مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة 1989) - صـ 558

(85)
جلسة 14 من فبراير سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح محمد إبراهيم صقر نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: حنا ناشد مينا ناشد ورأفت محمد السيد يوسف وفاروق علي عبد القادر وكمال زكي اللمعي المستشارين.

الطعن رقم 918 لسنة 33 القضائية

عاملون بالقطاع العام - تأديب - الدعوى التأديبية - سقوطها - انقطاع التقادم فيها. مادة (93) من قانون العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978.
تستقل الدعوى التأديبية عن الدعوى الجنائية - صدور قرار من النيابة العامة بحفظ الشكوى إدارياً يعتبر آخر إجراء قاطع للتقادم - من تاريخ هذا القرار تستقل الدعوى التأديبية قيداً ووصفاً - ثبوت تحريكها قبل مضي ثلاث سنوات من التاريخ المذكور يجعل الدفع بسقوطها في غير محله - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 11/ 2/ 1987 أودع الأستاذ...... المقبول أمام هذه المحكمة نيابة عن الأستاذ...... المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ ...... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 918 لسنة ق ضد/ النيابة الإدارية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بأسيوط بجلسة 14/ 12/ 1986 في الدعوى رقم 606 لسنة 13 ق الذي قضى بمجازاة الطاعن بخصم شهر من أجره، وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به من مجازاة الطاعن بخصم شهر من أجره، والحكم مجدداً ببراءته.
وقد أعلن التقرير إلى النيابة الإدارية في 16/ 2/ 1987.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.
وعرض الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة العليا الدائرة الثالثة وهذه المحكمة نظرت الطعن على ما هو مبين بمحاضر جلساتها حيث استمعت إلى ما رأت لزومه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت بجلسة 27/ 12/ 1988 حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 31/ 1/ 1989 وفيها تقرر مد أجل النطق به إلى جلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات الطعن - حسبما يبين من الأوراق - تخلص في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 606 لسنة 13 ق ضد الطاعن وآخرين بتاريخ 27/ 3/ 1986 حيث أودعت النيابة قلم كتاب المحكمة التأديبية بأسيوط تقرير اتهام ضد كل من....... رئيس قسم الجمعية التعاونية للبترول بأسوان و...... رئيس قسم مستودعات الجمعية التعاونية للبترول بأسوان و........ رئيس قسم حسابات المتعهدين بالجمعية التعاونية للبترول و...... مدير منطقة جنوب الدلتا بقطاع بحري بالجمعية التعاونية للبترول.
وقد اتهمت النيابة الإدارية الطاعن مع باقي المحالين بأنهم خرجوا على مقتضي الواجب الوظيفي ولم يؤدوا أعمالهم بدقة وأمانة وخالفوا القواعد والأحكام المالية، ونسبت إلى الطاعن بصفة خاصة أنه بالاشتراك مع الأول قاما بإعداد محاضر جرد وهمية بشأن عهدة مكتب أسوان من المواد البترولية والسوبر ديزل ضمناها بيانات غير صحيحة على التفصيل الوارد بالأوراق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمته طبقاً لمواد الاتهام المشار إليها بالتقرير.
وبجلسة 14/ 12/ 1986 حكمت المحكمة التأديبية في هذه الدعوى بمجازاة الطاعن بخصم شهر من أجره وأسست المحكمة قضاءها على أن الاتهام المسند إلى الطاعن قد ثبت في حقه من اعترافه بالتحقيقات الجنائية من أنه وقع مع المتهم الأول على محاضر الجرد محل الاتهام وأنه كان يوقع هذه المحاضر دون التأكد من مطابقة الكميات الواردة بها على الكميات التي يقوم بقياسها بالفعل وأن توقيعه عليها كان توقيعاً شكلياً وأنه في حالة غياب رئيس المكتب كان يتولى عملية الجرد وكان يضيف إليها الكميات التي تكون خارج المستودع دون التأكد منها لثقته في أقوال وكيل المتعهدة مما يشكل إخلالاً منه بواجبات وظيفته وعدم تحري الدقة والأمانة في عمله مما ترتب عليه ضياع أموال الجمعية وخلصت المحكمة من ذلك إلى مسئوليته وانتهت إلى قضائها المسطر بعالية.
ومن حيث إن الطاعن يبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه خالف صحيح القانون وأخطأ في تطبيقه فضلاً عن الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ذلك.
أولاً - لأن المحكمة التأديبية أقامت قضاءها برفض الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بمضي المدة تأسيساً على أن الفعل المنسوب إلى الطاعن يكون جريمة جنائية وطالما أن الدعوى الجنائية لم تسقط بمضي المدة فمن ثم تكون الدعوى التأديبية قائمة بالتبعية طبقاً لحكم المادة 93 من القانون رقم 48 لسنة 1978 إذ أن الجمعية التي يعمل بها الطاعن قامت بإبلاغ النيابة الإدارية لإجراء التحقيق في تواريخ متعاقبة لم تفصل بينها المدة المقررة لسقوط الدعوى التأديبية، وهذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه يخالف القانون ويختلف مع ما ورد بالأوراق، إذ ليست هناك دعوى جنائية ضد الطاعن بل أن الدعوى الجنائية هي ضد المتعهدة/ ....... كما أن الثابت بالأوراق هو أن النيابة العامة في كل مراحل التحقيق لم توجه إلى الطاعن أية اتهامات بل سألته كشاهد فقط وقامت بتاريخ 12/ 1/ 1980 بحفظ الأوراق إدارياً لعدم الأهمية بالنسبة للمتهم الأول، هذا بالإضافة إلى أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الجمعية أبلغت النيابة الإدارية المختصة بالواقعة في 4/ 3/ 1979 وأن النيابة ظلت تباشر التحقيق مع الطاعن وزملائه مما يعد إجراء قاطعاً للتقادم، يخالف الثابت من الأوراق إذ أن الجمعية أحالت الأوراق إلى النيابة الإدارية في 9/ 2/ 1985 وليس في 4/ 3/ 1979 كما أنه ومع الافتراض جدلاً أن الجمعية أحالت الأوراق إلى النيابة الإدارية في 4/ 3/ 1979 فإنه به تسقط الدعوى التأديبية ذلك لأن الواقعة المنسوبة إلى الطاعن حدثت في 1/ 9/ 1977 وبذلك يكون قد مر على ارتكابها أكثر من عام قبل إبلاغ النيابة الإدارية.
ثانياً - ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن ما أسندته النيابة الإدارية إلى الطاعن قد ثبت في حقه من اعترافه بالتحقيق الجنائي من أنه وقع مع المتهم الأول على محاضر الجرد محل الاتهام وأنه كان يوقع هذه المحاضر دون التأكد من مطابقة الكميات الواردة بها على محاضر الجرد محل الاتهام، وأنه كان يوقع هذه المحاضر دون التأكد من مطابقة الكميات الواردة بها على الكميات التي يقوم بقياسها بالفعل وأن توقيعه عليها كان توقيعا شكلياً وما ذهب إليهم الحكم على النحو المتقدم يشوبه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ذلك لأن الثابت من أقوال الشهود أن إجراء الجرد هو مسئولية رئيس المكتب فقط وهو المسئول عن كل ما يرد فيها من بيانات دون غيره، والثابت أن الطاعن كان يقوم بقياس سعات التخزين فقط ومندوب الحسابات يقوم بحساب المنصرف والمتبقي وترجمة هذا الناتج إلى أرقام، ورئيس المكتب باعتباره الرئيس المباشر هو الذي يقوم بالإعداد النهائي لمحضر الجرد فإذا ما تراءى له أن مسئول القياس قد أخطأ فإنه يملك تصحيح هذا الخطأ باعتباره المسئول عن إعداد محضر الجرد بمفرده كما أن الثابت من الأوراق أن رئيس المكتب هو الذي كان يضيف في المحاضر الكميات الموجودة لدي متعهدين آخرين بما يعني مسئوليته عن هذه المحاضر، ولم يثبت من الأوراق قيام الطاعن بإجراء جرد بمفرده في غيبة رئيس المكتب ولم يذكر أحد في الأوراق أنه كان يضيف الكميات التي خارج المستودع إلى محاضر الجرد دون التأكد منها ولقد أثبتت لجنة الجرد المفاجئ على مخازن المتعهدة أن الكميات الثابتة بمحاضر الجرد مختلفة عن الكميات الموجودة فعلاً بالمستودع واعتبرت اللجنة ذلك عجزاً في السداد، وهو ما انتهي إليه تقرير مكتب الخبراء ويدل على صحة ما ورد بمحاضر الجرد مما يجعل ما انتهي إليه الحكم من إدانته مشوباً بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يبطله.
ومن حيث إن ما يأخذه الطاعن على الحكم المطعون فيه من خطأ في تطبيق القانون وتأويله لعدم أخذه بما أبداه من دفع بسقوط الدعوى التأديبية قبله لمضي سنة من تاريخ قرار النيابة العامة بحفظ التحقيق في شكوى كل من الجمعية والمتعهدة إدارياً في 15/ 1/ 1980 فإن ذلك مردود عليه بأن النيابة الإدارية قد بدأت التحقيق في هذا الموضوع في 4/ 2/ 1979 تم تربصت حتى ورود تقرير مكتب خبراء وزارة العدل بأسوان الذي أنتدب لفحص الأوراق في 12/ 12/ 1979 واستأنفت النيابة الإدارية تحقيقاتها ثانية في 26/ 1/ 1982 على الوجه المبين بمحاضرها حتى قدم مكتب الخبراء بأسوان تقريراً ثانياً في 4/ 7/ 1984 وواصل التحقيق مسيرته في 13/ 2/ 1985 وأقيمت الدعوى التأديبية قبل الطاعن وبقية المحالين بتاريخ 27/ 3/ 1986 وهو ما يبين منه بجلاء أن كل إجراءات التحقيق والمحاكمة قد تواصلت ولم يفصل بينها فاصل زمني يتجاوز مدة سقوط الدعوى التأديبية المقررة بنص المادة 93 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 وهي مدة ثلاث سنوات من تاريخ القرار الصادر من النيابة العامة بحفظ الشكوى إدارياً في 15/ 1/ 1980 وهو أجراء قاطع للتقادم، ومنه تستقل الدعوى التأديبية ضد الطاعن وزملائه عن الدعوى الجنائية قيداً ووصفاً وتنطبق عليها من هذا التاريخ القواعد المقررة في الدعاوى التأديبية فقط ومنها ما تعلق بمدة تقادمها وانقطاعها ويغدو الدفع بسقوط الدعوى التأديبية المبدى من الطاعن خليقاً بالرفض، ومن ثم فإن المحكمة لم تخطئ في شيء إذ قررت رفضه.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الاتهام التي أدين الطاعن فيها بما أورده في أسبابه من أدلة ثابتة قبله من واقع اعترافه بتحقيقات النيابة العامة من أنه قد وقع بدلاً من المتهم الأول على محاضر الجرد محل الاتهام وأنه كان يوقع هذه المحاضر دون التأكد من مطابقة الكميات الواردة بها على الكميات التي يقوم بقياسها بالفعل وأن توقيعه عليها توقيع شكلي وأنه في حالة غياب رئيس المكتب (المتهم الأول) كان هو يتولي عملية الجرد وكان يضيف إليها الكميات التي تكون خارج المستودع دون التأكد منها لأنه يأخذ كلام الوكيل المتعهدة ثقة. وهذا الذي حصله الحكم المطعون فيه له أصلة الثابت في الأوراق وهو يؤدى إلى النتيجة التي رتبها الحكم على ذلك من توافر أدلة ثبوت المخالفة المسندة إليه قبله على ما يبين في أسبابه وهي بذاتها تتضمن الرد على ما أثاره الطاعن من جديد في طعنه من أنه غير مسئول عن الجرد وأن عمله يقتصر على قياس سعات التخزين فقط وأن إجراء الجرد هو مسئولية رئيس المكتب فقط ذلك أن هذا القول منه مردود بأن ما ثبت من أقواله بالتحقيقات آنفاً على الوجه المشار إليه، يؤكد مسئوليته عن المخالفة ولا يصلح عذراً لتبرئته بل هو دليل على ما نسب إليه من اتهام وأن الواجب كان يقتضي بذل غاية العناية بعمله بصفته رئيس قسم المستودعات بالجمعية وإذ أنه تحدث تكون أداؤه له على الوجه الصحيح وهو ما يقتضيه أن يتحقق من حقيقة الكميات التي يقوم بقياسها والموجودة فعلاً بالصهاريج لا أن يقعد عن ذلك ويعتمد على كلام وكيل المتعهدة كما قرر في التحقيق ولا يقبل منه الدفع يكون توقيعه شكيلاً، إذ التوقيع على المحرر هو إقرار ممن وقع عليه بصحة ما تضمنه ومن ثم فهو يسأل إذا ما أثبت بتلك أنه قد تضمن غير الحقيقة أو وردت به بيانات صورية تجافي الواقع وهو ندبه مما ترتب عليه أضرار بجهة عمله ولا خلاف في أن من واجبات وظيفته مراقبة صحة بياناته والتأكد من أن ما يتضمنه من بيانات يتم على وجه صحيح يطابق حقيقة الأمر ويعتبر توقيعه عليه إقرار منه بذلك وهو يسأل عن عدم صحته وهو إلى ذلك بحكم وظيفته رئيس قسم مستودعات الجمعية التعاونية بأسوان من أصحاب العهد وأمنائها الذين يجب أن يؤدوا أعمالهم بأقصى قدر من الدقة واليقظة والأمانة وهو بما قيل قد أخل بواجباته الوظيفية ولم يؤد أعمالها بدقة وأمانة ولم يتحر الدقة في جرد عهدة الجمعية مما ينم على ما قرر الحكم عن استهتاره وإهماله الذي من شأنه أن يعرض أموالها للضياع وهو ما يستوجب مؤاخذته تأديبياً.
ومن حيث أنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد وافق صحيح حكم القانون حين قضى بإدانة الطاعن عما نسب إليه بمعاقبته بخصم شهر من أجره جزاء على ما وقع منه ومن ثم يغدو الطعن فيه غير قائم على أساس خليقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.


[(1)] راجع الطعن رقم 518 لسنة 33 ق بذات الجلسة.