مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1959 إلى آخر يناير سنة 1960) - صـ 68

(11)
جلسة 28 من نوفمبر سنة 1959

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي - نائب رئيس المجلس، وعضوية السادة: حسن أبو علم ومحيي الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 925 لسنة 4 القضائية

حكم بالإلغاء - تنفيذه - ليس من أثر الحكم بالإلغاء أن يعتبر من صدر لصالحه الحكم مرقى بذات الحكم - حق الإدارة في الإبقاء على الترقية المطعون فيها وترقية المحكوم لصالحه على أية درجة تكون خالية عند تنفيذ الحكم وإرجاع أقدميته فيها إلى التاريخ المعين في الحركة الملغاة.
أن أثر حكم الإلغاء هو إعدام القرار الملغى في الخصوص الذي حدده الحكم بحسب ما إذا كان الإلغاء شاملاً أو جزئياً, وليس من أثر الحكم أن يعتبر من صدر لصالحه الحكم مرقى بذات الحكم وإلا كان بمثابة حلول المحكمة محل الإدارة فيما هو من اختصاصها بل لابد من صدور قرار إداري جديد ينشئ المراكز القانونية في هذا الشأن على مقتضى ما حكمت به المحكمة, على أن هذا لا يخل بحق الإدارة في الإبقاء على الترقية المطعون فيها وترقية المحكوم لصالحه على أية درجة تكون خالية عند تنفيذ الحكم وإرجاع أقدميته فيها إلى التاريخ المعين في الحركة الملغاة إذا رأت من المصلحة العامة ذلك لعدم زعزعة مراكز قانونية استقرت لذويها، فإذا كانت الوزارة - وهى بصدد تنفيذ الحكم الصادر في القضية رقم 6384 لسنة 8 القضائية - قد رأت الإبقاء على ترقية المطعون في ترقيته - خصوصاً وكان قد رقى إلى الدرجة الأولى خلال نظر الدعوى - وتنفيذ الحكم بترقية المدعي إلى أية درجة ثانية خالية مع إرجاع أقدميته فيها إلى التاريخ المعين لذلك في الحركة الملغاة وذلك منعاً لزعزعة المراكز القانونية التي استقرت لذويها, فلا تثريب عليها في ذلك, هذا ولا وجه لما تذهب إليه هيئة مفوضي الدولة في طعنها من أنه إذا جاز للإدارة سلوك هذا المسلك في الترقيات العادية فإنه لا يستساغ ذلك إذا كانت الترقية قد تمت إلى وظيفة متميزة أو خصماً على الدرجة المخصصة لهذه الوظيفة ويتعين أن يكون التنفيذ بإلغاء ترقية من قضى بإلغاء ترقيته وترقية المحكوم لصالحه بدلاً منه, لا وجه لذلك إذ أنه فضلاً عن أن الدرجة المتنازع عليها لا تتصل بوظيفة متميزة إذ أن كلا المتنازعين يصلح بحسب تأهيله الخاص لتولى هذه الوظيفة, فإن الحكم لا يتغير إذا كان الأمر يتصل بوظيفة متميزة إذ ليس ثمة ما يمنع الجهة الإدارية, إذا ما حكم بإلغاء قرار ترقية إلى وظيفة متميزة فيما تضمنه من تخطى الطاعن في الترقية, من أن تبقى على ترقية المطعون في ترقيته وتنقله إلى وظيفة تتفق وتأهيله, كما لو ألغيت ترقية مهندس إلى درجة وظيفة قانونية فيجوز الإبقاء على ترقية المهندس مع نقله إلى وظيفة تتفق وتأهيله الهندسي إذا رأت الجهة الإدارية ذلك لعدم زعزعة المراكز القانونية حسبما سلف البيان.


إجراءات الطعن

في 4 من سبتمبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 10 من يوليه سنة 1958 في الدعوى رقم 3556 لسنة 9 القضائية المرفوعة من الدكتور محمود زين الدين ضد وزارة الزراعة القاضي "برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار وزير الزراعة رقم 378 الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1953 بتعيين الدكتور عباس أحمد الاتربي مديراً لقسم تربية الحيوان والدواجن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 14 من أكتوبر سنة 1958 وللمدعى في 9 من أكتوبر سنة 1958 وعين لنظره جلسة 7 من مارس سنة 1959 ثم تداولت القضية بالجلسات إلى أن نظرت أخيراً بجلسة 24 من أكتوبر سنة 1959, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعة من إيضاحات ذوى الشأن ثم أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة الزراعة قيد برقم 267 لسنة 2 القضائية طلب فيه إلغاء قرار وزير الزراعة رقم 378 الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1953 بتعيين الدكتور عباس أحمد الاتربى مديراً لقسم تربية الحيوان والدواجن مؤسساً طلبه على أن الوزارة قد أساءت استعمال سلطتها إذ عينت الدكتور الاتربى دونه لهذه الوظيفة مستنداً في ذلك إلى أقدميته عن المطعون في ترقيته وإلى مؤهلاته العلمية التي ترشحه لهذا المنصب على النحو الذي فصله في تظلمه. وردت الوزارة على التظلم بما محصله أن الوزارة لم تعين المتظلم مديراً بقسم تربية الحيوان والدواجن لأن مؤهلاته إنما هي في الطب البيطري وفى صناعة الألبان بينما عمل هذا القسم هو رفع مستوى إنتاج الحيوان وكذا الدواجن, وأن المطعون في ترقيته وجل موظفي هذا القسم متخصصين في هذا العمل وهو تربية الحيوان والدواجن وليس صناعة الألبان, هذا إلى أن المطعون في ترقيته عين في هذه الوظيفة في 17 من نوفمبر سنة 1953 وكان المتظلم مديراً لقسم المحاجر البيطرية وكلاهما وحدة قائمة بذاتها وبذلك لم تتخط الوزارة المتظلم, يضاف إلى ذلك أنه جرى العرف على تعيين وكيل القسم مديراً له عند خلو هذا المنصب ما لم يحل دون ذلك حائل من الكفاية وحسن السمعة والدكتور الاتربى تتوافر فيه هذه الصفات, كما أن المتظلم لم يطعن في قرار نقله من تربية قسم الحيوان والدواجن إلى المصلحة البيطرية في الموعد القانوني, وقد عين بعد ذلك في مراكز رئيسية حتى صار مديراً لقسم المحاجر البيطرية، وخلصت الوزارة من ذلك إلى طلب رفض التظلم. وقد تبادل المتظلم والوزارة المذكرات ثم أحالت المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بعد ذلك الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالتطبيق لأحكام المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955. وبجلسة 10 من يوليه سنة 1958 حكمت المحكمة "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضائها على أنه "تبين من مطالعة ميزانية وزارة الزراعة للسنة المالية 1953/ 1954 التي صدر خلالها القرار المطعون فيه أن وظائف قسم تربية الحيوان والدواجن ودرجاته المالية قد أدرجت ضمن وظائف المصلحة البيطرية ودرجاتها المالية المقررة لها في الميزانية تحت فرع 6 بند ( أ ) على وجه يقطع بأن هذه الوظائف هذه الوظائف والدرجات المالية تنتظمها جميعاً وحدة إدارية واحدة من حيث ترتيب الأقدمية التي يجرى على أساسها الموازنة عند الترقية"... وأن "الاختيار للترقية يقوم في الكفاية وأن الكفاية طبقاً لقواعد القانون العامة وطبقاً للقواعد التنظيمية إنما تتألف من عناصر متعددة منها الأقدمية ومدة الخدمة والمؤهل الدراسي والإنتاج والمواظبة والشخصية والصلاحية وما إلى ذلك, وأن الاختيار في هذه الحالة يكون بمجموع ما يتوافر للمرشح من هذه العناصر دون مراعاة للأقدمية وحدها أو للمؤهلات العلمية دون سائر عناصر التقدير المشار إليها وأنه لما تقدم قد استقرت أحكام القضاء الإداري على أنه لا يجوز تخطى الأقدم في الترقية ما لم يثبت بصفة قاطعة أن من يليه في الأقدمية ظاهر الكفاية دون منازع". وأن "قرارات الترقية هي قرارات إدارية يجب أن تقوم على أسباب صحيحة تبريرها وتنتجها فإذا ما تضمن القرار أسباباً وأفصحت الإدارة عن هذه الأسباب في مجلس القضاء فإن رقابة المحكمة تمتد إلى بحث تلك الأسباب للتوصل إلى البت فيما إذا كانت صحيحة فيعتبر القرار متفقاً مع القانون أو غير صحيحة فيكون القرار مخالفاً للقانون, أما إذا كان القرار خاليا من الأسباب ولم تفصح الإدارة عنها أو إذا كان القرار قائماً على أسباب عامة أو غامضة أو مجهولة أو صورية ففي هذه الحالة يعتبر القرار صحيحاً إلى أن يثبت أنه مشوب بإساءة استعمال السلطة, وعيب إساءة استعمال السلطة يتعلق بجوهر القرار لا بشكله الظاهري وهو يعنى مخالفة الإدارة لروح التشريع والغاية تبتغيها الشارع بنصوصه..." وأنه "... يبين من الاطلاع على محضر لجنة شئون الموظفين بجلستها المعقودة في 8 من نوفمبر سنة 1953 أنها سجلت فيه ما يأتي: "بمناسبة الترشيح لشغل وظيفة مدير قسم تربية الحيوان والدواجن استعرضت اللجنة حالة كل من السادة الدكتور محمود زين الدين مدير قسم المحاجر البيطرية بالمصلحة البيطرية والدكتور محمد حسن راضى الأخصائي الأول بمتحف فؤاد الأول الزراعي بمصلحة الثقافة الزراعية والدكتور عباس أحمد الاتربى مدير القسم المذكور المنتدب من حيث المؤهلات والإنتاج لاختيار الأصلح منهم لشغل هذه الوظيفة, واستقر رأيها بالإجماع على تعيين الدكتور عباس أحمد الاتربى مديراً لهذا القسم بصفة نهائية نظراً لأنه منذ تعيينه بالقسم قد أبدى نشاطاً ملحوظاً يفوق زميليه وفضلاً عن ذلك فقد أثبت كفاية في تصريف أعمال القسم والنهوض به منذ انتدبه مديراً له", وبعد أن استعرضت المحكمة مؤهلات المطعون في ترقيته والوظائف التي شغلها قالت "أنه يبين مما تقدم أن المطعون ضده يحمل من المؤهلات الدراسية ما يؤهله لشغل وظيفة مدير قسم تربية الحيوان والدواجن لاتصال دراسته العلمية اتصالاً وثيقاً بالنشاط الوظيفي الذي يباشره بالقسم المشار إليه الذي يشرف على شئون الإنتاج الحيواني والدواجن في مصر وأنه تقلب في وظائف هذا القسم منذ عين في 7 من أغسطس سنة 1944 حتى عين وكيلاً له في 25 من فبراير سنة 1950 وفى هذه الأثناء كان يقوم بأعمال المدير عند غيابه, ثم ندب في 11 من ديسمبر سنة 1952 مديراً له وظل مندوباً حتى عين مديراً له بالقرار المطعون فيه, ولا ريب في أن تقلد المطعون ضده وظائف القسم المشار إليها وتدرجه في سلمها الوظيفي قد أكسبه خبرة ومراناً والماماً بأعماله قد لا تتوافر لسواه مما جعل الجهة الإدارية تستند إليه كبرى وظائف هذا القسم وهى درجة (مدير) المدرج لها في الميزانية الدرجة الأولى". وأنه "فضلاً عن ذلك فإن ملف خدمته جاء صفحة ناصعة البياض خلت مما يشوبها وبرئت مما يعيبها, بل على لنقيض من ذلك قد حوي ما يدل على كفاية وامتياز, ومن ذلك أن كليات الزراعة في الجامعات المصرية دأبت على طلبه لتدريس مادة الحيوان لطلبتها أو على نقله إليها بحكم أنه من الملمين بهذه المادة في مصر ولم تستطع الوزارة التفريط فيه لشدة حاجتها إلى خدمته وذلك طبقاً لما هو ثابت في المكتبات الموجودة بملف الخدمة". ثم استعرضت المحكمة بعد ذلك مؤهلات المدعي الدراسية والوظائف التي تقلدها وانتهت من ذلك إلى أن "يستفاد مما تقدم أن دراسة المدعي ومؤهلاته الدراسية وتدرجه وتجاربه تجعله أقل صلاحية من المطعون ضده لتولى الوظيفة المتنازع عليها خصوصاً إذا ما روعي أن اختصاص وظيفة مدير قسم تربية الحيوان والدواجن تشمل الإشراف على صميم الإنتاج الحيواني في مصر وهو قسم يضم فرع الألبان ضمن فروعه المختلفة بل أنه أقلها أهمية وذلك على عكس المطعون ضده الذي تناولت دراسته صميم الإنتاج الحيواني بكافة فروعه المتباينة وهو ما يتفق وطبيعة اختصاصات وأعمال قسم تربية الحيوان والدواجن على الوجه السالف إيضاحه ومن ثم فإن المطعون ضده - ولا جدال - أكثر تأهيلاً وصلاحية لتولى وظيفة مدير القسم المذكور من المدعي, وهذا إلى أنه يستنتج من المقارنة من ملفات الخدمة أن المطعون ضده يمتاز عن المدعي في الكفاية, ومن ثم فلا ودجه لما ذهب إليه المدعي من أن الجهة الإدارية قد أساءت استعمال السلطة حين اختارت المطعون ضده لشغل وظيفة مدير قسم تربية الحيوان والدواجن دونه". ثم استطردت المحكمة تقول "أنه لا حجة فيما ذهب إليه المدعي من أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 6384 لسنة 8 القضائية قد كشف عن أن ترقية المطعون ضده إلى الدرجة الثانية الفنية قد تمت خلافاً للقانون وكان من مقتضى ذلك أن يكون المطعون ضده عند صدور القرار المطعون فيه في الدرجة الثالثة الفنية وليس في الدرجة الثانية وما كان يسوغ ترقيته بالتالي إلى وظيفة مدير قسم تربية الحيوان والدواجن المخصص لها في الميزانية الدرجة الأولى وذلك إعمالاً لحكم المادة 33 من القانون رقم 210 لسنة 1951, لا تجدي المحاجة بذلك طالما كان الثابت من الأوراق أنه ولئن ألغيت ترقية المطعون ضده إلى الدرجة الثانية نفاذاً للحكم الصادر في الدعوى رقم 6384 لسنة 8 القضائية على الوجه الذي استظهره منطوق هذا الحكم, إلا أن الإدارة قد سلكت في ذلك سبيلا أبقت به على هذه الترقية ورقت في الوقت ذاته المحكوم لصالحه إلى الدرجة الثانية ترقية منسحبة إلى التاريخ المحدد في القرار المطعون فيه - محل الدعوى المذكورة - ولا تثريب عليها فيما فعلت إذ أن الحكم الصادر بالإلغاء لا يخل بحق الإدارة في الإبقاء على الترقية المطعون فيها وترقية المحكوم لصالحه في الوقت ذاته على أية درجة تكون شاغرة عند تنفيذ الحكم وإرجاع أقدميته فيها إلى التاريخ المعين في القرار الملغى إذا رأت أن ذلك من المصلحة العامة, وذلك بغية عدم زعزعة المراكز القانونية التي استقرت لذويها, وانتهت المحكمة من ذلك كله إلى أنه "لم يعد بعدئذ ثمة مجال للتشكيك في قيام لجنة شئون الموظفين بواجبها المسند إليها على الوجه المتفق مع القانون وحسن الاختيار عند اقتراحها إصدار القرار المطعون فيه على النحو الثابت في محضرها وأن ما ساقه المدعي تدليلاً على انحيازها إلى المطعون ضده بدافع وإيعاز من الدكتور عبد الرازق صدقي وزير الزراعة وقتذاك لما يحمله في نفسه للمدعى من ضغينة أثر شكاية إياه وتحقيق لجنة التطهير معه من جراء ذلك, مردود بأنه فضلاً عن انعدام دليله فإن الأدلة القائمة ذاتها التي تنهض من الأوراق والملفات فيها الكفاية المنبئة بصحة الاختيار وبمشروعية القرار مما تنتفي معه كل مظنة وتدحض إزاءه كل شبهة, وأنه لما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد صدر متفقاً مع القانون...".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه في 30 من إبريل سنة 1953 أصدر السيد وزير الزراعة قراره بترقية الدكتور عباس الاتربى إلى الدرجة الثانية خصماً على درجة أولى خالية حينذاك فأقام الدكتور سعيد زين الدين الدعوى رقم 6384 لسنة 8 القضائية طالباً إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطى المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية وذلك على أساس أن ترقية الدكتور عباس الاتربى قد وردت مخالفة للقانون متعيناً إلغاؤها, فقضت المحكمة في 26 من يناير سنة 1956 بإلغاء تلك الترقية, ومن مقتضى هذا الإلغاء إقصاء الدكتور الاتربى إقصاء رجعياً عن الدرجة الثانية التي كان قد رقى إليها في ذلك القرار, ومن ثم فإن تعيينه في 17 من نوفمبر سنة 1953 مديراً لقسم تربية الحيوان والدواجن وهى الوظيفة المخصصة لها في الميزانية الدرجة الأولى, يكون مخالفاً لحكم المادة 33 من قانون موظفي الدولة التي تقضي بأن تكون ترقية الموظف إلى الدرجة التالية مباشرة, غير أن جهة الإدارة في سبيل تنفيذ الحكم سالف الذكر أبقت على الترقية المطعون فيها وأرجعت أقدمية المحكوم لصالحه إلى التاريخ المعين في القرار المحكوم بإلغائه. والالتجاء إلى هذا السبيل في تنفيذ حكم الإلغاء ليس سائغاً في كافة الأحوال إذ لا يستساغ أعماله إذا كانت الترقية قد تمت إلى وظيفة متميزة أو خصماً على الدرجة المخصصة لهذه الوظيفة ففي مثل هذه الحالة يجب أن يكون التنفيذ بإلغاء ترقية من قضى بإلغاء ترقيته وترقية المحكوم لصالحه بدلاً منه, وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه حصل على دبلوم الطب البيطري سنة 1933 ثم التحق بجامعة ردنج بانجلترا وحصل منها على بكالوريوس الألبان سنة 1936, كما حصل على شهادتي جمعية فلاحى الألبان البريطانيين في صناعة الجبن والزبد سنة 1935 ودبلومين في مراقبة الألبان وصناعات منتجات الألبان مع الشرف والجائزة الأولى (الميدالية الفضية) سنة 1938 وشهادة بتمضيته سنة في قسم بكتريولوجيا الألبان سنة 1936 ثم حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة في كيميا الألبان سنة 1939, وقد التحق بخدمة الحكومة بعد حضوره من البعثة رئيساً لفرع الألبان بقسم تربية الحيوان والدواجن اعتباراً من 22 من مارس سنة 1939 في الدرجة السادسة بمرتب 17 جنيه شهرياً ثم صدر قرار من مجلس الوزراء في 25 من فبراير سنة 1941 بالموافقة على تسوية حالته بمنحه 500 مليم و22 جنيه شهرياً في الدرجة الخامسة بصفة شخصية خصماً على الدرجة السادسة من تاريخ عودته من البعثة على ألا يصرف إليه فرق عن الماضي ثم وافق مجلس الوزراء في 12 من يناير سنة 1942 على منحة الدرجة الخامسة من تاريخ حصوله على البكالوريوس أي من أول أغسطس سنة 1936 ثم أعيدت تسوية حالته فاعتبر في الدرجة الخامسة بمرتب 20 جنيه من أول يوليه سنة 1935 ثم بمرتب 500 مليم و22 جنيه من 22 مارس سنة 1939 (تاريخ التحاقه بالوزارة) ثم 500 مليم و24 جنيه من أول مايو سنة 1940 ثم رقي إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أول يونيه سنة 1944 وفى 27 من مايو سنة 1945 صدر القرار رقم 151 بتعيين المدعي وكيلاً لقسم تربية الحيوان والدواجن وفى 2 من مايو سنة 1946 صدر القرار رقم 2 بتعيين الدكتور محمد حسن راضي وكيلاً لقسم تربية الحيوان والدواجن على أن يختص بشئون الدواجن ويختص الدكتور محمود زين بشئون الحيوان, ثم رقي المدعي بعد ذلك إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من 26 من أغسطس سنة 1947, وبالقرار رقم 829 الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1949 نقل المدعي إلى قسم المعامل البيطرية, ونقل الدكتور راضي بقسم الحيوان بمتحف فؤاد الأول الزراعي, وقد ندب المدعي بعد ذلك مفتشاً عاماً للمراقبة العامة للتغذية بوزارة المعارف اعتباراً من 11 من يناير سنة 1950 واعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 رقي إلى الدرجة الثانية وكان يشغل وقتذاك وظيفة رئيس أبحاث بقسم المعامل البيطرية ومنتدباً بوزارة المعارف, وفى 20 من سبتمبر سنة 1950 نقل إلى وظيفة مفتش أول وجه قبلي ومحاجر الشلال ودراو مع استمرار ندبه لوزارة المعارف ثم ألغى ندبه لوزارة المعارف اعتباراً من 27 من سبتمبر سنة 1950، واعتباراً من أول أكتوبر سنة 1951 نقل مديراً لقسم المحاجر البيطرية, وبمناسبة ندب الدكتور عباس الاتربى وكيل قسم تربية الحيوان والدواجن مديراً له في ديسمبر سنة 1952 قدم المدعي طلباً إلى الوزارة بأحقيته لهذه الوظيفة ثم أعد مذكرة بناء على طلب السيد وكيل الوزارة مؤرخه في 5 من أغسطس سنة 1953 ضمنها بياناً وافياً بحالته ومؤهلاته وأعماله وأبحاثه ومشروعاته مؤيدة بالمستندات فتأشر عليها بالحفظ. كما يبين من الاطلاع على ملف خدمة الدكتور عباس الاتربى المطعون في ترقيته أنه حصل على دبلوم كلية الزراعة سنة 1936 والتحق بخدمة وزارة الزراعة اعتباراً من أول فبراير سنة 1937 بوظيفة معاون بقسم الحشرات في الدرجة السابعة بمرتب عشرة جنيهات شهرياً ثم أوفد في بعثه إلى انجلترا في أكتوبر سنة 1938 فحصل في يونيه سنة 1940 على بكالوريوس العلوم في الزراعة ثم رفعت درجته السابعة هو وآخرون إلى الدرجة السادسة من 30 من نوفمبر 1942 واعتباراً من 7 من أغسطس سنة 1944 نقل إلى قسم تربية الحيوان والدواجن وفى مايو سنة 1942 حصل على دبلوم الدراسات العليا في فسيولوجيا الحيوان من جامعة كمبردج ثم على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة أدنبره في يونيه 1945, وبموجب قرار من مجلس الوزراء في 5 من مايو سنة 1946 أعتبر المطعون في ترقيته في الدرجة الخامسة من 28 من يونيه سنة 1940 ولما عاد من البعثة الحق بقسم تربية الحيوان والدواجن بوظيفة أخصائي ثان ثم رقى إلى الدرجة الرابعة تنسيقاً اعتباراً من أول مايو سنة 1946, وفى 25 من فبراير سنة 1950 عين وكيلاً لقسم تربية الحيوان والدواجن وندب للقيام بأعمال مدير القسم لحين عودة الأخير من مؤتمر تربية الحيوان بالهند, وقد رقى إلى الدرجة الثالثة اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1950 وبموجب الأمر رقم 616 في 11 من ديسمبر سنة 1952 ندب الدكتور الاتربى مديراً لقسم تربية الحيوان والدواجن بدرجته وماهيته واعتباراً من 30 من إبريل سنة 1953 رقى إلى الدرجة الثانية (مقابل خلو درجة أولى فنية عالية) وفى 17 من نوفمبر سنة 1953 صدر الأمر رقم 378 بتعيينه مديراً للقسم بصفة نهائية بدرجته وماهيته.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ميزانية الدولة للسنتين الماليتين 1952/ 1953 و1953/ 1954 أنه ورد بهما تحت فرع رقم 6 المصلحة البيطرية وهى تنتظم المصلحة البيطرية وقسم وقاية الحيوانات وقسم المعامل وقسم تربية الحيوان والدواجن ومن بين وظائف مصلحة درجات مدير وأقسام ووكلاء في الدرجة الثانية ويشغل المدعي بوصفه مديراً لقسم المحاجر البيطرية إحدى هذه الدرجات, ويشتمل قسم تربية الحيوان والدواجن على درجة أولى لمدير القسم ودرجة ثالثة لوكيل القسم.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف القضية رقم 6384 لسنة 8 القضائية أنه في 23 من يونيه سنة 1953 قدم السيد/ الدكتور سعيد زين الدين تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة الزراعة قيد برقم 2447 لسنة 1 القضائية طالباً إلغاء الأمر رقم 1072 الصادر في 30 من إبريل سنة 1953 بترقية الدكتور عباس أحمد الاتربى وكيل قسم تربية الحيوان والدواجن والمنتدب مديراً له إلى الدرجة الثانية لأن المتظلم يستحق الدرجة الثالثة في 29 أغسطس سنة 1950 ومن ثم فهو أقدم من الدكتور الاتربى. وبجلسة 19 من أكتوبر سنة 1953 قضت اللجنة برفض التظلم فطعن المتظلم في قرار اللجنة القضائية بصحيفة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 10 من إبريل 1954 وبجلسة 26 من يناير سنة 1956 حكمت المحكمة "بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وبإلغاء قرار الزراعة الصادر في 30 من إبريل سنة 1953 فيما تضمنه من تخطى المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية مع ما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة بالمصروفات". واستندت المحكمة في ذلك إلى أنه صدر من محكمة القضاء الإداري حكم بجلسة 24 من مارس سنة 1955 باعتبار ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة راجعة إلى أول مايو سنة 1946 واعتبار ترقيته إلى الدرجة الثالثة راجعة إلى أول سبتمبر سنة 1950، وقد صدر أمر الوزارة رقم 836 في 23 من إبريل سنة 1955 متضمناً تنفيذ الحكم المشار إليه وأنه يبين من مطالعة أوراق ملف خدمة الدكتور الاتربي أنه يتحد مع المدعي في الحصول على الدرجتين الرابعة والثالثة ولكن ترجع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى 28 من يونيه سنة 1940 أي بعد حصول المدعي على هذه الدرجة ومن ثم يكون المدعي أسبق في أقدمية الدرجة الثالثة من الدكتور عباس الاتربي.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما قام عليه طعن هيئة مفوضي الدولة من أن مقتضى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 26 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 6384 لسنة 8 القضائية المرفوعة من الدكتور سعيد زين الدين ضد وزارة الأوقاف والقاضي "... بإلغاء قرار وزير الزراعة الصادر في 30 من إبريل سنة 1953 فيما تضمنه من تخطى المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية..." أقصاء الدكتور عباس الاتربى - المطعون في ترقيته - أقصاء رجعياً من الدرجة الثانية التي كان قد رقي إليها وإرجاعه إلى الدرجة الثالثة, فإنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن أثر حكم الإلغاء هو إعدام القرار الملغى في الخصوص الذي حدده الحكم بحسب ما إذا كان الإلغاء شاملاً أو جزئياً, وليس من أثر الحكم أن يعتبر من صدر لصالحه الحكم مرقى بذات الحكم وإلا كان بمثابة حلول المحكمة محل الإدارة فيما هو من اختصاصها بل لا بد من صدور قرار إداري جديد ينشئ المراكز القانونية في هذا الشأن على مقتضى ما حكمت به المحكمة, على أن هذا لا يخل بحق الإدارة في الإبقاء على الترقية المطعون فيها وترقية المحكوم لصالحه على أية درجة تكون خالية عند تنفيذ الحكم وإرجاع أقدميته فيها إلى التاريخ المعين في الحركة الملغاة إذ رأت من المصلحة العامة ذلك لعدم زعزعت مراكز قانونية استقرت لذويها, فإذا كانت الوزارة - وهى بصدد تنفيذ الحكم الصادر في القضية رقم 6384 لسنة 8 القضائية المشار إليها - قد رأت الإبقاء على ترقية الدكتور الاتربي المطعون في ترقيته - خصوصاً وكان قد رقى إلى الدرجة الأولى خلال نظر الدعوى - وتنفيذ الحكم بترقية الدكتور سعيد زين الدين إلى أية درجة ثانية خالية مع إرجاع أقدميته فيها إلى التاريخ المعين لذلك في الحركة الملغاة وذلك منعاً لزعزعة المراكز القانونية التي استقرت لذويها, فلا تثريب عليها في ذلك, هذا ولا وجه لما تذهب إليه هيئة مفوضي الدولة في طعنها من أنه إذا جاز للإدارة سلوك هذا المسلك في الترقيات العادية فإنه لا يستساغ ذلك إلا إذا كانت الترقية قد تمت إلى وظيفة متميزة أو خصما على الدرجة المخصصة لهذه الوظيفة، ويتعين أن يكون التنفيذ بإلغاء ترقية من قضى بإلغاء ترقيته وترقية المحكوم لصالحه بدلاً منه, لا وجه لذلك إذ أنه فضلاً عن أن الدرجة المتنازع عليها لا تتصل بوظيفة متميزة إذ أن كلا المتنازعين يصلح بحسب تأهيله الخاص لتولى هذه الوظيفة, فإن الحكم لا يتغير إذا كان الأمر يتصل بوظيفة متميزة إذ ليس ثمة ما يمنع الجهة الإدارية, إذا ما حكم بإلغاء قرار ترقية إلى وظيفة متميزة فيما تضمنه من تخطى الطاعن في الترقية, من أن تبقى على ترقية المطعون في ترقيته وتنقله إلى وظيفة تتفق وتأهيله, كما لو ألغيت ترقية مهندس إلى درجة وظيفة قانونية فيجوز الإبقاء على ترقية المهندس مع نقله إلى وظيفة تتفق وتأهيله الهندسي إذا رأت الجهة الإدارية ذلك لعدم زعزعة المراكز القانونية حسبما سلف البيان.
ومن حيث إنه فيما يتعلق في موضوع الطعن فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به للأسباب التي أقام عليها قضاءه والتي تتخذها هذه المحكمة أسباباً لها.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون ويتعين من أجل ذلك رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.