلي بشقة النزاع منذ سنة 1976 قبل وفاتها وبعدها وأنه لا يزال مقيماً فيها حتى الآن وذلك رداً على دعوى ابنة المطعون ضده الثالث، وفي ذات الوقت الذي يتذرع فيه الأخير بتنازل الأول له عن حقه في الانتفاع بهذه الشقة، ثم عاد الطاعن فأثار هذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف وتمسك فيه بأن تنازله عن حقه في عقد الإيجار بعد امتداده إليه - لابنه المذكور لم يكن منجزاً، وإنما قصد به الوصية المضافة لما بعد الموت وأنه عدل عنها حال حياته، وكان البين مما أورده الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه انتهى من التحقيق الذي أجرته المحكمة إلى أن عقد الإيجار الأصلي للشقة قد امتد بحكم القانون إلى الطاعن وابنه المطعون ضده الثالث سوياً لإقامتهما مع قريبهما زوجة المستأجر الأصلي سنة سابقة على وفاتها إلا أنه رتب قضاءه لمصلحة المطعون ضده الثالث فقط إعمالاً لأثر التنازل الصادر له من الطاعن عن حقه في الإيجار بعد امتداده إليه دون أن يتحرى حقيقة الأمر في هذا التنازل وما إذا كان الطرفان قد قصدا به أن يكون منجزاً ووضع موضع التنفيذ بالفعل بتخلي الطاعن عن حيازته للشقة محل النزاع إلى ابنه ليستقل بحيازتها دونه أو أنه لم يكن كذلك في الواقع، كما فات على الحكم المطعون فيه ذلك رغم تمسك الطاعن أمام محكمة الاستئناف على وجه صريح جازم بأن تنازله عن عقد الإيجار لابنه المذكور ليس منجزاً إذ قصد به الوصية لما بعد الموت ولم يصر عليها بل عدل عنها، مع أن دفاعه يعد دفاعاً جوهرياً من شأنه - لو صح - أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى.
3- الوصية بطبيعتها تصرف مضاف لما بعد الموت فلا يكون لها وجود قانوني إلا بعد الوفاة وموت الموصي مصراً عليها، فإذا ما انصبت على حق المستأجر في الإيجار فإنها لا تنتج أثراً حال حياة الموصي ولا يترتب عليها استئثار الموصي له بهذا الحق أو انتزاعه العين المؤجرة من المستأجر الموصي حتى ولو لم يرجع في الوصية. وغني عن البيان أن وصية المستأجر للغير بالحق في إيجار المسكن بعد وفاته لا يعمل بها إذا ما تعارضت مع نصوص التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن التي تتضمن القواعد المنظمة لامتداد الإيجار وتشترط أن يكون المستفيد من الامتداد قريب للمستأجر المتوفى حتى الدرجة الثالثة وأن يكون مقيماً معه في المسكن المؤجر حتى الوفاة وفق ما تقضي به المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 اعتباراً بأن هذه الأحكام الخاصة الواردة في التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن متعلقة بالنظام العام من شأنها تعطيل ما يتعارض معها من القواعد العامة المتعلقة بعقد الإيجار وعدم جواز الاتفاق على مخالفتها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما الأول والثاني بصفتهما أقاما على المطعون ضده الثالث الدعوى رقم 6440 لسنة 1981 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلائه من الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها خالية، وقالاً في بيان ذلك إنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 8/ 1960 استأجر المرحوم...... من وقف الخازنداره التابع لها تلك الشقة وقد توفي سنة 1972 ثم توفيت زوجته سنة 1978 ولم يكن يقيم معهما أحد فيها قبل الوفاة إلا أن المطعون ضده الثالث قام بوضع اليد عليها عقب ذلك دون سند مما حدا بهما إلى إقامة دعواهما. وأثناء سير الخصومة أمام محكمة أول درجة تدخل فيها الطاعن بطلب رفضها استناداً إلى أن عقد إيجار شقة النزاع امتد إليه بالإقامة مع شقيقته زوجة المستأجر الأصلي منذ عام 1976، ووجه المطعون ضده الثالث دعوى فرعية طالباً الحكم بإلزام المطعون ضدهما الأول والثاني بصفتهما بتحرير عقد إيجار له عن تلك الشقة لإقامته فيها مع مستأجرها الأصلي وزوجته - عمته - واستمراره فيها بعد وفاتهما وحتى الآن. وأقام الطاعن على المطعون ضدهما الأول والثاني بصفتهما الدعوى رقم 9781 لسنة 1982 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بانصراف أثر عقد الإيجار المؤرخ 1/ 8/ 1960 إليه وإلزامهما بتحرير عقد له استناداً إلى امتداد هذا العقد الأخير إليه إذ كان يقيم مع شقيقته منذ عام 1976 وبقى فيها بعد وفاتها. تدخل المطعون ضده الثالث في هذه الدعوى بطلب رفضها على أساس أنه هو الشاغل لشقة النزاع وحده ضمت المحكمة الدعوى الأولى إلى الثانية وأحالتهما للتحقيق، وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين. حكمت بقبول تدخل الطاعن في الدعوى الأولى وقبول تدخل المطعون ضده الثالث في الدعوى الثانية وفي الموضوع - برفضهما وفي دعوى المطعون ضده الثالث الفرعية بإلزام المطعون ضدهما الأول والثاني بصفتهما بتحرير عقد إيجار له عن الشقة محل النزاع. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 28 لسنة 103 قضائية، وبتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1986 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي الذي أورد بأسبابه أن عقد الإيجار الأصلي لشقة النزاع وإن امتد إليه ولابنه المطعون ضده الثالث لإقامتهما فيها مع زوجة المستأجر الأصلي قريبتهما من الدرجة الثالثة سنة سابقة على وفاتها، إلا أن حقه في امتداده قد سقط بتنازله عنه لابنه المذكور بموجب الإقرار المؤرخ 29/ 3/ 1981 في حين أن هذا التنازل لا ينتج أثره في إنهاء عقد الإيجار الأصلي بالنسبة له بعد امتداده إلا إذا اقترن بتخليه بالفعل عن حيازة الشقة لابنه المتنازل إليه وتركه له الإقامة فيها وهو ما لم يحصل حسبما ثبت لمحكمة الموضوع من أن إقامته بتلك الشقة لم تنقطع عنها وأنها لا تزال مستمرة منذ وفاة شقيقته ومن بعد وفاتهما حتى الآن. ومرد ذلك أن تنازله عن حقه في الانتفاع بها إلى المطعون ضده الثالث لم يكن منجزاً ولم ينفذ حين صدوره لأنه في حقيقته وصية مضافة إلى ما بعد الموت عدل عنها وقد تمسك بهذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف إلا أن الحكم المطعون فيه أعرض عنه ولم يرد عليه مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه لما كان التنازل عن عقد الإيجار هو عقد يحيل المستأجر الأصلي بموجبه حقوقه والتزاماته المتعلقة بالعين المؤجرة والمستمدة من عقد الإيجار إلى آخر يحل محله فيها، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو منفعة العين المؤجرة وأنه يترتب عليه خروج هذه المنفعة التي يرتبها عقد الإيجار الأصلي من حوزة هذا الأخير ودخولها في حوزة المتنازل إليه، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن تمسك في دفاعه أمام محكمة أول درجة بأنه أقام مع شقيقته زوجة المستأجر الأصلي بشقة النزاع منذ سنة 1976 قبل وفاتها وبعدها وأنه لا يزال مقيماً فيها حتى الآن وذلك رداً على دعوى ابنة المطعون ضده الثالث، وفي ذات الوقت الذي يتذرع فيه الأخير بتنازل الأول له عن حقه في الانتفاع بهذه الشقة، ثم عاد الطاعن فأثار هذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف وتمسك فيه بأن تنازله عن حقه في عقد الإيجار بعد امتداده إليه - لابنه المذكور لم يكن منجزاً، وإنما قصد به الوصية المضافة لما بعد الموت وأنه عدل عنها حال حياته، وكان البين مما أورده الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه انتهى من التحقيق الذي أجرته المحكمة إلى أن عقد الإيجار الأصلي للشقة قد امتد بحكم القانون إلى الطاعن وابنه المطعون ضده الثالث سوياً لإقامتهما مع قريبتهما زوجة المستأجر الأصلي سنة سابقة على وفاتها إلا أنه رتب قضاءه لمصلحة المطعون ضده الثالث فقط إعمالاً لأثر التنازل الصادر له من الطاعن عن حقه في الإيجار بعد امتداده إليه دون أن يتحرى حقيقة الأمر في هذا التنازل وما إذا كان الطرفان قد قصدا به أن يكون منجزاً ووضع موضع التنفيذ بالفعل بتخلي الطاعن عن حيازته للشقة محل النزاع إلى ابنه ليستقل بحيازتها دونه أو أنه لم يكن كذلك في الواقع، كما فات على الحكم المطعون فيه ذلك رغم تمسك الطاعن أمام محكمة الاستئناف على وجه صريح جازم بأن تنازله عن عقد الإيجار لابنه المذكور ليس منجزاً إذ قصد به الوصية لما بعد الموت ولم يصر عليها بل عدل عنها، مع أن دفاعه يعد دفاعاً جوهرياً من شأنه - لو صح - أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ذلك بأن الوصية بطبيعتها تصرف مضاف لما بعد الموت فلا يكون لها وجود قانوني إلا بعد الوفاة وموت الموصي مصراً عليها، فإذا ما انصبت على حق المستأجر في الإيجار فإنها لا تنتج أثراً حال حياة الموصي ولا يترتب عليها استئثار الموصي له بهذا الحق أو انتزاعه العين المؤجرة من المستأجر الموصي حتى ولو لم يرجع في الوصية. وغنى عن البيان أن وصية المستأجر للغير بالحق في إيجار المسكن بعد وفاته لا يعمل بها إذا ما تعارضت مع نصوص التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن التي تتضمن القواعد المنظمة لامتداد الإيجار وتشترط أن يكون المستفيد من الامتداد قريب للمستأجر المتوفى حتى الدرجة الثالثة وأن يكون مقيماً معه في المسكن المؤجر حتى الوفاة وفق ما تقضي به المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 اعتباراً بأن هذه الأحكام الخاصة الواردة في التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن متعلقة بالنظام العام من شأنها تعطيل ما يتعارض معها من القواعد العامة المتعلقة بعقد الإيجار وعدم جواز الاتفاق على مخالفتها، وإذ كان يتعين على محكمة استئناف أن تسقط هذا الدفاع حقه من البحث والتمحيص حتى تتبين حقيقة ما قصد إليه الطرفان من التنازل المشار إليه وما اتجهت إليه إرادتهما باستقراء نصوصه والاستهداء بالظروف والملابسات المحيطة به وما يسفر عنه بحث الواقع في الدعوى والأدلة المقدمة فيها، تمهيداً لتقصي الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين الطرفين وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها وإذ هي لم تفعل واكتفت بتأييد الحكم الابتدائي والإحالة على أسبابه التي لم تواجه دفاع الطاعن، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً البيان بما يبطله ويوجب نقضه، دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.